أبو ستة العائد من غزة: إسرائيل استخدمت الرصاص المحرّم دوليا


2018-05-29    |   

أبو ستة العائد من غزة: إسرائيل استخدمت الرصاص المحرّم دوليا

مسلحاً بجواز سفره البريطاني، وعند كل اعتداء إسرائيلي على غزة، يوضب رئيس قسم جراحة التجميل والترميم في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور غسان أبو ستة حقيبته ويغادر نحو القطاع المحاصر منذ 12 عاماً.

ومن عدوان 2008 إلى 2012 ف 2014 والعدوان الأخير منذ ذكرى يوم الأرض في 30 أذار 2018، يعود أبو ستة في كل مرة بجعبة من الحكايات الموجعة والفاضحة بعدما يقضي نهارات وليالي تطوعه في غزة خلال كل عدوان بإجراء عمليات الترميم المستعصية لجرحى تنتهي إصابات معظمهم ببتر أعضاء أو بإعاقات مستديمة نتيجة لاستخدام إسرائيل "لأسلحة محرمة دوليا" كما يقول.

اليوم، وخلال مسيرات العودة الكبرى المستمرة في القطاع منذ نهاية أذار 2018،  يعود أبو ستة بإثبات على استخدام إسرائيل "الرصاص المتشظي أو الدمدم"، المحرّم دولياً ومعه غاز الأعصاب ضربت فيه الخارجين في مسيرات سلمية غير آبهة بالقوانين الدولية التي تحرم استخدامه. ولم تسلم أجساد الأطفال من الرصاص الحي، ولا الشباب الذين يستمرون بالمشاركة في مسيرات العودة الكبرى رغم تكرر إصاباتهم.

عاد الطبيب غسان أبو ستة إلى بيروت بعدما مكث في غزة أسبوعين من 11 أيار 2018 لغاية 22 منه. دخلها بجواز سفره البريطاني وسهلت مروره منظمة الصحة العالمية بهدف التطوع للعمل الطبي في مستشفى العودة لإنقاذ الجرحى والمصابين المشاركين في المسيرات. وخلال مؤتمر نظمته مؤسسة الدراسات الفلسطينية ومعهد عصام فارس للدراسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت بعنوان "طبيب في غزة" بتاريخ 28 أيار 2018، قدم أبو ستة شهادته على ما ارتكبه الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين.

لم يتوان أبو ستة عن نقل صورة الواقع الإجتماعي  والاقتصادي لأحوال أهالي القطاع المحاصر منذ 12 سنة خللت. فالحصار على غزة يحول دون وصول المعدات الطبية، وفقاً لأبو ستة، ما اضطر الأطباء إلى استخدام معادن مخصصة للبناء لمعالجة حالات الكسر.

 غير ذلك، "لم يستلم موظفو القطاع العام أجورهم منذ أكثر من سنة ونصف، وخصوصاً الطاقم الطبي الذي يستمر بالعمل الطبي دون توقف، وفضلاً عن فراغ الأسواق التجارية من زبائنها بسبب الفقر الشديد الذي يعانيه أهالي غزة".

آلاف الإصابات في أربع ساعات فقط

يؤكد أبو ستة أنه عند وصوله إلى غزة سقط في الأيام الثلاثة التي سبقت تاريخ 11 أيار، تسعة آلاف جريح، من بينهم 2200 بطلق ناري، عدا عن لائحة سلمتها منظمة أطباء بلا حدود تشير إلى وجود 500 حالة إصابة تنتظر إجراء عمليات ترميم، و1200 آخرين يتلقون العلاج. ويذكر بأن معدل عمر المشاركين في المسيرات يتراوح بين 15 و25 عاماً، وفق ما يمكن استنتاجه من عدد المصابين والشهداء الذين وقعوا خلال المسيرات.

 يلفت أبو ستة إلى أنه في مسيرة 14 أيار وصل أعداد المصابين إلى 3500 إصابة بين الساعة الرابعة عصراً والثامنة مساءً، أي خلال أربع ساعات فقط. ومن بين هؤلاء بترت أعضاء ل44 مصاباً من بينهم ستة أطفال. وصل عدد الشهداء إلى 66 شهيداً ويتوقع ارتفاع عددهم إلى ما يفوق المئة بسبب وجود نحو 40 حالة موت سريري.

يضيف أبو ستة، "من بين المصابين الـ 3500 هناك نحو ألفي مصاب بطلق ناري، هذا الأمر استدعى تجهيز خيمة في موقف السيارات التابع للمستشفى لاستقبال حالات الطوارئ، حيث لم تتمكن غرف الطوارئ الداخلية للاستجابة لأعداد المصابين المرتفعة، كما أن عدد الإصابات فاق عدد الأسرّة".

ويشير أبو ستة إلى أن منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع منظمة التحرير الفلسطينية والمجتمع المدني، وضعوا خطة مسبقة لإدارة القطاع الطبي لأجل الاستجابة لهذا النوع من الإصابات، فتم استحداث نحو سبعة مراكز تثبيت لاستقبال المصابين قبل نقلهم إلى المستشفى بهدف تشخيص الحالة وإرسالها إلى المستشفى الذي يتمتع بالتخصص المناسب لمعالجتها. هذا الإجراء، وفق أبو ستة، ساهم في توزيع الحالات المصابة على المستشفيات كافة على خلاف ما كان يحصل في السابق، حيث كان يتوافد المصابون إلى مستشفى الشفا المركزي المجهز ب 600 سرير و12 غرفة عمليات. لذا تم تخصيص مستشفى العودة لاستقبال الحالات الخطيرة والتي تحتاج لعناية مكثفة، وتوزيع الإصابات الأخرى على مستشفيات الأطراف.

 

الرصاص المحرم دولياً

 يقول أبو ستة أن الرصاصة المتشظية المحرمة دولياً تدخل جسد المصاب، فتتفتت داخله وتتحول كل شظية إلى رصاصة، لتحدت تهتكاً كبيراً مكان الإصابة، وغالباً في الأنسجة والعظام. يؤكد على استخدام إسرائيل لهذا النوع من الرصاص، عارضاً صوراً لنوعين من الرصاص المتشظي الذين أخرجهم من أجساد المصابين. النوع الأول مصمم ليتشظى في جسد المصاب، ويسمى بالدمدم وهو الرصاص المحرم دولياً. والحال أن نتائج الإصابة في هذا النوع من الرصاص هي إما إحداث نزيف يؤدي إلى الموت، وإما البتر في حال فشلت محاولات علاج الأنسجة. والنوع الثاني الذي استخدمه جيش الاحتلال هو الرصاص غير المتفرّغ، لكن بحسب أبو ستة يعمد القناص إلى إحداث قناة في رأس الرصاصة لتتحول إلى رصاصة متفرغة لتنفجر في جسد الضحية، بهدف إتلاف الأنسجة أيضاً.

 يلفت أبو ستة إلى أن حجم الإصابة بهذا النوع من الرصاص لا تظهر خطورته إلا عند إجراء العملية، إذ أن الجرح الخارجي لا يكشف مدى الضرر الحاصل في جسد المصاب. ويؤكد أنه في الوقت الحالي يوجد 350 حالة كسر في الساق، وكل حالة من هؤلاء تحتاج لنحو سبع عمليات جراحية خلال سنة ونصف، أي 21 ألف عملية جراحية. والحال أن بعضاً من هذه الحالات سوف تؤدي إلى البتر بسبب صعوبة ترميم الأنسجة والعظام.

 وإضافة إلى الرصاص فإن إسرائيل استخدمت قنابل الغاز، وهي ليست القنابل المسيلة للدموع، بل قنابل من النوع الذي يحمل غاز أعصاب ويسبب عند استنشاقه حالة تشنج عند المريض تستمر لمدة ربع ساعة. ويلفت أبو ستة إلى أن الإصابات تشلّ القطاع الصحي كون علاجها يتطلب متابعة وإشراف لمدة ساعة من الوقت على الأقل.

 

المذهل أنهم يعودون

يعتبر أبو ستة أن إسرائيل تهدف من عدوانها إلى إحداث شلل في القطاع الصحي والمجتمع، حيث يتحول المجتمع بأكمله إلى مصابين ومهتمين بالمصابين. وإن ما يثير الريبة من ارتفاع عدد الإصابات أنه حتى لو نجحت العمليات فإنه من الصعب عودة الأشخاص المصابين إلى حياتهم الطبيعية، إذ أن إمكانيات معظمهم ستنحصر في وظائف العمل اليدوي. وعليه، سيتحول معيل الأسرة إلى شخص بحاجة إلى اهتمام مستمر، ما يرفع نسبة التكاليف التي تقع على عاتق القطاع الصحي في غزة. غير ذلك، فإن إصابات الأطفال تحتاج لعمليات طبية متكررة بسبب نموهم المستمر.

يُضاف إلى ذلك، تحول نسبة كبيرة من عناصر الشباب إلى أشخاص معوقين الأمر الذي يستدعي السؤال وفقاً لأبو ستة حول إمكانية هؤلاء على الصمود والنضال، قائلاً "لكن المذهل أنهم يعودون للمشاركة في المسيرات". وفقاً لأبو ستة، أن معظم المصابين يعودون إلى المشاركة في المسيرات، وعليه يرتفع احتمال استشهادهم، حيث أن من ينجو في المسيرة الأولى ترتفع إمكانية الإصابة مرة أخرى أو الموت في المسيرة التي تليها.  وقائع أخرى يعرضها أبو ستة مفادها أن الانتفاضات السابقة والحروب قد خلفت نحو 24 ألف شخص معوق، عارضاً صوراً لأشخاص أصيبوا في حرب 2014 التي شنتها إسرائيل على غزة، وأصيبوا مرة أخرى اليوم في مسيرات العودة.

يقول أبو ستة أن مشهد الأشخاص الذين يستعينون بأجهزة التثبيت أو العكازات الطبية في كل غزة صار أمراً طبيعياً، مشاركاً صوراً مع الحضور من المسيرات لأشخاص معوقين حركياً. وصورة أخرى شاركها لطلاب يقومون بإجراء الامتحانات من على أسرّة المستشفيات.

فضلاً عن ذلك، يوجد في غزة نحو 1400 حالة مريض سرطان منعوا من الخروج خارج القطاع لتلقي العلاج، وتركوا ليموتوا أمام أعين عائلاتهم.

 

 الدعم ثم الدعم

وبعد أن يعرّج على الوضع السياسي في فلسطين عامة، وغزة خاصة، يرى أبو ستة أن المطالب المرجوة هي فك الحصار عن قطاع غزة والمشاركة بحملة دعم القطاع الصحي، حيث أنه "إذا لم يتم تخفيف الضغط عن القطاع الصحي فهذا يعني القضاء على الوجود الفلسطيني وانهائه كجسم سياسي".

لذا أقل ما يمكن أن يفعله أي شخص، بالنسبة لأبو ستة، هو دعم القدرة على الصمود. ويذكر أن الدعم يحصل عبر حملة "عائلات لبنان تساند عائلات فلسطين"، الهادفة لأجل الدعم المادي واللوجستي لمستشفى العودة. وتنظم الحملة في الأول من حزيران إفطاراً خيرياً في مطعم الدار في الروشة لجمع المال لدعم المستشفى.

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني