“نحن زمطنا من الموت صح، بس كمان ما بدنا نعيش وأجسامنا ووجوهنا مشوّهة”، تقول ميرنا حبوش (36 عاماً) التي أصيبت في تفجير المرفأ إصاباتٍ عدّة خلّفت ندوباً في أنحاء جسدها. ثمانية أشهر مرّت على تفجير مرفأ بيروت الذي راح جرّاءه حوالي 213 ضحية، وحوالي 6000 جريح منهم من أصيبوا بإعاقاتٍ جسديةٍ دائمةٍ، ومنهم من وصمت أجسادهم ووجوههم بندباتٍ بارزةٍ لن يمحى أثرها بسهولةٍ، هؤلاء يحتاجون إلى إجراء عملياتٍ تجميليةٍ لا تتكفّل أي جهةٍ ضامنةٍ بتغطيتها.
بعيد التفجير كان همّ الجرحى الوحيد وقف نزيف جراحهم والبقاء على قيد الحياة كذلك كان همّ الأطقم الطبية في المستشفيات الذين كان عليهم إسعاف عشرات مئات الجرحى لذلك كانت المعايير التجميلية في أسفل سلّم أولويّاتهم. بعد خروج الجرحى من المستشفيات واستقرار حالتهم الصحية راحوا يتفحّصون وجوههم، أنوفهم، أعينهم، أجسادهم، منهم من قرر تقبّل العيش بمظهره الجديد ومنهم من زادت تشوهّاته من أزمته النفسية التي سبّبتها الإصابة. يقول طبيب التجميل جو بارود الذي أعلن عن تطوّعه لمعالجة الجرحى الذين يحتاجون إلى عملياتٍ تجميليةٍ في وجوههم حصراً دون بقية الجسد، إنّ أغلب تشوّهات الوجه كانت بسبب الزجاج والمواد الصلبة، بالإضافة إلى “التقطيب الوسخ” حيث لم يكن يتم التخلص من نثرات الزجاج والأوساخ بشكلٍ كاملٍ قبل البدء بعملية التقطيب الأمر الذي تسبّب بمشاكل عدّة.
في هذا التحقيق سنعرض حالات جرحى أصيبوا بتشوهاتٍ في الوجوه وأنحاء الجسد، يحاولون جاهدين التأقلم مع التغييرات في هيئتهم، هؤلاء منهم من وجدوا من يتبرّع لهم بالعلاج ومنهم من لم يجد وما زال ينظر إلى ندوبه رافضاً تصديق واقعه الجديد.
وزارة الصحة تغيب والأطباء يتطوّعون
هفوات طبيّة عدّة كانت متوقعة في ذلك النهار الكارثيّ، ولا تلام الطواقم الطبية نظراً إلى الضغط الكبير عليهم نتيجة العدد الهائل من المصابين، لكنّ أحداً من المسؤولين لم يلتفت إلى كمّ العاهات والتشوهات التي مني بها الجرحى ولم يكلّف خاطره باقتراح قانونٍ للحظ معالجتهم. وفي دردشةٍ إعلاميةٍ يقول أحد المدراء في وزارة الصحة إنّ الوزارة لا تتكفّل بالعمليات التجميلية فالأمر بالنسبة له يتطلّب نصّاً قانونياً يجيز للوزارة تغطية هذه النفقات غير المدرجة في جدول تصنيفاتها، “ما عنّا كود على السيستام إسمه “تجميل” منخار أو إيد أو غيره، المسألة بدها قانون”، ولفت المصدر إلى أنّ القانون 194/2020 لحظ تقديم التعويض اللازم لكلّ متضررٍ من تفجير المرفأ لكنّه يحتاج إلى مراسيم تطبيقية لم تقرّ بعد.
وبالتالي ومع غياب الوزارة عن هذه الحالات، هبّ معظم أخصائيي وأطباء التجميل لتقديم المساعدة بمبادرةٍ فرديةٍ منهم، فالتحق عدد كبير بالمستشفيات ومنهم من قام باستقبال الجرحى في عياداتهم الخاصّة فقاموا بتقطيب الجروح السطحية في كامل أنحاء الجسد ومجاناً، بحسب ما يقول رئيس الجمعية اللبنانية للترميم والتجميل الدكتور سامي سعد لـ”المفكرة القانونية”. ويشير سعد إلى أنّ أخصائيي وأطباء التجميل عليهم تأدية قسم أبقراط الذي يلزمهم بتقديم المساعدة لأي شخصٍ بحاجة إلى علاج. وقد طلبت الجمعية من الأخصائيين عبر رسالةٍ نصيّةٍ أن يكون الاهتمام مجانياً انسجاماً مع الوضع العام للبلد. من جهةٍ ثانيةٍ قامت شركات عدّة بالتبرع بالمراهم والأدوية والمستحضرات اللازمة. ويؤكّد سعد أنّ العلاج التجميلي باهظ الثمن ولكن في ظلّ نخوة الأخصائيين الذين تبرّعوا بتعبهم سيتمّ تغطية حالات قدر الإمكان.
كذلك لم تمرّ بضعة أيامٍ على وقوع الفاجعة حتى أعلن جرّاح التجميل الدكتور جو بارود مبادرته بمساعدة جرحى التفجير الذين أصيبوا في وجوههم حصراً دون بقية الجسد، “ما بقدر استوعب كلّ الناس في 6000 جريح كرمال هيك حدّدت من الأول لمين أتوجه”. ومع إعلانه لمبادرته تلك بدأ الجرحى يتهافتون عليه وبدأت تصله التبرعات والمساعدات اللازمة للترميم والتجميل، وقد تمكّن بارود من تقديم العلاج لحوالي 300 جريح إلى اليوم في حين تنوّعت الإصابات بين خفيفة متوسطة وقوية.
يقول جو إنّ معظم المصابين كانوا في حالةٍ نفسيةٍ سيئة وكان معظمهم خائف من عدم عودة مظهره الخارجي إلى طبيعته بنسبةٍ معقولة.
على وجه يارا خارطة للتفجير
اجتاح تفجير المرفأ وجه يارا السعيد (5 سنواتٍ) بالبارود والنار، تاركاً ندبةً واسعةً على خدها الأيمن، ندبة سعت والدتها علياء جاهدةً لمحو أثرها، إلاّ أنها بقيت واضحةً وضوح مأساة ذلك النهار.
في الرابع من آب كانت يارا في منزلها في محلة الكارنتينا ومع وقوع التفجير اجتاحت قطع الزجاج مصيبةً وجه يارا التي بدأت بالصراخ. تقول والدتها: “ركضت عالبيت بدي شوف شو صار بيارا، بس لقيت البيت مكسّر تكسير، انصدمت وانربط لساني، تذكرت يارا صرت صرّخ مثل المجنونة”. احتضنت علياء ابنتها المغطاة بالدماء وهرعت بها إلى المستشفى، هناك تمّ تقطيب الجرح بخيوط عادية وليست تجميلية الأمر الذي أقلق والدتها، فقصدت طبيباً بهدف استبدال القطب فقام بتحريرها واستبدالها بقطبٍ تجميليّةٍ. إلاّ أنّ الجراح التهبت فقصدت علياء طبيباً جديداً، قام بدوره أيضاً بفك القطب من جديد. لم تتألّم يارا عند إصابتها بالتفجير بالقدر الذي تألّمت به جرّاء عمليات إعادة التقطيب المتكرّرة التي مرّت بها، ففي غضون عشرة أيامٍ تنقلت يارا على أطباء قاموا جميعهم بفك القطب القديمة وتثبيت أخرى جديدة، بعد حقنها بأبر البنج. تقول والدتها: “في واحد من الدكاترة أعطاها 16 إبرة بنج ليارا وما زبط جرحها”، حتى أصبح المخدّر عديم الفعالية في جسد الطفلة.
بعدها راح أطباء التجميل يتسابقون لتقديم خدماتهم بهدف ترميم وجه يارا، ومنهم خبير التجميل نادر صعب الذي اتّصل بالأهل وأخذ على عاتقه معالجتها وترميم وجهها. استقبل نادر صعب يارا وعائلتها في عيادته الخاصة مرّةً واحدةً وقدّم لها الهدايا بالإضافة إلى مساعدةٍ مالية على حد قول الوالد. بعدها أعلنت الفنانة مايا دياب تكفّلها بعلاج يارا، ليتبيّن أنّ جمعية “دريم بيم فاوندايشين” التي تضمّ عدداً من الشخصيات منهم مايا دياب والطبيبة ندى سويدان والكابتن رولا حطيط وغيرهنّ، هي من قامت بالتكفّل بتغطية نفقات يارا الصحيّة. واليوم تشرف الطبيبة ندى سويدان أخصائية الجلد على متابعة يارا، وفي اتصالٍ مع “المفكرة” أثنت سويدان على التقدم السريع لحالة يارا الصحّية وجراحها، حيث تخضع كلّ فترةٍ لجلسات علاجٍ بالليزر من شأنها التخفيف من أثر الجرح الدامغ في وجهها ولكن بدون أن تمحيه كليّاً. من جهةٍ ثانية اعتبرت سويدان أن تحرير القطب لمراتٍ عدّة كان له أثر سلبي، ولكنها وعدت ببذل قصارى جهدها للتخفيف من حجم التشوّه الحاصل.
إذا كانت يارا توحي أنّها لا تبالي بالندبة على وجهها التي تشبه سحابة دخان انفجار المرفأ، فإنّ الوالدة تعبّر عن قهرها اليومي من حالة ابنتها وتسعى جاهدةً إلى جعل يارا “أجمل مما كانت”.
ميرنا وطفلها تشوّهات في الوجه والجسد
بعد التفجير أضاعت ميرنا حبوش (36 عاماً) وحيدها الذي لم يتجاوز السنتين من عمره بعدما نقله أحد المواطنين إلى المستشفى في حين نقلت هي إلى مستشفى آخر، وبعد تضميد جراحها راحت تبحث عنه في المستشفيات حتى وجدته، لكنّها لم تستطع احتضانه بسبب إصابتهما ما شكّل صدمةً نفسيةً للطفل الذي كان ينتظر أن تأخذه في حضنها.
خلّف التفجير آثاره على جسد ميرنا التي فقدت عينها وتشوّهت يدها، “أنا عندي خريطة على إيدي، قطّبولي إياها 90 قطبة”. تقول ميرنا إنها في بداية الأمر لم تلتفت إلى الندب والتشوهات، كان همّها منصبّاً على إنقاذ عينها حيث دفعت من جيبها الخاص على علاجاتٍ باءت بالفشل. تعيش ميرنا اليوم بجسد مشوّه بسبب وضعها الاقتصادي الذي لا يسمح بدفع تكاليف العلاج. “نحن ما لازم ندفع ألف ليرة من جيبتنا، لازم كل شي يتعالج على حساب الدولة والوزارات المعنية”. حزن ميرنا لا يتوقف عند رؤية تشوهاتها الخاصة فحسب بل يتعداه إلى رؤية تشوه وجه طفلها والندوب التي تغزو وجهه الصغير. إلاّ أنها ترفض أن يخوض تجربةً مؤلمة مرهقة كتجربة العلاج التجميلي “ما رح عالجوا هلق لأن بعدو صغير وقال بيخفّوا كل ما كبر”.
لم تتآلف ميرنا مع ندبات يدها ووجهها حيث ترتدي بشكل دائم ملابس بأكمام طويلة لإخفاء أثر الإصابة ونظارات شمسية لإخفاء تشوّهات عينها وذلك هرباً من نظرات الشفقة تجاهها كما تقول، “نظرات العالم مؤذية الكلّ بيصير يطّلع فيك إنّه حرام ليك كيف شكلها”. وتخشى اليوم أن يعيش ابنها ما عاشته في طفولتها من تنمّر بسبب خسارة والدها لعينه أيضاً حين كانت صغيرة، “أنا ربيت ووالدي كان بعين واحدة وكنت إتعرّض للتنمّر بالمدرسة، هلّق نفس الشي رح يصير مع إبني ورح يسمع نفس الكلمات”.
إنعام ورحلة الخروج من تحت الردم
“وجهي كلّه مقطب، عندي جرح بيبلش من الإذن بينزل على الرقبة بيوصل عالكتف، وجرح بإيدي اليمين”، أكثر من 200 قطبة غرست في جسد ووجه إنعام كيّال (42 عاماً) التي أصيبت في تفجير المرفأ، بالإضافة إلى الإعاقة الجسديّة الدائمة التي منيت بها حيث فقدت عينها وتعطّلت يدها اليمنى. في ذلك اليوم كانت إنعام في مقرّ عملها تشاهد الحريق المندلع من شباكها المطلّ على المرفأ، ومع حلول الساعة السادسة وسبع دقائق تبدّلت حياتها، فحين استيقظت من غيبوبتها بعد دقائق من التفجير علمت أنّها خسرت بصرها فعينها التي خرجت من محجرها تشير إلى ذلك، كذلك عينها اليسرى التي أصيبت بأضرارٍ حتى باتت الرؤية شبه معدومة، “عيني نزلت على خدي أنا رجعتها على المحجر، أسناني أوّل ما حاولت إتحرّك سمعت صوتهم عم يهروا على البلاط”، وعندما حاولت تحريك يدها اليمنى وجدتها “فالتة” تهتز في الهواء لوحدها من دون تحكّم منها وبصعوبةٍ حاولت تثبيتها في رقبتها عبر حزام حقيبتها المتدلي من رقبتها، أما كتفها من جهة الظهر فكان مشقوق إلى نصفين تمكنت إنعام من لمس العظم. أكثر من ساعةٍ وإنعام تحاول إنقاذ نفسها من تحت الردم بجسدها نصف المعطّل، وخلال تفقدها لجسدها رن هاتفها حاولت تتبّع الصوت وراحت تزحف حتى التقطته إلاّ أنها لم تتمكّن من الإجابة بسبب الدماء التي تغطي كفيّها والتي حالت دون فتح الشاشة التي تعمل بتقنية البصمة. لم يأت أحد لإسعافها فالمبنى التي تعمل به غالباً ما يكون خالياً من العمال في هذا التوقيت. أيقنت إنعام أنّ عليها إنقاذ ذاتها بذاتها، حاولت الوقوف وبجهد نزلت الدرج رغم الردم والحجارة المتناثرة، وصلت إلى سيارتها فوجدتها مكسّرة إلاّ أنها تمكّنت من تشغيلها وقيادتها، “مشيت بالسيارة وفي عين ما بقشع فيها والعين الثانية مغبشة، دوّرت ومشيت المهم أوصل للطريق العام”. في الطريق لمحت إنعام أحد رجال الشرطة، فسألته عن وجهتها وأنها تريد التوجه إلى المستشفى فاكتفى بإرشادها بدون تقديم يد العون لها، “بدل ما يساعدني يوقّفلي حدا عالطريق، قلّي بدك تلفّي وتبرمي لثاني جهة”. كانت إنعام تسير بدون وجهة معيّنة، ولحسن حظها لمحها أحد أصدقائها في العمل فلحق بها، وصل بمحاذاتها وسألها “مش إنعام انت عرفتك من السيارة”. عندها ركنت سيارتها وذهبت مع صديقها الذي كان يقلّ الجرحى إلى المستشفيات “كنّا شي خمسة بالسيارة فوق بعضنا”، جالت إنعام على خمس مستشفيات رفضت جميعها استقبالها، حتى وصلت إلى مستشفى جبل لبنان، هناك طلبت من أحد المسعفين الاتّصال بذويها وإبلاغهم بمكانها، بقيت إنعام في الطوارئ لساعاتٍ وهي تنزف حتى وصل شقيقها الذي هدّد بتكسير قسم الطوارئ بكاملها ما لم يتم إسعافها فوراً، بعدها بفترةٍ وجيزةٍ خضعت إنعام للصور الشعاعية أدخلت على أثرها غرفة العمليات مع أربعة جرحى آخرين، وكان الأطباء يتداورون على علاجهم ولكن للأسف توفّي الأربعة الآخرون وحينها فقط تفرّغ الأطباء لإنعام، كما تقول. نجت إنعام من الموت في التفجير لكنّ الدولة التي أمعنت في ذلّها وذلّ كل جرحى تفجير المرفأ قتلت روحها وفرحتها بالنجاة، فمنذ اليوم الثاني للتفجير بدأت معاناتها في تأمين تكاليف العلاج، “المستشفى ثاني نهار طلبوا منا 930 ألف ليرة فرق الضمان، وبعدنا لهلق منحط مصاري”.
اليوم خسرت إنعام النظر بعينها اليمنى بالكامل كذلك يدها اليمنى التي باتت شبه معطّلة، أما عينها اليسرى فهي في طور التحسّن بفضل العلاجات الخاصة لها، إلّا أنّ طريقة العلاج السريعة لجروحها بعد التفجير مباشرة ترك آثاراً وندوباً على جسد إنعام ووجهها. لاحقاً تواصلت إنعام مع الدكتور جو بارود بعدما سمعت عن تقديمه العلاج المجاني لجرحى التفجير، “لو لم يتبرّع الدكتور جو بعلاج وجهي ما بعرف شو كنت بدي أعمل، يعني ما بيكفي إعاقتي والمصاري لي عم حطّها بدّي التفت للتجميل”.
اليوم تتلقّى إنعام العلاج لتشوهات وجهها وتعتبر من الحالات الدقيقة، فقد حذرها طبيب العيون من خضوعها لعلاج الليزر لما له من تأثيرٍ سلبي على وضع العين اليسرى، من هنا لجأ بارود إلى طرقٍ علاجٍ مغايرةٍ تتطلب مدة زمنية أطول بحسب إنعام.
باتت إنعام تعيش كل يوم بيومه بعدما كانت تخطط لحياتها ولتحقيق أحلامها، “كنت ناطرة بلش دكتوراه هيدا كان حلمي، هلق حلمي فوت عالتواليت ما يكون حدا معي عم يساعدني”، بهذه الجملة تختصر إنعام هدف حياتها الحالي.
جو إسحق: قطّبولي وجهي بالمكبس
جو إسحق شاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، ومثل كثيرين من أبناء جيله لطالما اهتمّ بشكله الخارجي وواظب على الذهاب إلى النادي الرياضي للظهور بأحسن صورة ممكنة. “يعني بتكوني عم تطلّعي على حالك بالمراية وتعطي حالك مثلاً 8/10 فجأة بتصير علامة جمالك 3/10”. بهذه الكلمات وصف جو حالته اليوم بعد تشوّه وجهه “أنا قطّبولي وجهي بالمكبس الحديد”. بعد نجاته من التفجير ومرور أيامٍ على الكارثة نظر جو في وجهه في المرآة متفحصاً مظهره الجديد “أول أسبوع أسبوعين قلت إنّه معقول خلص، هيك صار شكل وجهي؟ حسّيتها صعبة كتير ومش سهلة وبعدني حاسس هيك”. يخضع جو اليوم للعلاج وهو مستعدّ لإنفاق ما يلزم من مال على استعادة شكله ولو بنسبةٍ كبيرةٍ طالما أنّه قادر مادياً. ويعتبر أنّ الجمال هو هبة إلهية علينا الاهتمام بها إن كان هناك إمكانات مادية. وانتقد الدولة التي جعلت من الجرحى مذلولين ينتظرون تقديماتٍ وتبرّعاتٍ حتى لعلاج جروحهم بدلاً من احتضانهم.
كوثر: تشوّهات كثيرة والمعنويات مرتفعة
“وجهي كلّه تشوّه من الزجاج، كمان في جرح من راسي لعند كتفي، وخدّي الشمال في جرح من الشفة لتحت الذقن”، تعدّد كوثر حلبي (31 عاماً) الإصابات التي تعرّضت لها خلال التفجير بسخريةٍ لافتةٍ فيطغى المزاح على الحديث ربما بهدف نسيان الوجع الحقيقي أو كانت تلك طريقتها في التعامل مع الكارثة. كانت كوثر برفقة ابنها في زيارةٍ لمنزل شقيقتها الواقع في مبنى شركة الكهرباء في مار مخايل عندما نشب الحريق في المرفأ. دخلت كوثر الغرفة المواجهة للمرفأ لمشاهدة ما يجري قبل أن يدوّي الانفجار. فقدت كوثر وعيها لدقائق، وعندما استفاقت وجدت رأسها مرتطماً بالخزانة فيما الدماء تغطّي وجهها ويديها. خرجت من الغرفة لتطمئن على بقية أفراد أسرتها وعندما رآها ابنها وأبناء شقيقتها راحوا يصرخون ويهربون من أمامها لهول منظرها. نقلها والدها إلى مستشفى رفيق الحريري ومن هناك إلى مستشفى حمّود في صيدا حيث منعها ذووها من النظر في المرآة لثلاثة أيامٍ. بعدها هربت إلى الحمام لترى شكلها للمرة الأولى وكان مليئاً بالقطب والخيطان، “صراحة أول ما شفت حالي بالمراية نقزت وزعلت كثير وخفت يضلّ منظري هيك”. زارها طبيب التجميل في مستشفى حمّود وطلب منها مبلغاً كبيراً ما دفعها إلى العدول عن فكرة العلاج التجميلي. مع مرور الوقت راحت كوثر تستغلّ شكلها الجديد لتسلية ابنها (8 سنوات) الذي كان يأبى رؤيتها في البداية، فوجدت من لعبة “الغول” الذي يخيف الأطفال لعبةً مسلّيةً لهم. اضطرّت كوثر المرأة المطلّقة والمسؤولة عن تربية وحيدها، بعد التفجير إلى ترك عملها الذي باتت تجده مرهقاً بسبب إصاباتها، وتكبّدت الكثير من الأموال على علاجها الطبي (غير التجميلي) خصوصاً أنّها لا تستفيد من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وكانت قد عدلت عن متابعة تقديم أوراقها لاستكمال علاجها على حساب وزارة الصحة نظراً إلى أنّها عانت الكثير جرّاء تخليص المعاملات. وتقول عن ذلك: “صورة واحدة ثمنها 250 ألف طلعت أربع مشاوير من الحكيم على الوزارة على المستشفى آخر الشي الوزارة دفعت 150 ألف ليرة لبنانية وأنا 100 ألف ليرة، شو بدّي فيهم”. بعد مرور أسابيع على إصابتها علمت كوثر بمبادرة الطبيب بارود فقصدته وهي اليوم تخضع للعلاج عنده علّه يخفف الخطوط التي تركها تفجير الرابع من آب في وجهها.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.