التشريعات المصرية بين الدينية والوضعية


2014-12-16    |   

التشريعات المصرية بين الدينية والوضعية

يشهد تاريخ مصر على العديد من الانقلابات السياسية والعسكرية التي لم تسفر حتى يومنا هذا عن إفراز نظام سياسي واضح المعالم من حيث بنيته القانونية التي لا تزال تتأرجح بين الدينية والوضعية. إذ تعدّ مصر من أكثر دول المشرق العربي تأثراً بالدين. ورغم ذلك لا يمكن تصنيفها في عداد الدول الثيوقراطية على غرار السعودية مثلاً التي يُعتبر فيها القرآن دستوراً وتكاد تخلو تشريعاتها من أية صبغة للقوانين الوضعية المعاصرة. هذا وقد شهدت مصر خلال السنوات القليلة الماضية الإطاحة بنظامين سياسيين يعود أولهما للديكتاتور محمد حسني مبارك وثانيهما لنظام الإخوان المسلمين الأيديولوجي الممثل بحزب الحرية والعدالة، قبل معاودة المؤسسة العسكرية إحكام سيطرتها على مقاليد الحكم برئاسة عبد الفتاحالسيسي. وطالت التغييرات المنظومة الدستورية المصرية حيث تميزت المرحلة الأخيرة باعتماد العديد من الإعلانات الدستورية تمخضت عن إلغاء دستور عام 1971 واعتماد دستور عام 2012 في ظل رئاسة الاخوان قبل أن يتم تعطيله واعتماد دستور عام 2014 في ظلّ حكم السيسي الحالي. وعلى الرغم من هذه التغييرات الدستورية التي من المفروض أن تؤثر على صياغة القوانين الداخلية فإن هذه الأخيرة لم تتعرض لتغييرات ملموسة وجذرية خلال السنوات القليلة الماضية التي اتسمت بعدم الاستقرار السياسي. وسيسلّط هذا المقال الضوء على واقع التشريعات المصرية ومدى تأثرها بالدين من ناحية وبالقوانين الوضعية من ناحية أخرى، وذلك في قسمين أولهما يتعلق بالمنظومة الدستورية وثانيها بالتشريعات الداخلية المعمول بها.  

القسم الأول: المواطنة والدين في المنظومة الدستورية المصرية
حازت مسألة تأثير الدين في صياغة الدساتير المصرية المتعاقبة على اهتمام جميع الأطراف السياسية الفاعلة على الساحة المصرية. إذاً يعدّ الدين أساسياً في تكوين هوية الدولة المصرية التي بدأ أيضاً مفهوم المواطنة القائم على المساواة بين المرأة والرجل وبين المسلم وغير المسلم بأخذ حيزاً هاماً فيها. فيبرز في أغلب الجدالات الدستورية تياران أساسيان أحدهما يشدّ باتجاه تعزيز قيم الدولة المدنية المستمدة من مبدأ المواطنة هذا، بينما يسعى التيار الديني إلى المحافظة على دور الدين في الدستور بل وتعزيزه. وسيعالج هذا المقال، مبدأ المواطنة في الدساتير المصرية قبل تسليط الضوء على دور الدين وخاصة الشريعة الإسلامية فيها.

أولاً : المواطنة والدساتير المصرية
يُشكّل كل من المساواة والحرية الدينية ركيزتين أساسيتين لمبدأ المواطنة وبالتالي للدولة المدنية. وبهذين المبدأين، يتكرس التأثير الحقيقي للتشريعات الوضعية ولاسيما المساواة بين المرأة والرجل وبين المسلم وغير المسلم، مما يمهد للحدّ من الصبغة الدينية للدولة.

أ- الحرية الدينية في الدساتير المصرية
تعدّ الحرية الدينية من أهم مبادئ المواطنة ويشمل تأثيرها العديد من شرائح المجتمع المصري، ولاسيما المسيحيين والبهائيين والشيعة وحتى العلمانيين واللادينيين في مصر. هذا وقد تضمّنتالدساتير المصرية الثلاثة الأخيرة على نصوص متعلقة بالحرية الدينية. فنصّ دستور عام 1971 في مادته 46 على أنّ "تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية". ومن اللافت خلو هذا النصّ من الإشارة إلى قيود، وذلك خلافاً للدساتير المصرية السابقة واللاحقة. وانطلاقا من هذه المادة، اعتبرت المحكمة الدستورية أنّه يتضمن نقصاً عليها أن تكمله وهو ما جاء في حكمها الصادر عام 1975 لجهة أنّ حرية الشعائر الدينية مقيدة بعدم الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة وبأنّ نصّ المادة 46 لا يحمي سوى أبناء الديانات التوحيدية الثلاثة بما لايشمل العقيدة البهائية[1].  
 
وأولى دستورالإخوان أهمية خاصة لكل من حرية الاعتقاد والشريعة الاسلامية وذلك على الرغم من التناقضات التي يمكن أن تبرز بينهما[2]. فحريةالاعتقاد مصونة بحسب المادة 43 حيث "تكفل الدولة حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة للأديان السماوية؛ وذلك على النحو الذى ينظمه القانون". وبالتالي، فإنّ الإشارة إلى مصطلح الأديان السماوية يشمل أتباع العقيدة المسيحية، ولكنه يستثني "الأديان غير السماوية" ولا سيما البهائية، وذلك بحسب القراءات السائدة للشريعة الاسلامية وبحسب ما أشارت إليه أعلاه المحكمة الدستورية واجتهادات قضائية أخرى وفتاوى دينية مختلفة[3]. ويعتبر الكاتب عمرو الشوبكي بأنّ هذه المادّة في تراجع مقارنة مع ما ورد في دستور عام 1971 الذي لا يقصر الحماية على المُعتقَد فقط، لكنّ الحقّفي العبادة أوسع بكثير[4]. وتجدر الإشارة إلى أنّ دستور عام 2012، وعلى خلاف الدستور السابق، قد اعتبر في مادته الثالثة بأنّ"مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية".ومع ذلك، لا تشمل هذه المادة إعادة إنشاء المحاكم الدينية للطوائف غير المسلمة والتي كانت قد ألغيت عام 1955[5]. وفيما يتعلق بدستور عام 2014، فقد أعاد إدراج نفس هذه المادة الثالثة. واعتبرت مادته 64 بأنّ "حرية الاعتقاد مطلقة"، وفي هذه العبارة تقدمملحوظ عن الدستورين المصريين السابقين المشار إليهما أعلاه وعودة لما كان منصوص عليه في كل من دستور عام 1923 ودستور عام 1956من ناحية إطلاق حرية الاعتقاد[6]. وعلى خلاف دول المشرق العربي، تنفرد مصر مع لبنان بالتنصيص الدستوري على "حرية الاعتقاد المطلقة"[7]. ومع ذلك تضيف هذه المادة 64 بأنّ"حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون̎.وممكن أن يُفهم من ذلك بأن المشرع أراد إطلاق حرية الاعتقاد لكافة الأديان بما في ذلك البهائية وتقييدها لغير الأديان السماوية فيما بتعلق بإقامة الشعائر والذي يمكن أن يأخذ طابعاً علنياً. ورغم ذلك، فإنّ الإشارة إلى الأديان السماوية في عدّة مواقع من هذا الدستور وأيضأً الدور البارز للشريعة الإسلامية قد يجعل من الصعب اعتماد هذا التفسير[8]. كما أنّ الحرية الدينية تشتمل بالضرورة على حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية.
 
ب- المساواة في الدساتير المصرية
يعدّ تضمين مبدأالمساواةكحق دستوري ذا أهمية بالغة ليس فقط لأتباع الأقليات الدينية والمذاهب غير السنية، إنما أيضاً للنساء. فتعاني هذه الشرائح من التمييز في العديد من مناحي الحياة ولاسيما في الحقوق والواجبات وأمام القانون والقضاء، خاصة بسسب تأثير التشريعات الدينية.
 
وقد كان للمساوة ذكر في الدساتير المصرية المتعاقبة مع اختلاف في صياغة المواد المتعلقة بذلك والتي غالبا ما تثير جدلاً بين العلمانيين من جهة والإسلاميين من جهة أخرى. فينصّ دستور عام 1971 وبالتحديد مادته الثامنة على أن "تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين̎.وبحسب المادة 40 "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة̎. وتجدر الإشار إلى أهمية تعديل عام 2007 الذي جعل من المواطنة عنصراً أساسياً من النظام الدستوري المصري وهو ما يصبّ حتماًفي تعزيز المساواة بين المسلمين وغير المسلمين[9]. ومع وصول الاخوان إلى السلطة، تمّ اعتماد دستور عام 2012 الذي ينصّ بدوره على مبدأ المساواة في الديباجة  التي تقول بأنّ "المساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع: مواطنين ومواطنات؛ فلا تمييز، ولا وساطة، ولا محاباة، فى الحقوق والواجبات̎[10]. وتضيف المادة 33 على الآتي: "المواطنون لدى القانون سواء؛ وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك̎. وتؤكد المادة السادسة على مبدأ "المواطنة التى تسوى بين جميع المواطنين فى الحقوق والواجبات العامة̎، كما أنّها لا تجيز"قيام الأحزب السياسية على أساس التفرقة بين المواطنين". وتشير مقدمة الدستور الحالي الصادر في 18 كانون الثاني/يناير 2014 إلى مصطلح المساواة ثلاث مرات آخرها في العبارة التالية: "نكتب دستورًا يحقق المساواة بيننا فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز̎.وتعتبر المادة 53 ذات أهمية بالغة في ترسيخ هذا المبدأ من ناحية فرضها التزاماً إيجابيا على الدولة من أجل استئصال التمييز بين المواطنين وأيضاً تجريم التمييز والحض على الكراهية. فنقرأ في هذه المادة ما يلي: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض". وفي مادته 11 ينصّ الدستور الجديدعلى أن "تكفلالدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقاً لأحكام الدستور".  صحيح بأنه لم يتم ذكر عبارة عدم التعارض مع الشريعة الإسلامية، ولكن عبارة "وفقاً لأحكام الدستور"قد تُشير بشكل غير مباشر لذلك طالما أن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع بمقتضى هذا الدستور. ومع ذلك تنصّ أحكام الدستور على نصوص أخرى مبنية على مبدأ المواطنة وهو ما يمكن أن يعزز من المساواة بين المواطنين. وقد جاء النصّ المتعلق بمنع إقامة الأحزاب على أساس ديني (بحسب المادة 74) صريحاً في هذا الدستور الجديد على خلاف ما كان قد أُدرج في دستور عام 2012 الذي اكتفى في مادته 6 بالإشارة إلى أنه "لايجوز قيام حزب سياسى على أساس التفرقة بين المواطنين؛ بسبب الجنس أو الأصل أو الدين".
 
ثانياً: الدين والدساتير المصرية
تعتبر الدساتير المصرية بأنّ دين الدولة هو الإسلام وبأنّ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي أو أحد مصادر التشريعات. هذا وتشتمل الشريعة الإسلامية، أو بعض التفسيرات الدينية لهذه الشريعة، على انتهاك لمبدأ الحرية الدينية وأيضاُ لمبدأ المساواة بين المُسلمينوغيرهم،وبينالرجالوالنساء[11]، كما تبينه التشريعات الدينية المعمول بها في مصر والمستمدة من هذه النصوص الدستورية[12].
 
اعتبر دستور مصر لعام 1971 بأنّ "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".ويذكر بأنّ هذا الدستور، حين اعتماده عام 1971، كان ينصّ على أنّ "مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع"، وليس "المصدر الرئيسي". فقد أُجري هذا التعديل أيام حكم الرئيس المصري الراحل أنور السادات بموجب قرار مجلس الشعب الصادر بتاريخ 30/4/1980[13]. وقد أثار هذه التعديل جدلاً حاسماً يتعلق بالآثار المترتبة عليه وخاصة من ناحية انسحابه ليشمل استبعاد كافة القوانين الوضعية المعمول بها قبل تاريخه والمخالفة لمبادئ الشريعة الإسلامية. وقد تدخّلت أعلى الهيئات القضائية في مصر لحسم هذا الجدل لصالح عدم تطبيق آثار هذه المادة بشكل رجعي،وبغير ذلك كان من الممكن أن تتحول مصر إلى دولة ثيوقراطية بحتة[14]. كما برز تأثير الشريعة الإسلامية على نصوص أخرى لدستور عام 1971 ولاسيما المادة 11 التي تنصّ على أن "تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية̎.كما ألزمت المادة 19المجتمع بمراعاة "المستوى الرفيع للتربية الدينية̎ واعتبرت مادته 19 بأنّ "التربية الدينية مادة أساسية في مناهج التعليم العام". وقد تفسّر هذه النصوص الدستورية الدرجة العالية لتأثير الدين على الدولة والمجتمع المصري، على خلاف بعض الدول المجاورة كسوريا التي لا تُعتبر فيها التربية الدينية مادة أساسية في المنهاج التعليمي أو الإسلام ديناً للدولة، ويكتفي دستورها باعتبار الفقه الإسلامي أحد المصادر الرئيسية للتشريع وليس المصدر الرئيسي لها".  
 
 وقد شكل دور الدين في الدستور الجديد مادة لجدل واسع في أوساط المجتمع المصري، بعد الثورة التي أطاحت بنظام مبارك، ولاسيما في ظلّ صعود كبير للتيارات الإسلامية خاصة الإخوان المُمثلين بحزب الحرية والعدالة والسلفيين المُمثلين بحزب النور. ولأول مرة في تاريخ الدساتير المصرية ظهرت هيمنة واسعةللدين الإسلامي وشريعته على الدستور الجديد لعام 2012. فلم يكتف هذا الأخير بالاحتفاظ بمضمون المادة الدستورية الثانية التي تعتبر بأنّ "مبادئالشريعةالإسلاميةتُشكّلالمصدرالرئيسي للتشريع̎[15]، إنما أضاف المادّة 219 التي تنصّ على أنّ "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة". تمثّلأيضاً تأثير الدين على الدولة بما نصّت عليه المادة الرابعة من الدستور من حيث اعتبار "الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة جامعة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، ويتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم. ويؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية"[16]. وفي هذه النصوص الدينية تمييز ليس فقط ضد غير المنتمين إلى الدين الإسلامي، إنما أيضاً ضد غير المنتمين إلى الطائفة السنية كالشيعة الذين يعانون بشدة في مصر[17]. لم يدم هذا الدستور طويلاً قبل أن يتم تعطيله على إثر الإطاحة بنظام الإخوان في تموز/ يوليو 2013 وولوج قيادة الجيش المصري إلى السلطة والتي ما لبثت أن رتّبت لاعتماد دستور جديد للبلاد عام 2014.
 
كما الدستور الأسبق، افتتح الدستور الحالي لعام 2014 ب ̎البسملة الإسلامية̎. وأشار في مقدمته إلى أنّ "مصر مهد الدين، وراية مجد الأديان السماوية". وتابعت هذه المقدمة التذكير بمساهمة هذه الأديان بحضارة مصر مع الإشارة صراحةً إلى الأنبياء الثلاثة. وتؤكّد مقدمته أيضاً إلىأن"مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع̎ وهو ما تعيد إدراجه المادة الثانية مع إضافة أنّ الإسلام دين الدولة̎، كما هو حال الدساتير السابقة. وتضيف مقدمة الدستور بأنّ المرجع في تفسير ما ورد بالدستور من ناحية "مبادئ الشريعة الإسلامية" إلى ما تضمنه "مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا في ذلك الشأن". ويتبين من ذلك إعطاء اجتهادات المحكمة الدستورية، ذات التوجه الليبرالي[18]، الدور الأساسي والوحيد في تفسير هذه المبادئ، الأمر الذي يعززه إلغاء المادة 219 المذكورة أعلاه والتي كانت تحيل هذا التفسير إلى "مذاهب أهل السنة والجماعة̎ وأيضاً إلغاء عبارة أخذ" رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية̎. ومع ذلك فإنّ المادة السابعة من الدستور الجديد تتضمن ما نصّت عليه المادة الرابعة من الدستور السابق من ناحية الدور الاستثنائي للأزهر في مصر ولكن لتجعله هيئة إسلامية علمية مستقلة̎ بدلاً من اعتباره" هيئة إسلامية مستقلة جامعة̎. فقد تمّ إلغاء دور الأزهر بصفته مرجعية دستورية فى الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية لصالح المحكمة الدستورية صاحبة المرجعية في ذلك كما هو منصوص أعلاه. وبذلك حُصر دور الأزهر بمقتضى الدستور الجديد بالجانب العلمي في الإسلام بدلاً من تفويضه بسلطة تشريعية كما كان من الممكن استنتاجه من الدستور الأسبق [19]. وجدير بالذكر بأن المادة 24 من الدستور الجديد اعتبرت التربية الدينية كمادة أساسية في التعليم ما قبل الجامعي ولكنها أشارت أيضاً إلى "حقوق الإنسان والقيم، والأخلاق المهنية للتخصصات العلمية المختلفة̎ التي يجب أن تعمل الجامعات على تدريسها، من دون أن يكون لها دور في مرحلة التعليم الأساسية بحسب هذه المادة.  
وأخيراً يتبين مما سبق بأنّه كان للدساتير المصرية المتعاقبة دور أساسي فيصياغة المبادئ الأساسية للمُواطنة وبالتالي تعزيز السير باتجاه إقامة الدولة المدنية. لكنتبرز هشاشة هذه المنظومة الدستورية بتأثير التشريعات الدينية ولاسيما "اعتبار مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" وهو ما يدفع للتساؤل عن مدى تأثير هذه الشريعة بالقوانين المصرية الداخلية، الأمر الذي سنبينه في الجزء الثاني من هذا المقال.
 
 



[1]حكم صادر بتاريخ 1/3/1975 في الدعوى المرقمة 7، السنة 2.
[2]أنظر أدناه
[3]أنظر أدناه
[4]أنظر عمرو الشوبكي، الدستور المصري، مشاكل إجرائية وأزمة في الفحوى، في: الإصلاح الدستوري في المراحل الانتقالية، مبادرة الإصلاح العربي، ص 92.
[5]أنظر قانون رقم 462 لعام 1955.
[6]أنظر المادة 12 من من دستور عام 1923 والمادة 43 من دستور عام 1956.
[7]يُشير الدستور اللبناني في المادة التاسعة على ذلك، هذا وتُعتبر الحرية الدينية فريدة في هذا البلد مقارنة مع بقية بلدان العالم العربي ولاسيما من ناحية إمكانية تغيير الدين وقبول الاعتراف أو تسجيل الزيجات في حال اختلاف الدين وكذلك استئصال العديد من أوجه التمييز الديني بين المسلمين وغير المسلمين أمام المحاكم.  
 [8]فقد جاء في فتوى صادرة عن إدارة الفتوى والتشريع لوزارة العدل بأنّه" إذا كانت حرية العقيدة مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد، فإنّ المراد بالأديان بهذا الشأن هو الأديان المعترف بها، وليس من بينها الدين البهائي. ولايعني مبدأ إطلاق حرّية العقيدة في الواقع سوى حرية الفرد في الاعتقاد فيما يراه من الديانات. والمقصود بالاعتقاد في هذا المعنى الإرادة أو النية الكامنة في نفس الشخص والتي لايجوز له التعبير عنها بمظهر خارجي فعليّ، إلا في حدود ما يسمح به النظام الأساسي للدولة والقواعد التي يقوم عليها هذا النظام، ومنها أحكام الشريعة الإسلامية التي لا تعترف بالدين البهائي وما انطوى عليه من زيغ وفساد، وبناء على ذلك لايمكن إجبار الدولة على الاعتراف بهذا الدين أيّا ما كان مظهر هذا الاعتراف̎. أنظر عبد البرّ، دور المحكمة الدستورية المصرية في حماية الحقوق والحريات، لا. ن، 2004، ص 267-268.
[9]أنظر المادة الأولى من التعديل الدستوري المنشور بالجريدة الرسمية، رقم 131 بتاريخ 31 آذار/مارس 2007.
[10]فتنصّ المادة السابعة على أنّ "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة".
[11]أنظر أدناه.
[12]أنظر القسم الثاني من هذا المقال.
[13]وقد أجري استفتاء شعبي لاعتماد هذا التعديل بتاريخ 22/5/1980.
[14]أنظر القسم الثاني من هذا المقال.
[15]كما أعيد إدراج مواد دستورية أخرى موجودة في نصّ الدستور السابق كاعتبار "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية" (المادة 10)، ورعاية الدولة "المستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية" ( المادة 11) .
[16]كما نصّت المادة44 من دستور عام 2012 على "حظر الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة". وقد تتيح هذه المادة تفسيرات قد تحدّ بشدّة من حرية التعبير وخاصة انتقاد التشريعات الدينية المنتهكة لحقوق الانسان.
[17]للاطلاع على ملابسات صياغة هذا الدستور، أنظر عمرو الشوبكي، مصدر سابق، ص 90 وما يليها. أنظر أيضاً ياسمين فاروق، صنع دستور الثورة المصرية بين العقد الاجتماعي والتعاقد السياسي، في: الإصلاح الدستوري في المراحل الانتقالية، مبادرة الإصلاح العربي، ص 106-121.
[18]في حكمها الصادر في 2/1/1999 في القضية رقم 102 لسنة 9، قضت بأنّه "اذا كان الاجتهاد حقا لأهل الاجتهاد فأولى أن يكون هذا الحق ثابتا لولي الأمر يستعين عليه في كل مسألة بخصوصها وبما يناسبها من أهل النظر في الشؤون العامة، إخمادا للثائرة وبما يرفع التنازع والتناحر ويبطل الخصومة". وبذلك أتاح هذا الحكم إمكانية الأجتهاد، المغلق لدى أتباع المذاهب السنية منذ عقود، وهو ما يمكّن من تجاوز التقييدات الفقهية المتعارف عليها في تفسير الدين.
[19]أنظر فتوح الشاذلي، قراءات في دستور مصر 2014 (2): هوية الدولة المصرية، المفكرة القانونية، 7 شباط / فبراير 2014.  
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، دستور وانتخابات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني