أزمة القضاة والمحامين في لبنان تنتهي بصفقة على أعلى الهرم: نقابة الحريات ترفض حريات القضاة


2018-11-16    |   

أزمة القضاة والمحامين في لبنان تنتهي بصفقة على أعلى الهرم: نقابة الحريات ترفض حريات القضاة

خلال الأسبوع الماضي، اندلعت أزمة بين القضاة والمحامين من جراء حادثتين في قصري العدل في طرابلس وبيروت.

الحادثة الأولى تمثلت بقيام قاضية في الشمال برفع شكوى ضد محام بجرم القدح والذم وعرقلة مسار عمل القضاء في 6 تشرين الثاني، إثر قيامه بما اعتبرته صراخا على قوس المحكمة. وقد طلبت منه تسديد تعويض تعهدت بالتبرع به لجمعية رفق بالحيوان[1]“. أما الحادثة الثانية فتمثلت بقرار أصدرته المدعية العامة المالية في بيروت القاضية نادين جرمانوس قضى بتوقيف المحامي علي أشمر “بالجرم المشهود”، وذلك على خلفية دعوى قدح وذم أقامتها موظفة في صندوق التعاضد القضائي ضده.

الحادثة الأولى أعقبها قرار لمجلس نقابة طرابلس بمقاطعة جلسات القاضية سمر البحيري، فيما انتهت الحادثة الثانية إلى ترك المحامي بعد التواصل بين نقيب محامي بيروت أندريه الشدياق والنائب العام التمييزي سمير حمود. انقسم عموم القضاة والمحامين على قراءة وقائع ما حصل في طرابلس. ففيما رأى عموم القضاة أن المحامي هو الذي أخطأ بحق القاضية، رأى عموم المحامين أن القاضية تعاطت مع المحامي باستعلاء وطردته من الجلسة بكلمات مهينة. وفيما قررت نقابة محامي طرابلس إعلان مقاطعة جلسات القاضية بما يعكس سعيا لفرض نوع من العدالة الخاصة، جاء بيان نادي قضاة لبنان ليثني على موقفها وخصوصا لجهة امتناعها عن وضع اليد على ما يمكن اعتباره جرم جلسة وإحالة الأحداث لمرجع قضائي محايد. وقد طالب النادي نقابة المحامين بالرجوع عن قرار مقاطعة جلسات البحيري.

الحادثة الثانية فتحت جدلا كبيرا بشأن حصانة المحامين. ومن المعلوم أن قانون تنظيم مهنة المحاماة يمنح المحامين حصانة فيما خلا حالات الجرم المشهود وفقاً للمادة 79 من القانون. (تؤكد المادة 79 في فقرتها الأولى أنه “لا يستجوب محام عن جريمة منسوبة إليه قبل إبلاغ الأمر لنقيب المحامين، الذي يحق له حضور الاستجواب بنفسه أو بواسطة من ينتدبه من أعضاء مجلس النقابة». وتشير الفقرة الثانية إلى أنه «لا يجوز ملاحقة المحامي لفعل نشأ عن ممارسة المهنة أو بمعرضها إلا بقرار من مجلس النقابة بإذن بالملاحقة، ومجلس النقابة يقدّر ما إذا كان الفعل ناشئاً عن المهنة أو بمعرضها”).

 وقد رأى المحامون أن القبول باحتمال التوقيف في حالات الجرم المشهود يفتح بابا واسعا للنيابات العامة للاعتداء على حصانات المحامين من خلال التوسع أو التعسف في اعتبار الفعل جرما مشهودا. وقد عزز المحامون قراءتهم هذه (التي تتعارض بالواقع مع النص القانوني بشكل كبير) بالأعراف المعتمدة من قبل النيابات العامة في هذا المجال والتي كانت امتنعت عن التذرع بحالة الجرم المشهود، لتستأذن النقابة في أي ملاحقة تلجأ إليها.

على خلفية هاتين الحادثتين، عقد مجلس القضاء الأعلى اجتماعا مع نقابتي المحامين في طرابلس وبيروت بتاريخ 7 تشرين الثاني 2018، من دون أن يؤدي هذا الاجتماع إلى نتائج ملموسة، حيث أن القاضية البحيري لم تتنازل عن دعواها وفق ما طلبته نقابة محامي طرابلس.

تبعا لذلك، دعا مجلس نقابة بيروت إلى اعتصام في يوم الاثنين الماضي، يعلن فيه نقيب محامي بيروت موقفه إزاء هاتين الحادثتين. وقد انتهى الاعتصام إلى تأجيج مشاعر الغضب لدى المحامين، ليس فقط ضد ما يرونه استعلاء من جانب القضاة، إنما أيضا ضد ما يرونه تخاذلا أو ضعفا من قبل مجلس نقابتكم الذي لم يكن على مستوى تطلعاتهم ومطالبهم.

مراسلة المفكرة في قصر عدل بيروت الصحفية لور أيوب وثقت أجواء هذا الاعتصام وردود الأفعال عليه (المحرر).

بيان النقيب: نادي القضاة غير قانوني

كان من المقرر أن ينعقد الاعتصام في مكتب نقيب محامي بيروت أندريه شدياق. إلا أن توافد عشرات المحامين إلى مكتبه بما تجاوز تقديراته أرغمه على نقل الاعتصام إلى القاعة الكبيرة الكائنة في الطابق الرابع من بيت المحامي. بصوت جهوري خطابي، ألقى النقيب أندريه الشدياق جالسا بيانه حول التفاعلات الأخيرة الحاصلة بين القضاة والمحامين. فتجمع حوله عشرات المحامين، وقد ضاقت القاعة بأعداد المحامين الوافدين مما ألزم الكثيرين منهم على الوقوف للاستماع إلى خطبة الشدياق.

ضمن الشدياق بيانه خمس نقاط أساسية، تتعلق بقانون تنظيم مهنة المحاماة الذي يكفل حصانة المحامي وضماناته لأداء وظيفته. وهي الآتية:

النقطة الأولى، ذكّر الشدياق بأن “المحاماة هي مهنة ينظمها القانون وتهدف إلى تحقيق رسالة العدالة بإبداء الرأي القانوني والدفاع عنه”. وأضاف، “لهذا تمنح من يمارسها الحقوق والحصانات والضمانات التي ينص عليها قانون تنظيم المهنة..”. وانتقل الشدياق ليؤكد أن “هذه الحصانات والضمانات هي حق لصيق بالكيان المهني للمحامي، وأن التنازل عنها هو حق يعود حصراً لمجلس النقابة”. لذا، أكد الشدياق “أن مجلس النقابة لم يتوان عن التعاون مع القضاء لإحقاق الحق، فإنه لن يتهاون في صد كل محاولة يائسة للتعرض أو الانتقاص من حقه هذا”. من هذه الوجهة، بدا خطاب النقيب ببلاغته وكأنه بمثابة موقف خطابيّ بحت، يهدف إلى فرض إرادة النقابة بأن تخضع جميع ملاحقات المحامين لإذنها المسبق، من دون إعطاء أي تبرير لذلك. وعليه، خلا الخطاب من أي مناقشة لكون القانون استثنى من أحكام الحصانة، حالات الجرم المشهود، حيث ذهب البيان في خاتمته إلى إعلان رفض النقيب لهذا الاستثناء بما يشكل خروجا غير مبرر عن القانون. من جهة أخرى، أكد النقيب استعداد النقابة للتعاون مع القضاء في مسائل الحصانة، من دون أن يقدم أي جواب جدي على التعسف في حجب الإذن في ملاحقة المحامين والذي تناول الإعلام حالات عديدة منه، من أشهرها حالة سماسرة العدل.

النقطة الثانية، تمثلت في تهجم النقيب على “نادي قضاة لبنان” المؤسس حديثا. في هذا الإطار، قال الشدياق أن “المحامي أصبح رهينة الخضوع لجمهوريات وأندية قضائية غير مباحة قانوناً”. وأضاف، “يحاول اليوم تجمعٌ من التجمعات (يقصد نادي القضاة دون أن يسميه) ادعاء الحرص على كرامته لإثبات الوجود خلافاً لواقع الحال القانوني، ويمارس تعسفاً باتخاذه تدابيرَ مرفوضة ومتعارضة مع نص المادة 75 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، التي لا تجيز توقيف المحامي احتياطيا في دعاوى القدح والذم أو التحقير التي تقام عليه بسبب أقوال أو كتابات صدرت عنه أثناء ممارسته لمهنته”. شدد الشدياق على أن الممارسات التي تحصل بحق المحامين والمتعارضة مع الأصول القانونية والقواعد والأعراف تصدر عن “بعض القضاء وبعض الموظفين في قصور العدل”. وقد بدا الهجوم هنا على نادي قضاة لبنان خاطئا في الوقائع والقانون المطبق عليه. وهو خاطئ في الواقع طالما أن النادي اكتفى في بيانه[2] بالثناء على موقف القاضية البحيري بتقديمها شكوى ضد المحامي أمام مرجع محايد من دون تتخذ بنفسها قرارات فورية بحقه. وعليه، لا يكون هنالك أي موقف من النادي ضد الحصانة على حد زعم النقيب. أما الخطأ الأكبر في بيان النقيب هو إعلانه أن النادي غير شرعي وغير مباح قانونا، بما يتعارض مع مبدأي حرية التعبير واستقلال القضاء المعلنين في الدستور. وقد بدا النقيب هنا وكأنه يجامل ويغازل مجلس القضاء الأعلى وينضم إليه في معركته ضد الحراك القضائي. وما يزيد هذا الأمر غرابة وقابلية للانتقاد هو أن موقف النقابة بدا جزءا من هجوم منسق مع مجلس القضاء الأعلى ضد نادي القضاة، بدليل أن المجلس أرسل في اليوم نفسه تعميما سماه “سريا” لجميع القضاة ينكر فيه حقهم بتأسيس جمعية أو الانضمام إليها.

النقطة الثالثة بدت استكمالا للنقطة الثانية، حيث أبدى الشدياق الدعم الدائم الذي تمارسه نقابة المحامين مع مجلس القضاء الأعلى الذي اعتبره “الممثل الشرعي والوحيد للسلطة القضائية والأدرى بهمومها”، فرفع الشدياق حدة الكلام بقوله إن مجلس النقابة كما لا يقبل “مطلقاً المساس بكرامة القضاء، فهو بالمقابل، لا يرى مبرراً للمساس بكرامة المحامين من قِبل بعض القضاة وقلة من الموظفين، بممارسة الفوقية والاستعلاء في التعاطي معهم (المحامين) لتسيير أمور موكليهم ويأتون فيما بعد مدّعين العفة وناسبين إليهم التعدي”.

وفي هذا المحل بالذات، أثار موقف النقيب تصفيقا من المحامين، بل ذهب بعضهم إلى مطالبته بإعادة إلقائها كما يحصل في الحفلات الفنية.

إلا أن النقيب لم يرضخ لمطالب التكرار. بل استمر بالكلام منتقلا إلى الفقرة الرابعة التي دعا من خلالها “بعض القضاة إلى تقديم أي شكاية بوجه محام إلى النقابة المسؤولة وحدها عن مسلك المحامين حسب قانون تنظيم مهنة المحاماة”. بالمقابل طلب من المحامين “اللجوء إلى التفتيش القضائي كلما دعت الحاجة”. وذكر الشدياق مسألة شكاوى المحامين لجهة تسيير المرفق العام القضائي بتأخير مواعيد انعقاد الجلسات والتباطؤ في إفهام الأحكام وبإزاء أي حالة شاذة”. وفي الوقت نفسه، لفت الشدياق إلى أن “مجلس النقابة جاهز لتشكيل لجنة مشتركة بين النقابة ومجلس القضاء الأعلى”، مشدداً على أن “مسألة التوقيف الاحتياطي للمحامين” من ضمن أولويات الأمور التي يوجب مناقشتها في هذه اللجنة، بالإضافة إلى “عدم جواز التوقيف في قضايا القدح والذم والتحقير، كما استحالة تحريك دعوى الحق العام حتى في حالة الجرم المشهود إلا بعد استئذان مجلس النقابة، ذلك كأولوية أخرى ثم تصويب العلاقة بين القضاء والمحاماة لتصبح أكثر توازناً وتوزايا”ً.

المحطة الخامسة والأخيرة في خطاب الشدياق كانت اللحظة التي أسهمت في نشوب حالة اعتراضية في صفوف المحامين. فعلى مدار الأيام الماضية كانت الأجواء مشحونة إذ طالب الكثير من المحامين نقابتهم باتخاذ الموقف الحاسم إزاء الحوادث التي حصلت مؤخراً، لا سيما الإضراب عن حضور الجلسات. لكن توجه مجلس النقابة كان على خلاف ما يبتغون، فقط أدلى الشدياق في ختام بيانه أن “نقيب المحامين، إذ ارتضى المشاركة إلى جانب نقيب طرابلس في الاجتماع الذي دعا إليه رئيس مجلس القضاء الأعلى الأربعاء الفائت سعياً للتهدئة، وبحضور أعضائه والرؤساء الأول للمحاكم الاستئنافية، دعا الزملاء إلى الاعتصام آنياً اليوم (أي نهار الإثنين) مبقياً جلسات مجلس النقابة مفتوحة”.

لحظة إعلان الشدياق “الاعتصام الآني”، تداعى العديد من المحامين إلى الخروج من القاعة ممتنعين عن الانتظار لإكمال بيانه. فانتقلت حالة الفرحة والابتهاج ببيان النقيب التي اصطحبت بالتصفيق والتشجيع خلال المؤتمر، إلى حالة اعتراض وغضب.

وفيما هَمّ العديد من المحامين إلى الخروج، راح بعضهم إلى الهتاف بعبارات تُمثل مواقفهم، فسأل أحدهم “أين كرامة المحامي؟” وآخر طالب بـ “الإضراب المفتوح” ووصف أحدهم الأمر بأن “موقف النقابة ضعيف”. حتى أن أحدهم قال “بدهم يسحسحولنا ونضل ساكتين”. وما أن سلك النقيب طريقه من بين الحشود إلى مكتبه، حتى انتقل عشرات المحامين معه، حيث جرى نقاش فيما بينهم حول اتخاذ الموقف الذي وُصف أكثر من مرة بـ “الموقف الضعيف” والذي تمثل بـ “الاعتصام الآني” بدلاً من التصعيد.

المحامون يعارضون موقف النقابة: “نريد الإضراب”

داخل مكتب النقيب الشدياق، تجمع عشرات المحامين حيث جلس يستمع إلى مواقفهم. طالب معظم المحامين أن تأخذ النقابة موقفاً بالتصعيد، وأن يكون موقفها يتناسب مع القسوة التي تضمنها البيان. أحد المحامين قال إن البيان قاس جداً وهذا ما نريده، لكن النتيجة لم تكن بقوته، معرباً عن رفضه الاكتفاء بالاعتصام الآني. محام آخر طلب من النقيب أن يجتمع مجلس النقابة ويخرج ببيان يقول فيه “فلنعلن الإضراب بسبب رفض المحامين”.

محام ثالث، قال متوجهاً إلى الشدياق اعتبر أنه إن “لم نذهب إلى الإضراب، فعليك أن ترى كيف سينظر إلينا الموظفون غداً في قصر العدل”. صوت آخر اقترح أن “يتوقف المحامون عن إعطاء الإكراميات للموظفين” فلاقى اعتراضاً من محام، إذ اعتبر بأن “ذلك يحتاج لتغيير منظومة بأكملها”.

وقد أظهر بعض المحامين وكأن المشكلة هي بين جناحي القضاء “المحامين ضد القضاة”، إذ اعتبر محام “إنهم (أي القضاة) أرادوا إرسال رسالة إلى المحامين، فإن حصل أي إشكال مع موظف فسوف يدفع المحامي ضريبته”. وعلقت محامية قائلة: “على القاضي أن يعلم أنه موظف وعليه الالتزام بالقانون”. كما أشار أحدهم بأن “القضاة اعتكفوا لأكثر من شهر وقبضوا معاشاتهم، أما نحن يقف مدخولنا إن أضربنا، ومع ذلك نريد الإضراب”. وقد اعتبرت محامية أن الموقف الراهن غير كاف مدلية بأن “المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، قامت مرة بطردنا نحن المحامين من مكتبها، وبهدلتنا”.

أمام هذه التصريحات، عمد النقيب الشدياق إلى الدفاع عن القرار المُعلن. فأشار إلى أنه “متأكد بأن المحامين راضون عن مضمون البيان. فقد حرص مجلس النقابة أن يكون بياناً قاسياً وشديد اللهجة وهذا ما حصل”. واعتبر الشدياق بأنه “لا يعتقد أنه يوجد بيانات بهذه القساوة. وما أردنا قوله إن اعتصام اليوم هو اعتصام تحذيري”. واعتبر الشدياق أن المحامين لا يُقدّرون أن مجلس النقابة أبقى جلساته مفتوحة، والتي ستنعقد وتتخذ قرارات أخرى على ضوء التطورات الآتية.

من ناحية أخرى، شدد أحد المحامين على أن “التجاوزات بحق المحامي” تحصل مراراً أيضاً خلال الزيارات التي يقومون بها في السجون. فاعتبر أن المحامي يتعرض للمذلة من قبل الضابطة العدلية في سجن رومية، حيث يتم تفتيشه، كذا ويضطر المشي حافياً لمسافات خلال التفتيش. فرد الشدياق مؤكداً أن موضوع الضابطة العدلية سيتم البحث فيه مع اللواء عماد عثمان، المدير العام لقوى الأمن الداخلي. لكن المحامي بقي يهتف بضرورة التصعيد، فأجابه الشدياق بصوت عالٍ، “في محامين عم يفوتوا الكبتاغون بالصبابيط”.

مجلس القضاء الأعلى يرد التحية بتحية أحسن منها

الساعة التاسعة مساء من نهار الإثنين، نشر مجلس القضاء الأعلى بيانا على ضوء البيان الصادر عن نقابة المحامين. وشدد المجلس في بيانه على “ضرورة توافر أجواءٍ من التعاون والتقدير المتبادلين بين السلطة القضائية -أجهزةً وقضاةً-من جهة، وجسم المحاماة بنقابتيه والأساتذة المحامين المنتسبين إليهما من جهةٍ أخرى”. ولفت إلى أن هذه “الروح الإيجابية يقتضي أن تسود باستمرار حتى في الحالات والظروف التي قد تظهر فيها عثرات أو إشكالات بصورة استثنائية”.

كما أكد مجلس القضاء، على “حرصه التام على حفظ هيبة القضاء وكرامة القضاة والمحامين والمساعدين القضائيين وسائر المعنيين بالشأن القضائي”، رافضاً، “الإفتئات على حقوق أيّ منهم من أيّ جهةٍ أتى”. كما شدد على أنه حريص على “الضمانات والحصانات المكرّسة للمحامي في القانون، وعلى ضرورة الاحتكام إلى المؤسسات القانونية المختصة لمعالجة الشوائب التي يتظلم منها أي ممتهن لعمل قضائي أو قانوني”. بالتالي أعلن المجلس عن “نيّته المتمثّلة بتكثيف اللقاءات بين مجلس القضاء الأعلى ونقابتيّ المحامين، وعقد ورشة عمل مشتركة في القريب العاجل تعمل على تحقيق الأهداف السامية التي نصبو جميعاً اليها”.

وفي ختام بيانه، عبر المجلس عن “وافر تقديره للجهد والمشقّة المبذولين من القضاة والمحامين والمساعدين القضائيين في سياق أدائهم لمهامهم تحقيقاً للعدل وحفاظاً على هيبة القضاء ودوره واستقلاله، في ظلّ ظروف صعبة تمرّ بها البلاد وظروف عملٍ ليست في الغالب بمستوى المسؤوليات ومتطلبات الأداء القضائي المنشود”.

ثم، عاد رئيس مجلس القضاء الأعلى وفاجأ نقيب المحامين بزيارة تم تظهيرها على أنها إعادة اعتبار لجسم المحاماة من جسم القضاء المتهم بالاستعلاء.

على جهة موازية، أصدر النائب العام لدى محكمة التمييز بتاريخ 13 تشرين الثاني 2018 القاضي سمير حمود، تعميماً على وزارة العدل والنيابات العامة ومديرية قوى الأمن الداخلي. وفيما تطرق التعميم إلى مسألة التوقيف الاحتياطي بشكل عام، فقد تطرق بشكل خاص إلى مسألة توقيف المحامين في فقرته الخامسة التي تضمنت ما يلي: “التقيّد بالأصول والإجراءات المنصوص عنها في قانون تنظيم مهنة المحاماة”. ويُذكر أن التعميم هذا، لفت في فقرته السادسة أيضاً إلى “تكليف الضابطة العدلية عند قيامها بتنفيذ قرارات قضائية تتعلق بحضانة وتسليم الأطفال والقاصرين الاستعانة بمندوب اجتماعي وتدوين ذلك في المحضر”[3]. والجدير ذكره، أن هذه الفقرة ما كانت ليتضمنها التعميم لولا قيام قوى الأمن الداخلي باللجوء إلى استخدام عناصرها لتنفيذ حكم حضانة صادر عن المحكمة الجعفرية، وقد دخلت القوى الأمنية إلى منزل الوالدة وأخذت الطفل بالقوى من بين يدين والدته، وقد صودف أن الوالدة محامية متدرجة.

ومع ذلك، لم يتم التطرق إلى هذه المسألة خلال تجمع المحامين في مكتب النقيب الشدياق، علماً أن الأمن الداخلي احتجز الوالدة لسبع ساعات في المخفر قيد التحقيق، قبل أن تقدم بطاقة نقابة المحامين، وذلك بحسب تصريح للنائب العام الاستئنافي في الجنوب رهيف رمضان لجريدة الأخبار، وهو الذي أصدر مذكرة الإحضار بحق الأم[4].

 


[1]  القاضية البحيري تقدمت بشكوى بصفة الادعاء الشخصي بحق محام بجرم القدح والذم، النشرة، الثلاثاء 6 تشرين الثاني 2018، https://goo.gl/ESHZFo.

[2]  نادي قضاة لبنان ثمن موقف البحيري في احتكامها للقاضء وانتظارها قراراه، النشرة 6 تشرين الثاني 2018، https://goo.gl/RNLdWg.

[3] تعميم:

إن النائب العام لدى محكمة التمييز
يطلب من قضاة النيابات العامة كافةً ما يلي:

أولاً: عدم توقيف الأشخاص على ذمة التحقيق في الحالات التي لا يجيز فيها القانون التوقيف الاحتياطي.

ثانياً: التقيّد بنص المادتين 42 و47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لناحية تحديد السقف الزمني للتوقيف على ذمة التحقيق.

ثالثاً: التقيّد بمدى الصلاحية النوعية والمكانية لكل نيابة عامة.

رابعاً: التقيّد بوجوب إبلاغ النائب العام لدى محكمة التمييز بالجرائم الخطرة حال العلم بوقوعها، والتقيّد بتوجيهاته في شأنها عملاً بنص المادتين 16 و24 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

خامساً: التقيّد بالأصول والإجراءات المنصوص عنها في قانون تنظيم مهنة المحاماة.

سادساً: تكليف الضابطة العدلية عند قيامها بتنفيذ قرارات قضائية تتعلق بحضانة وتسليم الأطفال والقاصرين الاستعانة بمندوب اجتماعي وتدوين ذلك في المحضر.

يبلّغ هذا التعميم إلى:

وزارة العدل
النيابات العامة ومفوضية الحكومة لدى المحكمة العسكرية
المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي

بيروت في 13/11/2018

النائب العام لدى محكمة التمييز
القاضي سمير حمود

[4]  معركة جديدة حول الحضانة، جريدة الأخبار، 12 تشرين الثاني 2018، https://goo.gl/esW9Ww.

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني