أصدرت محكمة الاستئناف في بيروت، الغرفة العاشرة الناظرة في قضايا المطبوعات، خمسة أحكام بتاريخ 30 أيار 2024 وحكمين بتاريخ 4 تموز 2024 تقضي جميعها بردّ سبع إحالات تقدمت بها هيئة الإشراف على الانتخابات في إطار مراقبتها للحملة الانتخابية التي رافقت الانتخابات النيابية في أيار 2022 وطالت عددًا من المواقع الإلكترونية. وقد حملت هذه الإحالات شكاوى من هيئة الإشراف حول مقالات نشرتها هذه المواقع الالكترونية، فيما أشار نصّ أحد الأحكام إلى أن هيئة الإشراف اعتبرت أن المقال المشكو منه حمل “مخالفات عديدة منها القدح والذم والتشهير وإثارة النعرات خلال الحملة الانتخابية وفترة الصمت الانتخابي”. إلّا أن المحكمة، كما في جميع الإحالات السابقة (28 إحالة) التي صدرت فيها أحكام، قضتْ بردّها في الشكل بسبب اكتفاء الادّعاء بتحديد اسم الموقع الإلكتروني أو الجريدة في حين أن هذه الأخيرة لا تتمتع بالشخصية المعنوية ما يمنع مداعاتها.
بالتالي، ونظرًا لإرساء المحكمة لنمط واحد في التعاطي مع إحالات الهيئة على مواقع الكترونية وهو إضاعة فرصة المحاسبة، لا بدّ من التذكير بأهم النقاط التي كانت قد تطرقت إليها المفكرة في هذا الشأن في مقال سابق لها وهي :
_ إن عدد الإحالات قد بلغ 592 إحالة بحسب ما جاء في تقرير هيئة الإشراف على الانتخابات دون أن تكون المحكمة قد بتت إلّا بجزء قليل منها.
_ إن النيابة العامة تتحمل مسؤولية التدقيق في الإحالة وصحتها، إذ إن صلاحية الادّعاء محصورة بيدها. والمستغرب أن النيابة العامة عمدت بعد الانتخابات التشريعية التي جرت سنة 2018 إلى تحديد هوية صاحب المؤسسة الإعلامية ما جنبها الوقوع في العيوب الشكلية التي باتت تحصل اليوم وبشكل متكرر.
_ إن قانون الانتخابات يوجب على المحكمة أن تبت بالادعاءات خلال مهل قصيرة لضمان التصدي للمخالفات بالسرعة المناسبة وضمن الحملة الانتخابية من أجل الحفاظ على نزاهة الانتخابات وعدالتها، ما يعني أن هذه الأحكام التي صدرت مؤخرا بعد مرور أكثر من سنتين على انتهاء الانتخابات النيابية أصبحت عاجزة عن ردع المخالفات وغير قادرة على تحقيق الغاية من وجودها.
أمام هذه الوقائع، لا بد من التأكيد مجددا على أن استنكاف النيابة العامة عن القيام بدورها في التحقيق وتركها الأمر لتقدير المحكمة أدّى إلى توسيع حالات الإفلات من العقاب في المجال الانتخابي في لبنان كي يشمل موضوع المخالفات التي قامت بها تلك الوسائل الإعلامية خلال الحملة الانتخابية سنة 2022. ولا شك أن الإصرار على هذا النهج سيؤدي في نهاية المطاف إلى إفراغ ما يسمى “إصلاحات” قانون الانتخابات من مضمونها لجهة صون الحملة الانتخابية من الأعمال التي تمسّ بطابعها الديمقراطي وتضعف من عدالتها لا سيما وأن هيئة الإشراف قد أشارت إلى خطورة المخالفات المرتكبة التي شملت مختلف أساليب العنف الكلامي من قدح وذم وتشهير وتهديد وإثارة النعرات الطائفية.
إن تخلّي النيابة العامة عن القيام بدورها في التحقيق، وتمنّع محكمة المطبوعات عن الطلب من النيابة العامة تصحيح هذه الادّعاءات أفقد هيئة الإشراف على الانتخابات دورها وجعل كل عملها الرقابي يصطدم بعيوب شكلية بديهية كان يمكن تفاديها ما يُعيد التأكيد على أن تبني قوانين انتخابات عصرية لا يكفي إذا لم يقترن بوجود سلطة قضائية قادرة على ضمان حسن تطبيقه ومعاقبة الجهات التي تخالفه.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.