القطب القضائي المتخصص في الجرائم الارهابية في تونس: بداية مرتبكة لهيكلة هشة


2014-12-18    |   

القطب القضائي المتخصص في الجرائم الارهابية في تونس: بداية مرتبكة لهيكلة هشة

أعلن في 16-12-2014 عن بداية عمل القطبين القضائي والأمني المتخصصين في الإرهاب. واقترن الاعلان بحفل تدشين اشرف على فعالياته رئيس الحكومة وحضره الوزراء المعنيون "بالحرب على الارهاب". حرص الوزراء الحاضرون في كلماتهم التي ألقوها في حفل التدشين على تأكيد استقلال القطبين وظيفيا وهيكليا. فقد ذكر وزير الداخلية ان القطب الامني المتخصص لا علاقة له بالأبحاث العدلية ويتمثل دوره في تطوير العمل الاستعلامي دون ان يشمل الجوانب العملياتية. وفي الاتجاه نفسه، شدد وزير العدل على كون القطب القضائي المختص يضم قضاة تحقيق وأعضاء دائرة اتهام وممثلين للنيابة العمومية بدرجتيها يشتغلون بالمحكمة الابتدائية بتونس وبمحكمة الاستئناف بها وتم إفرادهم بمقر خاص وبتخصص في العمل في القضايا الإرهابية لتحقيق النجاعة. حاول الوزراء أن يقدموا إجابات استباقية لسؤال قد يطرح حول الهدف من نقل "قضاء الاستقراء إلى بناية توصف بالمقر الأمني. وسعت الاجابات التي تم تقديمها عن سؤال لم يطرح لابراز "التخصص" كانجاز يغطي على الاسئلة الاشكالية التي يثيرها المقر.

اكد وزير العدل في تقديمه الاعلامي للمؤسسة التي تولى الإعلان عن انطلاقتها أن بعث القطب القضائي يرد في سياق تطوير التخصص القضائي في التعامل مع الجرائم المتشعبة. وتمسك الوزير  بان الاختصاص في الجرائم الإرهابية يعود للمحكمة الابتدائية بتونس كمحكمة درجة اولى ولمحكمة الاستئناف بها كمحكمة درجة ثانية ويكون تبعا لذلك بعث القطب القضائي من قضاة المحكمتين أمرا لا يخرق الإجراءات القانونية ولا يمكن عده بعثا لمحكمة استثنائية.

يظهر القطب القضائي المتخصص في الإرهاب بالتالي كتواصل لتجربة بعث الأقطاب القضائية المتخصصة والتي انطلقت ببعث "القطب القضائي المتخصص في قضايا الفساد المالي". ويشترك القطب الجديد مع القطب الذي سبقه في تركيزه على التخصص في قضاء التحقيق كما يشترك القطبان في "انفراد وزارة العدل بقرار إحداثهما دون أن يسبق ذلك اتخاذ إجراءات ترتيبية تضمن استقلالهما باختصاصهما. وتثير هذه السياسة اسئلة هامة فيما تعلق بجدية تبرير الالتجاء لها بطلب التخصص أولا كما أن بعث هذه الأقطاب وان كان مبدئيا لا يؤدي لبعث محاكم استثنائية الا انه قد يصبح مدخلا للمس باستقلالية القضاء.

التخصص مفهوم مجتزأ
اختارت وزارة العدل التونسية في تعاملها مع ملف قضايا الفساد المالي ان تستحدث بتاريخ 10 جانفي 2013 قطبا قضائيا خاصا بقضايا الفساد وضم القطب عددا من قضاة التحقيق ومن ممثلي الادعاء العام الذين ذكر حينها "انهم تلقوا تكوينا متخصصا يضمن لهم البحث في الجرائم المالية التي تتميز بتشعبها وبطابعها العابر للحدود". وبررت وزارة العدل اختيارها لشكل القطب بكون بعث محكمة متخصصة يستدعي اجراءات قانونية تطول بما يبرر الاكتفاء ببعث قطب يشتغل ضمن المحكمة الابتدائية بتونس. وعادت ذات الوزارة في تعاملها مع قضايا الجرائم الارهابية "لتبعث قطبا قضائيا متخصصا في الجرائم الارهابية". لم يتميز القطبان عن بعضهما الا بضم القطب الثاني في مقره لدائرة اتهام تمثل قضاء التحقيق في رتبته الثانية وهو امر لم يحصل مع قطب قضايا الفساد المالي. واشترك فيما زاد على ذلك القطبان في تركيزهما في تجسيد شعار التخصص الذي يرفعانه على مرحلة التحقيق واهمالهما لمرحلة القضاء الجالس رغم ان ادعاء الحاجة للتخصص يفرض منطقا ان تشمله ذات الرعاية الرسمية.
ويتبين مما سلف ان الاقطاب القضائية التي احدثت كرست تصورا للتخصص القضائي يهمل مرحلة الحكم على اهميتها بما يؤدي لإضعاف الحجة التي تعلن كمبرر لبعثها. فيما يؤدي تصور "القطب القضائي" كمشروع حكومي الى طرح السؤال حول "حقيقة احترام المؤسسات القضائية المستحدثة  لاستقلالية القضاء".

الأقطاب القضائية واستقلالية القضاء:
برز الاعتبار السياسي بوضوح في قرارات الحكومة بعث أقطاب قضائية. اذ اقترن بعث تلك الاقطاب  في تاريخه بتوجهات الرأي العام وهواجسه. فورد بعث القطب القضائي المتخصص في قضايا الفساد كاستجابة للانتقادات التي وجهت للقضاء واتهمته بالإبطاء في نظر قضايا الفساد المالي فيما ورد بعث القطب القضائي المتخصص في القضايا الإرهابية في سياق تنامى فيه اهتمام الرأي العام بتطور الظاهرة الإرهابية وبعدما تعددت الانتقادات الامنية لأداء قضاء التحقيق في الموضوع. وبدا القضاء بالتالي في قرارات بعث الاقطاب موضوعا لاصلاح تمليه السلطة التنفيذية وتحتكر آلياته دون تدخل من المشرع او من مؤسسات القضاء وهياكله. ويعد بالتالي تحكم السلطة التنفيذية في إحداث الأقطاب القضائية مؤشرا على "تعارض آلية بعث الاقطاب القضائية مع فكرة ارساء قضاء مستقل فيما يؤكد تقسيم العمل بين المحكمة الابتدائية بتونس والاقطاب القضائية التوجه نحو المس بشروط استقلالية القضاء.

تنتفي صفة المحكمة عن القطب القضائي المتخصص في الارهاب كما تنتفي تلك الصفة عن القطب القضائي المتخصص في قضايا الفساد. ويكون بالتالي تعيين القضاة للعمل بالاقطاب القضائية من صلاحيات المسؤولين على المحاكم ولا يخضع لضوابط موضوعية كما هو الحال في الحركة القضائية. وقد يؤدي تحكم المسؤولين القضائيين لتحول سعي القضاة المشروع للاستفادة من التكوين المتخصص الذي يوفره لهم العمل بالاقطاب القضائية الى سبب في توجه بعضهم نحو ابراز الولاء للمسؤولين القضائيين بما يكرس التبعية في الثقافة القضائية ويمنع تطور ثقافة الاستقلالية. كما يؤدي الجمع بين فكرة تخصص الاقطاب القضائية بقضايا معينة وامكانية نقلة قضاة التحقيق منها الى مكتب تحقيق بالمحكمة الابتدائية بمجرد مذكرة داخلية من رئاسة المحكمة الابتدائية بتونس الى المس بمبدأ استقلالية قاضي التحقيق التي تفترض الا تسحب القضية التي يعهد بها لقاضي التحقيق ما دام مباشرا لمهامه كقاضي تحقيق.
وقد تكون الانطلاقة المتعثرة للقطع القضائي المتعلق بالقضايا الارهابية والتي فرضها "الاختيار غير الموفق رمزيا لمقره" مناسبة لاعادة النظر في سياسة الاقطاب القضائية في اتجاه تطويرها بما يتماشى مع حاجيات العمل القضائية وشروط استقلالية القضاء بعيدا عن تفرد السلطة التنفيذية بملف اصلاح القضاء.

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني