لم ينضم الأردن لاتفاقية جنيف لسنة 1951 الخاصة بالمركز القانوني للاجئ، لذا نجد أن تشريعاتها الداخلية لم تقمْ بتنظيم حقوق اللاجئين وواجباتهمبالرغم من أن بعض المبادئ التي جاءت بها الاتفاقية قد أصبحت بمثابة عرفٍ مستقرٍ في القانون الدولي، مثل مبدأ عدم الإعادة إلى دولة الاضطهاد، علما بأن الأردن طرف في مجموعة من الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، التي تمنع إعادة الأجنبي إلى دولة يمكن أن يتعرض فيها للتعذيب؛ مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لسنة 1984 والعهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية.
وفي تحقيق استقصائي صدر مؤخرا عن عمان نت بعنوان حماية كاذبة، رصد عدد من حالات الابعاد لسوريين من الأردن بالاستناد إلى قانون الاقامة و شؤون الأجانب رقم 24 لسنة 1973 بالرغم من انهم مسجلون لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ومنهم من تعرض للموت عند عودته لسوريا. كما رصدت منظمة هيومن رايتس واتش انتهاكات مماثلة في العام 2014.
وتتم عملية الابعاد بالاستناد إلى قانون الاقامة و شؤون الاجانب الذي يمنح الحق لوزير الداخلية بإبعاد أي أجنبي حتى لو كان مقيما بصور شرعية ودون إبداء الأسباب[1]حيث أنه يتمتع بسلطة تقديرية مطلقة لا يحدها إلا عدم التعسف باستعمالها[2]. ولم يلزم القانون الوزير أو الجهة التي يفوضها هذا الاختصاص بتبيان الأسباب التي دعته إلى إبعاد الأجنبي[3].وقد أشار المركز الوطني لحقوق الإنسان في تقريره حول حالة حقوق الانسان في الأردن للعام 2014 إلى أن عملية ابعاد الأجانب تتم دون مراعاة المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي ألزمت الدولة الطرف بتمكين الأجنبي من عرض الأسباب التي تبرر ابعاده ومن عرض قضيته على السلطة المختصة وتوكيل من يمثله للدفاع عنه[4].
ويستفاد من أحكام القضاء الإداري الأردني أنه غالباً ما يكون تنسيب الجهه المختصة بالإبعاد مستنداً إلى الحفاظ على مقتضيات الأمن والسلامة والآداب العامة. ولا يخفى على أحد أنَّ هذه المقتضيات واسعةٌ وفضفاضةٌ ومن الصعب تحديد مفاهيمها. ولكن سبق للقضاء الاداري الاردني أن بيّن ما يُعَدُّ إخلالاً بالمقتضيات السابقة؛ إذ أشار في أحد قرارته إلى ان ملاحقة الأجنبي مراراً وتوديعه للمدعي العام والأحكام القضائية الصادرة بحقه تجعل من وجوده داخل البلاد خطراً على الأمن العام[5]، وفي قرار آخر أوضحت المحكمة ان ضبط أجنبية تعمل داخل بار فندق بدون تصريح عمل يعتبر إخلالا بمقتضيات الأمن والسلامة العامة[6].
واعتمادا على ما تقدم، فان التشريعات الأردنية المتعلقة بالاجانب لم تأخذ بعين الاعتبار خصوصية اللاجئ. فهي تحمي الأجنبي المقيم، و اللاجئ قد لا يتمكن، في كثير من الأحيان، من الدخول بطريقة شرعية إلى الدولة المضيفة، الأمر الذي قد يجعله فريسة الإبعاد أو التسليم من السلطات الأجنبية، وينتهي به الأمر بين أيدي سلطات دولته التي تحاول اضطهاده. ويجب الأخذُ في عين الاعتبار أن اللاجئ لا يتمتع بحماية دولته، ولا يرغبُ في التمتع بهذه الحماية أو أن دولته الأصلية قد تطلب تسليمه.
وفيما يتعلق بالدستور الأردني، فقد نصت المادة (21/1) من الدستور على أنه "لا يسلم اللاجئون السياسيون بسبب مبادئهم السياسية أو دفاعهم عن الحرية"، لكن لم تصدر أية تشريعات تفصيلية بهذا الخصوص، بخلاف الحال للحقوق الأخرى التي نص عليها الدستور. ويُلاحظ أن النص السابق يحمي فقط "المجرم" السياسي، ولا يشمل اللاجئ بمفهومه الواسع. فمن المعروف أنه لا يشترط في اللاجئ أن يكون مجرماً سياسياً أو مدافعاً عن الحرية، بل من الممكن أن يكون شخصاً عادياً تعرض للاضطهاد من دولته من دون ان يقوم بأي عمل، بل لمجرد اعتناقه لديانة معينة أو انتمائه لعرق أو قومية محددة[7]. كما ان النص السابق لا يلزم الدولة بمنح الملجأ للمجرم السياسي، بل إنَّ الالتزام محصور في عدم التسليم فقط.
الممارسات السابقة تشكل إخلالا بالتزامات الأردن الدولية للقانون الدولي لحقوق الإنسان و مذكرة التفاهم الموقعة مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في العام 1997 و التي نصت صراحة على قيام الحكومة الأردنية باحترام مبدأ عدم طرد أو رد أي لاجئ يطلب اللجوء في المملكة بأية صورة إلى الحدود أو الأقاليم حيث تكون حياته أو حريته مهدَّدتين. وبحسب تقرير عمان نت، فان عملية الابعاد تتم على عجل دون أن يتسنى للاجئ السوري الطعن بالقرار أو حتى الاطلاع عليه.
إلا أن مجموعة ميزان من أجل حقوق الإنسان استطاعت أن توقف إعادة لاجئ سوري مطلوب تسليمه إلى السلطات السورية بالاستناد إلى اتفاقية الرياض للتعاون القضائيبعد تمسكها بالاتفاقيات الدولية أمام محكمة صلح جزاء عمان. واعتمادا على ما تقدم صدر قرار المحكمة بتاريخ 31 آذار 2014 بعدم توفر شروط التسليم وذلك لأن "الأوضاع السياسية و العسكرية غير المستقرة في الجمهورية العربية السورية، و لانعدام ضمانات المحاكمة العادلة في ظل هذه الظروف فان عملية التسليم تتعارض مع نص المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي جاء فيها " لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أى شخص أو تعيده("ان ترده") أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، اذا توافرت لديها أسباب حقيقة تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب" و المادة 8 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان الزمت الدول الأطراف بحماية أي شخص واقع تحت ولايتها من التعذيب".
مساعد النائب العام استأنف القرار السابق، إلا أنه حتى تاريخ كتابة هذا المقال لم يصدر قرار عن محكمة استئناف عمان بهذا الخصوص.
القرار السابق يُشكل سابقة فريدة من نوعها لعدة اسباب يمكن ايرادها على النحو التالي:
· يعتبر هذا القرار الثاني لقضاة الدرجة الأولى في الأردن الذي يستند بشكل صريح للاتفاقيات الدولية حيث اتخذ قاضي تنفيذ عمان قرارا بعدم إجابة طلب محكوم له بحبس محكوم عليه بسداد دين، وذلك "لمخالفته لأحكام المادة 11 على اعتبار ان الاتفاقيات الدولية تسمو على التشريعات الوطنية وفقا لما استقر عليه اجتهاد محكمة التمييز الأردنية. هذا وقد تكرر هذا الاجتهاد من قبل قاضيين في عمان و العقبة[8].
· بالرغم من أن اجتهاد محكمة التمييز، أعلى محكمة نظامية في الأردن، قد استقر على ان الاتفاقيات الدولية المصادق عليها حسب الأصول أعلى من التشريعات الوطنية، إلا ان الاجتهادات السابقة كانت متعلقة بالاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مثل الاعفاءات الجمركية أو تلك المتعلقة باجراءات التحكيم. لذلك يمكن اعتبار هذه السابقة من القرارات النادرة التي استندت إلى اتفاقيات حقوق الانسان الأمر الذي يترك المجال للقضاء أن يمتنع عن تطبيق التشريعات الوطنية التي لا تتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
· استخدام اتفاقية مناهضة التعذيب لحماية اللاجئين يوفر قدرا أكبر من الحماية القانونية لأنها تمنع إعادة اللاجئ بالمطلق بدون استثناءات أو قيود بخلاف ما تم النص عليه في المادة 33 من اتفاقية 1951 الخاصة باللاجئ التي سمحت للدول بأن تتحلل من مبدأ عدم الإعادة القسرية إذا توفرت دواع معقولة لاعتبار اللاجئ خطراً على أمن البلد الذي يوجد فيه أو لاعتباره يمثل، نظراً لسبق صدور حكم نهائي عليه لارتكابه جرما استثنائي الخطورة، خطرا على مجتمع ذلك البلد.
· القرار عالج مسألة التعارض بين اتفافية الرياض للتعاون القضائي و اتفاقية مناهضة التعذيب؛ فالأولى تلزم الأردن بالتسليم في حين يمتنع عليها التسليم بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب وفي النهاية أعطى القرار الأولوية لتطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب أي أن المصالح المحمية بموجبها أولى بالرعاية.
· القرار يتعارض مع موقف اللجنة الملكية لتعديل الدستور التي تم انشاؤها في العام 2011 لوضع الصيغة المقترحة للتعديلات الدستورية، حيث رفضت النص صراحة على تمتع الاتفاقيات الدولية بقيمة أعلى من التشريعات الوطنية في الدستور على اعتبار "أن في ذلك جوانب خطرة لأن المعايير الدولية لا تنسجم مع المجتمع الاردني، لذلك تقرر ان تبقى القوانين الاردنية والدستور هو الاعلى"[9]
· في ظل غياب تشريعات وطنية متعلقة باللجوء وتمتع وزير الداخلية بصلاحيات تقديرية واسعة في إبعاد من يراه من الأجانب، تبقى اتفاقية مناهضة التعذيب صمام الأمان للاجئين.
اللجوء السوري يفرض العديد من التحديات على الأردن، إلا أن غياب التشريعات الوطنية التي تنظم حقوق والتزامات اللاجئ لا يساهم بالتخفيف من هذه التحديات بل يضع السلطات الرسمية في موقف يتعارض مع الالتزامات الدولية. وحتى يتم تبني تشريع وطني بهذا الخصوص، يبقى القضاء الوطني الملجأ الوحيد لمن يصدر قرار بإبعادهم من اللاجئين بالرغم من أن فرصة اللجوء إليه غير متاحة في أغلب الأحيان.
[1] نصت المادة (37) على أنه " للوزير (أي وزير الداخلية) بتنسيب من المدير (أي مدير الأمن العام) حق إبعاد الأجانب وله أن يأمر بتوقيف من تقرر إبعاده مؤقتاً حتى تتم إجراءات الإبعاد ولا يسمح للأجنبي الذي سبق إبعاده بالعودة الى أراضي المملكة إلا بإذن خاص من الوزير."
[2]عدل عليا، قرار رقم 233/1997، فصل 3/1/1998، مجلة نقابة المحامين لسنة 1998، الجزء الأول، ص 850.
[3]عدل عليا، قرار رقم 157/1995، فصل 12/7/1995، مجلة نقابة المحامين لسنة 1996، الجزء الأول، ص 1613.
[4] المركز الوطني لحقوق الإنسان، حالة حقوق الانسان في الأردن، 2014، ص 52
[5]عدل عليا، قرار رقم 240/1995، فصل 7/10/1995، مجلة نقابة المحامين لسنة 1996، الجزء الأول، ص 1647.
[6]عدل عليا، قرار رقم 534/1998، فصل6/3/1999، مجلة نقابة المحامين لسنة 1999، الجزء الأول، ص 2880.
[7]عرفت المادة (2/أ/2) من اتفاقية 1951 الخاصة باللاجئين اللاجئ على أنه "كل من وجد وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينه أو بسبب آرائه السياسية، خارج البلاد التي يحمل جنسيتها ولا يستطيع أو لا يرغب في حماية ذلك البلد بسبب ذلك الخوف، أو كل من لا جنسية له وهو خارج بلد إقامته السابقة ولا يستطيع أو لا يرغب بسبب ذلك الخوف في العودة إلى ذلك البلد
".
[8] بحسب المادة 22 من قانون تنفيذ الأردني يجوز للدائن ان يطلب حبس مدينه اذا لم يسدد الدين او يعرض تسوية تتناسب ومقدرته المالية خلال مدة الاخطار على ان لا تقل الدفعة الاولى بموجب التسوية عن (25%) ولا يجوز ان تتجاوز مدة الحبس تسعين يوما في السنة الواحدة عن دين واحد
[9] سي إن إن العربية، الأردن: تكليف الملك لممثل الأغلبية البرلمانية تشكيل حكومة "غير متاح
"، 16/9/2011