ثلاثة أسباب لاعتبار زيادة رسوم الجامعة غير قانونية


2014-09-29    |   

ثلاثة أسباب لاعتبار زيادة رسوم الجامعة غير قانونية

بتاريخ 22/9/2014 أصدر رئيس الجامعة اللبنانية مذكرة إدارية تحمل الرقم 7 بتحديد مواعيد التسجيل في الجامعة اللبنانية للعام الجامعي 2014 -2015 ورفع الرسوم المتوجبة عليه. وقد جاءت المذكرة انفاذا لقرار مجلس الوزراء الصادر في 18/9/2014. ولقد أثارت الزيادة المقرّة امتعاضاً واستنكاراً طلابياً واسعاً، إلى جانب العديد من التساؤلات والإشكاليات التي طُرِحت حول مدى مشروعية إقرار وتطبيق مثل هذه الزيادة في ضوء النصوص القانونية النافذة.

فبالإطلاع على قرار مجلس الوزراء، يتبدّى أن سنده الأساسي هو المادة 49 من القانون رقم 75/67 تاريخ 26/12/1967 وتعديلاته (تنظيم الجامعة اللبنانية) والتي تنص على ما حرفيته:«يحدد نظام الرسوم المتوجبة على المنتسبين الى الجامعة بمرسوم يتخذ بناء على اقتراح وزير التربية الوطنية المبني على توصية مجلس الجامعة. يستوفى هذا الرسم وفاقاً لنظام كل كلية ومعهد…».
وعليه، امكن تسجيل الملاحظات الآتية:
 
الحكومة تجاوزت حدود التفويض المعطى لها وعدلت نصوصا قانونية
إذا حددت المادة 49 طريقة زيادة الرسم ، فإن الإكتفاء بالنظر إليها من دون الإحاطة بالنصوص التشريعية المتعلّقة بالموضوع عينه والتي لحقتها، تعد نظرة منقوصة وغير كافية لأنه من طبيعة النصوص القانونية أن تتعرّض للتعديل مواكبة للتطورات سواء أكان ذلك بصورة صريحة أو ضمنية. ويلحظ هنا أنه حلافا لهذه المادة، أن المشرّع لم يترك عملياً للحكومة أمر تحديد هذه الرسوم، لا بل عاد وتولى هذه المهمّة أصالة. وهذا ما نقرؤه من خلال الجدول رقم 9 الملحق بالقانون رقم 280 تاريخ 15/12/1993 (الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 1993) والذي نصّ صراحة على تحديد الرسوم في الجامعة اللبنانية على الشكل التالي:«رسم مباراة القبول 25,000 ل.ل؛رسم تسجيل وامتحان لمختلف الفروع 100,000 ل.ل؛ رسم اشتراك مكتبات 25,000 ل.ل؛رسم اشتراك مختبرات 50,000 ل.ل»،هذا مع العلم أن المادة 24 من القانون المذكور قد نصّت على أن:«تعدّل الرسوم والنصوص الواردة في الجدول في رقم 9 الملحق بهذا القانون وفقاً للأسس والقيم والمعدلات المبينة فيه».

ثم ما لبث المشرّع أن عدّل بعض الرسوم المحدّدة في الجدول رقم 9 أعلاه، فنصّ في المادة 36 من القانون رقم 107 تاريخ 23/7/1999(الموازنة العامة والموازنات المحلق لعام 1999) على أنه:«تضاف إلى المادة 49 من القانون رقم 75 تاريخ 26/12/1967 وتعديلاته (إعادة تنظيم الجامعة اللبنانية) الفقرة التالية:

خلافاً لأي نص آخر،تحدد مساهمة الطالب في مباريات الدخول واختبارات الانتساب والامتحانات على أنواعها في مختلف وحدات الجامعة اللبنانية بخمسة وثلاثين ألف ليرة وتستوفى كواردات لموازنة الجامعة«.

وبعدها عاد المشرّع ففرض بموجب القانون رقم 392 تاريخ 8/2/2002 (الموازنة العامة والموازنات المحلقة لعام 2002) رسوماً إضافية على بعض فئات الطلاب المنتسبين إلى الجامعة اللبنانية،فنصّت المادة 42 من القانون المنوّه عنه على أنه:«خلافاً لأي نص آخر، تستوفي الجامعة اللبنانية من المنتسبين للدراسات العليا والدكتوراه رسماً سنوياً وفقاً لما يلي:

500,000 ل.ل. (خمسماية ألف ليرة لبنانية) للطلاب اللبنانيين.

1,500,000 ل.ل. (مليون وخمسماية الف ليرة لبنانية) للطلاب غير اللبنانيين.

يستثنى من هذا الرسم الطلاب الممنوحين من الدولة أو الجامعة اللبنانية أو المشمولين باتفاقات خاصة بين الدولة اللبنانية والدول الأخرى».
فيما تبعتها المادة 43 من القانون نفسه بالنص على أنه:« خلافاً لأي نص آخر، تستوفي الجامعة اللبنانية من الطلاب الأجانب المنتسبين إليها في مرحلة الاجازات، رسماً سنوياً قدره 750.000 ل.ل. (سبعماية وخمسون ألف ليرة لبنانية)».

فيما أتت المادة 45 من ذات القانون لتفيد بأنه:«خلافاً لأي نص آخر،يحق للجامعة اللبنانية استيفاء رسوم من الذين ينتسبون الى مراكزها للتدريب المستمر في حقل المعلوماتية،والمعلوماتية المتخصصة، والمعلوماتية القانونية،معلوماتية مؤسسات التأمين،وتدريس اللغات للحصول على شهادات جامعية أو دبلوم الدراسات العليا المتخصصة. يحدد مجلس الجامعة مقدار هذه الرسوم سنويا بقرار يصدر عنه ، بناء على اقتراح رئيس الجامعة اللبنانية».

ونستنتج من النصوص القانونية،المتقدّم ذكرها، بأن المشرّع وبعد أن فوّض إلى الحكومة صلاحية تحديد نظام الرسوم المتوجبة على المنتسبين الى الجامعة اللبنانية،عاد فحدّد بنفسه هذه الرسوم، ما يدعو إلى القول بأن المشرّع قد عَدَل وألغى التفويض الممنوح للحكومة بموجب المادة 49 من قانون تنظيم الجامعة اللبنانية.

وهذا الأمر ثابت من خلال المبدأ المسلّم به في قواعد الوكالة عامّة والذي يعتبر أن قيام الموكِّل بإجراء العمل موضوع الوكالة بنفسه يعدّ عزلاً غير مباشر للوكيل[1]، وهو المستفاد في ميدان القانون العام من خلال مفهوم تفويض السلطة Délégation de pouvoir  الذي يجرّد الشخص المفوِّض من جزء من اختصاصه لصالح الشخص الذي تم تفويضه، بحيث أن الشخص المفوِّض لا يستطيع حل أي مسألة تخضع للاختصاص الذي تم تفويضه طوال مدة التفويض[2]. وهذا ما يدلّ على أن تولي المفوِّض للمسائل موضوع التفويض يعني تراجعاً عن هذا التفويض وإلغاء له.

كما أن إلغاء المشرّع للتفويض الممنوح لمجلس الوزراء بمقتضى المادة 49 أعلاه، معزّز بتشديد المشرّع في جميع النصوص التي أصدرها في هذا المجال،على ذكر عبارة "خلافاً لأي نص آخر" في مطلع هذه النصوص. ومن المسلّم به أن هذه العبارة تشمل نص المادة 49 من قانون تنظيم الجامعة بصفته نصاً آخر، كما ومن خلال نص الفقرة (2) من المادة 45 من القانون رقم 392 تاريخ 8/2/2002 التي منحت مجلس الجامعة وليس للحكومة صلاحية تحديد بعض الرسوم.
 
وفضلاً عما تقدّم، فمن الواضح أن المشرّع قد شمل بالتعديل نص المادة 49 نفسها بموجب المادة 36 القانون رقم 107 تاريخ 23/7/1999، التي أضافت فقرة إلى تلك المادة تفرض، خلافاً لأي نص آخر، رسماً مقداره خمسة وثلاثون ألف ليرة لبنانية على مباريات الدخول واختبارات الانتساب والامتحانات في الجامعة اللبنانية. وهذا ما يدعو إلى الإستغراب لجهة نص المادة الثالثة من مشروع المرسوم المقر بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 60/2014 حيث ورد في هذه المادّة أنه «تحدّد مساهمة الطالب في مباريات الدخول واختبارات الإنتساب والإمتحانات على أنواعها في مختلف وحدات الجامعة اللبنانية بـ 50,000 ل.ل (خمسون ألف ليرة لبنانية) لكل دورة». وإن ما يثير التعجّب في هذا الأمر هو أن هذا الرسم في مطلق الأحوال خاضع للفقرة الثانية وليس للفقرة الأولى من المادة 49 من قانون تنظيم الجامعة اللبنانية وبالتالي فإنه حتى في حال افترضنا جدلاً سريان التفويض المنصوص عنه في الفقرة الأولى من المادة 49 فإن الرسم موضوع الفقرة الثانية من تلك المادة "خلافاً لأي نص آخر" غير خاضع لذلك التفويض.

أضف إلى ذلك أن مجلس الوزراء قد عدّل في مشروع المرسوم الذي أقرّه نصوص القانونين رقم 280 تاريخ 15/12/1993 ورقم 392 تاريخ 8/2/2002.وهو بذلك يكون قد تعدى على صلاحيات السلطة التشريعية متجاوزاً حدود صلاحياته ومخالفاً مبدأ تسلسل القواعد والنصوص ومبدأ موازاة الأصول والصيغ ما يجعل قراره لهذه الناحية مخالفاً لمبدأ المشروعية[3].

ومن هنا نستنتج أن قرار مجلس الوزراء رقم 60/2014 قد جاء مخالفاً لمبدأ المشروعية ولأحكام القانون.
 
في عدم نفاذ توصية رئيس الجامعة
وفي مطلق الأحوال، فإنه يجدر التنويه إلى أن المادة 49 من قانون تنظيم الجامعة قد فرضت بناء مرسوم تحديد الرسوم في الجامعة على اقتراح وزير التربية المبني بدوره على توصية من مجلس الجامعة.

ويبدو من الإطلاع على قرار مجلس الوزراء رقم 60/2014، أنه استند في سبيل إحراز هذه التوصية إلى أحكام المادة 10 من المرسوم الإشتراعي رقم 122 تاريخ 30/6/1977 وتعديلاته التي تنص على قيام رئيس الجامعة ومجلس الوزراء بممارسة صلاحيات مجلس الجامعة عند تعذّر انعقاده إلا في المواضيع غير المبدئية التي يحددها مجلس الوزراء في مرسوم صادر عنه بحيث تقترن قرارات رئيس الجامعة في هذه الحالة بموافقة وزير التربية بدلاً من مجلس الوزراء.

 كما استند، انطلاقاً مما تقدّم، إلى المرسوم رقم 1167 تاريخ 15/4/1978المتعلّق بتحديد المواضيع غير المبدئية التي يتولى رئيس الجامعة بتّها، في حال تعذّر انعقاد مجلس الجامعة، بموافقة وزير التربية بدلاً من مجلس الوزراء.

ولكن من العودة إلى أحكام المرسوم 1167 المذكور يتبيّن أنه لا يشمل بالتعداد الحصري الوارد فيه إصدار التوصية المنصوص عنها في المادة 49 من قانون تنظيم الجامعة اللبنانية، وبالتالي تكون هذه التوصية من المواضيع المبدئية الخاضعة لموافقة مجلس الوزراء وليس لموافقة وزير التربية والتعليم العالي.

وعليه، فإنه كان يقتضي الإستحصال على موافقة مجلس الوزراء على التوصية الصادرة عن رئاسة الجامعة أولاً ومن ثم الموافقة على مشروع المرسوم ثانياً،أما وقد أغفل مجلس الوزراء هذا الأمر فيكون القرار المتخذ من قبله قد افتقر إلى توصية مجلس الجامعة وهي من الصيغ الجوهرية اللازمة في هذا المجال ما يجعله مخالفاً لمبدأ المشروعية ولأحكام القانون.
 
حصول الزيادة بقرار وليس بمرسوم
أنه حتى لو افترضنا جدلاً أن قرار مجلس الوزراء رقم 60/2014 قد جاء متوافقاً مع مبدأ المشروعية ومطابقاً لأحكام القانون، فإن المادة 49 من قانون تنظيم الجامعة اللبنانية قد فرضت تحديد الرسوم المتوجبة على المنتسبين الى الجامعة اللبنانية ب"مرسوم". وعليه، وطالما أن اتخاذ مجلس الوزراء من دون اصدار مرسوم بصيغته النهائية، يعد دون أية قيمة قانونية وغير قابل للتنفيذ وذلك على اعتبار أن الإجتهاد قد اعتبر "أن المراسيم الصادرة في مجلس الوزراء لا تتحد بالقرارات المتخذة في مجلس الوزراء"[4].

وهذا ما أكده الإجتهاد بشكل أوضح في حالة مماثلة لدى تحقّقه من مدى صحة بند تحكيمي مدرج في عقد اداري. فبعدما ذكر رئيس مجلس شورى الدولة أن المادة 762 من قانون أصول المحاكمات المدنية تشترط لاجازة بند مماثل صدور «مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء»، أصدر قرارا برد طلب إعطاء الصيغة التنفيذية لأحد القرارات التحكيمية رغم صدور قرار من مجلس الوزراء بالموافقة على البند التحكيمي. وتعليلا لذلك، اعتبر:«أن وجود بند تحكيمي في عقد إداري هو أمر غير قانوني إذا لم تتم المصادقة عليه بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، و أنه لا يكتفى بقرار من مجلس الوزراء في هذا المجال. وان عدم التقيد بهذا الشرط يعد مخالفة لصيغة جوهرية إلزامية»[5].

وعليه، وطالما أن مضمون قرار مجلس الوزراء رقم 60/2014 لم يصدر بمرسوم بعد[6]، فإنه يكون غير قابل للتطبيق وتكون رئاسة الجامعة اللبنانية قد خالفت القانون من خلال نص البند "ثالثاً" الوارد في مذكرتها رقم 7/2014 الذي وضع هذا القرار موضع التنفيذ قبل صدور مضمونه بمرسوم وفقاً للأصول.

وأخيراً،واستناداً إلى كل ما تقدّم،لا بد من القول أن البند "ثالثاً " من مذكرة رئيس الجامعة رقم 7/2014 ومرسوم زيادة الرسوم،في حال صدوره، هي قرارات إدارية نافذة وضارّة بمفهوم المادة 105 من نظام مجلس شورى الدولة وبالتالي قابلة للطعن أمام المجلس المذكور من قبل كل ذي صفة ومصلحة وهو كل طالب يتسجّل في أي من وحدات الجامعة ويدفع الرسم المذكور، هذا فضلاً عن قابلية البند "ثالثاً" من المذكّرة المنوّه عنها لوقف التنفيذ سنداً للمادة 77 من نظام مجلس شورى الدولة.

وفضلاً عن ذلك،فإن هذه المخالفات وأخواتها خصوصاً في الجامعة اللبنانية باتت توجب التقدّم بإخبار للنيابة العامة لدى ديوان المحاسبة لتضع يدها على هذه الملفات حرصاً على المال العام وصوناً له.
   



[1]-يراجع :د.علي مصباح ابراهيم،العقود المسماة(البيع – الإيجار –الوكالة)،دار الفكر العربي،بيروت،الطبعة الأولى،2002،ص:384
[2]-د.فوزت فرحات،القانون الإداري العام،الكتاب الأول(التنظيم الإداري –والنشاط الإداري)،الطبعة الأولى،2004،ص:405.
[3]-يراجع في هذا المجال:مجلس شورى الدولة،قرار رقم 320/2001-2002،تاريخ 31/1/2002،اتحاد بلديات كسروان الفتوح وبلدية زوق مكايل /الدولة- وزارة الأشغال العامة.
[4]– يراجع: مجلس شورى الدولة،قرار رقم 78،تاريخ 27/5/1970،شركة أبناء جبور/الدولة اللبنانية – مجلس الوزراء
[5]-يراجع :رئيس مجلس شورى الدولة،قرار رقم 412/2005-2006،تاريخ 13/4/2006،المراجعة المقدّمة من شركة اسطفان للتعهدات والتجارة.
[6]-وليس متوقعاً أن يصدر،وذلك على اعتبار أن صدوره يحتاج إلى توقيع جميع الوزراء في الحكومة التي تمارس حالياً صلاحيات رئيس الجمهورية بالنظر لخلو سدة الرئاسة،وقد عبّر العديد من الوزراء صراحة أنهم سيمتنعون عن توقيع هذا المرسوم:
يراجع في هذا المجال:
–          مقال بعنوان "الجامعة تغرّم طلابها"،الكاتب حسين مهدي،منشور في باب"مجتمع واقتصاد" من جريدة الأخبار العدد 2404،تاريخ 26/9/2014.
–     مقال بعنوان" الاشتراكي: وزيرا الاشتراكي لن يوقعا أي مرسوم لزيادة اقساط اللبنانية"،منشور على موقع النشرة الإلكتروني:http://www.elnashra.com/news/show/793448/
–     مقال بعنوان"التباس في مرسوم زيادة رسوم الجامعة اللبنانية.. ووزير الاقتصاد يرفض التوقيع"،منشور على موقع أخبار للنشر الألكتروني: http://www.akhbarlelnasher.com/item.php?id=9383&page=5#.VCfRi2d_scc
–     مقال بعنوان "اصوات داخل الحكومة رافضة قرار رسم التسجيل في الجامعة اللبنانية"،منشور على موقع lbcgroupالإلكتروني:http://www.lbcgroup.tv/news/180129/
 
انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني