اعطاء افادات لمرشحي الشهادات الرسمية: لا مسوغ قانوني سوى فرض امر واقع


2014-09-10    |   

اعطاء افادات لمرشحي الشهادات الرسمية: لا مسوغ قانوني سوى فرض امر واقع

وقعت الواقعة، وتبنى مجلس الوزراء، بغطاء مختلف القوى السياسية، اقتراح وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب لجهة اعطاء افادة لكل من قبل ترشيحه للامتحانات الرسمية للشهادتين المتوسطة والثانوية العامة بكافة فروعها، وذلك بذريعة "السعي لانقاذ العام الدراسي وتمكينا للتلاميذ من متابعة دراستهم الجامعية"[1]، بعد اصرار الاساتذة على رفض التصحيح. التخريجة القانونية تمثلت بمرسوم يحمل الرقم 401، صدر بتاريخ 28-8-2014، بناء على اقتراح وزير التربية والتعليم العالي وبعد استشارة مجلس شورى الدولة[2]، جاء تحت عنوان "احكام استثنائية خاصة بامتحانات العام 2014 التي تصدرها وزارة التربية والتعليم العالي (المديرية العامة للتربية، والمديرية العامة للتعليم المهني والتقني) وبمتابعة المرشحين لها لدراساتهم الاعلى". وقد تضمن المرسوم 5 مواد:

– أعفى في مادته الاولى اللجان الفاحصة في المديرية العامة للتربية والمديرية العامة للتعليم المهني والتقني من موجب تصحيح مسابقات مواد الامتحانات الخطية الرسمية في العام 2014 واقر اتلاف المسابقات بناء على قرار يصدر عن وزير التربية والتعليم العالي،

–  تلتها 3 مواد قضت بالسماح للتلامذة حملة وثائق القيد في الامتحانات الرسمية لمختلف الشهادات بمتابعة دراساتهم الاعلى،

–  وختم بمادة خامسة اعتبرت "ملغيا وغير مستوجب التطبيق الشرط الوارد في اي نص تنظيمي نافذ حاليا يشترط للتعيين او للتعاقد في مختلف الوظائف العامة في الدولة والبلديات والمؤسسات العامة وسواها من مؤسسات القطاع الخاص، او للاشتراك في مختلف المباريات والامتحانات التي تنظم من اجل هذا التعيين او هذا التعاقد، معدلا لمجموع العلامات في الشهادة المطلوبة للتعيين او للتعاقد يتجاوز المعدل المعتمد للنجاح في الامتحانات الرسمية التي تجري من اجل منحها".

لم يجد مجلس الوزراء حرجا بالانحراف عن الانظمة المعمول بها في اطار الامتحانات الرسمية، مكرسا استثناء يفتقر الى مسوغات ترقى الى مستوى هذه المخالفة الجوهرية. هذه الفرضية يعززها الغوص في مسار الافادات، الذي بدت عليها ملامح السياسة اوضح واصرح من نقيضها القانوني، وهذا ما سنبينه في ما يلي.
 
مسار الافادات الوزاري: بين وزير "قرر" ومرسوم صدر وقانون سيصدر اعمالا لأمر واقع
ان "الإفادة هي ضربة للتربية، وإذا اضطررنا للجوء الى هذا الحل فليختاروا وزيرا آخر للتربية"؛ "المشكلة ليست مالية بل هي سياسية"[3]. هكذا رفض وزير التربية أبو صعب اعطاء الافادات في بادئ الامر، مشددا على الطابع السياسي للمشكلة القائمة. وقد عاد بعد ذلك واقترح على مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 7-8-2014 "اعطاء افادة لكل من قبل ترشيحه للامتحانات الرسمية للشهادتين المتوسطة والثانوية العامة بكافة فروعها". هذه الجلسة افرزت اول غطاء سياسي لمسعى وزير التربية هذا، بموجب القرار رقم 55 الموثق في محضر جلسة مجلس الوزراء رقم 21، والذي آل الى "الطلب الى الوزير متابعة هذا الموضوع سعيا لانقاذ العام الدراسي وتمكينا للتلاميذ من متابعة دراستهم الجامعية، واتخاذ التدابير والقرارات المناسبة لهذه الغاية بما فيها اعطاء افادات بالاستناد الى وثيقة الترشيح للامتحانات الرسمية".

بتاريخ 14-8-2014، قرر مجلس الوزراء التأكيد على قراره السابق رقم 55، متذرعا "بحرصه على المصلحة العامة وعلى مصلحة التلامذة في مختلف المستويات والاختصاصات بصورة خاصة"[4]. انفاذا لقرار مجلس الوزراء، وبعد اصرار هيئة التنسيق النقابية على مقاطعة التصحيح حتى تحقيق مطالبها باقرار سلسلة الرتب والرواتب، عقد وزير التربية بتاريخ 16-8-2014 مؤتمرا صحفيا اعلن قرارا يرمي الى اصدار الافادات. وقد جاء الرد سريعا من قبل لجنة التربية النيابية[5] التي قررت قوننة الافادات التي ستمنح نظرا "لعدم كفاية قرار الوزير"، وفي ذلك اشارة واضحة لا لبس فيها الى عدم قانونية اتخاذ هذا الاجراء من السلطة التنفيذية.

وعلى الرغم من ذلك، اتخذت السلطة التنفيذية عددا من الإجراءات. والغريب هنا أنه بعدما أصدر الوزير القرار رقم 781/م/2014 تاريخ 26-8- 2014، بالاستناد الى استشارة مجلس شورى الدولة رقم 352/2013-2014 تاريخ 26-8-2014، عاد مجلس الوزراء وأقر بتاريخ 28-8-2014 مشروع المرسوم رقم 401 بالاستناد الى قراراته السابقة 55 و101 والى استشارة مجلس شورى الدولة نفسها. وما يزيد الأمر غرابة هو أن رأي مجلس شورى الدولة قد اتصل بمشروع المرسوم (وليس بالقرار) وأنه تم إقرار القرار والمرسوم على أساسه بالرغم من احتوائهما على مواد اعتبر الرأي أنها تحتوي على مخالفة صريحة للقانون. وبالفعل، كان مجلس شورى الدولة قد تحفظ صراحة على قانونية تلف المسابقات في الوقت الحاضر، لكن ورغم ذلك، أبقت الحكومة على هذه الامكانية واضعة الجميع أمام الأمر الواقع الآيل الى قطع الطريق امام عودة الاساتذة عن قرارهم بمقاطعة التصحيح، عملا بقاعدة "الافادة أو لا شيء". وتاليا، لا يعود أمام مجلس النواب في حال تدخله سوى اقرار المواد نفسها تحصينا لقرار الحكومة إزاء أي طعن قضائي.
  
نظرية الاستثناء
لا جدل في مخالفة المرسوم لاحكام الانظمة المعمول بها في لبنان في مجال الامتحانات الرسمية وخاصة المرسوم رقم 10227 المتعلق بتحديد مناهج التعليم العام ما قبل الجامعي، والمرسوم رقم 8590 الآيل الى تنظيم حقول ومراحل وشهادات التعليم المهني والتقني في المديرية العامة للتعليم المهني والتقني، والمرسوم رقم 5697 المحدد لنظام الامتحانات الرسمية للشهادتين المتوسطة والثانوية العامة بفروعها الاربعة وفقا لمناهجها الجديدة. ولعل عنوان المرسوم هو الدليل الابرز على وقوع المخالفة القانونية، خاصة باستخدام عبارة "احكام استثنائية" التي تؤشر بشكل قاطع الى استناد السلطة الادارية الى نظرية الاستثناء للخروج عن القاعدة العامة المتمثلة في الامتحانات. وعمليا، يفرض مبدأ المشروعية على الادارة التقيد بالقوانين والانظمة المرعية الاجراء، باستثناء حالة "الظروف الاستثنائية"، والتي كرسها القضاء الاداري الفرنسي في العام 1918 عندما اعتبر ان بعض التدابير الإدارية الخارقة للقوانين العادية وغير الشرعية في الظروف العادية، تصبح شرعية في بعض الظروف نظراً لضرورتها لتأمين الانتظام العام وحسن سير المرافق العامة، وفق شروط معينة[6].

وفي مراجعة لمراسيم وقوانين الحرب الاهلية التي تصب في اتجاه اعطاء افادات لمرشحي الامتحانات الرسمية، بسبب تعثر سيرها بشكل سليم نتيجة الاحداث، شكلت نظرية الظروف الاستثنائية سندا واضحا لتبرير مخالفة القانون. وهذا ما يتبين من خلال الاطلاع على مقدمة المراسيم[7] الآيلة الى ترفيع تلاميذ الشهادة المتوسطة وشهادة البكالوريا للتعليم الثانوي القسم الاول الى الصفوف الاعلى حيث عللت الحكومة اجراءها بشكل واضح؛ كذلك الامر بالنسبة للاسباب الموجبة للقوانين[8] الآيلة الى منح افادات للمرشحين لامتحانات شهادة البكالوريا اللبنانية قسم ثاني. واللافت ان هذه المراسيم والقوانين اتت لاحقة لاجراء العمل بالافادات وذلك بسبب الظروف الاستثنائية التي فرضتها احداث الحرب. وهذا الامر مبرر نتيجة تعذر تأمين سير الامتحانات الرسمية بشكل سليم.

بالمقابل، فما هي دواعي اصدار افادات حاليا؟ فهل حقا تشكل مقاطعة المعلمين لتصحيح الامتحانات لأسباب نقابية مطلبية قوة قاهرة من شأنها وضع الإدارة في حال عجز كامل لاتخاذ التدابير اللازمة لتطبيق مبدأ الشرعية والامتثال للقوانين المعمول بها. فعدم التصحيح مرتبط بشكل وثيق بتعنت السلطة السياسية المتمثلة في الحكومة ومجلس النواب لجهة عدم اقرار سلسلة الرتب والرواتب، وتاليا فان مسؤولية تعذر تصحيح الامتحانات يقع جزء منها على عاتق الحكومة نفسها، والذي بالإمكان حله من خلال اعمال قواعد التفاوض العادل وفق اتفاقية منظمة العمل الدولية 98. فضلا عن ذلك، فان ثمة أدلة على أن الغاء الامتحانات قد تم اللجوء اليها ليس بسبب قوة قاهرة، انما كأداة لقمع الحراك النقابي المطلبي، مما يشكل مخالفة إضافية تتمثل في مخالفة أصول التفاوض والحرية النقابية. وما يؤشر الى ذلك بوضوح كلي هو  تصريح وزير التربية، بعد تداول اخبار مفادها عودة هيئة التنسيق النقابية عن مقاطعة التصحيح: “عن أي تصحيح يتكلمون.. فاتَهُم القطار”[9].

مجلس شورى الدولة: تقصير في تحديد المخالفة
تبعا لجسامة المخالفة الحاصلة، كان من المنتظر ان يكون لمجلس شورى الدولة (بدوره الاستشاري) موقف حازم في هذا الصدد. الا انه ومن خلال الاطلاع على رأي شورى الدولة يتبين ان الرأي الذي ابداه لا يتجاوز الاربعة اسطر. وقد اكتفى بتبرير اللجوء الى هذا المرسوم ب"تعذر اجراء عملية تصحيح المسابقات واعلان النتائج" فقط، ومبديا انتقادا خجولا مبهما وغامضا حول "وجوب التحقق من ضرورة اعتماد احكام المادة الاولى (اتلاف المسابقات) من مشروع المرسوم في الوقت الحاضر"، كما سبق بيانه، من دون اي تفسير اضافي. وقد ذيل رأيه "بالموافقة على مشروع المرسوم المقترح بعد الاخذ بما ورد اعلاه". ومن خلال الرأي المذكور، نستشعر حرصا من مجلس شورى الدولة لعدم عرقلة المرسوم او الدخول بمواجهة مع مجلس الوزراء، خاصة وان رأيه لا يلزم الحكومة قانونا.

المرسوم لا يكفي: المخالفة لا تسوى الا بقانون
بالعودة الى زمن الحرب الاهلية، نلاحظ ان تسوية اوضاع مرشحي الشهادة المتوسطة ومرشحي شهادة البكالوريا قسم اول كانت تقر بموجب مرسوم صادر عن الحكومة. اما بالنسبة لمرشحي البكالوريا اللبنانية قسم ثاني فالتسوية كانت تستلزم قوانين[10] تقر في مجلس النواب.
ومرد الحاجة الى قانون للتسوية، هو احتمال التحاق الطلاب في بعض الاختصاصات كالهندسة والطب والحقوق وغيرها من الاختصاصات التي تفرض عليهم الدخول الى نقابات مهنية تشترط حيازة شهادة بكالورياقسم ثاني رسمية، كذلك بالنسبة للتعيين او التعاقد في مختلف الوظائف العامة في الدولة والبلديات والمؤسسات العامة. وفي هذا الصدد ان اعتبار المادة الخامسة من المرسوم "ملغيا وغير مستوجب التطبيق الشرط الوارد في اي نص تنظيمي نافذ حاليا يشترط للتعيين او للتعاقد في مختلف الوظائف العامة في الدولة والبلديات والمؤسسات العغامة وسواها من مؤسسات القطاع الخاص، او للاشتراك في مختلف المباريات والامتحانات التي تنظم من اجل هذا التعيين او هذا التعاقد، معدلا لمجموع العلامات في الشهادة المطلوبة للتعيين او للتعاقد يتجاوز المعدل المعتمد للنجاح في الامتحانات الرسمية التي تجري من اجل منحها"،يعد تجاوزا وتعديا من السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية. اذ انه من غير الجائز ان يتم تعديل قانون بمرسوم.  



[1]محضر جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 7-8-2014، رقم المحضر 21، رقم القرار 55
[2]الرأي رقم 352/2013-2014 تاريخ 26-8-2014

[3] هيئة التنسيق مستمرة في مقاطعة التصحيح بو صعب: إذا اضطررنا للجوء الى الافادة فليختاروا وزيرا آخر للتربية، الوكالة الوطنية للاعلام، 16-7-2014

[4] محضر جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 14-8-2014، رقم المحضر 22، رقم القرار 101
[5]الجلسة المنعقدة بتاريخ 19-8-2014
[6] يراجع في هذا المجال:د.فوزت فرحات،القانون الإداري العام،الكتاب الأول(التنظيم الاداري-والنشاط الإداري)،الطبعة الأولى،2004،ص:160 وما يليها
 
[7] يراجع المرسوم رقم 1741 – صادر في 4/9/1984؛ المرسوم رقم 3384 – صادر في 26/8/1986؛ مرسوم رقم 4849 – صادر في 27/5/1988؛ المرسوم رقم 3385 – الصادر في 26/8/1986؛ المرسوم رقم 4848 –  صادر في 27/5/1988
[8] القانون رقم 39 تاريخ 11-2-1991 والقانون رقم 31-86 تاريخ 14-6-1986
[9]بو صعب للأساتذة: فاتكم القطار قراري أصبح نافذاً، اللواء، 20-8-2014
[10]القانون رقم 39 تاريخ 11-2-1991 والقانون رقم 31-86 تاريخ 14-6-1986
انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني