حرب مفتوحة بين الحكومة ونقابة المعلمين في الأردن


2014-08-20    |   

حرب مفتوحة بين الحكومة ونقابة المعلمين في الأردن

مع بداية العام الدراسي الجديد نفذ المعلمون اضرابهم الذي كانوا قد هددوا به مطلع هذا الشهر[1]، وتبدت ملامح ازمة جديدة ظاهرة للعيان في الجسم التعليمي.ومما يزيد من صعوبة المشكلة أن طرفي الازمة (الحكومة من جهة ونقابة المعلمين من جهة اخرى) كل يتمسك بموقفه ويرمي بالكرة في ملعب الفريق الاخر؛ والضحية هم طلبة المدارس واولياء الامور الذين لا حول لهم ولا قوة في هذه الازمة. ورغم محاولات التهدئة المبذولة من كل الاطراف بما فيها مجلس النواب الذي يدخل على خط اي زمة عادة كوسيط وليس كصاحب قرار ، الا أن كل هذه الجهود لا تزال تبوء بالفشل ، ولا يقف الامر عند هذا الحد بل أن هناك تهديدا ووعيدا من قبل الحكومة للمعلمين المضربين وبالمقابل هناك تهديد بالتصعيد من قبل نقابة المعلمين.

تهديدات حكومية للمعلمين المضربين
لا يفتأ وزير التربية والتعليم ورئيس الوزراء احيانا باطلاق تصريحات تهدد المعلمين المضربين بانزال اشد العقوبات بحقهم اذا ما استمروا بالاضراب. ولكن المتتبع لتصريحات رئيس الحكومة ووزير التربية والتعليم يدرك حالة التخبط التي تعيشها الحكومة وعدم قدرتها على ادارة الازمة. فمن الحلول التي تم طرحها من قبل الحكومة لحل مشكلة اضراب المعلمين الآتية:

· الاستعانة بافراد من الامن العام والدرك ليحلوا محل المعلمين المضربين والعمل كمدرسين. ولا يخفى على أحد أن هذا الحل ينم عن افلاس حقيقي في إدارة الازمة. فلا يعقل أن يتولى أفراد الامن العام والدرك مهمة التدريس وكأنها مهمة امنية يمكن لهم القيام بها بكفاءة واقتدار.

· الاستعانة بالمعلمين الذين تمت احالتهم على التقاعد لارجاعهم للتدريس بموجب عقود مع الوزارة.

· الاستعانة بطلبة الجامعة الاردنية في تغطية النقص الحاصل في الكوادر التدريسية بسبب اضراب المعلمين وهو ما أعلنه رئيس اتحاد طلبة الجامعة الاردنية عن استعداد الاتحاد تزويد المدارس بحاجتها من المدرسين من طلبة الجامعة.

· حصر اسماء المعلمين المضربين تمهيدا لايقاع اشد العقوبات بحقهم وفقا لاحكام نظام الخدمة المدنية الذي يحظر على الموظفين العموميين الاضراب والتوقف عن العمل.

· تهديد معلن لمدراء المدارس التي اضرب معلموها بالحسم من رواتبهم ومعاقبتهم، بالاضافة لدخول رجال الامن الوقائي لبعض المدراس لارهاب المعلمين وثنيهم عن الاضراب كما جاء في التقرير الاول لغرفة عمليات متابعة اضراب المعلمين المفتوح[2].

ولعل أي من هذه الحلول هو ضرب من الجنون وتصعيد غير مبرر للازمة. فلا يصلح أي منها كعلاج ناجع لازمة المعلمين. يضاف الى ذلك أن اللجوء الى أي منها سيدخل الوزارة في نفق مظلم وعلاقات قانونية معقدة مع الجهات التي سيتم الاستعانة بها مؤقتا، ناهيك عن ان اللجوء لاي منها هو بمثابة اشارة للمعلمين بعدم الرغبة بالاستجابة لاي من مطالبهم، مما سيدفعهم لمزيد من التصعيد.

اتهامات متبادلة بين الحكومة والنقابة
وفي سياق متصل لا يقل بلاهة عن التهديد والوعيد تغمز الوزارة من زاوية كشف المستور عن المعلمين وهو ما بدأته بالفعل. ففي الايام القليلة الماضية بدأت الحكومة بشن حملة اتهامات عبر مختلف وسائل الاعلام لا سيما الرسمية منها وصل بعضها حد التجريح بالمعلمين. فقد اسندت الوزارة تدني مستوى نتائج الثانوية العامة هذا العام لضعف المعلمين وعدم صلاحية جزء كبير منهم للتدريس ودللت على ذلك بأن اكثر من 300 مدرسة لم ينجح منها اي طالب في امتحان الثانونية العامة. كما بين وزير التربية والتعليم أن عدد الحصص الدراسية التي ضاعت على الطلبة العام الماضي يزيد عن 30000 حصة دراسية عدا عن الاجازات المرضية والعرضية التي يحصل عليها المعلمون ربما دون وجه حق. وفي هجوم مباشر على شخص نقيب المعلمين بين الوزير أن نقيب المعلمين لم يلتزم بداومه منذ عامين. وفي اشارات واضحة يروج البعض من سياسيي واعلاميي المؤسسة الرسمية لها أن الاخوان المسلمين هم من يقف وراء إضراب المعلمين نظرا لسيطرة الاتجاه الاسلامي على مجلس نقابة المعلمين. ووفق اراء سياسيين سابقين وحاليين ان ما اعلنته نقابة المعلمين عن نيتها الاضراب مع بداية الدوام الرسمي للمدارس يؤكد انها تعمل وفق اجندات سياسية لا مطلبية، بل تذهب بعيدا بالمعلمين ونقابتهم الى حضن فئة من المجتمع. رغم انه يفترض بها توفير جهد المعلمين لتدريس الطلاب والنأي بهم عن المماحكات السياسية التي يمكن البحث فيها من خلال الاحزاب والاطر التنظيمية المتخصصة بهذا العمل وليس الزج بالمعلمين والطلاب في أتون صراع او توهم القدرة على صراع لتحقيق ما عجزت جهات عن تحقيقه في مراكز واماكن ومنابر اخرى ..[3]

ومن جهتها، نفت نقابة المعلمين هذه الاتهامات واكدت ان لجوء الحكومة ووزارة التربية والتعليم الى هذه المزاودات لا يستهدف الا اطالة امد الازمة والانقلاب على نقابة المعلمين والمضي قدما في رفض الاستجابة للمطالب العادلة لشريحة كبيرة من المواطنين والموظفين العموميين. وذكرت أن عدد هؤلاء يتجاوز (100000) معلما في القطاع العام و(30000) معلما في القطاع الخاص. وصدرتردتأردا على اتهامات رئيس الوزراء لجهة اعتبار مطالب المعلمين "سياسية"، أصدرت النقابة بيانا[4] أسفت فيه الى قيام رئيس الوزراء بتوصيف مطالبها الاجتماعية على أنها مطالب سياسية، بعد التذكير بفحوى هذه المطالب. فهي طالبت بتعديل نظام الخدمة المدنية التعسفي بحق الموظفين والمعلمين في (الإجازات المرضية، العقود السنوية، الترفيعات الجوازية، الترفيع للدرجة الخاصة، إجازة المدراء، احتساب سنوات الإجازة بدون راتب كسنوات خدمة خاضعة للتقاعد… وغيرها). وطالبت بالتحقيق في موجودات صندوق ضمان التربية المنهوب وإحالته إلى القضاء وبتحسين خدمات التأمين الصحي سواء في صرف الأدوية والتحويل إلى المستشفيات الجامعية والخاصة، ومنع الاقتطاع المزدوج على العائلة الواحدة. وطالبت بعلاوة للمعلم لتكون مهنة التعليم والغرفة الصفية جاذبة للكفاءات التربوية والتعليمية وبتحسين أوضاع المعلمين بالقطاع الخاص وتعديل العقود التي تحرمهم من رواتبهم في أشهر الإجازة الصيفية ومن التأمين الصحي ومن تطبيق الحد الأدنى للأجور ومن حق المعلمات في المدارس الخاصة في إجازة الأمومة والرضاعة. كما طالبت بتعديل التشريعات لضمان أمن وحماية المعلم والمؤسسات التعليمية من الاعتداء والاستباحة وبتعديل الأنظمة والتشريعات التربوية "تعليمات النجاح والرسوب والانضباط المدرسي" لمنع الكوارث التربوية والتعليمية في المدارس. وأرفقت جردة مطالبها بتساؤل بات بمثابة لازمة عن مدى عبثية اعتبار هذه المطالب سياسية.

مجلس النواب .. وسيط دائم في الازمات
من جهته دعا رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة النقابة الى اللجوء للحوار قبل البدء بتنفيذ الاضراب حفاظا على قدسية رسالة المعلم التربوية والتعليمية التي نفاخر العالم بتميزها وريادتها.واكد الطراونة في بيان اصدره باسم مجلس النواب في 16-8-2014، ان المجلس الذي يتابع باهتمام كبير مطالبات النقابة، فانه في الوقت نفسه يعمل جاهدا عبر مبادرة اطلقها من خلال لجنة التربية والتعليم النيابية لبحث هذه المطالب مع الحكومة من اجل التوصل الى حلول مرضية لها تحقق المصالح المشتركة لكلا الطرفين[5].وعلى ذات الصعيد، اسفر اجتماع مطول عقد في مجلس النواب طيلة اربع ساعات الى اتفاق مبدئي بين لجنة التربية والثقافة والشباب النيابية وممثلي نقابة المعلمين عن تلبية عدة مطالب للنقابة وتحديدها وفق جدول زمني محدد. وأكد رئيس اللجنة أنها دعت وزراء مختصين لاجتماع يعقد لبحث كافة مطالب المعلمين وعلى رأسها ما يتعلق بنظام الخدمة المدنية وصندوق الضمان والتأمين الصحي والعلاوات التي يطالب بها المعلمون. واضاف ان الاجتماع يهدف الى معرفة التشريعات والمعوقات التي تحول دون تنفيذ مطالب المعلمين. كما اكد رئيس اللجنة ان وزير التربية والتعليم عرض خلال الاجتماع كتابا بتحويل ملف ضمان المعلمين الى هيئة مكافحة الفساد وديوان المحاسبة بتاريخ 12/6/2014[6]



[1]– حول فكرة اضراب المعلمين ومطالبهم انظر مقالة د. حمدي القبيلات في المفكرة القانونية بعنوان " نقابة المعلمين تلوح بالاضراب في الاردن " ، https://legal-agenda.com/articles.php?page=4&lang=ar
[2]– التقرير الاول لغرفة عمليات متابعة اضراب المعلمين المفتوح ، 17 / 8 / 2014 ، http://www.jordanzad.com/index.php?page=article&id=169479.
[3]– فعاليات وطنية وتربوية : اجندة سياسية لا مطلبية وراء اضراب المعلمين ، صحيفة الدستور الاردنية ، 16 / 8 / 2014 ، https://www.addustour.com/17309.
[4]– نقابة المعلمين ترد على تصريحات النسور ، صحيفة الغد الاردنية ، 16 / 8 / 2014 ، http://www.alghad.com/articles/819896.
[5]– مجلس النواب يصدر بيانا حول اضراب نقابة المعلمين ، صحيفة العرب اليوم الاردنية ، 16 / 8 / 2014 ، http://alarabalyawm.net/?p=387942.
[6]– اضراب المعلمين يشهد تفاوتا في الالتزام.. واتفاق في النواب بغياب النقيب على عدة مطالب ، صحيفة الدستور الاردنية ، 18 / 8 / 2014 ، http://www.addustour.com/17311.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني