ارساء قواعد موضوعية للمناقلات القضائية في تونس


2014-04-28    |   

ارساء قواعد موضوعية للمناقلات القضائية في تونس

 تولت في سياق استعدادها لاعداد الحركة القضائية لسنة 2014-2015 الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي  في سابقة هي الاولى من نوعها في تاريخ القضاء التونسي الاعلان مسبقا عن المعايير الموضوعية التي ستتولى اعتمادها في اعداد الحركة القضائية. اذ اصدرت الهيئة مذكرة بتاريخ 17 افريل 2014 وزعت على مختلف المحاكم والقضاة بينت المعايير التي تعتزم  اعتمادها فيما تعلق بنظر مطالب النقل بين المحاكم وتلك التي ستلتزم بها في الترقية من رتبة قضائية الى اخرى علاوة على معايير اسناد الخطط القضائية. واتى الاعلان عن المعايير المعتمدة عقب جلسات تشاور عمل عقدتها الهيئة مع الهياكل المهنية الممثلة للقضاة العدليين وفي اطار التفاعل الايجابي مع الانتقادات التي وجهت لعمل الهيئة خلال الحركة القضائية الفائتة. 

ويكشف الوقوف على المحاور الاساسية للمعايير الموضوعية المعلنة عن سعي الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي لضمان شفافية عملها، بما يمكن القضاة من التعبير عن طلباتهم في النقل والترقية في ظل قواعد موضوعية يعلمونها سلفا هي الآتية:  

معايير طلب الانتقال من دائرة قضائية الى اخرى:
تضمنت المذكرة ان مطالب النقل سيشترط للنظر فيها ان يكون القاضي المعني قد قضى مدة عمل فعلي في المركز الذي يطلب ان ينقل منه ثلاث سنوات بالنسبة لمختلف المحاكم، فيما يتم تخفيض المدة المشترطة الى سنتين فقط بالنسبة للقضاة العاملين بالدوائر الاستئنافية لمحاكم مدنين وقفصة وقابس والكاف. ويبدو هذا الاستثناء مبررا في الاوساط القضائية باعتبار صعوبة ظروف العمل بتلك المحاكم بالنظر لتفاوت مستويات التنمية بين الجهات الداخلية وغيرها من مناطق البلاد التونسية. غير ان هذا التوجه يؤدي فعليا لحرمان هذه المحاكم من الاستفادة من مزايا استقرار الاطار القضائي خصوصا في جانبه المتصل بفهم خصوصيات النزاعات بها.

ويستدعي البحث عن موازنة بين حق القضاة في طلب الانتقال ومصلحة مرفق القضاء بالجهات الداخلية حلولا تتجاوز مجال اختصاص الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي وتندرج في سياق اصلاح منظومة القضاء وتتمثل اساسا في استحداث حوافز ترغب القضاة في الاستقرار بالمناطق الداخلية.

وقد يكون تمييز هيئة القضاء العدلي بين المحاكم باعتبار معيار التنمية الجهوية مناسبة لطرح السؤال في الموضوع ومناسبة لصياغة تصور جديد للخارطة القضائية.

ويذكر من جهة أخرى، ان هيئة القضاء العدلي اصدرت بتاريخ 14-4-2014 بلاغا التزمت صلبه باجراء الحركة الداخلية للمحكمة العقارية صلب الحركة القضائية العامة، بما يؤكد ان ذات المعايير ستعتمد في نظر مطالب النقل بين فروع المحكمة العقارية. ويقطع التوجه المعلن عنه مع الحركات القضائية السابقة بما فيها الحركة القضائية لسنة 2013-2014 التي اجرتها هيئة القضاء العدلي اذ كانت الحركة القضائية سابقا تكتفي بتعيين القضاة بالمحكمة العقارية لتترك لاحقا لرئيس المحكمة صلاحية تعيين القضاة بفروع المحكمة في سياق حركة داخلية تختص بنظر طلبات النقل والتعيين. وتعد مبادرة الهيئة الى فرض اشرافها على هذه الحركة تصحيحا لخطئها السابق الذي منع قضاة المحكمة العقارية من حقهم في الاعتراض على الحركة القضائية والطعن فيها بما ادى الى حرمانهم فعليا من ضمانات استقلالية القضاء. غير ان الطابع العام للمعايير المعتمدة وعدم التفاته لخصوصيات المحكمة العقارية خصوصا منها التي تتعلق بقضاة لجان المسح يبدو مجحفا بهؤلاء اذ ان القضاة الذين يكلفون بالتسجيل الاجباري للعقارات في نطاق لجان المسح يعملون عادة بمناطق نائية ولو كانت الدوائر القضائية التي يعملون بها تخرج عن الجهات القضائية الداخلية وتحسب جغرافيا على الدوائر القضائية للمدن الكبرى، بما قد يستدعي مستقبلا اعادة النظر في معايير تنقلاتهم في سياق يعترف بالطبيعة الشاقة لعملهم ويمكنهم من الحق في التنقل لمراكز العمل التي يرغبون فيها ضمن الآجال الدنيا.

معايير الارتقاء من رتبة الى أخرى
أكدت الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي على الاقدمية في القضاء والرتبة القضائية كمعيار وحيد في الارتقاء من رتبة قضائية الى اخرى. فبينت ان  قضاء احد عشر عاما من العمل القضاء الفعلي بالرتبة الاولى المعيار الوحيد للارتقاء للرتبة الثانية مع ترك امكانية ترقية القضاة الذين قضوا فعليا عشر سنوات عمل بالرتبة الاولى للرتبة الثانية لسد الشغورات المتاكدة بالمحاكم المنتصبة بالمناطق الداخلية. كما تم الالتزام بترقية القضاة الذين قضوا سبع سنوات بالرتبة الثانية او اولئك الذين قضوا ست سنوات في ذات الرتبة مع اقدمية عمل فعلي في القضاء مدتها ثمانية عشر عاما للرتبة الثالثة.

وتكرس معايير الارتقاء في الرتب القضائية الموضوعية المزمع الالتزام بها التوجه الذي برز اثر الثورة وادى فعليا الى ضمان تطبيق مبدأ الترقية الآلية للقضاة بما قطع مع الممارسات السابقة التي كانت تعتمد الحرمان من الترقية القضائية كعقوبة مقنعة وتكرس التمييز بين القضاة في اسناد الترقيات كوسيلة لشراء الولاءات. الا أن بعض الاثار السلبية التي ابرزتها التجربة لاعتماد الترقية الآلية والتي تمثلت اساسا في اختلال التوازنات بين الرتب القضائية الثلاث بما اضر بتوزيع العمل بالمحاكم بسبب نقص قضاة الرتبة الاولى مقابل تضخم عدد قضاة الرتبين الثانية والثالثة يستدعي مراجعات جذرية لمعايير اسناد الخطط القضائية ويستوجب دراسة امكانيات الفصل ولو جزئيا بين اعتبار رتبة القاضي وخطته الوظيفية. وقد ينهض على الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي التي اسند لها القانون صلاحية "أن تقدم من تلقاء نفسها الاقتراحات والتوصيات" اللازمة "لاصلاح منظومة القضاء" ان تبادر الى دراسة اثار اعمال الترقية الالية لتقترح الحلول المناسبة لضمان التطبيق الكامل مستقبلا لمبدأ الترقية الالية في سياقات تطور العمل القضائي. وكان بامكان الهيئة ان تبادر الى مراجعة اكثر جرأة لقواعد اسناد بعض الخطط القضائية الفردية التي تتعلق بقضاء الرتبة الاولى بشكل يمكن من اسنادها لمن يطلبها من قضاة الرتبتين الثانية والثالثة بما يحقق حسن التصرف في الموارد البشرية القضائية ويعزز مكانة القضاء الفردي في النظام القضائي التونسي ويفتح الباب مستقبلا في صورة نجاح التجربة لصياغة مشروع اصلاح يحول مبدأ الترقية الآلية من مطلب للقضاة الى اداة لتطوير عمل مرفق القضاء. 

معايير اسناد الخطط القضائية
بين مشروع المعايير المعد من قبل الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي ان الهيئة ستعتمد في عملها على معايير الاقدمية والكفاءة والنزاهة في توزيع الخطط الوظيفية، دون ان تلتزم فيما تعلق بقضاة الرتبة الثالثة الذين قضوا اربعة وعشرين عاما من العمل القضائي بمعايير الامر عدد 436 المؤرخ في 21/09/1973 والذي يتعلق بشروط اسناد الخطط الوظيفية القضائية. وان كان معيار الاقدمية واضحا في تطبيقاته المنتظرة، فان معياري الكفاءة والنزاهة يطرحان السؤال حول سبل تحديدهما.

ويبدو ان الكفاءة كمعيار سيكون لتقييم المشرفين على المحاكم دور الفصل فيها. فقد تولت الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي اعداد مذكرة ارفقت ببلاغها تضمنت معايير تقييم الكفاءة التي سيتولى المشرفون على المحاكم صياغة بياناتها. وتضمنت المذكرة تقييما مفصلا يتعلق بالكفاءة الصناعية ومدى الالتزام بالوجبات المهنية اخلاقياتها والعلاقة مع العنصر البشري والسلوك في العمل والمواظبة وانتظام العمل والقدرة على التطوير زاستنباط الحلول العملية للمشاكل التنظيمية. وحددت الهيئة سلما للملاحظات المسندة ينقسم لخمس درجات هي "حسن جدا –حسن-قريب من الحسن-متوسط-غير كاف". ويظل في مقابل دقة معيار الكفاءة ووضوح معيار الاقدمية معيار النزاهة المعلن عنه غير محدد ويستدعي التدقيق خصوصا فيما تعلق بقضاة لم يتعرضوا لمؤاخذات تاديبية ولم تتم مواجهتهم بما قد ينسب لهم من اخلال بواجب النزاهة.

ويتضح من عموم المعايير المعلنة سعي الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي لتجاوز المؤاخذات التي اثيرت بمناسبة الحركة القضائية الاولى التي انجزتها وعملها على تحقيق شفافية الحركة القضائية في اطار يحترم قواعد استقلالية القضاء. غير ان هذا التوجه نحو تطوير اساليب اعداد الحركة القضائية غاب عن قائمة الشغورات التي اعلنتها الهيئة وارفقتها لبلاغها اذ تولت الهيئة الالتزام بتقاليد اعلان الشغورات الذي كان يعتمد سابقا، والذي يتمثل في رصد حالات نقص الاطار القضائي المسجلة خلال السنة القضائية وتعهد الجهة الادارية بالاستجابة لها وإعلان تلك المواقع القضائية شاغرة وفتحها للقضاة للتناظر حولها. وكان بامكان الهيئة تجاوز ذلك التقليد لحصر حالات الشغور التي تنجم عن اعتماد مبدأ الترقية الآلية وفق قواعدها التي اعلنت التزامها بها والإعلان عنها مسبقا ليتمكن القضاة من توجيه طلباتهم في النقل والخطط الوظيفية بشكل اكثر موضوعية وبما يؤكد احترام حق التناظر بينهم في خصوص مختلف المواقع الشاغرة فعلا او التي يتأكد شغورها بمجرد الشروع في اعداد الحركة القضائية.

ويتأكد ختاما الاشادة بعمل الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي على تحقيق شفافية معايير اجراء الحركة القضائية بما يستجيب لمعايير استقلال القضاء ويضمن للقضاة حقهم في الرقابة على عمل الهيئة التي دافعوا عن استقلاليتها وناضلت اجيال منهم من اجل ارسائها. كما تؤكد المعايير المعلنة ان ما كان يتم التمسك به سابقا من ضرورة جعل الحركة القضائية في مسار اعدادها عملا سريا لم يكن إلا تبريرا لاستعمال الحركة القضائية كأداة لفرض سلطة مجالس عليا للقضاء منصبة تستعمل تنقلات القضاة وترقياتهم لاستدامة اخضاع القضاء ومنع استقلاليته.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني