مجلس شورى الدولة يقضي بوجوب هدم التعديات على الأملاك العامة البحرية في لبنان


2015-02-02    |   

مجلس شورى الدولة يقضي بوجوب هدم التعديات على الأملاك العامة البحرية في لبنان

في قرارٍ هو الأول من نوعه، طبّق مجلس شورى الدولة اللبنانية قانونا صدر في العام 1964 يقضي بوجوب هدم جميع المخالفات الواقعة على الأملاك العامة بما فيها الأملاك العامة البحرية. وقد رفع من خلال هذا القرار مبدأ حماية الأملاك العامة إلى مرتبة المبادئ الدستورية.
وبعد صدور هذاالقرار لم يعد من الجائز لأي وزارة أو إدارة عامة، وتحت أي حجة أن ترتب أي أثر قانوني على هذا الإشغال غير المشروع، أو أن تسمح لمحتلي الشاطئ اللبناني بالاستمرار بإشغالهم هذا الشاطئ دون الاستحصال على إجازة قانونية مؤقتة تصدر بموجب مرسوم، وأصبح أيضاً من المعيب مفاوضة غاصبي الأملاك العامة لتسوية مخالفاتهم وتعدياتهم، لأنها مخالفات لا تقبل التسوية. فلا تملك أي سلطة إجازة إنشاء حقوق عينية على الأملاك العامة. وهذا ما تكرس في قرارٍ سابقٍ جاء فيه أنه:”عملاً بقاعدة عدم جواز إنشاء حقوق عينية على الملك العام، وبغياب أي نص صريح يجيزه، لا يجوز إنشاء حقوق عينية على الاملاك العمومية بما فيها البحرية منها، ويكون الترخيص بالاشغال الموقت هو ترخيص شخصي تنتج عنه حقوق شخصية تسقط بوفاة المرخص له من دون إمكانية انتقالها الى الورثة”([1]). وجاء في قرارٍ آخر:” أن التعديات على الأملاك البحرية تبقى خارج إطار التعامل بين الناس فلا تباع ولا تشرى([2]).

وكذلك كان الاجتهاد السابق لمجلس شورى الدولة سائراً على نفس المبدأ لكن من دون الارتكاز إلى نصٍ قانوني أو مبدأ دستوري، إذ أوجب على الادارة ان تحمي املاكها العامة وتحافظ عليها، وأن لا تشرع الاعمال الجارية عليها دون اي وجه حق او دون اي مسوغ شرعي([3])، فأي بناء مشيد على الملك العام لا يقبل أي شكل من اشكال التسوية وإنما يقتضي هدمه وإزالته([4])، وكلما كان هناك تعدٍ على الأملاك العامة، يكون القرار المتضمن هدم هذه الانشاءات المتعدية صحيحاً([5]).

 وإذٍ نخلص من كلّ ما سبق أن إزالة التعدي على الملك العام يتعلق بالانتظام العام، ويتوجب على أي سلطة إدارية يردها طلب بإزالة هذا التعدي، أن تستجيب له([6])، نسأل عن الجديد الذي أتى به حكم مجلس شورى الدولة في قراره رقم 242/2014-2015 تاريخ 18/12/2014 فرنجية وآخرون/ وزارة الداخلية والبلديات:

بالفعل كان هذا الحكم متقدماً في حماية الملك العام حيث أقرّ جملة مبادئ تستحقّ التعميم هي الآتية:

1-  يحظر منح شاغلي الأملاك العامة البحرية أي مهلة للإخلاء ويمنع على الإدارة إعادة تمكينهم من الإقامة في هذه الأملاك. واستند الحكم في تقرير هذا المبدأ إلى اجتهاد محكمة التنازع الفرنسية التي اعتبرت أن هدم التعديات على الأملاك العامة البحرية لا تشكّل حالة من حالات التعدي([7]).

2-  طبّق وللمرة الأولى المادة 30 من القانون رقم 14 تاريخ 20/8/1990 التي تنصّ على أنه:” تعتبر باطلة بطلاناً مطلقاً ويحظر على اية جهة رسمية ترتيب اي اثر قانوني عليها، جميع الأعمال والتصرفات والتدابير الحاصلة خلافا للقواعد والأصول المقتضاة قانوناً وبصورة خاصة ما يلي:

أ- ….

ب- إشغال الأملاك العامة البحرية الحاصلة دون استصدار مراسيم تجيزها ولا يترتب للشاغل الفعلي بصورة غير قانونية اي حق مكتسب مهما كانت مدة إشغاله.
واستناد إلى هذا النص، قضى مجلس شورى الدولة في هذا الحكم أنه لا يجوز لأي جهة رسمية أن ترتّب أي أثر قانوني على أي شاغلٍ فعلي للأملاك العامة البحرية إذا لم يكن حائزاً لمرسومٍ يجيز له استثمار الأملاك العامة المقابلة لعقاراته، ولا يترتب للشاغل الفعلي بصورة غير قانونية أي حق مكتسب مهما كانت مدة إشغاله.

3-  أقر هذا الاجتهاد بالطابع الدستوري لحماية الملك العام([8])، حيث جاء فيه:” إن مبدأ حماية الملك العام هو المبدأ الأساسي الذي يسود جميع الأحكام القانونية المتعلقة بالملك العام وإشغاله، وأن موجب حماية الملك العام إلزامي وله طابع دستوري”. وهذا يعني الارتقاء بمبدأ حماية الملك العام إلى المرتبة الدستورية([9]). وبعد نيل هذا المبدأ للمرتبة الدستورية فإن المشترع لا يستطيع حتى بقانون أن يتيح للمعتدين تملك هذه الأملاك أو الاستمرار بإشغالها بصورة غير مشروعة تحت أيّ حجة. 

4-  طبّق مجلس شورى الدولة في هذا الحكم، وللمرة الأولى أيضاً، المادة 23 من القرار رقم 144/S  تاريخ 10/6/1925 المعدلة بالمرسوم رقم  15403 تاريخ 13/2/1964 وبخاصةٍ الفقرتين أ و ب منها التي أوجبت على كلٍ من الضابطة في قوى الامن الداخلي وإلى كل من هو مخوّل في كلٍ من وزارات الاشغال العامة والنقل والداخلية والزراعة والمالية، تنظيم محاضر بالمخالفات الواقعة على الأملاك العامة واتخاذ التدابير الآيلة إلى فرض العقوبات الادارية والمالية والجزائية على كل من يخالف أحكام إشغال الأملاك العامة. كما تنصّ الفقرة الثالثة من البند ب على أن تقرر العقوبات الإدارية والقضائية مع حفظ حق الادارة بالمطالبة بالتعويض عن الضرر وبهدم الاشغال المقامة بصورة غير مشروعة على الاملاك العامة أو مناطق الارتفاقات، عفواًودون حاجة لأي معاملة.

وخلص مجلس شورى الدولة في خاتمة حيثيات حكمه إلى اعتبار أن  موجب حماية الملك العام هو موجب دستوري يفرض على الإدارة اتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة لإزالة الاعتداءات الواقعة عليه، وأن البناء المشيد على الملك العام بشكلٍ مخالفٍ للقانون لا يقبل التسوية ويقتضي هدمه.

يمكنك تحميل نص الحكم على الرابط أدناه
 


([1])محكمة التمييز الغرفة لأولى القرار رقم 56 تاريخ 12/7/2007، الدولة اللبنانية/ ناجي، منشور في كتب د. عفيف شمس الدين قضايا عقارية  –  ملك الدولة العام والخاص  –  المصتف في القضايا المدنية 2007 ص 268.
([2]) رئيس دائرة التنفيذ في كسروان – رقم الحكم: 41 – تاريخ:3/26/2012 – مجلة العدل العدد: 2 – السنة: 2012 – ص 1098.
([3]) م.ش. القرار رقم 151/2002-2003 تاريخ 23/12/2002، ديبة محمد عثمان/ بلدية ابلح ممثلة بمحافظة البقاع.
([4]) م.ش. قرار رقم 596 تاريخ 13/5/1996، روحانا خليفه/ بلدية عمشيت.
([5]) م.ش. قرار رقم 7/2004-2005تاريخ 5/10/2004، طانيوس والياس متى/ بلدية بياقوت.
([6]) م.ش. قرار رقم 596 تاريخ 13/5/1996، روحانا خليفه/ بلدية عمشيت).
([7])T. confl., 4 juill. 1991, Association « Maison des Jeunes et de la Culture Boris vian », req. n° 2662, Dr. adm., 1991, n° 383.
l’expulsion par voie d’exécution forcée de l’occupant sans titre du domainepublic, ne constitue pas, même si elle est généralement irrégulière en dehors du cas d’urgence, une voie de fait.
([8])La protection du domain public est un impératif d’ordre constitutionnel
C.E. 21 mars 2003, , Syndicat intercommunal de la périphérie de Paris pour l’électricité et les réseaux, JCP Juin 2003 no 127.
le Conseil constitutionnel, dans une décision n° 2003-473 DC du 26 juin 2003 (consid. 29), s’inscrit dans la même logique que celle du Conseil d’Etat en consacrant des exigences constitutionnelles qui s’attachent, pour la première fois, à la « protection du domaine public » (et non plus de façon générale à la propriété publique). Parmi ces exigences, on relèvera particulièrement une nouvelle catégorie, celle relative au « droit des libertés des personnes » à l’usage desquelles le domaine public est affecté. Par ce biais, la partie essentielle du domaine public, celle affectée à l’usage du public, bénéficie ainsi d’une protection constitutionnelle (Cons. const. n° 2003-473 DC, 26 juin 2003, AJDA 2003, p. 1404, note E. Fatôme).
([9])la Haute juridiction éprouve aujourd’hui le besoin d’élever, pour la première fois, la protection du domaine public au rang d’un « impératif d’ordre constitutionnel ».
Julien Soulié Le domaine public : une catégorie juridique protégée ?RFDA 2003 p. 903.
 
انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني