
أصدرت اليوم قاضية التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب بطاقة إيداع بالسجن ضدّ المحامي والقاضي الإداري السابق أحمد صواب اليوم، بعد الاحتفاظ به مدّة ثمانية وأربعين ساعة لدى الوحدة الوطنية للبحث في الجرائم الإرهابية، بعد الاستماع إليه في حدود الساعة العاشرة والنصف صباحًا من هذا اليوم. وقد رفضت قاضية التحقيق حضور أكثر من أربعة محامين، فيما قرّر رئيس الفرع الجهوي لهيئة المحامين بتونس مقاطعة الترافع والحضور وفق ما ذكره المحامي سامي بن غازي في تدوينة نشرها على حسابه في موقع فايسبوك.
ويواجه أحمد صواب وفق مراسلة قاضي التحقيق الأول بالمكتب الثاني عشر بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب تُهَمًا ثقيلة على معنى المجلّة الجزائيّة ومجلّة الاتصالات والمرسوم 54 وقانون الإرهاب، حيث أُسندت إليه تهمة تكوين وتنظيم وفاق إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية، وتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال إنتاج وترويج إشاعات، وتعريض حياة أشخاص معنيّين بالحماية إلى الخطر ونسبة أمور غير حقيقيّة بهدف التشهير بالغير وغير ذلك من التُّهَم، وذلك على خلفيّة ما ذكره في نقطة إعلامية عقدتها هيئة الدّفاع عن المُعتقلين فيما يُعرف بقضيّة التآمر على أمن الدّولة، والتي كان فيها كان أحمد صواب من أبرز الوجوه المُدافعة عن المعتقلين في هذه القضيّة، تحدّث فيها عن الضغوط المُسلَّطة على القضاء في إصدار الأحكام وفي كيفيّة تسيير الجلسات في هذا الملفّ، و وشبهها بالسكّين المُسلَّط على رِقاب القضاة. لكنّ هذا المقطع على وجه الخصوص تمّ تداوله بكثافة في عطلة نهاية الأسبوع، وتحوّل الأمر إلى “تجييش” ضدّه، وفق ما ذكره نجْله صائب صواب ي خلال ندوة صحفيّة انتظمت اليوم الأربعاء في مقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وسط العاصمة تونس.
خلال الندوة الصحفية نفسها اعتبر المحامي سامي بن غازي أنّ التُّهَم الموجّهة ضدّ صواب تُشكّل “عقوبات مؤبّدة” وفق نصّ الإحالة الّذي توصّل به الفرع الجهوي للمحامين بتونس، مؤكّدًا براءته من كلّ التهم الإرهابيّة الموجّهة ضدّه. إذ كان من المفترض، قبل صدور بطاقة الإيداع، مواجهة ثلاث فرضيات. الأولى هي حفظ التّهمة في حقّ المُعتقَل أحمد صواب والإفراج عنه، والثانية هي استكمال الأبحاث والإبقاء عليه في حالة سراح، والثالثة تتمثّل في إصدار بطاقة الإيداع بالسجن في حقّه. “نحن سندافع عن الفرضيّة الأولى، لأنّننا متيقّنون من براءة الأستاذ أحمد صواب من كلّ التُّهم الإرهابيّة. عندما يُوَزَّع الإرهاب بهذه الطريقة ويُوَجَّه إلى أشخاص طالما دافعوا عن الحقوق والحريّات، يُصبِحُ تمييعًا للإرهاب، والمستفيد الحقيقي من هذا هو الإرهاب”، يقول سامي بن غازي في الندوة الصحفيّة. فيما يقول شقيقه منجي صواب إنّ هذه القضيّة سياسية بالأساس، ولائحة التّهم الموجّهة ضدّ أحمد صواب تقريبًا تشبه التّهم الموجّهة لأبي عياض[1] على حد تعبيره.
تمّت مداهمة مقرّ سكنى المحامي أحمد صواب يوم الاثنين 21 أفريل في حدود الساعة الحادية عشرة صباحًا، وتمّ الإعلان عن هذا الخبر في الندوة الصحفيّة التي نظّمها أعضاء هيئة الدّفاع عن المعتَقلين فيما يُعرَف في قضيّة التآمر، والتي كان الأستاذ صواب أحد أعضائها. يقول نجْلُه صائب صواب في الندوة الصحفيّة إنّ عشرة عناصر أمنيّة داهموا المنزل، دخل منهم أربعة لتفتيش المكان فيما ظلّ ستّة آخرون في الخارج، واحتجزوا هاتف أحمد صواب وتمّ اقتياده دون أن يُمَكَّن حتّى من تغيير ملابسه المنزليّة إلى قطب مكافحة الإرهاب، ليلبثَ هناك فترة وجيزة ثمّ انتقل إلى فرقة الأبحاث ببوشوشة ولم يُمكّنوه من مقابلة العائلة أو المحامين أو حتّى الحصول على أكل ولباس لائق لأنّه خاضع إلى قانون الإرهاب، وفق ما ذكر صائب صواب في الندوة الصحفية. ثمّ تمّ اقتياده إلى مكتبه في شارع الحريّة وعاينت قاضية التحقيق حاسوبه وبعض التجهيزات الأخرى واطّلعت على بعض المراسلات الالكترونية مع زميله في مكتب المحاماة، ومن ثمّ طلبت حجز كلّ ما يمكن اعتباره أدلّة بالنسبة إليها، فعاد الأعوان مرّة أخرى إلى المنزل في حدود الساعة الثالثة بعد الزّوال بطريقة أشدّ عنفًا وأكثر عددًا وفق ما ذكره صائب صواب، حيث توجّهت ثلاث سيارات رباعيّة الدّفع تحمل خمسة عشر عونًا لإعادة تفتيش البيت وحجز بعض الأجهزة والهواتف وآلة ناسخة، وطلبوا منه (صائب صواب) مرافقتهم إلى فرقة الأبحاث ببوشوشة، حيث احتُجِزَ هناك ومُنع من الالتحاق بالمسيرة التي كان قد دعا إليها، تضامُنًا مع والده المعتقل أحمد صواب. ثمّ أمضى صائب على المحضر وظلّ والده مُحتجَزًا هناك. “تمّ تسخير موارد الدّولة وسيّاراتها وأعوانها من أجل أمر كهذا، في حين تعجز الدّولة عن ترميم الجدران وتجهيز المستشفيات”، يقول صائب صواب.
وفي نهاية مداخلته حمّل صائب صواب مسؤوليّة ما قد يحصل لوالده لرئيس الجمهورية مباشرة، وقال: “تمّت استشارة أبي في وقت سابق لإبداء رأيه في قانون الإرهاب سنة 2015، والآن هو يُحاكَم بهذا القانون، وهذه قمّة العبث. والدي شارك سابقًا في مشروع إصلاح مجلّة الإجراءات الجزائية في اتّجاه منح ضمانات للمتّهمين وحماية حقوقهم، وطالما استند مختصّو القانون إلى قراراته وأحكامه”.
يجدر التذكير في هذا السياق أن المحامي أحمد صواب استطاع تفكيك قضيّة “التآمر” على أمن الدّولة بشكل سلس وواضح عبر أسلوبه الطّريف في سرد الأحداث والمراوحة بين الجدّ والهزل، وكانت مواقفه واضحة من تدابير 25 جويلية التي سمّاها انقلابً مُقنَّعًا، ولم يقف في المنتصَف في انتظار ما ستؤول إليه لاحقًا موازين القوى، بين من ساند الانقلاب بتحفّظ ومن انساق وراءه نِكايةً في الخصوم السياسيّين. في سنة 2015 وقف ضدّ مشروع قانون المصالحة في نُسختَيه الاقتصادية والمالية والإدارية، وضدّ مسار الصلح الجزائي، ودافع عن الحريّات وتعهّد بقضيّة الاغتيالات السياسيّة، وساند القضاة في معركتهم وسعى إلى الحفاظ على مكاسب استقلالية القضاء، ورفض المناورات السياسية التي قامت بها السلطة الحالية في اتجاه تجريد المحكمة الإدارية من صلاحياتها الأصلية في النظر في النزاعات الانتخابية، وساند المترشّحين الذين رُفضت ملفاتهم، ودافع عن المعتقلين منهم.
[1] قيادي سابق في تنظيم أنصار الشريعة الإرهابي في تونس.
متوفر من خلال: