بعد ثماني سنوات من تعليق تنفيذ الاعدام في الأردن، مطالبات شعبية ونيابية بالتفعيل في مواجهة خطاب دولي و حقوقي بوجوب الالغاء


2014-11-24    |   

بعد ثماني سنوات من تعليق تنفيذ الاعدام في الأردن، مطالبات شعبية ونيابية بالتفعيل في مواجهة خطاب دولي و حقوقي بوجوب الالغاء

على الرغم من التوجه الرسمي لوقف العمل بعقوبة الاعدام وعدم تنفيذها في الاردن منذ عام 2006 بحق اي من المحكوم عليهم بهذه العقوبة، ومع المحاولات التشريعية للحد من هذه العقوبة في التشريعات الاردنية حتى تم تقليصها الى ثلاث وعشرين حالة فقط في مختلف التشريعات الاردنية  الا أن المطالبة الشعبية بإعادة تفعيل هذه العقوبة وتنفيذها قد تحبط هذه المحاولات وتعيد هذه العقوبة مفعلة الى الواجهة مجددا لاسيما مع قناعة رسمية بضرورة تفعيل وتنفيذ هذه العقوبة في ظل بروز لافت لظواهر جرمية مقلقة في الاردن.

أحداث جرمية مقلقة
أثيرت في الاعلام مؤخرا مجموعة من جرائم القتل. ومن أحدث هذه الجرائم عهدا جريمة ارتكبها شاب يبلغ من العمر 22 عاما ويعمل كنترولا لاحد الباصات على قتل طالبة جامعية طعنا بعد تشويه وجهها اثناء توجهها فجرا للجامعة والسبب كما تردد أنه يحبها وهي لا تحبه[1]. جريمة أخرى: شاب يستدرج زميلة سابقة له في الدراسة الجامعية الى منجرة والده بالقرب من عمان ليقوم بقتلها طعنا ويتركها مضرجة بدمائها لمدة عشرة ايام حتى ينكشف الامر، والسبب كما يذكر انه كان يريد الزواج منها الا ان والدها رفض ذلك[2]. وسيدة اربعينية تقتل ثلاثة من اطفالها خنقا بعد منتصف الليل فيما نجحت ابنتان في الهرب من هذه المجزرة بعد اللجوء الى الجيران[3]. وهذه مجرد نماذج لجرائم هزت المجتمع الاردني ودقت ناقوس الخطر بأن القادم اسوأ اذا لم تجابه الظاهرة قبل استفحالها، فالشارع الاردني لم يعد يستغرب مثل هكذا خبر تتناقله وسائل الاعلام "ثلاثة جرائم بشعة في الاردن …"[4] او آخر بعنوان "خمس جرائم بشعة تقشعر لها الابدان ارتكبت نهاية الاسبوع " [5] . وقد بلغ عدد جرائم القتل والشروع بالقتل والإيذاء البليغ خلال العام الماضي 1812 جريمة، مكث على اثرها 112 محكوما بالاعدام ينتظرون مصيرهم، بحسب أرقام الامن العام[6].

مطالبات شعبية ونيابية بتفعيل عقوبة الاعدام
في ضوء التحول الكمي والنوعي في جرائم القتل في الاردن تعالت الاصوات وازدادت المطالبات بتفعيل عقوبة الاعدام وتنفيذها بحق المحكوم عليهم بهذه العقوبة، بعد أن اوقف تنفيذ عقوبة الاعدام في الاردن منذ عام 2006. فوفقا لاحكام الدستور الاردني، لا بد لتنفيذ الحكم الصادر بالاعدام من موافقة الملك[7]. وقد جرت العادة منذ عام عام 2006 ان لا يوافق الملك على تنفيذ عقوبة الاعدام لاسباب عديدة منها تحسين صورة الاردن في مجال حقوق الانسان عالميا من خلال الاستجابة لمناشدات دولية لالغاء عقوبة الاعدام، ولافساح المجال امام الخصوم للتصالح. وقد توقف تنفيذ عقوبة الاعدام في الاردن منذ شهر آذار عام 2006 عندما نفذت إدارة سجن سواقة حكم الإعدام بحق اثنين ينتميان لتنظيم القاعدة، هما الليبي سالم بن صويد والأردني ياسر فريحاتاللذين أدانتهما محكمة أمن الدولة بتهمة القيام بأعمال إرهابية أفضت إلى موت إنسان بعد ثبوت اغتيالهما الدبلوماسي الأميركي فولي العام 2002 في عمان، بتكليف من تنظيم القاعدة في العراق آنذاك[8]. وقد طالب عدد من النواب في البرلمان الاردني من خلال مذكرة نيابية بضرورة تفعيل حكم الاعدام في الاردن مؤكدين ان على الدولة ان تطبق حكم الاعدام بحق مرتكبي الجرائم وفقا لاحكام القانون لتقليص عدد الجرائم الخارجة عن القيم الانسانية. وفي السياق نفسه، بعث وجهاء عشائر مذكرة الى الملك مطالبين اياه باستئناف تفعيل عقوبة الاعدام التي صدرت بحق مرتكبي الجرائم، مشيرين الى ضرورة كبح ظاهرة الجريمة وعدم الإستهتار بأرواح المواطنين الذين قتلوا بدم بارد من قبل سماسرة القتل[9]. كما تشكلت تجمعات شعبية تطالب بتنفيذ عقوبة الاعدام بحق مرتكبي جرائم القتل التي وقعت مؤخرا في الاردن. كما وجه اهالي الضحايا رسائل للملك يطالبونه فيها بتفعيل عقوبة الاعدام وايقاع القصاص بحق الجناة الذين استباحوا دماء ابنائهم وذويهم[10].

الحكومة تدرس تفعيل عقوبة الاعدام مجددا
في ظل الضغط الشعبي المتنامي لاعادة العمل بعقوبة الاعدام وتفعيلها، أبدت الحكومة ميلا الى الاستجابة لها. وقد أكد وزير العدل د. بسام التلهوني، ان محاكم المملكة تشهد كل يوم اصدار حكم بعقوبة الاعدام، بحق من يستحقها، لافتا إلى أنه لا يوجد اي مانع قانوني من تنفيذها. وعلق في تصريحات صحفية على مطالبات الشارع الاردني بتفعيل تنفيذ حكم الاعدام على من يحكم عليه به، بأن هنالك لجنة مشكلة في وزارة العدل من قضاة ومحامين وأكاديميين وأصحاب اختصاص، تراجع قانون العقوبات، وستراجع الاعمال الجرمية الموجودة به، الى جانب العقوبات التي تقع على مرتكبيها. ومن جهته ايضا اكد وزير الداخلية حسين المجالي قبل ايام قليلة ان الحكومة تدرس بشكل جدي اعادة تفعيل عقوبة الاعدام[11].

موقف الاردن من عقوبة الاعدام من منظور دولي
لم يحظرالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عقوبة الاعدام بشكل مطلق ، بل اعتبر انه يحق للدولة الابقاء على هذه العقوبة ضمن قيود منها ان تقتصر العقوبة على الجرائم الخطيرة، وان تكون نتيجة لحكم نهائي من جهة قضائية مختصة، وان لا يطبق بحق من هم دون الثامنة عشرة من العمر، ولا بحق النساء الحوامل[12]. في حين ان البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام اليه بموجب قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 44/128 المؤرخ في 15/12/1989 ودخل حيز التنفيذ في 11/7/1991 ويتعلق هذا البروتوكول بعقوبة الاعدام ، وترك مفتوحا امام اي دولة من الدول الموقعة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية قد ترغب في الانضمام اليه . وبالرغم من ان هذا البروتوكول قد ترك حرية الاختيار للدول في المصادقة عليه ، إلا انه يرتب التزاما قانونيا على الدول التي توقع بالانضمام اليه بوقف العمل بعقوبة الاعدام والغائها ، إذ نصت المادة الاولى منه على انه " 1- لا يعدم اي شخص خاضع للولاية القضائية لدولة طرف في هذا البروتوكول . 2 – تتخذ كل دولة طرف جميع التدابير اللازمة لالغاء عقوبة الاعدام داخل نطاق ولايتها القضائية " . والجدير بالذكر انه رغم عالمية هذا البروتوكول الا انه لم تقم اي دولة عربية بالمصادقة عليه حتى تاريخه [13].
وبالعودة الى الموقف الرسمي للحكومة الاردنية من تنفيذ عقوبة الاعدام، اعتبر ناشطون في مجال حقوق الانسان تصريحات الوزير المجالي بأنها تمثل تراجعا في مسار حقوق الانسان في الاردن، فنادرا ما تعود الدول عن قرار وقف تنفيذ عقوبة الاعدام لا سيما وان الاردن كان في الاعوام الماضية ضمن الدول التي اتجهت اليها الانظار للتصويت لصالح قرار الامم المتحدة في الشهر المقبل بوقف التنفيذ الرسمي لعقوبة الاعدام وصولا الى مرحلة الالغاء الكامل في المرحلة المقبلة. ويرى قانونيون ان رد الحكومة باعادة النظر بتفعيل عقوبة الاعدام يُعد ردا قاصرا، لانه من الاولى أن تقوم الحكومة بالبحث اكثر حول اسباب انتشار الجريمة. وان تنفيذ عقوبة الاعدام لا يُعد الحل لمنع انتشار الجرائم الموجودة حاليا في الاردن، وان على الحكومة النظر بالاسباب المؤدية الى الجرائم، التي يعد احد اهم اسبابها الضغط الاقتصادي والاجتماعي والانفلات الامني والاخلاقي وغيرها من الامور، والاولى ان تقوم الحكومة بمعالجة هذه المسببات الاساسية بحيث تقوم بحماية المجتمع. كما ان فلسفة العقوبة يجب ان تكون بقصد التأهيل وليس ايقاع الالم وهذا النهج تبنته الاردن بجميع سياساتها المتعلقة بالاصلاح الجنائي وبدأت تعمل على النهج القائم على الاصلاح واعادة التاهيل من منطلق ان الشخص الذي يخطئ يستحق ان ياخذ فرصة ثانية في الحياة. كما انه لا يوجد اي نظام قضائي في كافة ارجاء العالم يخلو من الخلل، وكان هناك العديد من الاشخاص الذين تم اعدامهم ومن ثم اكتشفت براءتهم. فالدولة يجب ان تكون حامية للحقوق والحريات ويجب ان لا تضع نفسها في الموقف الخطأ في قتل الاشخاص. ووفقا لدراسة قديمة اشارت الى أن 8 % مِمَن يتم اعدامهم في العالم يكونون ابرياء ، والاردن حدث فيها شيء مماثل مما دفع الملك ان يقرر عدم المصادقة على احكام الاعدام[14].



[7]– تنص المادة ( 39 ) من الدستور الاردني على انه " لا ينفذ حكم الاعدام الا بعد تصديق الملك وكل حكم من هذا القبيل يعرضه عليه مجلس الوزراء مشفوعا ببيان رأيه فيه " .
[10]– للاطلاع على رسالة والدة المجني عليها نهى الشرفات للملك بتاريخ 31/10/2014 والتي طالبته فيها باعدام قاتل ابنتها الذي قتلها كي لا تكون زوجة لغيره كونه يحبها ووالده يرفض زواجه منها….انظر الرابط التالي : http://www.alkawnnews.com/index.php?page=article&id=32013
[12]– انظر المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية .
[13]– المنظمة الدولية للاصلاح الجنائي ، مناهضة عقوبة الاعدام في الوطن العربي ، 2010 ، ص 32 .
انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني