هكذا تطورت مشاريع اصلاح القضاء بعد ثورة 2011، وهكذا ماتت


2014-08-18    |   

هكذا تطورت مشاريع اصلاح القضاء بعد ثورة 2011، وهكذا ماتت

تعديل قانون السلطة القضائية هو هدف وضعه الكثيرون من القضاة لضمان استقلالية القضاء ولكنه كان مستحيل تحقيقه وقت نظام مبارك لاستفادة النظام من القانون الساري. ولعلنا نذكر المشروع الذي تقدم به القضاة عام 1991[1]، ومشروع عام 2004 ثم تعديلات عامى 2006 و2007[2] التي لم تحقق للقضاة الا جزءا بسيطا من مطالبهم الآيلة وفقا لهم الى تحقيق استقلالهم. وفور حصول الثورة، انفتحت ورشة اصلاح قانون السلطة القضائية من قبل لاعبين عدة، وفي مراحل عدة. وبعد 3 يوليو 2013، بدت هذه الورشة في حال انحسار تام وقد بات إقرار أي قانون للسلطة القضائية يستوجب موافقة ثلثى عدد أعضاء مجلس النواب على اعتبار انه يعد قانونا مكملا للدستور المصري وفق المادة 121 منه.  
 
تعديل قانون السلطة القضائية: بروز المطلب بعد الثورة.
بعد تولي المستشار حسام الغرياني رئاسة محكمة النقض ومعها رئاسة مجلس القضاء الأعلى في يوليو/تموز[3]2011، تجدد أمل القضاة في تعديل قانون السلطة القضائية بما يضمن تحقيق استقلال القضاء، خاصة وأن المستشار حسام الغرياني من أبرز رموز "تيار الاستقلال" المطالبين باستقلال القضاء وتعديل قانون السلطة القضائية[4].

وقد قام المستشار حسام الغرياني بالفعل بتشكيل لجنة برئاسة المستشار أحمد مكي، الذي عرف أيضا بانتمائه ل “تيار الاستقلال" لدراسة وتعديل قانون السلطة القضائية[5]. وقامت اللجنة بالاعلان عن استقبالها لكافة الاقتراحات من كافة أطياف المجتمع، كما أرسلت رسالة لنادي القضاة لطرح اقتراحاتهم. وقامت اللجنة برئاسة المستشار أحمد مكي بابداء بعض المقترحات والتعديلات على قانون السلطة القضائية كما أعلن عنها المستشار أحمد مكي في أحاديث تليفزونية عدة[6]. وقد سعت اللجنة الى الاستعجال في انهاء مشروعها لتمريره من خلال المجلس العسكري، والاستفادة من ضعف السلطة التنفيذية لترسيخ استقلال القضاء.
 
الخلافات بين لجنة المستشار أحمد مكي ونادي القضاة: السبب في عدم اقرار تعديلات القانون:
لكن، التعديلات التي صاغتها لجنة المستشار أحمد مكي لم تر النور رغم أهميتها. ولعل ذلك يرجع لعدة عوامل أهمها عدم توافق القضاة فيما بينهم على مشروع قانون واحد. فسرعان ما تصاعدت الخلافات بين نادي القضاة ولجنة المستشار أحمد مكي. فقد اعتبر نادي القضاة انه المختص بتقديم مقترح تعديل قانون السلطة القضائية يعبر عن مطالب وطموحات القضاة وقام تبعا لذلك بتشكيل لجنة لصياغة مشروع قانون، ورفض ارسال مقترحاته الى لجنة المستشار أحمد مكي كما طلبت اللجنة[7]. بينما اعتبر "تيار الاستقلال" أن لجنة الزند تسعى لشق صف القضاة وان النادي كانت لديه فرصة خلال ثلاث سنوات لتعديل القانون ولم يفعل[8].

وقد أدت تلك الخلافات الى عدم اقرار مشروع القانون الذي قدم الى المجلس العسكري حينها واحالته لتتم مناقشته من قبل مجلس الشعب المنتخب[9]. وبنتيجة عدم التوافق بين القضاة على مشروع قانون واحد، بقي حسم المقترحات معطلا حتى تم حل مجلس الشعب. ثم انتقلت الأزمة الى مجلس الشورى، بعدما انتقلت اليه السلطة التشريعية تبعا لحل مجلس الشعب. وقد رفضت جموع القضاة اذ ذاك مشاريع القوانين المقترحة من بعض الأحزاب التي تمثل التيار الإسلامي (حزب الحرية والعدالة، حزب الوسط، وحزب البناء والتنمية) لأسباب عديدة منها تخفيض سن التقاعد[10]، والمشروع المقدم من وزارة العدل. ثم قامت مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، وحل مجلس الشورى، مما ترتب عليه، عدم اقرار أي تعديلات لقانون السلطة القضائية.
 
شرط موافقة ثلثى أعضاء مجلس الشعب: المصدر والنتائج.
أدى الخلاف الذي نشب خلال حكم الرئيس السابق محمد مرسي من عزل النائب العام، ثم تقديم مشاريع قوانين مرفوضة من جموع القضاة الى محاولة القضاة "دسترة" كل حقوقهم الأساسية وما يعتبرونه يضمن استقلاليتهم من خلال مواد تدرج في الدستور الجديد.

فقد طالبوا، على سبيل المثال، بالنص على سن تقاعد القضاة في الدستور في ردة فعل على مشاريع القوانين التي كانت تطالب بتخفيض سن تقاعد القضاة من 70 الى 65 أو 60، وهو ما رفضته لجنة الخمسين. كما طالبوا بشرط موافقة ثلثى أعضاء مجلس النواب على تعديلات قانون السلطة القضائية في حال رفضهم المشروع المقدم فقط، في محاولة منهم لزيادة درجة صعوبة اقرار أى تعديلات على قانون السلطة القضائية بغير رضاهم. وهو الأمر الذي لم تقره لجنة الخمسين كما طالبوا. فقد أقرت لجنة الخمسين مبدأ ضرورة موافقة ثلثى أعضاء مجلس النواب على أى تعديلات تطرأ على قانون السلطة القضائية ولكن في كل الأحوال، أى في حال موافقة أو عدم موافقة القضاة على التعديلات. وهو الأمر الذي يجعل من الصعب اقرار أى تعديلات على قانون السلطة القضائية الا بالتوافق بين جميع الأطراف؛ أى توافق أولا بين القضاة على مشروع واحد يقدم الى مجلس النواب، ثم التوافق بين النواب وبعضهم، وبين النواب والقضاة على مشروع القانون، وهو الأمر الذي يعد صعبا جدا. فكما أوضحنا أعلاه، لم يتوافق القضاة فيما بينهم على مشروع قانون لتقديمه الى المجلس العسكري، وعليه فامكانية توافقهم في الوقت الحالي تبدو صعبة، وامكانية توافقهم مع النواب المنتخبين، وامكانية توافق النواب فيما بينهم، في ظل حالة الاستقطاب السياسي في مصر، تبدو أصعب.
 
صعوبة تعديل قانون السلطة القضائية: من المستفيد؟
في حوار مع المذيع يسري فودة[11]، صرح المستشار أحمد مكي في 2011 انه يتمنى أن تصدر تعديلات قانون السلطة القضائية بقرار من المجلس العسكري وعدم انتظار البرلمان المنتخب. وقد أرجع ذلك الى عدة أسباب: فقد رأى ان التعديلات ضرورية حتى يطمئن الشعب لنتيجة الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي ستجرى، كذلك، ضمان ثقة واطمئنان الشعب في استقلال القضاة الذين ينظرون قضايا تعد قضايا رأى عام مثل قضايا قتل المتظاهرين والفساد. بالاضافة الى ذلك، صرح المستشار أحمد مكي أن الوقت هو الأنسب لأن الحكومة التي كانت تتولى وقتها هى حكومة مؤقتة، تعلم انها لن تستمر في الحكم كثيرا، والمجلس العسكري غير راغب في السلطة وسوف يسلمها قريبا. وبناء عليه ليس لهم أى غاية من استمرار القانون كما هو، لأن كل المشاكل التي أصابت قانون السلطة القضائية كانت بسبب الرغبة في الاستمرار بالسلطة، لأن الحاكم لا يقبل أن يخضع للرقابة والقيود التي يحققها استقلال القضاء، على حسب تعبيره.

وهو التصريح الذي يجب الوقوف عنده، فاذا كانت السلطة في مصر لم تكن تقبل الرقابة القضائية ولا القيود التي تفرضها، هل تغير الوضع الآن؟ بمعنى آخر، هل السلطات المصرية في الوقت الحالي أو السلطات القادمة لن تكون راغبة في السلطة وستعمل على استقلال القضاء طبقا للمعايير الدولية بما يترتب عليه مراقبتها ومحاسبتها؟ أم هى مستفيدة من بقاء الأمر كما هو عليه حتى تستطيع التحكم في الدولة وضمان هامش من الحماية من المساءلة؟

ولعل البعض يرى أن تحديد مدة رئيس الجمهورية والنص على عدم جواز اعادة انتخابه الا مرة واحدة كفيلة بضمان عدم الاستمرار في السلطة، ولكن السلطة لا تمثل فقط برئيس الجمهورية. فيمكن أن يحصل حزب على أغلبية مقاعد البرلمان لعشرة سنوات أو أكثر مثلا (أى دورتيين برلمانيتتين أو أكثر)، أو أن يكون رئيس الجمهورية من نفس الحزب ولكن ليس نفس الشخص.

بالاضافة الى ذلك، استقلالية القضاء تضمن الرقابة والمحاسبة على أعمال السلطة التنفيذية بصورة كبيرة وتكفل مبدأ المساواة أمام القانون وهو الأمر الذي يتوجس منه البعض حتى وان لم يستمر في السلطة.

ولعل البعض يرى أن القضاة لا يريدون حقيقة تعديل قانون السلطة القضائية، ويدللون على ذلك بعدم توافقهم على قانون واحد، أو يعللون ذلك بأن أى تعديل على القانون سيتطرق الى تعديلات تمس طريقة التعيين في الجهات والهيئات القضائية والنيابة العامة، وهو الأمر الذي يعرقل مبدأ "التوريث" الساري في القضاء المصري[12]، خصوصا وأن المشروع الذي كان يعده المستشار أحمد مكي تطرق الى تعديل طرق التعيين وانشاء اكاديمية للقضاة[13]. وهنا يجب على القضاة اعلان موقفهم من تعديل قانون السلطة القضائية واعلانهم تمسكهم بمبدأ المساواة في التعيينات، والتمسك باستقلاليتهم، حتى لا يعتقد المجتمع المصري أن للقضاة مصالح في القانون الحالي يدافعون عنها.
 
خلاصة: 
قد أقر الدستور المصري بعض المبادئ الدستورية التي تمس القضاء والتي تستوجب بناء عليه تعديل القانون منها ضمان تعيين المرأة في القضاء، وتعديل طريقة اختيار النائب العام. كما نص على عدم جواز "ندبهم كليا أو جزئيا الا للجهات والأعمال التي يحددها القانون"[14]. كما نصت المادة 239 من باب الأحكام الانتقالية في الدستور على اصدار مجلس النواب، في مدة لا تتجاوز الخمس سنوات، قانون ينظم قواعد الندب الكلي والجزئي للقضاة بحيث يلغى "الندب الكلي والجزئي لغير الجهات القضائية أو اللجان ذات الاختصاص القضائي أو لادارة شؤون العدالة أو الاشراف على الانتخابات" مما يترتب عليه، لا محالة، مناقشة قانون السلطة القضائية خلال الخمس سنوات القادمة. ولكن هل يتم فقط مناقشة القانون وتعديله بحيث يتم اقرار الغاء الندب الكلي والجزئي كما نصت عليه المادة دون التطرق للمواد الاصلاحية التي لطالما طالب بها القضاة والمجتمع؟
 
 



[1] راجع أشرف البارودي، "تحولات الوظيفة القضائية من خلال تحرك 2005"، نشر في "حين تجمع القضاة"، عام 2009 عن "المنشورات الحقوقية صادر".
[2] راجع فتوح الشاذلي، "التحرك الجماعي للقضاة في مصر"، نشر في "حين تجمع القضاة"، عام 2009 عن "المنشورات الحقوقية صادر".
[3] راجع "حسام الغرياني رمز تيار الاستقلال..شيخا لقضاة مصر"، نشر على موقع جريدة المصري اليوم بتاريخ 1-7-2011.
[4] المرجع السابق نفسه.
[5] راجع "تشكيل لجنة برئاسة مكي لتعديل قانون السلطة القضائية"، نشر على موقع جريدة المصري اليوم بتاريخ 27-7-2011.
[6] راجع حوار المستشار أحمد مكي في برنامج "أخر كلام" على قناة "أون تي في" بتاريخ 23-8-2011، كذلك الحوار في برنامج "العاشرة مساءا" على قناة "دريم" بتاريخ 20-9-2011.
[7] راجع "الخلافات تتصاعد بين نادي القضاة ولجنة مكي لتعديل قانون السلطة القضائية"، نشر على موقع الأهرام الرقمي بتاريخ 3-8-2011.
[8] راجع "صدام قضائي في موقعة مكي والزند"، نشر على موقع الأهرام الرقمي بتاريخ 10-8-2011.
[9] راجع "المصري اليوم تنشر مشروع قانون السلطة القضائية قبل مناقشته في الشعب"، نشر على موقع جريدة المصري اليوم بتاريخ 13-2-2012.
[10] راجع فتوح الشاذلي، "القضاء المصري في فترة ما بعد الثورة (2011-2013) (1): النصوص الدستورية والتشريعية، نشر على الموقع الالكتروني للمفكرة القانونية بتاريخ 27-3-2014.
[11] برنامج "اخر كلام"، يعرض على قناة "اون تي في"، حلقة يوم 23-8-2011.
[12] راجع فتوح الشاذلي، "المفهوم المصري لاستقلال القضاء في مشروع الدستور الجديد"، نشر على موقع المفكرة القانونية بتاريخ 30-12-2013.
[13] حسب ما صرح به المستشار أحمد مكي في برنامج "العاشرة مساءا" على قناة "دريم" بتاريخ 20-9-2011.
[14] المادة 186 من الدستور المصري.
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني