أبرز الأحكام القضائية في المغرب-2018 (1): أحكام هامة لإلزام الإدارات العامة بتنفيذ أحكام القضاء


2019-04-18    |   

أبرز الأحكام القضائية في المغرب-2018 (1): أحكام هامة لإلزام الإدارات العامة بتنفيذ أحكام القضاء

ككل سنة، تستعيد “المفكرة القانونية” أهم الأحكام القضائية التي نشرتها، والتي آلت الى تحقيق مكسب حقوقي هام. وقد تميزت هذه السنة بالمغرب بصدور مجموعة من الأحكام التي بدا فيها القضاء في حالة تفاعل حقيقي مع مطالب وحراكات اجتماعية بارزة، وهي أحكام سنتناولها ونعلق عليها في حلقتين.

في هذه الحلقة الأولى، نستعرض أهم الأحكام المتصلة بتعزيز الحقوق المدنية والسياسية وبتنظيم العائلة.

1- الحقوق المدنية والسياسية

في هذه السنة، تميز القضاء بعدد من الأحكام الآيلة إلى تعزيز الحقوق المدنية والسياسية. وكان لافتا في مجموعة من هذه الأحكام القضائية أن القضاة لجؤوا في تعليلها إلى مقتضيات الوثيقة الدستورية، وكذا عدد من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، كما أنها عكست وعلى العموم تطورا في فكرة لجوء المتقاضين الى القضاء للمطالبة بتفعيل الحقوق والحريات وإشاعة ثقافة القانون.

المحاكمة العادلة وانعكاساتها

في هذا الخصوص، صدر عدد من الأحكام الهامة، وبخاصة بما يتصل بقرينة البراءة أو أيضا أصول الوجاهية في المحاكمات التأديبية. وأبرز هذه الأحكام الآتية:

قرينة البراءة

عدم احترام النيابة العامة لأجل عرض الموقوف على المحكمة يبطل الملاحقة

في سابقة فريدة من نوعها، قضت محكمة الاستئناف بتازة ببطلان إجراءات اعتقال أحد الموقوفين في قضية تتعلق بالحيازة والاتجار في المخدرات، وأمرت بالإفراج عنه فورا، نظرا لعدم احترام النيابة العامة لأجل عرض الموقوف احتياطيا على المحكمة، بعدما تصادف تاريخ متابعته مع عطلة الأعياد[1].

تعود فصول القضية إلى تاريخ 16 أغسطس 2018 حينما أوقفت الشرطة القضائية شخصا يشتبه في تورطه في الإتجار في المخدرات. وبتاريخ 18 أغسطس2018، عرض على النيابة العامة التي أصدرت قرارا باعتقاله، وأحالته على جلسة الحكم المقررة بتاريخ 27 أغسطس 2018.

خلال مرحلة الاستئناف جدد محامي المتهم دفعه الرامي إلى بطلان الإجراءات، موضحا بأن موكله أحيل على المحكمة بعد 9 أيام من اعتقاله. والحال أنه كان يجب إحالته داخل الأجل القانوني الذي لا يتجاوز 3 أيام، مما يجعل اعتقاله تعسفيا. بينما التمست النيابة العامة رد الدفع لكون توقيف المتهم صادف فترة أعياد، والنيابة العامة احترمت جدول جلسات المحاكمة الموضوع من طرف الجمعية العمومية.

وقضت محكمة الاستئناف ببطلان إجراءات الاعتقال والإفراج فورا عن المتهم.

تبرز أهمية هذا الحكم في عدة جوانب:

-التعليل الذي اعتمدته المحكمة والذي استند على “الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب، والفصول 23 و71 من الدستور، والتي تنص على أنه لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون”،

-تأكيد الحكم على أن اختصاص التشريع في ميدان المسطرة الجنائية والحريات الأساسية يعود حصريا إلى البرلمان، “و بمقتضى المادتين 47 و74 من قانون المسطرة الجنائية فإنه إذا أصدر وكيل الملك أمرا بإيداع المتهم في السجن، فإن القضية تُحال على أول جلسة مناسبة تعقدها المحكمة الابتدائية حسب الشروط المنصوص عليها في المادة 385 من نفس القانون، وهي المادة التي تنص على أنه: “يقدم المتهم إلى الجلسة في الحالة المنصوص عليها في المادة 74 من نفس القانون بدون استدعاء”، وفي كل الأحوال داخل أجل ثلاثة أيام، … وأنه يترتب البطلان عن مخالفة هذه المقتضيات، وهو جزاء تشريعي صريح لا لبس فيه”. وعليه، لا مجال للدفع بجدول الجلسات المعد من طرف الجمعية العمومية لتقييد نص جنائي أو استبعاده؛

-اعتبرت المحكمة أن الخرق الحاصل لا يعد خرقا للاجراءات الشكلية التي يقررها القانون والتي يمكن تداركها، بل خرق (جوهري) يستوجب  إبطال المتابعة والإحالة إليها والامتناع تاليا عن التصدّي لأساس القضية؛

الحكم يسهم في تثبيت التصور الجديد للوظيفة القضائية لدى طائفة واسعة من القضاة وقوامها أولا “حماية حقوق الأشخاص وحرياتهم وأمنهم القضائي”

امكانية إثبات عكس ما دون في محاضر الشرطة: الأصل في الإنسان البراءة

في تطور لافت في المحاكمات المتعلقة بقضايا حيازة المخدرات بالمغرب، أصدر القاضي عبد الرزاق الجباري رئيس غرفة التلبس بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة خلال شهر أبريل 2018، حكما يعتبر من بين الأحكام المبدئية قضى ببراءة متهم من جنحة حيازة المخدرات والإتجار فيها، بعد إثبات عكس ما جاء في محضر الشرطة المتضمن لاعتراف المتهم، ومحضر إلقاء القبض عليه متلبسا بحيازة كميات من المخدرات[2].

تعود فصول القضية إلى 20 مارس 2018 حينما أوقفت شرطة القنيطرة مجموعة من الأشخاص المشتبه في تعاطيهم لاستهلاك المخدرات وترويجها في أحد المقاهي، ومن بينهم المتهم الذي تم الاستماع إليه تمهيديا، في محضر قانوني رفض توقيعه، وبناء على إحالة الملف على النيابة العامة، أنكر المتهم حيازته للمخدرات وإتجاره فيها، منازعا في كل تصريحاته التمهيدية المعروضة عليه، وقررت النيابة العامة متابعته في حالة اعتقال.

أثناء المحاكمة جدد المتهم إنكاره موضحا أنه رفض التوقيع على محضر الشرطة، بعدما وجد أنه يتضمن اعترافات لم يدل بها، ملتمسا الاستماع إلى شاهد عاين عملية توقيفه.

وبالفعل، استجابت المحكمة للطلب واستمعت للشاهد وهو صاحب المقهى الذي ضبط فيه المتهم، حيث أكد انعدام حالة التلبس، وأدلى بشريط فيديو يوثق عملية إيقاف المتهم، ويظهر أن عناصر الشرطة ضبطت كمية المخدرات على بعد أمتار من مكان تواجد المتهم. وعليه قررت المحكمة استدعاء عناصر الشرطة، الذين تشبثوا بصحة ما دوّن بالمحضر.

وتبعا لذلك، انتهى القاضي إلى إعلان براءة المتهم من المنسوب إليه مؤكدا أنه “ثبت للمحكمة، بصفة قطعية يقينية، بعد الاطلاع على شريط الفيديو وتناقض شهادة عناصر الشرطة المستمع إليهم، عكس ما تضمنه محضر الشرطة واقتنعت، تبعا لذلك، بعدم ثبوت جنحة حيازة المخدرات والإتجار فيها واستهلاكها في حق المتهم؛ مما يتعين معه القول بعدم مؤاخذته من أجلها، والتصريح ببراءته، عملا بالمبدأ المنصوص عليه في الفصل 119 من الدستور، والمادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية، والقاضي بأن “الأصل في الإنسان البراءة”.

تبرز أهمية هذا الحكم في الأمور الآتية:

  • أنه يقدّم حالة تطبيقية في سياق معالجة مشكلة مزمنة قوامها رفض المحاكم فتح باب إثبات عكس ما ورد بمحاضر الشرطة. وقد سبق لمنظمات حقوقية وطنية ودولية أن أثارث هذه الإشكالية، تحت عنوان “وقع هنا فحسب المحاكمات الجائرة بناء على الاعترافات التي دونتها الشرطة“. و أشارت إلى أن حجية محاضر الشرطة التي تحررها في الجنح بالمغرب تعد مطلقة، حتى لو رفض المتهم التوقيع عليها، مما يعد انتهاكا لضمانات المحاكمة العادلة. وكان محامون أثاروا في الكثير من قضايا الجنح اشكالية تقييد سلطة القضاة في تقدير وسائل الإثبات المعروضة عليهم في حالة وجود اعتراف مسبق للمتهم مدون في محضر الشرطة، حيث ينص الفصل 290 من قانون المسطرة الجنائية على أن محاضر الشرطة في الجنح يوثق بمضمونها ما لم يثبت العكس. ولكن الاتجاه القضائي السائد حاليا يرفض فتح باب إثبات عكس ما ورد بهذه المحاضر، وهو ما يجعلنا في مواجهة أزمة نفي يصطدم بها كل من يفكر في نفي صحة ما جاء في هذه المحاضر؛
  • أنه على عكس المعهود، ورغم وجود اعتراف من المتهم، لجأت المحكمة إلى البحث عن وسائل لإثبات عكس ما دوّن في محضر الشرطة، وقد عللت قرارها غير المعهود بحرصها على ضمان الحق في المحاكمة العادلة المقررة بمقتضى الفصل 120 من الدستور، ودورها في البحث عن الحقيقة الذي لا يحده أي قيد قانوني،

ويؤمل أن يشكل قرار المحكمة الابتدائية في القنيطرة منعطفا لتغيير طريقة تعامل القضاء مع اشكالية رفض التوقيع في محاضر الشرطة المتضمنة لاعترافات متهمين في انتظار تدخل تشريعي يقوي من ضمانات المتهمين خلال مرحلة البحث التمهيدي ويسمح بحضور الدفاع، واستعمال كاميرات لتسجيل اعترافات الموقوفين أمام الشرطة.

الملاحظ أن السند الرئيسي للمحكمة لنقض مضمون محضر الشرطة هو الفيديو المصور، الأمر الذي يدعونا مجددا للتفكير حول خطورة الدورية الصادرة عن المدير العام للأمن الوطني بالمغرب، لحثّ عناصر الشرطة على تحرير محاضر وتوقيف كل شخص يحاول أو يقوم بتصوير عناصر الأمن أثناء أداء عملهم من دون إذن، مع نزع هاتف المصور الذي يخرق القانون. فلو لم يتسنّ للأشخاص المتواجدين تصوير الحادثة، لما تمكنت المحكمة من مناقشة صحة المحضر إطلاقا.

ضمانات المحاكمة التأديبية في المغرب: للمُلاحق تأديبيا أن يأخذ نسخة عن ملفه

بتاريخ 09 نوفمبر 2018 أصدر قاضي المستعجلات بالمحكمة الإدارية بمدينة الدار البيضاء أمرا استعجاليا تحت رقم 1034 – قسم القضاء المستعجل قضى في منطوقه بتعيين مأمور اجراءات التنفيذ بذات المحكمة قصد الانتقال إلى الإدارة المدعى عليها واستنساخ وثائق الملف التأديبي للمدعية بعد الاطلاع عليها.

وتعود وقائع القضية إلى أن ناشطة حقوقية وهي طبيبة بمندوبية وزارة الصحة بمدينة الدار البيضاء، تُتابع في ملف تأديبي يتابعه الرأي العام أمام الجهة الإدارية التي تشتغل فيها. وكانت الإدارة رفضت الاستجابة لطلبها بأخذ نسخة من ملفها التأديبي، فلجأت إلى القضاء الاستعجالي قصد إجبار الإدارة على مدها بوثائق الملف التأديبي وأخذ نسخة منها. وهو ما استجاب له القضاء الإداري بالدار البيضاء.

تبرز أهمية هذا الاجتهاد القضائي الحمائي في أنه يمكن أن يعتمد في الملفات التأديبية المماثلة. حيث ترفض العديد من الإدارات السماح بأخذ نسخ مصورة من الملفات التأديبية، بعلة أن القانون لا  ينص على أخد النسخ بل يخول فقط الحق في الاطلاع عليها.

حرية المعتقد:

أيدت محكمة الاستئناف بتازة (شرق المغرب) الحكم الابتدائي الذي قضى ببراءة متهم من جنحة زعزعة عقيدة مسلم طبقا للفصل 220 من القانون الجنائي.

تعود فصول القضية إلى بداية العام المنصرم حينما تقدم شخص بشكاية في مواجهة صديق له يعرض فيها بأن هذا الأخير قام بتسليمه كتبا تتحدث عن الإنجيل، بهدف زعزعة عقيدته.

وعند الاستماع إلى المشتكى به نفى المنسوب اليه، فقررت النيابة العامة متابعته من أجل زعزعة عقيدة مسلم وإحالته على المحاكمة.

بتاريخ 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2018 أصدرت محكمة الاستئناف قرارها في القضية حيث أيدت الحكم الابتدائي (الصادر بتاريخ 28 مارس 2018) والقاضي ببراءة المتهم لعدم توفر الأدلة. ولهذه الغاية، استندت المحكمة إلى اعتبارات ثلاثة:

  • الأول، وهو اعتبار قلما تثيره المحاكم، وهو يتأتى عن الفقرة الثالثة من المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه المغرب، والتي تنص على أنه “لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام …”،
  • الثاني، أن الإنجيل هو من الكتب السماوية التي يؤمن بها المسلمون،
  • الثالث، أن تسليم الكتب للمشتكي، على فرض صحته، يندرج في إطار التعارف بين الشعوب ولا يكتسي أي طابع جنحي. وقد ذهب الحكم إلى حد الاستشهاد بالقول الرباني “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”. وقد أسند الحكم هذه النتيجة إلى وقائع الملف التي “لا تفيد أن المتهم سعى إلى التشكيك في عقيدته كمسلم أو دعوته إلى الإرتداد عن دينه” أو “أنه سعى بطريقة مهيكلة ومنظمة وبطريقة اعتيادية أو غير اعتيادية، إما فرديا أو جماعيا، إلى دعوة المشتكي إلى الارتداد عن دينه الإسلام واعتناق المسيحية”.

2- أحكام رائدة في مجال تنظيم العائلة والأحوال الشخصية:

تغليب المصلحة الفضلى للطفل على السرية البنكية

بتاريخ 06 نوفمبر 2018 أصدر رئيس المحكمة الإدارية بالرباط المستشار محمد السيمو أمرا استعجاليا هاما بتغليب المصلحة العليا للطفل على السرية البنكية[3].

وبالعودة إلى تفاصيل القرار، يسجل أن أحد البنوك تقدم بتاريخ 06 يونيو 2018 بمقال استعجالي أمام المحكمة الإدارية في الرباط. وقد عرض البنك في مقاله أنه توصّل من مفوض قضائي بطلب يهدف إلى تمكين زوجة من معلومات مرتبطة بحساب زوجها المفتوح بدفاتر البنك. وإذ اعتبر البنك أنه ملزم بكتمان السر المهني، التمس من المحكمة تسجيل تحفظه عن الإدلاء بالمعلومات المطلوبة والتصريح بوجود صعوبة قانونية في تنفيذ الأمر القضائي السابق.

ولرد هذا الطلب، استند رئيس المحكمة إلى اعتبارات عدة، أبرزها الآتية:

  • أن غاية الطالبة من كشف المعلومات البنكية، هي التثبت من الوضعية المالية الحقيقية للزوج، قصد الاعتماد عليها في طلب الزيادة في قيمة النفقة المحكوم بها من الجهة القضائية المختصة لفائدة ابنتيه منها اللتين توجدان تحت حضانتها على إثر انتهاء العلاقة الزوجية بينهما،
  • أن الغاية من السرية تتمثل أساسا في حماية وبناء مؤسسات الائتمان من مخاطر استغلال معطياتهم الشخصية من طرف الغير على نحو يمس بمصالحهم المالية والأدبية و بالمنافسة المشروعة، وفي حماية الثقة في البنوك كمؤسسات مالية واقتصادية تباشر أدوارا اجتماعية واقتصادية هامة، فضلا عن حماية المصلحة العامة في تدعيم الائتمان وتوفير المناخ المناسب للاستثمار والاستقرار الاقتصادي. وعليه، رأت أن هذه الغايات لا تتوفر في النازلة المعروضة على المحكمة وأنه لا يمكن تفسير المادة المتصلة بالسرية على نحو يتعارض مع متطلبات الحماية المشار إليها ومع غاياتها الاجتماعية. وقد دعّم الأمر منتهاه هذا بقوله أن النص القانوني يطبق بمقاصده المرجوة منه.
  • أنه بأية حال، فإن لمصلحة الأطفال غلبة على مقتضيات السرية المصرفية. فالنفقة تعتبر من الحقوق الثابتة والأساسية للأولاد ويتعين تيسير استفادتهم منها خاصة في حال انتهاء العلاقة الزوجية بطلاق أو تطليق، وسيما أن المحضونتين في النازلة هما طفلتان قاصرتان ووضعيتهما أولى بالحماية. وقد دعّم الأمر هذا التعليل من خلال الاستناد إلى الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وأشار وبشكل صريح لمبدأ سموها على التشريع الداخلي، وهو موقف لا نصادفه كثيرا في أحكام واجتهادات القضاء. ومن المواد التي أحال إليها الحكم، المادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والتي نصت على إيلاء “الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى” والمادة 27 من نفس الاتفاقية التي التزمت فيها الدول “بحق كل طفل في مستوى معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي”. كما وضعت هذه المادة أن الوالدين يتحملان “المسؤولية الأساسية عن القيام، في حدود إمكانياتهم المالية وقدراتهم، بتأمين ظروف المعيشة اللازمة لنمو الطفل”. كما التزمت الدول بموجب المادة نفسها بأن تتخذ التدابير المناسبة “لكفالة تحصيل نفقة الطفل من الوالدين أو من الأشخاص الآخرين المسؤولين ماليا عن الطفل، سواء داخل الدولة الطرف أو في الخارج”.

تكمن أهمية هذا القرار في الجوانب الآتية:

-أنه لم يتوقف عند حرفية النصوص، وإنما حاول استقراء الغاية من وضعها، وتقييمها على ضوء الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الأطفال، تبعا لإعلان سموها. وعليه، حمل تطويرا لافتا لهامش تدخل القضاة لتفسير القوانين ومواءمتها مع ما يستشرفونه من مصالح اجتماعية.

-أنه أدى إلى تطبيق المصلحة العليا للطفل في قضايا السرية البنكية، مما عكس تطورا لافتا لهذا المفهوم.

-أنه حصر تعريف السرية البنكية على نحو يحصرها في المصالح المرتبطة بها مباشرة من دون أن يكون من شأنها المس بأي من المصالح الاجتماعية الأخرى.

معاقبة الاغتصاب الزوجي؟

في سابقة تعد الأولى من نوعها بالمغرب، أمرت النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بطنجة بفتح تحقيق في شكاية زوجة تقدمت بها ضد زوجها تتعلق بالاغتصاب الزوجي.

تعود فصول القضية[4] التي أثارت جدلا واسعا بالمغرب وخارجه إلى تاريخ 30 يونيو 2018 حينما انتقلت الشرطة القضائية بالعرائش (شمال المغرب) إلى مستشفى المدينة بعدما نقلت إليه المشتكية وهي تنزف دما من فرجها. وعند الاستماع إليها في محضر قانوني، أكدت أن المشتكى به زوجها منذ حوالي سنة، وأنها دخلت معه في خلاف، وبتاريخ 29/06/2018 حينما كانت معه بمفردها بمنزل والدها، أخبرته بنيتها في فسخ الزواج، الشيء الذي لم يتقبله المشتكى به، وثار في وجهها، وأخذ في الصراخ، وتمكن من إسقاطها أرضا، وقام بمواقعتها رغما عنها. وأدخل ذكره بقوة في فرجها، رغم توسلها إليه للكف عن ذلك، وتمكن من افتضاض بكارتها، وتركها تنزف دما، وقد تم نقلها إلى المستشفى، وأدلت بشواهد طبية تفيد تعرضها لعنف جنسي.

وعند استماع الشرطة للمشتكى به، أكد أن المشتكية زوجته، وأنه نظرا لمروره بضائقة مالية تأخر في إقامة حفل الزفاف، وبأنه كان يتردد باستمرار على منزل والدها، ويمارس معها الجنس بشكل سطحي. وأضاف بأنه دخل معها في خلاف، في يوم وقوع الحادث، وقد مارس معها الجنس بشكل سطحي. لكنه في لحظة لم يضبط نفسه وقام بإدخال ذكره في فرجها وافتض بكارتها وواصل ممارسة الجنس دون أن ينتبه إلى كونها تنزف دما، ثم غادر المكان بناء على طلبها.

وعند إحالة المتهم على أنظار الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بطنجة، قرر إجراء تحقيق في حقه من أجل جناية الاغتصاب الناتج عنه افتضاض طبقا للفصلين 486 و488 من القانون الجنائي؛ وقد قرر قاضي التحقيق متابعته من أجل نفس الأفعال وإحالته على غرفة الجنايات في حالة اعتقال.

أثناء المحاكمة، قررت المحكمة وبعد المناقشة إعادة تكييف الأفعال المتابع من أجلها المتهم، وإدانته من أجل العنف الزوجي والإيذاء طبقا للفصلين 401 و404، ومعاقبته بالسجن النافذ لمدة سنتين، وغرامة مالية نافذة. كما قضت في الدعوى المدنية بقبولها وبأداء المتهم للضحية تعويضا مدنيا قدره 30.000 درهم.

تبرز أهمية هذا الحكم في كونه:

  • يكرس سابقة للنيابة العامة على مستوى محكمة الاستئناف التي أمرت بإجراء تحقيق في مواجهة المتهم من أجل جناية الاغتصاب الناتج عنه افتضاض طبقا للفصلين 486 و 488 من القانون الجنائي، رغم تأكيد الطرفين معا أنهما متزوجان، وهو ما يعني اتجاها إلى تجريم الاغتصاب الزوجي. كما أن قاضي التحقيق ساير نفس التوجه وأصدر أمرا قضائيا بمتابعة الزوج من أجل اغتصاب زوجته.
  • من جهة ثانية، يلاحظ أن المحكمة لم تعمد إلى مناقشة الأركان التكوينية لجنحة الاغتصاب، واكتفت بالاشارة إلى عدم امكانية الحديث عن اغتصاب في حالة وجود عقد زواج دون أن تبين السند الذي بنت عليه هذا الاستنتاج. علما بأن الفصل 486 من القانون الجنائي، عرف جناية الاغتصاب بأنها تعني “مواقعة رجل لامرأة دون رضاها”، ولم يستثنِ هذا الفصل المتزوجين.
  • من جهة ثالثة يبدو أن المحكمة استشعرت خطورة فعل الاغتصاب الزوجي رغم أنها رفضت إعطاء هذا الوصف للفعل، ولجأت إلى إعادة تكييفه للإيذاء والعنف الزوجي. ولعل ما يدل على استشعار المحكمة للخطورة استمرارها في مناقشة القضية وعدم تصريحها بعدم الاختصاص للنظر فيها طالما أن الوصف الجديد الذي أعطته لها أصبح جنحة يدخل ضمن اختصاص المحكمة الابتدائية، وفضلا عن قرارها بعد التداول حرمان المتهم من ظروف التخفيف.

تعد النتيجة التي وصل إليها هذا الحكم سندا قويا يمكن أن تعتمد عليه المنظمات الحقوقية المغربية والتي ما فتئت تطالب بنص خاص يجرم الاغتصاب الزوجي، رغم أن الحكومة تؤكد أن التشريع الحالي لا يستثني المتزوجين من امكانية المتابعة من أجل هذا الفعل.

وينتظر أن يولّد هذا القرار نقاشا قانونيا مثيرا لا سيما وأنه سيعرض من جديد أمام غرفة الجنايات الاستئنافية بعد الطعن فيه بالاستئناف قبل أن يصل إلى محكمة النقض التي تراقب مدى احترام القانون .

  • نشر هذا المقال في العدد | 14 | أبريل 2019، من مجلة المفكرة القانونية | تونس |. لقراءة العدد انقر/ي على الرابط ادناه:

لمن القانون في تونس 2018؟

 


[1]قرار محكمة الاستئناف بتازة عدد 478، في الملف 443/18، بتاريخ 08/10/2018.

[2]– حكم المحكمة الابتدائية بالقنيطرة صادر، بتاريخ 05 أبريل 2018، في الملف 413/2103/18.

[3]حكم المحكمة الإدارية بالرباط، القضاء المستعجل ،ملف رقم : 2854/7101/2018،أمر رقم : 2729، صادر بتاريـــخ: 11/06/2018.

[4]-صدر فيها  قرار عن غرفة الجنايات الابتدائية بطنجة، تحت عدد 924 صادر بتاريخ 02/10/2018.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، المغرب ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني