“انا بعرف إنه حرامي بيسرق بنك بس بنك بيسرق الناس، هيدي بعد ما صارت”، منذ ثلاث سنوات وأصحاب الودائع يعانون ما يعانوه من السياسات المصرفية التي نهبت أموالهم ومدخراتهم وجنى أعمارهم، وآخرها محاولة تمرير مشروع قانون الكابيتال كونترول في جلسة اللجان المشتركة أمس الثلاثاء 30 أب 2022. وكانت عُقدت أخر جلسة للبحث في المشروع في منتصف نيسان الماضي وتم تطييرها بسبب عدم رغبة أي من الكتل الخوض في مسألة قد تضرهم في الإنتخابات. بعدها نام المشروع إلى حين قرّر نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بدء اجتماعات تشاورية بهدف الوصول إلى مجموعة من التعديلات التي تعرض على اللجان المشتركة. وكان المرصد البرلماني في المفكرة قد اعتبر ان مشروع ابو صعب يتضمن انحيازا لصالح المصارف على حساب حقوق المودعين.
وتزامنا مع جلسة اللجان المشتركة أمس ، ورفضاً لتمرير مشروع القانون نظمت جمعية المودعين اللبنانيبن ، ورابطة المودعين، وصرخة رابطة المودعين وقفة احتجاجية بمشاركة ناشطين ونقابات ومجموعات تغييرية وأحزاب… تطورت إلى محاولات اقتحام مصرفي لبنان والمهجر وعودة في محيط مجلس النواب في وسط بيروت.
“هيدا القانون رح يشرع سرقة مصرياتنا ويحمي المصارف، نحن بدنا مصرياتنا لو عالموت”، عبارة رددها معظم أصحاب الودائع الذين شاركوا في تظاهرة الأمس مع الجمعيات الداعية و”حركة مواطنون ومواطنات في دولة”، إضافة إلى تجمع “وين المصارف”، والحزب الشيوعي اللبناني.
“مشروع لسرقة أموالنا لن يمر”
وكانت رابطة المودعين قد اعتبرت في بيان ألقته المحامية دينا أبو زور، أن المجلس النيابي “الذي تقاعد سنوات عن مواكبة الأزمات المتلاحقة، يعود اليوم وبجعبته مشروع قانون كارثي يحطم ما تبقى من آمال المودعين، وذلك بمباركة ورعاية كتل السلطة النيابية ومعها الطبقة السياسية التي فسدت وأفسدت واستفادت من الفساد”.
واعتبرت أبو زور “أن هناك مؤامرة عنوانها قوننة السرقات”، واضافت أن بعض النواب والكتل يفعلون عكس ما يقولون: “قالوا أنهم حريصون على أموال المودعين، وها هم يعملون لتمرير قانون يقضي على أموال هؤلاء ويبخرها”، وقالوا أن أموال المودعين ستعود، لكنهم يريدون عبر مشروع القانون تمرير بنود تعلق الدعاوى القضائية وتمنع أصحاب الحقوق من اللجوء إلى القضاء، وقالوا أن أموال المودعين ستعود تدريجيا، وإذ ينص المشروع المنوي تمريره على تمييز واضح بين دولار قديم ودولار جديد”.
واعتبرت أبو زور أن هؤلاء النواب وبعدما وعدوا الناس بالإصلاح، هم يحاولون تمرير قانون ينص على تشكيل “لجنة” صلاحياتها مفتوحة وأعضائها مشبوهين، و”فيما الأداء سيكون حتما سلطويا محاصصاتي”. وصنفت مشروع القانون “بأنه مجموعة مشاريع كوارثية لواقع كارثي كانوا هم السبب فيه، ويأملون كما اعتادوا على إبقاء الكوارث معلقة لأجل غير مسمى”.
ووصفت أبو زور هؤلاء النواب بأنهم “منظومة سافلة اعتادت على وضع الناس بمواجهة بعضها البعض، ولم تكلف نفسها يوما عناء البحث عن حل جذري”. ودعت المجلس النيابي والنواب الشرفاء المخلصين للمواطنين، إلى التصويت ضده والحرص على إسقاطه، مشددةً على أن المشروع المقترح “من شأنه أن يمنح سلطة الفساد، عفوا عاما شاملا، وسيُصنَف هذا العمل على أنه أجشع وأحقر جريمة ترتكب بحق مجتمع بكامله في تاريخ البشرية”.
بدوره أكّد حسن مغنية، رئيس جمعية المودعين، أن هذا المشروع “لن يمر” ، متسائلاً كيف أصبح “الكابيتال كونترول” هو منقذ الإقتصاد بعدما كان في بداية الثورة مدمراً له؟. وأشار إلى أنه “مع بداية الأزمة طالبنا بالكابيتال كونترول للمحافظة على الكتلة النقدية في البلاد، روحتوا المصاري على الدعم والهدر والتدعيم، اليوم بعد ما أمنوا على أموالهم في الخارج بدهم يدبحوا المودعين بما تبقى لهم من أموال”.
حذار من غضب المودعين
عند الساعة التاسعة صباحاً، بدأ عشرات المتظاهرين بالتجمع، نساء ورجال من الأعمار كافة نزلوا غير آبهين بتعبهم وآلامهم وأمراضهم، لا يعتريهم سوا الغضب والسخط ممن “سرق جنى أعمارهم”: ” لو بدنا نموت بدنا مصرياتنا”، كما يقول عاطف، أحد المودعين. شبان وشابات حضروا أيضاً نصرةً لحقوق اهلهم وأبناء بلدهم، هتفوا ضد “الفاسدين” ورفعوا شعاراتٍ تطالب المصارف بتحمل مسؤولياتها، ” هيدا المصرف أصل ديونك ، يا مواطن وين صندوقك”، “من جيبة يلي استفاد راح نرجّع هالبلاد”.
في فيء شجرة وارفة، تتكأ سعاد (80 عاماً) وفي يدها لافتة كتب عليه”نحن حزب المودعين”. تقول لـ”المفكرة” أن أموالها وأموال زوجها “سرقهم” المصرف: “اشتغلنا طول عمرنا كرمال لما نكبر نعيش معززين ومكرمين، اليوم جوعتنا وذلتنا سياساتهم الخاطئة”. أما وداد (60 عاماً) فتقول أنها قضت 40 عاما في الغربة لتدخر الأموال في المصرف لتعليم أولادها: “أنا حطيت مصرياتي بالبنك دولار دولار، كنا نحرم حالنا ونقول هول لجامعات أولادنا، اليوم اولادي ما قادرة فوتهم ع جامعة منيحة ولا قادرة سفرهم”. ترفض وداد سحب فتات مدخراتها عبر تعاميم مصرف لبنان، ولذا تفضل الحفاظ عليهم مبلغا متكاملاً بدلاً من الذل “بدهم يشحذونا مصرياتنا ساعة 400 دولار وساعة عاللبناني، هيدا حقنا وبدنا إياه مثل ما نحن بدنا”.
وسط الجموع يظهر المودع بسام الشيخ حسين(الذي اقتحم مصرف فيدرال بنك قبل نحو 20 يوما) غاضباً. يقول ل “المفكرة” أن مشروع القانون الحالي يشرّع سرقة الودائع، وأن المتظاهرين سيواجهونه بالدم، “نحن ما رح نسكت”، معتبراً أن كل ما يريدون تشريعه لا تعنينا نحن وفئة كبيرة من المودعين، “يشرعوا شو ما بدهم نحن خصنا بأموالنا، بدي حقي ورح إرجع اخذوا غصباً عنهم”. ويدعو حسين الجميع إلى اقتحام المصارف، واعداً انه سيعيد الكرة لإستعادة ما تبقى من وديعته.
جهات عدة رافضة للاقتراح
بدوره أفاد كاسترو عبدالله ،رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، لـ”المفكرة”، أن هذا القانون هو سرقة موصوفة، والمطلوب مواجهة السلطة والعمل على استعادة الاموال المنهوبة والمهرّبَة إلى الخارج ومحاسبة ناهبي المال العام، لافتاً إلى وجود مئات العمال المتضررين الذين ما زالت أموال تعويضات نهاية الخدمة العائدة لهم عالقة في المصارف، “اليوم العمال عاجزين عن إدخال أولادهم إلى المستشفيات لأن أموال الضمان والمضمونين فقدت قيمتهم”.
وصرّح النائب ابراهيم منيمنة ل المفكرة قبل دخوله إلى جلسة اللجان المشتركة قائلاً: “إن هذا المشروع هو مشروع فخ، وأن نواب تكتل التغيير يرفضونه بالمطلق، مسجلاً عدداً من الملاحظات على الهيئة التي تشكلت والتي يرأسها حاكم مصرف لبنان، وعلى السحوبات غير المعروفة، وموضوع المفعول الرجعي، وتعدد أسعار الصرف وغيرها”.
عمر صبرا من حملة “وين صندوقك”، أوضح لـ”المفكرة” أن الحملة إنطلقت من نقابات المهن الحرة الذين يعانون مثلهم مثل المواطنين غير المنتظمين في نقابات مهنية، تمت سرقة مدخراتهم المتراكمة من عقود، ومعها تلك المخصصة لتأمين التغطيات الصحية والرواتب التقاعدية”، داعياً إلى ضرورة توزيع الخسائر بين من استفاد من المرحلة السابقة، وحماية المتضريين، معتبراً أن الاقتراح يجسد تلاقي زعماء الطوائف مع أصحاب المصارف.
محاولات بائسة لاقتحام مصرفين
غضب أصحاب المودعين والناشطين تفجّر على أبواب مصرفي عودة ولبنان والمهجر، اللذين تمكن موظفوهما في اللحظة الأخيرة من إقفال الجرارات الحديدية قبل وصول المتظاهرين، فلم يبق أمامهم سوى الضرب والركل، ايادٍ حفر فيها تعب العمر تطرق على الأبواب، ومع كل طرقة يتمتم أحد المودعين “الله ينتقم منكم”، “دمرتونا”، يضرب غير آبه بوجع يده التي بات لونها أزرقاً من قوة الضربات المتلاحقة على الحديد الصلب. إحدى السيدات تحفر بالحجر على الأبواب المقفلة، فيما تمكن ناشط من رشق عبوات المياه الغازية الممتلئة وإلحاق أضرار بزجاج بنك عودة.
اما سعاد (80 عاماً) فتسابق الجميع نحو مداخل المصارف، تقترب من العناصر العسكرية تخاطبهم، “ما بقى تفرق معنا شي عم نشحد حق الدوا، لو بدي موت هلق هيدا شرف إلي”.
وأمس، انتهت جلسة اللجان المشتركة بخصوص بحث مشروع قانون الكابيتال كونترول باتخاذ قرار بتأجيل نقاشه ريثما تقدم الحكومة خطتها المعدّلة ومشروعها لهيكلة المصارف.