أبرز الأحكام القضائية في تونس – 2018: ومضات ضمانا للمحاكمة العادلة


2019-04-17    |   

أبرز الأحكام القضائية في تونس – 2018: ومضات ضمانا للمحاكمة العادلة
رسم رائد شرف

فرض حديث ضمانات استقلالية القضاء الذي ساد خلال السنوات الأولى من عمر الجمهورية التونسية الثانية أن يكون عمل المشرعين الساحة التي ينظر إليها لمعاينة خطوات بناء السلطة القضائية.  هذه السلطة التي شهدت سنة 2018 بوادر استعادتها صلاحية رسم ملامحها من خلال عملها القضائي. فكان أن برز خلال تلك السنة مواقف عدة أمكن وضعها في إطار وظيفة “القاضي حامي الحقوق والحريات” الذي بشّر به دستور الجمهورية الثانية، وبخاصة في مجالات تكريس قيم المحاكمة العادلة وحماية الحقوق والحريات، ومكافحة الفساد والتصدي للتطبيع  من دون أن يحجب هذا الأمر معوقات أساسية أو بعض مظاهر وهن لا زال عالقا بجسد القضاء وينتظر علاجات.

كما تجدر الإشارة إلى بدء عمل الدوائر المتخصصة بالعدالة الانتقالية في هذا العام على مستوى كل الدوائر التي أحدثت وعددها ثلاث عشرة في موازاة انتهاء ولاية هيئة الحقيقة والكرامة، الأمر الذي سيؤدي إلى نقل مسار العدالة الانتقالية إلى هذه الدوائر وجعل القضاء تاليا تحت أضواء الإعلام والرأي العام. وقد اقتصر حتى الآن عملها على عقد جلسات أدت إلى كشف جانب من حقيقة الانتهاكات على لسان الضحايا وعلى لسان عدد محدود ممن نسبت إليهم الانتهاكات، علما أن هؤلاء تغيبوا في غالبهم عن جلسات المحاكمة. وقد أصدرت الدوائر بمناسبة نظرها فيما نشر من ملفات قرارات تحجير سفر عدد من المتهمين وبطاقات جلب لعدد آخر منهم. كما حظي عملها أقله في بدايته، بمتابعة حقوقية أعادت الاعتبار لمبادئ العدالة الانتقالية وقيمها ولو رمزيا. إلا أنه ورغم ذلك وكبر الآمال المعلقة على هذه الدوائر، ثمة اشكالات كبرى تنتظر عمل هذه الدوائر، منها ما يتصل بخلو عدد من الملفات من أبحاث جدية أو عدم تنصيص المشرع على طرق الطعن في أحكامها. ويخشى أن تؤدي هذه الإشكالات لتعريض حقوق الضحايا أو شروط المحاكمة العادلة للخطر، ما لم تتم مراجعات جريئة لإصلاح أسس بنيان هذه الدوائر.

1- الحقوق المدنية والسياسية:

الحق في المحاكمة العادلة: أحكام بتصورات جريئة

حضر هاجس المحاكمة العادلة في عمل القضاء العدلي بوضوح كبير في سنة 2018 في سياق تطور إيجابي يستحق أن يبرز وأن يثمن. كما تجلى في موقف رمزي في فقه قضاء المحكمة الإدارية، وذلك من خلال قرار مبدئي ذي قيمة تاريخية كبرى.

المحاكمة العادلة من قيم القضاء الجزائي

يكرس القانون عدد 05 لسنة 2016 المنقح لمجلة الإجراءات الجزائية إلى حد بعيد شروط المحاكمة العادلة، اعتبارا لما فرضه من رقابة قضائية شاملة على أعمال الباحث الابتدائي ولما كرسه من حقوق دفاع للمشتبه به أمام هذه الجهة. وفيما ساد اعتقاد قبل دخول التنقيحات حيز النفاذ بتاريخ 01-06-2016 أن المحاكم ستتجه نحو التساهل في تطبيقها بالنظر إلى حجم المعوقات، جاء عمل المحاكم في سنة 2018 ليدحض إلى حد بعيد هذا الاعتقاد.

وفي هذا الإطار، قضت الدائرة الجناحية الصيفية بالمحكمة الابتدائية بالقيروان بجلستها التي عقدت بتاريخ 08-08-2018 بعدم سماع الدعوى الجزائية في حق متهم تعلقت به تهمة جزائية. وقد أسست المحكمة حكمها على بطلان إجراءات التتبع في حقه بعدما ثبت لها أنه لم يتمكّن من الاستعانة بمحام عند سماعه من قبل باحث البداية رغم طلبه ذلك وحضور نائبه. وعليه، اعتبرت المحكمة أن ثمة اعتداء على إحدى ركائز المحاكمة العادلة المتمثلة بحقه في الدفاع كما كرسه القانون المنقح لمجلة الإجراءات الجزائية[1]. وذات توجهها  الصارم في ترتيب جزاء الإخلال بالإجراءات الضامنة لحق الدفاع تبنته محاكم الأصل في مختلف المحاكم والتي تواترت الأحكام الصادرة عنها التي ترتب جزاء بطلان إجراءات المحاكمة متى تم المس بالإجراءات الأساسية وبحقوق المتهم الشرعية.

قطعت المحاكم الجزائية عند هذا الحد مع التصورات المحافظة التي كانت تحكم مقاربتها سابقا وترفض إلى حد بعيد الاستجابة لطلبات الدفاع في إجراء رقابة على شكليات محاضر البحث بدعوى قابلية الإجراءات الجزائية للتصحيح. فكان الموقف القضائي الجديد قريبا من التصور الوظيفي للقضاء كما ورد بالدستور، قضاء يحمل لواء حماية الحريات.

أما على صعيد محكمة التعقيب، فإن الأمور بدت موضع خلاف. فمن جهة أولى، رصدنا صدور قرارات عن دوائر تعقيبية كشفت تحمسا واضحا لفرض جزاءات صارمة على كل مس بإجراءات المحاكمة العادلة ومنها القرار عدد 63341 الصادر  بتاريخ 09-07-2018[2] والذي أثارت فيه محكمة التعقيب من تلقاء نفسها عيب تعهد الباحث الابتدائي بالبحث في غير حالة التلبس دون إذن قضائي لتقول أنه كان على محكمة الأصل أن تصرح ببطلان إجراءات التتبع كجزاء لهذا المس بحقوق المتهم الشرعية. لكن، وعلى نقيض ذلك، رصدنا صدور قرارات عن بعض الدوائر التعقيبية تصدّت للتوجه الجديد، ومنها على سبيل المثال القرار الصادر بتاريخ 12-02-2019[3] والذي جاء فيه أن “المشرع التونسي ولئن لم يكرس نظاما قانونيا واضحا ومتكاملا للبطلان في مادة الإجراءات الجزائية على عكس التشاريع المقارنة، فإنه لا خلاف في كونه استبعد نظرية البطلان المطلق التي تؤدي إلى بطلان الدعوى برمتها”. وعليه، قررت المحكمة أن “عدم ذكر تاريخ انتهاء الاحتفاظ بمحاضر البحث ورغم كونه إخلالا بإجراء يوجبه القانون لا يبرر التصريح ببطلان إجراءات التتبع”.

وعليه، وإذ بدا قضاء الأصل متحفزا في سنة 2018 لفرض نظرة تقدمية لشروط المحاكمة العادلة، فإنه لقي مقاومة من بعض قضاة محكمة التعقيب، بما يعكس صراع أجيال ورؤى متباينة داخل القضاء، حول تصوراتها للوظيفة القضائية.

المحكمة الإدارية: إبطال أعمال محكمة أمن الدولة انتصارا لقيم المحاكمة العادلة

في جلسة يوم 20-02-2018، قضت الدائرة الاستئنافية بالمحكمة الإدارية برئاسة كلثوم مريبح وعضويّة المستشارين محمّد الطيّب الغزّي وسماح الفرجاني في القضية عدد 29357 بإلغاء الأمر عدد 624 المؤرخ في 15 أفريل 1987 والمتعلق بتعيين القاضي الهاشمي الزمال رئيسا لمحكمة أمن الدولة مع احتفاظه بصفته وكيلا عاما للجمهورية.

في هذه القضية، خالفت المحكمة رأي مندوب الدولة العام ومن بعده الدائرة الابتدائية التي نظرت في ذات الدعوى قبلها والذين اعتبروا أن إلغاء محكمة أمن الدولة بموجب القانون عدد 70 لسنة 1987 وحذف خطة الوكيل العام للجمهورية بمقتضى القانون عدد 80 لسنة 1987 يفقد طلب الإبطال موضوعه.

تمسكت الدائرة الاستئنافية في حكمها بكون إصدار محكمة أمن الدولة أحكاما في حق المدعين أمامها يجعل من واجب القضاء البت في دعواهم لكون مصلحتهم في ذلك ثابتة وإن كانت ذات قيمة تاريخية ومبدئية لا غير. وانتهت الدائرة للقضاء لفائدة الطلب لما ثبت لديها من تداخل بين جهة الادعاء والحكم، هذا التداخل الذي عدته يمس بالمحاكمة العدالة.

الحريات العامة: منعا لتغول السلطة وخدمة لقيم المجتمع الديمقراطي

صدرت عن المحاكم التونسية سواء منها الإدارية والعدلية أحكام تبرز حسن اضطلاع القضاء بدوره في حماية الحريات العامة، هذا الدور الذي يعطيه التمديد المتواصل لحالة الطوارئ واستعمال أحكامها في الحدّ من الحريات أهمية خاصة.

رفض للرقابة على الإبداع

بتاريخ 04-10-2018، مارس والي قبلي ما له من صلاحية ضبط إداري لمنع تصوير مشاهد من الشريط السينمائي بمنطقة قصر غيلان الراجعة بالنظر لسلطته على خلفية أن أحد المشاهد المزمع تصويرها يفرض إنزال الراية الوطنية من منشأة عمومية ورفع راية التنظيم الإرهابي داعش محلها وهو أمر تأباه وطنيته،

أصدر رئيس الدائرة المتعهدة “حسام الدين التريكي” بتاريخ 05-11-2018 قرارا استعجاليا بإيقاف تنفيذ القرار بمنع تصوير هذه المشاهد. وقد علل موقفه بكون حرية الإبداع من الحريات الدستورية التي يجب أن تحظى بالحماية وبكون سلطة الضبط الإداري التي يتمتع بها الوالي لا تجيز له المس بهذه الحرية اعتباطيا.[4]

جرائم التحريض على تعكير صفوة الأمن يجب تحري توفر ركن معنوي فيها واضح الدلالة

بموجب قرارها عدد 52620 الصادر بتاريخ 03-01-2018، أكدت الدائرة التعقيبية التاسعة برئاسة عبد الجليل بوريقة وعضوية رياض الغربي وتوفيق السويدي على كون تجريم الأقوال والمنشورات بدعوى أنها “تتضمن تحريضا على العنف” يجب أن يستند إلى وضوح اتجاه القصد الجنائي لتحقيق الغاية المذكورة”. ويبدو هذا الاجتهاد القضائي المتشدد في إثبات جرائم النشر والتشهير منسجما مع مبادئ حرية التعبير، حريصا على تحسين حمايتها في ظلّ التشريع القائم وبعيدا عما يكون للتصور الحقوقي المبدئي عليه من مؤاخذات.

تقييد حرية التنقل تحت رقابة القضاء

أصدرت الدائرة الابتدائية الأولى بالمحكمة الإدارية بتاريخ 02-07-2018 حكما يقضي بإلغاء قرار يخضع مواطنا للإقامة الجبرية تطبيقا لمقتضيات الفصل 05 من الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26-01-1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ. وقد استندت الدائرة لكون التدبير الاحترازي يندرج في نطاق السلطة المقيدة لوزارة الداخلية والتي يجب أن تكون خاضعة في ممارسته للقاضي الإداري بوصفه الجهة المكلفة بحماية الحريات. ويكرس هذا الحكم فقه قضاء متواتر للمحكمة الابتدائية في الموضوع كان له فضل الحد من تعسف السلطة التنفيذية في استعمال الإجراءات الاحترازية.

2- مكافحة الفساد: قضاء يتجرأ وصوت يسمع

برزت سنة 2018 على مستوى قضاء التحقيق مواقف جريئة تعطي للتصدي القضائي للبحث في ملفات الفساد أبعادا ايجابية. كما صدر خلال ذات السنة حكم عن محكمة الاستئناف بالمنستير طور منظومة حماية المبلغين عن الفساد. وصدر التقرير 31 لمحكمة المحاسبات والذي كان لما تضمنه من أعمال رقابية دور في إبراز أهمية الدور الذي يلعبه القضاء المالي في مكافحة الفساد.

قضاة التحقيق جرأة أكبر في بحث ملفات الفساد

بتاريخ 30-08-2018، أصدر قاضي التحقيق بالقطب القضائي المالي قرارا احترازيا يحجر السفر على كاتب الدولة للمناجم حينها الهاشمي الحميدي الذي استنطقه في ذات اليوم من أجل ما نسب  له من تهم ارتشاء وفساد مالي. وكان من أثر هذا القرار القضائي أن أقال رئيس الحكومة في اليوم الموالي عضو الحكومة من مهامه. تظهر عند هذا الحد جسارة القضاء في عمله على قضايا الفساد حدثا إيجابيا تميز به سنة 2018. ويلاحظ هنا أنه وفي سياق رسم القضاء لتصور جديد لعلاقته بذوي الحصانات السياسية الفعلية، أصدر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس بتاريخ 22-10-2018 بطاقة جلب قضائية في حق الوزيرة مجدولين الشارني لرفضها الاستجابة لاستدعاء وجه لها مرتين للحضور أمامه وسماعها  كمتهمة في شكاية مرفوعة ضدها.

إيجابية صورة القضاء الجسور في محاسبته للمسؤولين الحكوميين لا يجب أن تحجب ضعف أداء ذات القضاء في عمله على ملفات الفساد المالي، هذا البطء الذي يبرره القضاة بتعقد تلك الملفات وحاجتها لأبحاث معقدة ومطولة. ويرفض جانب كبير من المجتمع تبريرهم ذلك الذي يقدرون أنه محاولة منهم لتبرير تقصير وظيفي ساهم في منع استرجاع تونس للأموال المنهوبة في الخارج. ويُخشى أن ينهي الاتحاد الأوروبي تجميده لهذه الأموال خلال السنوات القليلة القادمة بفعل عجز تونس عن إثبات فساد مصادرها بأحكام قضائية باتة.

محكمة الاستئناف بالمنستير: تمييز إيجابي للمبلغين عن الفساد

بتاريخ 22-10-2018، أصدرت محكمة الاستئناف بالمنستير برئاسة رئيسها الأول أحمد رزيق وعضوية المستشارين محسن الأكحل ونجوى رزق الله حكمها عدد 53131 والذي أرست صلبه مبدأ مفاده أن فقدان المبلغ عن الفساد لعمله بسبب تبليغه يؤدي لتعليق استحقاق ديونه.

تمثلت وقائع الدعوى في أن مؤسسة بنكية استصدرت أمرا بالدفع عن المحكمة الابتدائية بالمنستير ضد أحد حرفائها في طلب خلاص بقية مبلغ قرض يدين لها به. فكان أن استأنف المحكوم ضده ذاك القرار. وقد تمسك في استئنافه بكونه لم يتخلّف عن الإيفاء بالتزامه تقصيرا منه، ولكن بسبب فصله تعسفيا عن عمله بعدما بلّغ عن حالة فساد بالمؤسسة التي كان يشتغل بها. وإثباتا لذلك، أفاد هذا الأخير المحكمة أنه استصدر على قرار من الهيئة الوطنية للفساد يمتعه بالحماية المستوجبة للمبلغين عن الفساد، بما سيمكنه من تسوية الخلاف بينه وخصيمته. وطلب استنادا لذلك الرجوع في الإجراء المتخذ في حقه.

استندت محكمة الإستئناف بالمنستير إلى الوثيقة الصادرة عن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ليستخلص أن المستأنف طرد من عمله تعسفا بسبب التزامه بمكافحة الفساد. واعتبرت أن فقدان مورد الرزق انتقاميا يتولد عنه تعليق ديون المبلِّغ عن الفساد إلى حين إرجاعه لعمله وتسوية المتخلد بذمة مشغلته من مستحقاته، بما يوجب الرجوع في الأمر بالدفع المتنازع فيه.

وللوصول إلى هذه النتيجة، استندت المحكمة على فكرتين اثنتين:

الأول، أن واجب إقامة العدل المناط بالقضاء وفق الفصل 102 من الدستور يفرض عليها أن تبحث عند نظر المنازعات عن المقاصد التشريعية طلبا لتحقيق غاياتها،

ثانيا، أن فكرة التشاركية في مكافحة الفساد التي فرضها المشرع على كل مكونات المجتمع تفرض انطلاقا من ذلك، أن تتوسع حماية المبلغين عن الفساد لتشمل مظلّتها ديونهم تجاه الغير التي منعتهم إجراءات طالتهم من الإيفاء بها. يقطع الحكم في بنائه النظري مع التصور الكلاسيكي الذي يحصر الوظيفة القضائية في تطبيق القانون ويتبنى كبديل عنه تصورا حديثا يرى أن الوظيفة القضائية تتجاوز “قول حكم القانون” لتصل لفهم المنازعات في مختلف أبعادها وتنزيل الأحكام عليها في سياق يخدم قيم المجتمع الديمقراطي ويكون فيه القاضي حاميا لتلك القيم عاملا على تطويره. ويؤكد هذا الحكم في توجهه هذا تنامي النزعة التجديدية في الوسط القضائي التونسي بما ينسجم مع توجهات الانتقال الديمقراطي. كما يبرز في اعتماده أحكام الدستور أن تطور القيم القضائية لا يمكن أن يتم بمعزل عن فكرة كونية حقوق الإنسان ومبادئ المجتمع الديمقراطي[5].

دائرة المحاسبات تنشر تقريرها السنوي عدد 31:

سلم يومي 18 و20 من شهر ديسمبر لسنة 2018 نجيب القطاري الرئيس الأول لدائرة المحاسبات التقرير السنوي عدد 31 للمهام الرقابية لدائرته ومن ثمة تم نشر هذا التقرير بموقع المحكمة وتداوله سريعا الإعلام. كشف التقرير عن إخلالات كبرى في التصرف في المال العام مس عديد المؤسسات العمومية. وكان من أثره أن شكك المسؤولون عن تلك المؤسسات في مصداقية التقرير دون أن يفلحوا في حجب أهمية ما كشفه. أهمية العمل الرقابي لدائرة المحاسبات لا يحجب بطء أدائها في مهامها القضائية إذ هي تولّت نهاية سنة 2018 ختم ميزانية الدولة لسنة 2016 وهذا التأخير يضرّ حتما باضطلاعها بدورها الوظيفي.

3- تنظيم العائلة والأحوال الشخصية:

في سنة 2018، صدر قراران هامان في شأن تنظيم العائلة والأحوال الشخصية.

حقّ الأم العزباء في التبني

أصدر القاضي محمد المعز العروسي وكيل رئيس محكمة ناحية تونس حكما في مادة التبني تحت عدد 12639 بتاريخ 12-07-2018 أقر صلبه بصحة تبني إمرأة عزباء لطفلة قاصرة مجهولة النسب متجاوزا بذلك شرط الزواج المنصوص عليه بالفصلين التاسع والعاشر من القانون عدد 27 لسنة 1958 المؤرخ في 04 /03/1958 المتعلق بالولاية العمومية والكفالة والتبني في طالبة التبني. وقد اتّسم هذا الحكم بالجرأة في تنزيله مفهوم المصلحة الفضلى للطفل كقيمة فوق قانونية وإقراره لقيم ومفاهيم أسرية جديدة تمنح في عمقها ودلالاتها حقوقا للأمهات العازبات. بما يجعل منه  نموذجا  جديدا على تطور فهم القاضي لوظيفته والمتمثلة في الانتصار للحقوق الأساسية وإن غفلت القوانين عن تكريسها. بفضل اجتهاده المُقدّر وجرأته، كرّس القاضي حقوقا سكت عنها القانون. ومن شأن هذا الأمر أن يؤسس لمراجعات تشريعية تستوجبها طبيعة المجتمعات وتغير العقليات وتطورها من جهة وتفرضها حقوق الإنسان في أبعادها و أوجهها المتعدّدة من جهة أخرى.”[6]

قضاء يتصدى للتعريب القسري لأسماء المواليد: الدستور يقر بتعدد روافد الثقافة التونسية

أصدر بتاريخ 27-08-2018 القاضي سليم كمون، وكيل رئيس المحكمة الابتدائية بصفاقس إذنا لبلدية صفاقس بترسيم أحد المواليد بالاسم الذي اختاره له والداه، على الرغم من أنه ليس عربيا. وكانت البلدية  رفضت ترسيم المولود بدفاتر الحالة المدنية بدعوى أن إسم “ماسين” الذي أصر والداه على إسناده له غير عربي وأن المنشور الصادر عن الوزير الأول تحت عدد 15 المؤرخ في 14-02-1989 المتعلق بالحالة المدنية يمنع على ضابطها ترسيم المواليد بأسماء غير عربية. وهذا القرار، الذي صدر غير معلل، يبدو هاما جدا لكونه:

  •  يؤدي إلى إبطال مفعول منشور غير قانوني يلزم بإسناد أسماء عربية للمواليد الجدد، و يضع قيدا إضافيا غير مبرر على حقوق الأهل بتسمية أبنائهم، وعلى نحو يتعارض مع قانون الحالة المدنية الذي لم يفرض هذا الشرط.
  •  يشكل نموذجا جديدا عن الأعمال القضائية المستمدة من الفهم الجديد للوظيفة القضائية، والمتمثلة في حماية الحقوق والحريات (مادة 49 من الدستور). فعدا عن أن هذا القرار يؤكد على حقوق الأفراد، وبخاصة المنتمين إلى الأقليات العرقية والدينية، في إسناد أسماء لأبنائهم تبرز هويتهم الثقافية المتميزة، فإنه يشكل في الآن نفسه إقرارا بتنوع الموروث الثقافي التونسي بما يلائم الثوابت التي أرساها دستور الجمهورية الثانية.[7]

4- حماية الفئات الهشة

في هذا المجال، صدر حكم قضائي لافت كرس لأول مرة حق تغيير الجنس من خلال توسيع مداخله. صدر هذا الحكم بتاريخ 09-07-2018 عن دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة الابتدائية  بتونس برئاسة القاضية سمية بوغانم وعضوية القاضيتين وسيلة العجيمي ودليلة علوي. وقد اعتبر الحكم الاضطراب النفسي الناجم عن تمايز الحالة النفسية الحاكمة مع الحالة العضوية الظاهرة حالة ضرورة تبرر تغيير الجنس.ت كان من أهم ما تميز به هذا الحكم المجدد أنه استند ليس فقط على كمّ من المرجعيات القانونية الدولية، بل أيضا إلى مبادئ الشريعة الإسلامية ليصل لتكريس غير معلن للحق في تغيير الجنس. ويذكر هذا التأصيل إلى حدّ بعيد بالمقاربة الحداثية التونسية في مجال الأحوال الشخصية، هذه المقاربة التي سعت دوما إلى خلق قبول مجتمعي بالمبادئ الحقوقية من خلال عملها على كسر التضارب الظاهر بينها وبين التصورات الدينية التي تشكل جانبا من قناعات المجتمع[8].

  • نشر هذا المقال في العدد | 14 | أبريل 2019، من مجلة المفكرة القانونية | تونس |. لقراءة العدد انقر/ي على الرابط ادناه:

لمن القانون في تونس 2018؟

  • لقراءة المقال باللغة الانجليزية اضغطوا على الرابط أدناه:

Guaranteeing Fair Trial in Tunisia

 

 


[1]  قرار قضائي تونسي يحمي حق المشتبه به بالدفاع، موقع المفكرة القانونية

[2]  قرار غير منشور .

[3] قرار تعقيبي عدد 72461 بتاريخ 12 فيفري 2019

[4] انتصار قضائي لحرية الإبداع في تونس: المفكرة تنشر القرار بوقف منع تصوير مشاهد سينمائية، موقع المفكرة القانونية.

[5]  استئناف منستير توسّع حماية المبلغين عن الفساد: التشاركية في مكافحة الفساد تعني التضامن مع هؤلاء – 21-11-2018  المفكرة القانونية

[6]  أميرة عمري – حق المرأة العزباء في التبني 31-08-2018 المفكرة القانونية

[7]  محكمة صفاقس تتصدى لتعريب أسماء المواليد الجدد قسرا: تأكيد قضائي على تعدد روافد الثقافة الوطنية  – 28-08-2018 – المفكرة القانونية

[8] للاطلاع على نص الحكم يراجع ، المحكمة الابتدائية بتونس: اضطراب الهوية الجنسية حالة نفسية تبيح تغيير الجنس، موقع المفكرة القانونية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، تونس ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني