كيف تصدت المحكمة الإدارية في تونس للنزاعات الانتخابية في 2014؟


2014-12-08    |   

كيف تصدت المحكمة الإدارية في تونس للنزاعات الانتخابية في 2014؟

مقـــــدّمة:

تكتسي الرقابة القضائيّة على العملية الانتخابية أهميّة بالغة باعتبار القاضي الانتخابي المؤتمن على أن تعكس نتائج الانتخابات حقيقة إرادة الناخبين، ولهذا أصبحت السلطة القضائيّة الركن الركين والفيصل في حوكمة العمليّة الانتخابية، من خلال ردودها على الطعون المقدمة ضد إجراءات العملية الانتخابية، وإصدارها قرارات تتوخى الشرعية لطمأنة الأفراد حول ضمان سلامة العملية واحترام إرادة الناخب الذي يجب أن توفر له الحرية في التعبير والتصويت لتأمين انتخابات حرة ونزيهة وشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي.
وإيماناً من المشرّع بدور المحكمة الإداريّة التاريخي في ضمان المشروعيّة، واعترافاً بنجاحها في إدارة النزاع الانتخابي المتعلّق بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي لسنة 2011، أسند القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء الاختصاص للمحكمة الإدارية للتعهّد بنزاعات انتخابات 2014 التشريعية والرئاسية ترشّحات ونتائج.
وقدسبق أن تعهّدت المحكمة الإدارية بالنزاع الانتخابي على مستوى الترشحات والنتائج سنة 2011 حيث أسند لها المــرسـوم عدد 35 لسنة 2011 المؤرخ في 10 ماي 2011 والمتعلّق بانتخاب المجلس الوطني الـتأسيسي الاختصاص في البتّ في نزاعات انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ترشحات ونتائج. غير أنّ تعهّد المحكمة بالنزاعات الانتخابية لسنة 2014 المسند لها بمقتضى أحكام القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء عرف إرساء مبدأ التقاضي على درجتين، سواء بالنسبة لنزاعات الترشحات أو نزاعات النتائج، كما عرفت خلاله المحكمة تجربة نزاعات جديدة هي نزاعات الانتخابات الرئاسية ترشحات ونتائج التي تعقب مباشرة انتهاء المحكمة من البتّ في نزاعات نتائج الانتخابات التشريعية، وهو ما يؤدّي إلى طول أمد تعهّد المحكمة بالبتّ في النزاعات الانتخابيّة مقارنة بانتخابات 2011.

نزاعات الانتخابات التشريعية:
أسند القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء للمحكمة الإدارية الدور الأهمّ في الرقابة على الانتخابات التشريعية لسنة 2014، سواء على مستوى الترشّحات أو النتائج.وتولّت المحكمة الإدارية النظر في الطعون الموجهة ضد الأحكام الصّادرة عن مختلف المحاكم الابتدائية بكامل تراب الجمهورية في ما يتعلق بالترشح للانتخابات التشريعية. وقد بلغ العدد الإجمالي للطعون المقدمة أمام الدوائر الاستئنافية ضد الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية بخصوص الترشّحات للانتخابات التشريعية 111 قضية.
أمّا بخصوص مآل القضايا فقد توزّعت على النحو التالي:
·   الرفض شكلا وعددها 25
·   الرفض أصلا وعددها 53
·   القبول أصلا ونقض الحكم الابتدائي وعددها 33.
وقد أرسى القاضي الإداري مبادئ هامّة تهمّ نزاعات الترشّح للانتخابات التشريعيّة، منها خصوصا ما يتعلّق بصفة الناخب والتي تبنت في تعريفها لها موقفاً مغايراً لموقف الهيئة المستقلّة للانتخابات عندما اعتبرت المحكمة أنّ صفة الناخب تكتسب منذ عملية التسجيل في سجل الناخبين على أن تبقى إمكانية تحيين السجل وضبط القائمة النهائية على ضوء نتائج الأحكام القضائية وقرارات قبول الاعتراضات التي لم يتم الطعن فيها، وبالتالي فإن كل مترشح سجل اسمه في سجل الناخبين عند تقديم ترشحه يكون متمتعاً بصفة الناخب، سواء كان تسجيله في القائمة الأولية أو خلال فترة التمديد. كما توخّت المحكمة في النزاعات المتعلقة بتسميات القائمات الدقة والمرونة في الآن نفسه حيث لم تعتبر في تسمية “حزب الأمان” وتسمية “نحو بر الأمان” وجود تطابق أو تداخل من شأنه إرباك الناخب. كما اعتبرت في الإطار نفسه أنّ تسمية قائمة شمس المحبّة وقائمة تيّار المحبّة لا تتشابهان ولا تؤدّيان إلى إرباك الناخب.

أمّا بالنسبة لنزاعات نتائج الانتخابات التشريعيّة، فتلقت الدوائر الاستئنافية بالمحكمة الإدارية في إطار اختصاصها الابتدائي في نزاعات الانتخابات التشريعية 44 طعناً، منها 4 قضايا تتعلّق بالدوائر الانتخابية بالخارج.
وتعهّدت المحكمة في الطور الابتدائي بـ44 طعناً رفض منها 10 شكلا و33 أصلا وقبلت واحدة فقط شكلا وأصلا هي القضيّة عدد 20005 والتي تمّ فيها تعديل النتائج في الدائرة الانتخابية بمحافظة القصرين بإرجاع المقعد الذي سحبته هيئة الانتخابات لحركة نداء تونس.
وأرست المحكمة عديد المبادئ الهامّة بمناسبة نظرها في الطعون في نتائج الانتخابات التشريعيّة، منها خاصّة التأكيد على أنّ قاضي النتائج مؤتمن على أصوات الناخبين ولا يقضي بإلغاء النتائج الانتخابية إلا إذا تضافرت أمامه قرائن جدية ووقائع ثابتة ومتواترة تفيد التأثير على إرادة الناخبين والمساس بنزاهة العملية الانتخابية. وأنّه “يمتاز بصلاحيات واسعة تمكنه من بسط رقابته على جميع المراحل المكونة للعملية الانتخابية من الترشحات إلى النتائج ومراقبة كل الإخلالات التي من شأنها التأثير على نزاهة وشفافية الانتخابات، بما في ذلك الأخذ بعين الاعتبار صدور أحكام باتّة تتعلّق بإحدى هذه المراحل”، كما أكّدت المحكمة أنّ “التطبيق السليم للفصل 143 من القانون الانتخابي يقتضي تقدير جسامة التأثير على النتائج بعد إحصاء عدد الأصوات بالنسبة لكل القائمات وقبل توزيع المقاعد وبالنظر للفارق بين عدد الأصوات الإجمالي لكل قائمة وليس عدد ما تبقّى من الأصوات في مرحلة توزيع المقاعد حسب أكبر البقايا، م ما دامت بقايا الأصوات جزءاً لا يتجزأ من جملة الأصوات المتحصل عليها، يسري في شأن الأولى ما يسري على الثانية ولا يمكن إفرادها بنظام قانوني خاص إلاّ بما يسمح به نظام الاقتراع النسبي عند عملية توزيع المقاعد. وبالتالي تكون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد جانبت الصواب عندما أعرضت عن تقدير التأثير في النتائج قبل البدء في عملية توزيع المقاعد وتولت تقدير جسامة التأثير في مرحلة إسناد المقعد الثالث حسب قاعدة التوزيع باعتبار أكبر البقايا”.
كما أكّدت المحكمة في قضيّة أخرى أنّ “إثبات المخالفات أو الإخلالات الانتخابية يكون بجميع وسائل الإثبات الممكنة وليس فقط بالرجوع إلى التقارير والمحاضر التي يحرّرها أعوانها المحلّفون، ولا شيء يحول من حيث المبدأ دون نظر القاضي الانتخابي في ما يقدّم إليه من تقارير هياكل ومنظمات المجتمع المدني أو من تقارير الملاحظين أو المراقبين أو ممثلي الأحزاب المترشحة متى اتّسمت بالجدية المطلوبة وتعلّقت بصورة واضحة بمسائل مثارة في النزاع الذي بين يديه وتناولت وقائع ومعطيات دقيقة، سواء كانت كافية بذاتها للحسم في النزاع أو منطلقاً لأبحاث استقصائية إضافية، وينسحب هذا الواجب كذلك على الهيئة عند نظرها في الشكاوى التي تقدّم إليها”.

نزاعات الانتخابات الرئاسيّة
تعهدت الدوائر الاستئنافية في المحكمة الإدارية بالطعون الموجهة ضدّ قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المتعلقة بالترشح للانتخابات الرئاسية التي بلغ عددها 23 قضية. وبعد المفاوضة القانونية تمّ التصريح بالأحكام التي توزعت على 6 قضايا مرفوضة شكلا و15 قضية مرفوضة أصلا، فيما تمّ الحكم بعدم قبول الدعوى بخصوص قضية واحدة وبقبول مطلب رجوع المدعي في طعنه في قضية أخرى. علما أنّ الأحكام المشار إليها قابلة للطعن أمام الجلسة العامة القضائية بالمحكمة الإدارية، في أجل 48 ساعة من تاريخ الإعلام بها، وقد تمّ الطعن في 15 حكماً من الأحكام المذكورة. وبعد المفاوضة القانونية تمّ التصريح بالأحكام في أجل خمسة أيام طبقاً للقانون، وتوزعت مآل القضايا إلى 3 قضايا مرفوضة شكلا و11 قضية مقبولة شكلا ومرفوضة أصلا وقضية واحدة تمّ فيها إقرار الحكم المطعون فيه بأسانيده الجديدة. وخلصت المحكمة إلى إقرار عديد المبادئ في خصوص الترشح للانتخابات الرئاسيّة. ومن هذه المبادئ، أن  اشتراط تزكية المرشح للانتخابات الرئاسية من قبل عشرة آلاف ناخب لا يشكل أمراً تعجيزياً ولا يضيّق من حق الترشح المضمون بالدستور ولا ينال من جوهر حق الترشح للانتخابات المنصوص عليه بالفصل 34 منه، بل إن الغاية من هذا الشرط هي التأكيد على جدية الترشح وعلى أهميّة المنصب المترشّح له. فضلاً عن تأكيد أنّ المحكمة تستأثر بصلاحيات واسعة في مادة النزاع الانتخابي تخوّل لها إعادة النظر في ملف المترشح وتفحّصه من جميع جوانبه.
وفي خصوص نزاعات نتائج الانتخابات الرئاسيّة، عرف الدور الأوّل تقديم 9 طعون، ثمانية منها من مترشّح للدور الثاني وأخرى من مواطن غير معني بالسباق الرئاسي، وقد تمّ التصريح بعدم قبول 7 منها مقابل رفض قضية في الأصل وأخرى في الشكل.
ومن أهمّ المبادئ التي أُقررت في هذا السياق أنّ الطعن يجب أن يتسلّط على جملة النتائج المصرّح بها وأن يستهدف إلغاء نتائج المرشّح المشكّك فيها والتصريح بفوز المدّعي من الدور الأوّل حتى تكون الدعوى حريّة بالقبول لا أن يتمّ الطعن في نتائج بعض مراكز الاقتراع بدوائر انتخابيّة بعينها والمطالبة بإلغائها.

ختاماً، لا يمكن إلاّ الإقرار بنجاح المحكمة الإداريّة في كسب الرهان وفصل النزاعات الانتخابيّة رغم قصر آجال الطعن ومحدوديّة الموارد البشريّة، وخاصّة ما شاب القانون الانتخابي من هنات خاصّة على المستوى الإجرائي الأمر، الذي يستدعي استخلاص العبر من تجربة انتخابات 2014 والمسارعة بإعادة النظر في نظام الطعون بالنسبة إلى نزاع الترشحات للانتخابات التشريعية في اتجاه تأمين تعهّد الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية بالطور الاستئنافي أو التعقيبي، على الأقل تجنّباً لما يمكن أن تفضي إليه صيرورة الحكم باتا أمام الدوائر الاستئنافية من تباين.وإعادة تصوّر الآجال المقرّرة للطعن في الأحكام الصادرة عن الدوائر الاستئنافية بالمحكمة الإدارية بالخصوص والتي لم تأخذ بعين الاعتبار الأجل المعقول لتحرير الأحكام وتوجيهها. مع ضرورة تدعيم القضاء الإداري على مستوى الإمكانيّات الماديّة والبشريّة ليكون قادراً على أداء دوره على الوجه الأمثل كمؤتمن على الشرعيّة وضامن لمصداقيّة الانتخابات.

*قاض لدى المحكمة الإدارية

نشر في العدد صفر من مجلة المفكرة القانونية في تونس

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، تونس ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني