الزواج المدني في لبنان، حقٌ مكتسب مُعلَّق


2015-02-04    |   

الزواج المدني في لبنان، حقٌ مكتسب مُعلَّق

يعقد مجلس الوزراء في 4-2-2015 جلسته العاديّة في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام، حيث ستتم مناقشة ملف الزواج المدني، بعد طلب وزير الداخلية نهاد المشنوق إدراج هذا البند على جدول أعمال المجلس. وتزامناً مع انعقاد هذه الجلسة، نفّذت "الهيئة المدنيّة لحريّة الاختيار" بمشاركة بعض المتزوجين مدنياً اعتصاماً في ساحة رياض الصلح، لمطالبة وزارة الداخلية بتوقيع عقود الزواج المدني التي لا تزال عالقة في دائرة الأحوال الشخصيّة، في الوقت الذي أصر فيه بعض الوزراء على رفضهم الاعتراف بحق المواطنين في اختيار عقد قرانهم مدنياً، في مواقف متقاربة بعيدة عن انشقاقاتهم السياسية. فصرح وزير العدل أشرف ريفي، بحسب ما نقلت عنه "الوكالة الوطنية للإعلام" قبيل دخوله إلى الجلسة، أنه يؤيّد موقف الرئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري في هذا الملف، كما أكد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش أن الزواج المدني "لا مكان له في لبنان".

وفي تطورات الأحداث بشأن ملف الزواج المدني، كان وزير الداخلية نهاد المشنوق قد أصدر بياناً، أمس، قال فيه إنه "مع مبدأ الزواج المدني الاختياري في لبنان، إلا أنه في غياب أيّ نص قانوني مدني نافذ يرعى أحكام هذا الزواج، ويحدّد الإجراءات والآليات والمستندات المطلوبة والمرجع الصالح لعقده وبتّه، فإنه يتعذّر حالياً تسجيل عقود الزواج المدني المنظمة لدى الكاتب بالعدل في لبنان، ولا بدّ من سن قانون للزواج المدني الاختياري يرعى شؤون هذا الزواج وآثاره". ويحاول المشنوق في هذه الخطوة نسف كل منجزات أسلافه، وخصوصاً الوزيرين السابقين زياد بارود ومروان شربل، في عملهما والذي أدى الى إقرار أحقية الزواج المدني.. كما يحاول نسف رأي الهيئة الاستشارية العليا في وزارة العدل، التي أكدت أن "من حق اللبناني الذي لا ينتمي إلى طائفة ما أن يعقد زواجه مدنياً في لبنان"، ما أدى حينها إلى تسجيل زواج خلود سكرية ونضال درويش. وبعدما كانت "الهيئة المدنيّة لحريّة الاختيار" تنتظر الاتصالات السياسية التي تجري لمعالجة هذا الملف، قررت عقد مؤتمر صحافي يوم الخميس في 5-2-2015 في نادي الصحافة، وفي خطوة سريعة دعت اليوم إلى اعتصام أمام السراي الحكومي بعد قرار وضع هذا الملف في جدول أعمال مجلس الوزراء، قبل أن يعود المشنوق ويعلن، بعد ظهر اليوم، تأجيل البحث في هذا الملف إلى جلسة أخرى .
وشدد المعتصمون، في بيان، على أن "ذلك هو اختيارنا المدني الحر في حياتنا الشخصية والعائلية والوطنية والإنسانية"، مضيفين "أولادنا ليسوا عبيد آبائهم ونساؤنا ليسوا عبيد رجالهم… ولسنا عبيد المذاهب، دينيّة كانت أم سياسية، ولا لسلطات محليّة أو أجنبيّة". كما وزّعوا بيانات القيد العائلية والإفرادية لكل من نضال درويش وخلود سكريّة وابنهم غدي، في خطوة تؤكد قانونية وأحقية الزواج المدني، وحملوا لافتات كتب على إحداها: "الزواج المدني ليس كفراً بالأديان".

ويعتبر نضال درويش، في حديث إلى "المفكرة القانونية"، أن طرح المشنوق لبند الزواج المدني على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء ليس قانونيا، لأن القانون أصبح نافذاً بعد قرار الهيئة الاستشارية العليا ولم يعد من صلاحية الحكومة البت به. ويرى درويش أنه "يتم أخذ الموضوع إلى خارج سياقه، بعيداً عن العرقلة غير القانونية التي تحصل داخل دائرة الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية"، مضيفاً "أصبح البعض يتحدث عن موافقة وزير الداخلية على ها القرار، علماً أن موافقته غير مطلوبة، خصوصاً بعد قرار الهيئة الاستشارية العليا".

ويشدد درويش على أنه "لا يوجد أي مبرر للعرقلة التي تحصل على أساس ضغوط سياسية وطائفية ومصالح ضيقة للوزير المشنوق على حساب المواطن اللبناني، معتبراً أن "الوزراء موظفون لإتمام الأعمال التي تسهل حياة المواطن وليس عرقلتها". ويلفت الانتباه إلى أن الخطوة التي تسبق الزواج المدني هي شطب إشارة المذهب عن بيان القيد الإفرادي، وهذا ما تتخوف منه الطبقة السياسية.

وترى المحامية نائلة جعجع أن "موقف المشنوق نابع عن جهل بالموضوع والآلية الموجودة الصادرة عن الهيئة الاستشارية العليا، حيث أصبح الزواج المدني من حق كل مواطن من دون الحاجة إلى إقرار مجلس الوزراء أو المجلس النيابي، وهذا ما نحاول إيضاحه للوزير، بعدما انتظرنا الفترة التي طلبها لدراسة الملف القانوني". وتشير جعجع إلى أن هناك العديد من المغالطات في بيان المشنوق، لافتة الانتباه إلى أن "الصورة غير مكتملة بعد في ذهنه على الصعيد القانوني". وتشدد على أن الزواج المدني قانوني و"لسنا بانتظار أي مشرّع ليعطينا هذا الحق المكتسب والمكرّس في القوانين اللبنانية"، معتبرة أن "للوزير المشنوق وبعض الدوافع والاعتبارات كوزير يمثل فريقاً سياسياً وطائفة معينة، لكن لا يحق له فرضها على مواطنين يمارسون حقوقهم على الأراضي اللبنانية". وتضيف أن الدعوة إلى الذهاب إلى قبرص لإتمام معاملات الزواج المدني هي "استغناء عن سيادة لبنان".

ويؤكد المحامي باسل عبدالله أن "رجال السياسة في لبنان يرفضون تطوير المجتمع، فواجب علينا كمواطنين العمل على تحصيل حقوقنا رغم العثرات التي تضعها الطبقة السياسية"، معتبراً أن "واقع النظام الطائفي في لبنان يرفض أي محاولة لبناء الدولة المدنية". ويوضح أنه على الرغم من أن الحديث عن الزواج المدني يجعل القضية محددّة وبسيطة، إلا أنه يرتبط في مكان ما بواقع النظام الطائفي، ويمكننا من خلاله تحصيل حقوقنا المدنيّة تدريجياً. ويقول إن نظامنا الطائفي "هش لدرجة أنه يخاف من أي تحرّك مدني".

ويوضح الناشط عربي العنداري أنه تم تسجيل سبع زيجات مدنية في دوائر النفوس قبل أن يستلم المشنوق حقيبة وزارة الداخلية، إلا أن الأخير رفض تسجيل حوالي 43 معاملة زواج، في خطوة تخالف القانون، حيث إن إحدى العائلات أنجبت أطفالاً وعُرقِلَ تسجيلهم في دائرة النفوس والأحوال الشخصية. ويشدد العنداري على أن عرقلة معاملات الزيجات المدنية تُعد خرقاً للقانون من قِبل المشنوق والمدير العام لدائر الأحوال الشخصية السيدة سيزان الخوري، معتبراً أن المشنوق يتعامل مع هذه القضية "بكثير من الاستهتار والتناقض، حيث كان موقفه مختلفاً قبل أن يصبح وزيراً للداخلية". ويضيف أن "الأساس والمشكلة في الموضوع هو ليس الزواج المدني بحد ذاته بقدر ما هو حماية النظام الطائفي وتخوفهم من المواطنين غير المنتمين إلى أي طائفة والذين ينتمون إلى طائفة من طوائف الحق العام ويخضعون إلى القانون المدني، وهذه هي المشكلة الأساس التي  يحاولون تغييبها في القانون رقم 60 ل.ر.". ويقول العنداري: "نحن نريد أن نثبت أنه من حقنا أن نكون مواطنين لا ننتمي لأي طائفة، والدستور والقانون يحمي لنا هذا الحق".

ويطالب المتزوجون مدنياً بملاحقة الموظفين، الذين يعرقلون المعاملات في دائرة النفوس والأحوال الشخصية، قانونياً، حيث إنه لا يمكن نزع الشرعية عن زيجات مدنية حصلت بشكل قانوني، خصوصاً بعد قرار الهيئة الاستشارية العليا الذي سمح بإتمامها في العام 2013.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني