أن يعلن صبي، لم يبلغ الـ15 بعد، تفضيله الإنتماء الى منظمات سياسية مسلحة على التعليم، ليس بالأمر العابر. يصعب أن تفارق صورة الفتى الفلسطيني في ورشة ميكانيك السيارات الذاكرة، وهو يلعن العلم و المدارس التي تحرمه التدخين، ويبجل المنظمة التي يتقاضى منها الأموال. بالنسبة اليه، المنظمة تدفع الاموال أكثر من أي مهنة قد يتاح له إمتهانها لاحقاً. هكذا هو حال والده وهكذا يريد أن يكون.
الأطفال الفلسطينيون، وفقاً لدراسة "الأطفال المعرضون للخطر في مخيمات اللجوء الفلسطينية في لبنان – 2015"، هم ضحايا "اللإستقرار واللأمن الناتج عن أسباب سياسية تاريخية، إقتصادية وإجتماعية بعضها قائم منذ النكبة عام 1948… وأسباب أخرى مرتبطة بتمتعهم بالحقوق المدنية والإجتماعية في لبنان، بالإضافة الى الإنقسامات السياسية بين الفصائل وما ينتج عنها من نزاعات". تعرض الدراسة التي تعاونت على إنجازها كل من منظمة ناشط (NASHIT) و نداء جنيف (GENEVA CALL) أوضاع عينة من الأطفال الفلسطينين (دون الـ18) في سبع مخيمات فلسطينية على إمتداد الأراضي اللبنانية (عين الحلوة، مية ومية، برج الشمالي، الراشدية، شاتيلا، برج البراجنة والبداوي).
وتعرض الدراسة في الجزء الأول منها نتائج "إستبيان معلومات شخصية". الإستبيان مبني على أسئلة محددة بوضوح، تتعلق بالنوع الإجتماعي (gender)، العمر، المخيم محل إقامته، مستوى التعليم، عدد أفراد العائلة، عمل الوالد والحالة الإقتصادية للعائلة. وقد شارك في هذا الإستبيان "310 طفل من كل المخيمات". ويتراوح أعمار الأطفال المشاركين بين الـ15 (26%) والـ 17( 38%). تظهر الدراسة فارق كبير بين عدد المشاركات الإناث (8%) مقابل 92% من المشاركين ذكور. توزيع المشاركين بين ذكور وإناث لا ينعكس في نتائج الإستبيان لناحية التعليم. بمعنى آخر لا تظهر الدراسة تأثير النوع الإجتماعي على المرحلة العلمية التي يصل اليها الطفل. هكذا فإن 2% من مجمل الأطفال أميين لا يعرفون القراءة والكتابة. وفقط 7% وصلوا الى مرحلة الباكالوريا. و2% فقط من الأطفال إختاروا التعليم المهني ويكملون فيه.
تعكس هذه الأرقام تسرباً مدرسياً عالياً على مستوى الأطفال الفلسطينيين في المخيمات. أما تحليل نسبة مشاركة الفتيات المنخفضة، ربطاً بتراجع نسب التعليم بشكل عام، إنما هو مؤشر أولي على إستبعاد الفتيات من المشاركة في الحياة العامة، الأمر الذي قد يترجم أيضاً حرماناً من حقها في التعليم. لا تعالج الدراسة هذه المسألة، إنما تبقى رهناً لإستنتاج ممكن. وفي حين أن 47% من الأطفال المشاركين يكملون دراستهم حتى تاريخ الدراسة، فإن 4% منهم خارج المدرسة بسبب عدم قيام أهلهم بتسجيلهم في المدارس. لا تظهر الدراسة أسباب إمتناع الأهل عن تسجيل أبنائهم في المدارس الا أنها توضح أن 30%من الأطفال لم يكملوا دراستهم بسبب الأوضاع الإقتصادية.على خط مواز يظهر أن أفضل وصف إقتصادي يقدمه الاطفال حول أوضاع أهلهم الإقتصادية هو "حالة متوسطة". ويعتبر 59% من الأطفال أن واقعهم الإقتصادي وسطي، فيما يعتبر 35% انها سيئة، و1% يجدها جيدة. بالمقابل لا أحد يصف وضعه الإقتصادي بالممتاز. ومن أسباب التسرب الدراسي أيضاً غياب الحافز (22%)، العمل (17%)، الحرب وأسباب أمنية (11%). واخيراً، يجد 69% من الأطفال أنهم لا يتمتعون بأية مهارة، مقابل 31% يعتبرون أنهم من أصحاب المهارات. تظهر الدراسة الوضع العائلي للأطفال، لناحية عدد أفراد أسرهم وعمل الأب. ليتبين أن الغالبية العظمى من العائلات تتألف من ستة أشخاص. 26% من الآباء في هذه العائلات هم إما عسكريين (فصائل مسلحة) وإما عاطلين عن العمل.
ينعكس وجود الأطفال في هذه البيئة، وتسربهم من الدراسة بشكل مباشر على تفاعلهم مع محيطهم ومشاكله. ويتضح هذا الأمر في "مجموعات نقاش"، وهي 39 مجموعة يصل عدد الاطفال في كل منها الى 12 كحد أقصى. يقوم داخل المجموعات نقاش حر حول العنف، أسبابه واشكاله داخل المخيمات.
ويعرف 32% من الأطفال العنف على أنه "القتل والمعارك"، في حين ان نسبة أعلى وهي 42% تطابق بين العنف و"الضرب". 17% من الأطفال يعرفون العنف على أنه فعل "لفظي أو روحي" أي معنوي. ويذهب بعض الأطفال الى وضع "عدم إحترام رأي الآخر" في خانة تعريف العنف، بالمقابل يحصره آخرون بـ"إضطهاد المرأة والإعتداء عليها".
نصف الأطفال المشاركين يستخدمون العنف لحل مشاكلهم، بالمقابل يمتنع عن هذه الوسيلة النصف الآخر. من بين الذين يستخدمون العنف هناك 61% يعتبرون أن العنف ليس خيارهم الأول مقابل 38% يقولون العكس. أما الـ1% المتبقين يتبنون العنف كخيار أول "في بعض الأحيان". ينقسم الأطفال أيضاً نصفين تقريباً بالنسبة لإستخدام الأدوات الحادة للعنف. فيعلن 47 % عن إستخدامهم لمثل هذه الأدوات، أغلبهم يستخدم العصي أو "كف الحديد". أما عن الأسلحة فإن 18% من المشاركين يعتبرونها أدوات للدفاع عن النفس. بالمقابل ينقسم 30% نصفين بين من يعتبرها "خطأ" ومن يجدها "سبباً لموتنا". 9% يعتبرون أن إستخدام السلاح يستدعي التنظيم، والنسبة الأعلى وهي 43% تعتبره أداة لمواجهة الأعداء. والحال أن 48% من الأطفال يعرفون كيفية إستخدام الأسلحة. من بينهم 22% تعلموا ذلك داخل عائلاتهم و14 % من خلال منظمات مسلحة. 7% من هؤلاء تعلموا إستخدام السلاح منذ الطفولة. فقط 10% من عائلات الأطفال يعترضون على إستخدام أبنائهم للسلاح، مقابل 32% لا مشكلة لديهم في ذلك.
في واقع الحال لا ينفصل استخدام الأطفال للأسلحة عن إنخراطهم بالمنظمات المسلحة داخل المخيمات. ومن بين جميع الأطفال المشاركين، 21% منخرطين في هذه المنظمات. ويرد هؤلاء أسباب إنخراطهم هذا بشكل أساسي لسببين، الدفاع الوطني (60%) وأسباب مادية (26%). بالإتجاه المعاكس، يظهر أن 57 % من الأطفال ينخرطون في منظمات مأجورة مقابل 43% في منظمات غير مأجورة. في الإطار نفسه يعتبر 88% من الأطفال أن حالتهم الإقتصادية تقف خلف إهتمامهم بالسلاح. و80% يعتبرون أنها الحالة العامة.
كل هذه الخيارات ذات الطابع العنفي، تصبح صادمة بدرجة أقل، بعد أن يتضح أن 80% من الأطفال إختبروا أو سمعوا عن حالة عنف واقعية في المجتمع الذي يعيشون فيه. يضاف الى ذلك كون 25% من الأطفال لا يعون أن الأشخاص دون الـ18 من العمر هم أطفال. بالتالي هم لا يعون أنهم أطفال، ولا يعون ما يستحقون بصفتهم هذه. وهم بعدم وعيهم هذا يتعاملون مع هذه الممارسات على أنها جزء من المسؤوليات التي يفترض بهم تحملها. هؤلاء، بنسبة 83% منهم لم يشاركوا بأية ورشة عمل خاصة بحماية المدنيين، مع ما تستتبعه هذه الورش من نقاش لتجنيد الأطفال. كذلك الأمر، يبرر خوف 60% من الأطفال من الحالة الأمنية في مخيمهم، اهتمامهم بالسلاح.
بناءً على ما تقدم، يصح القول أن إنخراط الأطفال في المجموعات المسلحة داخل المخيمات، إنما هو جزء لا يتجزأ من الحالة الأمنية القائمة داخلها. مع ما يترتب عليها من شعور الأطفال بالحاجة للدفاع عن النفس من خلال إعتبار التسلح أولوية، تسبق التعليم وتحصيل حقوقهم الأساسية. والحال أن تعزيز أمن المخيمات، من وجهة نظر الأطفال، يحتاج لمجموعة من الإجراءات أبرزها "تنظيم السلاح، ضمان حق العودة، ومنع الإشتباكات الداخلية". ويسجل أن النسبة الأقل بين الأطفال (30%) إعتبرت أن تحسين النظام التعليمي ينعكس على الواقع الأمني داخل المخيمات.
للأطفال في المخيمات تمنياتهم الكثيرة، والأجدى أن تسمى مطالب يفترض العمل على تحقيقها في إطار تأمين الحد الادنى من حقوق الطفل والحماية له. "نتمنى أن تحسن الأونروا مستوى التعليم" و "نريد أن نعيش بكرامة… أن ننتقل بحرية وأن نعمل". لائحة مطالب الأطفال التي تعرضها الدراسة طويلة. الأكثر تكراراً بينها مطلب "الأمن والأمان"، " العمل، القدرة على العمل في كل المجالات، القدرة على إيجاد فرص عمل بعد التخرج وأن تسمح الدولة للفلسطينيين بالعمل". يطالب الأطفال أن يتمكنوا من "السفر والهجرة"، وأن يتمتعوا بـ"حقوقهم المدنية والحق بالملكية". يطالب الأطفال أيضاً المسؤولين أن يحموا المخيمات وأن يتمكنوا من الذهال الى "مدارس وملاعب عامة وآمنة".