
وجهت وكالة الجمهورية لدى المحكمة الإبتدائية بمحكمة بنزرت تهمة التجاهر بأمر فاحش[1] لأربعة أشخاص ضبطوا بصدد الأكل والتدخين بحديقة عامة في الأيام الأولى من شهر رمضان وأحالتهم بحالة إيقاف لمقاضاتهم من أجل ذلك على قاضي ناحية بنزرت. فاعتبر قاضي الناحية ببنزرت التهمة ثابتة في حقهم وقضى بتاريخ 01-06-2017 بالسجن النافذ لكل واحد منهم مدة شهر واحد. ودافع الناطق الرسمي باسم النيابة العمومية ببنزرت القاضي شكري لحمر عن هذا الحكم في تصريح إعلامي لوكالة فرانس براس ذكر فيه أن ما أتاه المحكوم عليهم "خلال شهر رمضان في دولة ينص دستورها على أن الإسلام دينها حركة استفزازية". كشف الحكم القضائي ومن قبله قرار الإحالة الصادر عن النيابة العمومية عن موقف قضائي محافظ ينتصر للآراء التي تستهجن الإفطار العلني في شهر رمضان بدعوى أنه يستفز الصائمين. ويبدو هذا الموقف في تعارض موضوعيّ مع تصوّر الوظيفة القضائية في الدستور التونسي.
نصب الفصل 49 من الدستور التونسي القاضي حارسا يحمي الحقوق والحريات التي سبق له وأن فرض عدم المسّ بجوهرها، ومنها حرية الضمير والمعتقد. وكان يُنتظر من القاضي وقد حمّله الدستور هذه المهمّة السامية أن يبقي نصب عينيه هذه الحريات العامة والفردية، لتكون العامل القار في صناعة وجدانه والحاضر الدائم في أي حكم يصدره. فكان عليه بالتالي أن يستحضر تلك القيم في حكمه بقدر استحضاره لاعتبار دين الدولة وما يعتقد المجتمع أنه سلوك اجتماعي واجب الإتباع. فيصنع في حكمه التوافق اللازم بين مبادئ دستورية، وصولاً إلى إعادة الإنسجام إليها، مع مراعاة مبدأي الضرورة والتناسب في مجتمع ديممقراطي، ومن دون المس بجوهر أي من الحقوق والحريات الأساسية.
وللأسف، يبدو هذا الإعتبار غائباً في حكم محكمة ناحية بنزرت التي ينذر توجّهها من حيث شدّته وصرامته بفرض سطوة أكبر للتوجه المحافظ.
وتأمل المفكرة القانونية أن تنتصر محكمة الإستئناف عند النظر في ذات القضية لقيم العمل القضائي كما كرسها الدستور التونسي، فتكون الجهة التي تفرض تأويلا إيجابيا لأحكام الدستور التي قرنت "مبدأ حرية الضمير والمعتقد" باعتبار الدولة راعية للدين وحامية للمقدسات". ويهمّ المفكرة في هذا الإطار التنبيه لكون قيام القضاء السلطة يستدعي مجهودا من القاضي منطلقه اعتقاده أنه المرجع الذي يحمي الحرية.
[1] ينص الفصل 226 من المجلة الجزائية التونسية يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها ثمانية وأربعون دينارا كل من يتجاهر عمدا بفحش. والفحش كمصطلح يدل على كل فعل يمس بالحياء العام.
متوفر من خلال: