اتهمت نقابة القضاة التونسيين الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي باستعمال الحركة القضائية لسنة 2014-2015 لتحقيق امتيازات للقضاة الذين ينشطون في جمعية القضاة التونسيين مقابل استهداف القضاة الذين ينشطون في نقابة القضاة. وذكرت النقابة أن الحركة القضائية شملت عددا من نوابها بالمحاكم بالنقلة من مراكز عملهم دون اعتبار لصفتهم النقابية، بما يعد اعتداء على ممارسة الحق النقابي. كما عدت نقلة القضاة عموما من مقرات عملهم دون تحري رغبتهم في ذلك اعتداء على مبدأ عدم نقلة القاضي بدون رضاه. كما رأت النقابة أن "عدم نشر مداولات الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي يتعارض مع ما يقتضيه القانون الاساسي المحدث للهيئة من كون سرية اعمال الهيئة تنحصر في قرارات رفع الحصانة والتأديب".
وتولت الناطقة الرسمية باسم الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي الرد على تصريحات ناشطي نقابة القضاة وبلاغاتها بتصريح صحفي لجريدة الشروق التونسية اعتبرت صلبه "أن التعاطي مع الحركة القضائية كموضوع للإثارة ولفت الانتباه أمر خطير. وأضافت ان اعمال الهيئة خاضعة لمبدأ الشفافية من خلال الاعلان المسبق عن المعايير المتعلقة بالنقلة والترقية والتمتع بالخطط الوظيفية والشغورات التي تبقى خاضعة لرقابة الراي العام، فضلا عن الرقابة القضائية. وبخصوص المداولات فقد افادت الناطقة الرسمية انها مضمنة بمحاضر رسمية لجلسات باستثناء ما تعلق منها بالمعطيات الشخصيات للسادة القضاة وهي موضوع تقرير يوجه الى الرئاسات الثلاثة دون سواهم". وأكدت في ذات الاطار الناطقة الرسمية باسم الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي ان "الهيئة" ينظمها قانون اساسي وبالتالي فان المطالبة بحضور جلساتها يعد «بدعة» اذ لم نشهد اجتماعات لهيئات يحضرها غير أعضائها. كما أكدت على أنه خلافا لما جاء في بيان نقابة القضاة، تولّت الهيئة إعلام هؤلاء بالشغورات الحاصلة بالمحاكم مشيرةً الى أن الهيئة تحملت مسؤولياتها إذ تمت ترقية ونقلة عدد من القضاة ممن لم يسبق لهم التنقل بعيدا عن مقرات سكناهم. وانتهت الى التأكيد على ان الهيئة وضعت معايير موضوعية تساوى امامها جميع القضاة وليس مطروحا بالمرة المس من حرية العمل النقابي، كما يروج لذلك. وانتهت الى القول بأن الهيئة حريصة اكثر من غيرها على مصالح القضاة ومؤتمنة على احترام المبادئ الاساسية لاستقلال السلطة القضائية وليست في حاجة لاي ضغط يسلط عليها من اي جهة اذ انها واعية باهمية دورها وتتحمل مسؤولياتها في كل قرارتها.
يبدو السجال الاعلامي بين نقابة القضاة والهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي في ظاهره استمرارا للعلاقة السلبية التي تجمعهما والتي تجد جذورها في رفض النقابة المشاركة في انتخابات اختيار الاعضاء المنتخبين بالهيئة بدعوى عدم استجابة قانونها لتطلعاتها. غير ان هذا الصراع في تطوره كشف عن مؤشرات هامة منها ما يتعلق بدور الالتجاء للرأي العام في ارساء ثقافة المحاسبة وضوابط ذلك من جهة ومنها ما يتعلق برصد الضعف المؤسساتي للهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي والحاجة للاستفادة من التقييم في بناء مؤسسة المجلس الاعلى للقضاء.
1) الاعلام حلبة للصراع: دور الرأي العام في الرقابة على مؤسسات القضاء والحاجة الى ارساء ضوابط للخطاب
تمكنت تقييمات الحركة القضائية التي قدمتها الهياكل المهنية الممثلة للقضاة ومرصد استقلال القضاء من الخروج من بوتقة اهتمام القضاة بوصفهم المعنيين المباشرين للتحول الى موضوع اهتمام اعلامي. فكان أن تحقّق اهتمام أكبر بالشأن القضائي كان مناسبة لتعميق الوعي الجمعي بأهمية مبادئ استقلال القضاء في بناء السلطة القضائية، وان شابت بعض هذه التقييمات ظاهرة التهجم على أعضاء هيئة الاشراف على القضاء العدلي، ولا سيما أن بعض المواقع الاعلامية تعمدت التعرض لاعضاء الهيئة اسميا واتهمتهم بنقلة زملائهم تعسفيا لخلافات شخصية معهم.
ويتبين مما سلف انه وخلافا لما ذهبت له الناطقة الرسمية باسم الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي، فان عرض معطيات تقييم أداء المؤسسات على الرأي العام بما في ذلك المؤسسات التي تشرف على القضاء يعد ظاهرة ايجابية "وليس ضغطا باستعمال الرأي العام"، اذ يؤدي التركيز الاعلامي على عمل المؤسسة الى تطوير الممارسة الديموقراطية، على اعتبار أنه يكرس ثقافة الرقابة ويفرض على من يقوم عليها الشفافية في اعماله قد تعجز عن تحقيقها الرقابة القضائية. ويستدعي التعاطي الاعلامي مع الشأن القضائي مقابل ذلك الالتزام من جهة مصدر الخبر وناشره بضوابط اخلاقية تضمن عدم المس بالثقة العامة في القضاء دون ادلة قاطعة. ويلاحظ في هذا الاطار ان "بعض الانتقادات التي وجهت للحركة القضائية من خارج هياكل القضاة وتمثلت في مقالات صحفية او تصريحات اعلامية تميزت باتهامات لاعضاء الهيئة في اشخاصهم بعدم النزاهة. وقد ينهض على الهيئة التفكير في اصدار مدونة سلوك تبين ضوابط التعامل الاخلاقي بين القضاة في المشهد العام بما يحقق تطور الممارسة الديموقراطية ويمنع الانفلات.
2) ضعف مؤسسات هيئة القضاء العدلي يفرض غياب الشفافية عن اعمالها
اختار اعضاء الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي في اول جلساتها انتخاب مجموعة منهم لاعداد نظام داخلي للهيئة يضبط آليات العمل الداخلي للمؤسسة ويكون وثيقة داخلية ملزمة لها. وبعد مضي ما يزيد عن السنة من عمل الهيئة، لم يعلن عن نظامها الداخلي. وبات اسلوب التداول صلبها وكيفية مسك المحاضر وتحريرها وحق المعنيين في الاطلاع على مضامينها موضع سؤال.
وقد يكون بالتالي حديث نقابة القضاة التونسيين "عن دلالات عدم سرية قرارات الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي التي تتعلق بتنقلات القضاة ومطالبتها باعتبار تلك العلنية ترادف حق غير اعضاء الهيئة في حضور مداولاتها وجلساتها" مناسبة لتبين الحاجة لنظام داخلي للهيئة يضبط حدود حق نفاذ الافراد لاعمالها ويبين مدلول العلنية في اعمالها كما يضبط اجراءات عملها.
ويبدو من المهم، وقد شارفت اعمال هيئة القضاء العدلي على نهايتها، اعلان نظامها الداخلي ليكون نواة لوثيقة تساعد في تسهيل عمل المجلس الاعلى للقضاء مستقبلا. كما قد يكون من المتعين ان تلتفت الهيئة الوقتية للقضاء العدلي لصياغة تصورات اولية لمشروع القانون الاساسي للمجلس الاعلى للقضاء بالتعاون مع المحكمة الادارية ودائرة المحاسبات وبانفتاح على هياكل القضاة وقد يكون لتجربة الهيئة التي تميزت بصعوبة ظروف عملها اثر هام في تركيز مجلس اعلى للقضاء مستقبلا اكثر صلابة يستفيد في بنائه من حوصلة تجربة الهيئة ومن الانتقادات التي وجهت اليها.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.