محكمة أميركية ترفض تنفيذ قرار قضائي مغربي: ضمانة دولية لاستقلال القضاء أم استعمار قضائي؟


2014-09-15    |   

محكمة أميركية ترفض تنفيذ قرار قضائي مغربي: ضمانة دولية لاستقلال القضاء أم استعمار قضائي؟

أصدرت المحكمة الفدرالية في تكساس بتاريخ 2014-08-13 قرارا برفض تنفيذ قرار صادر عن محكمة مغربية. وقد عللت ذلك بعدم استقلالية النظام القضائي المغربي وغياب اصول المحاكمة العادلة وانعدام الحيادية.

وكان القرار المغربي (الذي لم تذكز المحكمة الفيديرالية عن أي محكمة مغربية صدر) قد الزم بتاريخ 2009-12-31، جان بول ديجوريا (مقاول من تكساس) بدفع مبلغ مالي قدره 970 مليون درهم أي ما يقارب 123 مليون دولار أمريكي لصالح شركة Maghreb Petroleum Exploration المغربية التي كان شريكا فيها. والجدير بالذكر، انشركةMediholding S.A  التابعة لأمير مولاي عبد الله علاوي، ابن عم الملك محمد السادس، هي الشريك المحلي لشركةMaghreb Petroleum Exploration . وقد إستند القرار على المادة §36.005 من قانون الممارسات المدنية والتعويضات الأميركي التي تلحظ الحالات التي تمنع المحكمة الأميركية من تنفيذ قرار مالي أجنبي، ومن بينها حالة صدور القرار عن نظام قضائي لا يؤمن محاكم حيادية وشروط المحاكمة العادلة. وقد فسرت المحكمة عبارة "المحاكمة العادلة" على أن الإجراءات القانونية الأجنبية يجب أن تكون عادلة في الأساس ‘fundamentally fair’ ولا تتعارض مع اسس العدالة "basic fairness".

القضاء المغربي ليس مستقلا وهو عرضة لضغوط
للوصول الى قراره، عمدت المحكمة إلى اقتباس مقاطع من تقرير "قاعدة القانون في المغرب" الذي أعده "مكتب الولايات المتحدة للتنمية الدولية" USAIDفي أيلول 2010، والذي اعتبر أن المغرب يفتقد إلى نظام قضائي مستقل وذلك لعدة عوامل، ابرزها الثغرات الواقعة في القانون والممارسة (…). وما يعزز ذلك هو دور كل من وزارة العدل والملك، يضاف الى ذلك أن قضاة المغرب غير مستقلين وعرضة للضغط من قبل أعضاء العائلة المالكة.

كما ارتكز القرار على اشارة التقرير الى أن وجود "تصور كبير سائد بين المواطنين المغربيين بأن الفساد مقبول وأن النخبة السياسية والأمنية تتفلت من العقاب، وأن إجراءات قاسية تتخذ بحق الأشخاص الذين يتحدّون السلطة". وفي آخر التقرير، ورد أن "الفساد هو من أقوى التحديات التي تواجه المغرب".
 
الدستور المغربي لا يكرس القضاء كسلطة مستقلة
من جهة أخرى، جاء في القرار أنه بالرغم من أن دستور 1996 يكرس إستقلالية القضاء، إلا أن القضاء يبقى تحت مراقبة الإدارة في وزارة العدل، التابعة بشكل مباشر للملك، بالإضافة إلى أن الدستور لا يعتبر القضاء سلطة مستقلة. وأوضح القرار هذه الفكرة مشيراً إلى أن الأحكام الصادرة عن المحاكم المغربية تصدر بإسم الملك، وأنه فضلا عن ذلك، يرأس الملك مجلس الأعلى للقضاء، الهيئة التي تعين وتؤدب وترقي القضاة، وأنه بحسب المادة 24 من الدستور المغربي، الملك هو الذي يعين وزير العدل. بذلك يصبح القضاة "مدينين بالفضل لوزير العدل ليس فقط بسبب تعيينهم وللحفاظ على مهامهم" وان هناك "تعديات سلبية واضحة على النظام القضائي".

فإكتفى القرار بهذه الحجج العامة ليختم بأن "المحكمة لا تستطيع أن تتصور، بأي حالة من الحالات، أن القاضي المترئس هذه القضية لم يتعرض لضغط هائل للوقوف بصف الشركة"، خصوصاً أن "الأمير لديه مصالح إقتصادية فيها" و"الملك يفضل تصوير ديجوريا كمحتال قام بتضليل الملك".

وأكمل القرار أن "التبرير بأن الملك أو الأمير أو أي جهة رسمية أخرى إتصلت بالقاضي وفرضت عليه الحكم على ديجوريا هو خارج عن الموضوع". ف"حتى لو لم يتم هكذا إتصال، إن المحكمة لا تستطيع، ضميريا in good conscience” أن تستنتج أن المغرب وفر لديجوريا ضمانات المحاكمة العادلة".

بالمقابل، خلا القرار من أي معطى خاص بالقضية التي صدرالقرار المطلوب تنفيذه في معرضها، فبقيت الحجج القليلة المتعلقة بها "تصورات" وفرضيات محض.

ويلحظ، أن إجتهاد المحكمة الأوروبية يختلف عن توجه القرار موضوع التعليق، إذ أنه يدرس الوقائع والإجراءات بشكل دقيق ليتأكد من أن جميع ضمانات المحاكمة العادلة قد تم الالتزام بها. وهذا ما نقرؤه في قرار صادر عنها مفاده ان على المحكمة المختصة بقبول تنفيذ القرار الأجنبي أن تتأكد من أن الإجراءات المعتمدة في هذه القضية تحترم ضمانات المادة 6 من المعاهدة المتعلقة بالمحاكمة العادلة[1].
 
خلاصة
ختاما، يجدر التساؤل بشأن أبعاد القرار في حال اعتماده كسابقة قضائية. ففيما يسجل له تعرية الأنظمة القضائية في دول عدة من خلال التدقيق فيها، مما قد يضع الدول المعنية تحت ضغط إقرار ضمانات استقلال القضاء، تحصينا لأحكامها، فانه بالمقابل يقبل النقد لجهة إمكانية تحوله الى أداة تسمح للمحاكم الأميركية بنسف مجمل أعمال المحاكم في دول عدة، من دون أن ينهض في القضية المعروضة عليها أي معطى خاص بها. ومن هذه الزاوية، يمهد الحكم الى ما يشبه "الاستعمار القضائي". وما يزيد الأمر مدعاة للقلق هو استناد القرار الى تقرير اعدته جهات سياسية أميركية.



[1]Cour européenne des droits de l'homme. – 20 juillet 2001, Dame Pellegrini c. Italie, RTD. civ. 2001, p. 986
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني