أسئلة من وحي قرار جنايات المنيا (1): الاعدام في منظومة العقوبات المصرية


2014-04-14    |   

أسئلة من وحي قرار جنايات المنيا (1): الاعدام في منظومة العقوبات المصرية

أثار قرار محكمة جنايات المنيا باحالة أوراق 529 متهم الى مفتي الجمهورية لاستطلاع رأيه بشأن تطبيق عقوبة الاعدام عليهم ردود فعل واسعة داخل مصر وخارجها. وقد استهجن الكثيرون قسوة هذا القرار الذي ضرب رقما قياسيا في عدد الأشخاص المعرضين بموجبه لعقوبة الإعدام. كما لفت هؤلاء الى مخاطر أن تكون هذه القسوة تعبيرا عن تأثر المحكمة بالظروف السياسية التي تعيشها مصر.

وبسبب الأهمية الفائقة لهذا القرار، ستقوم المفكرة القانونية بنشر سلسلة مقالات لدراسة أبعاده والاشكاليات التي يطرحها. وهي تنشر اليوم حلقة أولى لفهم عقوبة الاعدام في مصر: تشريعها، الضمانات المحققة للعدالة عند الحكم بها التي كفلها المشرع وأحكام القضاء المصري (المحرر).
 
أعداد أحكام الاعدام التي تم النطق بها وتنفيذها في مصر متفاوتة الى حد كبير، وتجدر الاشارة الى انه لا يوجد احصاءات رسمية حول الموضوع من قبل وزارة العدل المصرية، ولذلك تختلف الأرقام من تقرير الى آخر. حسب تقرير صادر عن الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان في ابريل 2005، فان دوائر الجنايات في محاكم الاستئناف أصدرت 530 حكم اعدام خلال الفترة الممتدة من 1991 الى 2000. أما في الفترة بين 2009 و2011 فيشير تقرير صادر عن المركز العربي لاستقلال القضاة والمحامين الى 385 حكما بالاعدام[1]. أما التقارير الصادرة من منظمة العفو الدولية عن عقوبة الاعدام عن كل سنة فتشير الى 577 حكما بالاعدام عن نفس الفترة. ونلاحظ اختلاف كبير في الأرقام، وهو يرجع بشكل رئيسي الى غياب الاحصاءات الرسمية كما أشرنا، مما يدفع الباحثين الى التفتيش في سجلات المحاكم أو الاعتماد على المقابلات، وهى الأمور التي تؤدي الى اختلاف التقديرات الرقمية بهذا الشكل.

اما محكمة النقض فقد قامت بالفترة الممتدة من 1990 الى 2001 بتأييد 34 حكما بالاعدام، ونقضت 31 حكما[2]. ونلاحظ أن الأحكام الصادرة من محكمة النقض أقل بكثير من تلك الصادرة من محاكم الاستئناف. ولعل ذلك يرجع الى أن الاحكام الصادرة من محاكم الاستئناف كانت غيابية، ولم يطعن فيها أمام محكمة النقض، أو أن محكمة النقض لم تفصل بعد في القضايا المعروضة عليها؛ حيث انه يوجد محكمة نقض واحدة على مستوى الجمهورية وبالتالي تعاني من تكدس في الأحكام المطعون عليها أمامها وهو ما يترتب عليه طول فترة التقاضي أمامها.
وبلوغ عدد أحكام الاعدام 530 خلال 9 سنوات انما يشكل أمرا لافتا، يستدعي التوقف عنده ومناقشة الجرائم المعاقب عليها بالاعدام في مصر، والضمانات التي يقرها المشرع لضمان ألا يحكم على شخص ظلما بالاعدام.
 
التوسع في اقرار عقوبة الاعدام في القانون المصري
يقدر عدد الجرائم المعاقب عليها بالاعدام في القانون المصري بحوالي 70 جريمة[3] تم النص عليها في قانون العقوبات، وبعض القوانين الجنائية الخاصة مثل قانون مكافحة المخدرات، قانون الأحكام العسكرية، وقانون الأسلحة والذخائر.

بالنسبة الى قانون العقوبات، فانه ينص على عقوبة الاعدام على بعض الجرائم المضرة بأمن الدولة من الخارج[4] مثل ارتكاب فعل عمدا "يؤدي الى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها"، الالتحاق بالقوات المسلحة لدولة في حالة حرب مع مصر، التخابر مع دولة أجنبية للقيام بأعمال عدائية ضد مصر، وغيرها من الأفعال المجرمة حتى يصل مجموع الجنايات المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج المعاقب عليها بالاعدام الى 13 جريمة. وهو ما يعد توسعا من المشرع المصري في تطبيق عقوبة الاعدام على جرائم يمكن أن يتم عقوبتها عن طريق السجن المؤبد على سبيل المثال، أو أى عقوبة أخرى أقل جسامة من الاعدام.

أما الجنايات والجنح المضرة بأمن الدولة من الداخل فيرتفع عدد الجرائم المعاقب عليها بالاعدام الى 14 جريمة[5]. بعض هذه الجرائم معاقب عليها بالاعدام لذاتها مثل تأليف عصابة مسلحة أو تولي زعامتها وقيادتها لمحاولة "قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهوري أو شكل الحكومة" بالقوة. أما بعض الجرائم الأخرى، فيكون عقوبتها الاعدام اذا نتج عنها موت شخص، وهى اذا متصلة بجريمة القتل العمد، ولكنها ليست معاقبا عليها بالاعدام بذاتها مثل استعمال الارهاب لاجبار شخص على الانضمام الى جمعية، مؤسسة، عصابة، هيئة، جماعة أو منعه من الانفصال عنها اذا ترتب على ذلك موت الشخص.

أما فيما يخص الجرائم التي يتم فيها الاعتداء على أحد الناس، فينص قانون العقوبات على ما يقارب ال7 جرائم المعاقب عليها بالاعدام. وتتنوع هذه الجرائم بين القتل العمد (مع سبق الاصرار أو الترصد)، القتل بجواهر تسبب الموت، جريمة الحريق العمد اذا نتج عنه موت شخص، خطف أنثى اذا اقترنت بمواقعتها بغير رضائها، جريمة الشهادة الزور اذا ترتب عليها الحكم على المتهم بالاعدام وتنفيذ الحكم فيه وغيرها من الجرائم.
بعد ثورة 25 يناير، وعلى خلفية الانفلات الأمني، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعض المراسيم بقوانين لتغليظ عقوبات بعض الجرائم، مما أدى الى ارتفاع عدد الجرائم المعاقب عليها بالاعدام. فقد تم النص على سبيل المثال على عقوبة الاعدام لمرتكب جريمة الاغتصاب (مواقعة الأنثى بغير رضاها)، خطف طفل (ذكر أو انثى) اذا اقترنت بهتك عرضه أو مواقعته بغير رضاه.

الى جانب قانون العقوبات، نص المشرع على الاعدام كعقوبة في عدد من الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة المخدرات، قانون الأحكام العسكرية وقانون الأسلحة والذخائر. فعلى سبيل المثال، يعاقب قانون مكافحة المخدرات المتهم بجلب وتصدير المواد المخدرة بالاعدام، كذلك من يقوم بزراعة المواد المخدرة المنصوص عليها في القانون. أما القانون العسكري، فقد أقر عقوبة الاعدام، على سبيل المثال، على جرائم عدم اطاعة الأوامر والهروب والغياب. أما قانون الأسلحة والذخائر، فقد نص في المادة 26 منه على "تكون العقوبة الاعدام اذا كانت حيازة أو احراز تلك الأسلحة أو الذخائر أو المفرقعات بقصد استعمالها في أى نشاط يخل بالأمن العام أو النظام العام أو بقصد المساس بنظام الحكم أو مبادئ الدستور أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية أو بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي".

ومما سبق نستنتج أن المشرع المصري توسع في تقرير عقوبة الاعدام على جرائم كثيرة مما يمكن توصيفه بانه اساءة في استعمال الحق في تقرير العقوبة، اذ انه استعمل تعبيرات فضفاضة في بعض المواد لوصف الجرائم وهو ما لا يجوز مع تقرير عقوبة جسيمة مثل الاعدام على هذه الجرائم، كما انه اقر عقوبة الاعدام لبعض الجرائم التي لها طابع سياسي، وهى الجرائم الخاصة بالاضرار بأمن الدولة من الداخل والخارج، مما يدل على استخدامه هذه العقوبة كرادع لكل من ينتفض ضد نظام الدولة وسياستها كما يمكن استغلال هذه التهم للتخلص من المعارضين. ونذكر على سبيل المثال استخدام محكمة أمن الدولة، التي كان يحال لها نظر بعض القضايا أثناء حكم الرئيس الأسبق مبارك، لهذه المواد لفرض عقوبة الاعدام على المتهمين أمامها، وهم في أغلبهم معارضون سياسيون للنظام آنذاك.

 ويبرز استخدام العقوبات المشددة ومن بينها عقوبة الاعدام للتخلص من المعارضين السياسيين في الوقت الحالي من خلال التعديلات التي أدخلتها الحكومة المصرية على قانون العقوبات بهدف تغليظ عقوبة الجرائم الارهابية[6]، وينتظر هذا الاقتراح تصديق رئيس الجمهورية عليه واصداره.

ومن خلال قراءة هذه التعديلات، يتضح لنا رفع الحكومة لعدد الجرائم المعاقب عليها بالاعدام، حتى وان لم ينتج عليها موت شخص، فعلى سبيل المثال نصت المادة 86 مكرر أ من مشروع القانون على "يعاقب بالاعدام أو بالسجن المؤبد كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار جماعة ارهابية أو تولى زعامة أو قيادة فيها" ولا يشترط ذلك أن تكون قد قامت هذه الجماعة، بالضرورة، بتنفيذ أى عمليات ارهابية، مما يعني أن المشرع هنا "يقرر عقوبة الاعدام على النوايا وليس على الجرائم المرتكبة"[7]. وهذا مع اعتماد المشرع على كلمات فضفاضة في المادة 86 من مقترح القانون لتعريف العمل الارهابي مثل "الاخلال بالنظام العام"، "الاضرار بالوحدة الوطنية"، "الاضرار بالتصالات أو بالنظم المعلوماتية أو بالنظم المالية والبنكية"، وهو ما يؤدي الى امكانية استخدام هذه المواد في قمع المعارضين السياسيين والتخلص منهم.
 
ضمانات اجرائية لتقرير عقوبة الاعدام
على الجانب الأخر، قرر المشرع المصري عددا من الضمانات المتعلقة باصدار الحكم بعقوبة الاعدام. الجدير بالذكر أن القضايا الجنائية تخضع كلها لقواعد عامة منها وجوبية التحقيق الابتدائي وضرورة حضور محام مع المتهمين بجناية[8].

أما بخصوص صدور حكم بالاعدام، فقد قرر المشرع بعض الضمانات الأخرى، أولها ضرورة اجماع آراء أعضاء المحكمة بالحكم بالاعدام. فقد نصت المادة 381 من قانون الاجراءات الجنائية على الآتي "لا يجوز لمحكمة الجنايات أن تصدر حكما بالاعدام الا باجماع آراء أعضائها"، وهو ما يخالف القاعدة العامة المتبعة والتي مفادها أن الأحكام تصدر بموافقة أغلبية أعضاء المحكمة. وقد قام المشرع بتقرير وجوبية اجماع الآراء "تقديرا منه لجسامة الجزاء في عقوبة الاعدام، وحرصا على احاطتها بضمان اجرائي يكفل أن ينحصر النطق بها في الحالات التي يرجح فيها الى ما يقرب من اليقين أن تكون مطابقة للقانون"[9] ، وبناء عليه، فانه يكفي أن يرفض قاض واحد فقط من أعضاء المحكمة تطبيق عقوبة الاعدام حتى يستبعد الحكم بها.

أما الضمانة الثانية التي قررها المشرع فقد نصت عليها المادة 381 من قانون الاجراءات الجنائية "ويجب عليها قبل أن تصدر هذا الحكم أن تأخذ رأى مفتي الجمهورية ويجب ارسال أوراق القضية اليه، فاذا لم يصل رأيه الى المحكمة خلال العشرة أيام التالية لارسال الأوراق اليه، حكمت المحكمة في الدعوى".

وتجدر الاشارة  أن أخذ رأى المفتي قبل الحكم بالاعدام مقصده "أن يكون القاضي على بينة مما اذا كانت أحكام الشريعة تجيز الحكم بالاعدام في الواقعة الجنائية المطلوب فيها الفتوى قبل الحكم بهذه العقوبة دون أن يكون ملزما بالأخذ بمقتضى الفتوى. فليس المقصود اذن من الاستفتاء تعرف رأى المفتي في تكييف الفعل المسند الى الجاني ووصفه القانوني"[10]. ولكن أخذ رأى المفتي هو مجرد اجراء يجب أن تتبعه المحكمة قبل الحكم بالاعدام، ولكن ليس ضروريا أن تأخذ به المحكمة ويمكن لها أن تخالفه[11]، كما انه "ليس في القانون ما يوجب على المحكمة أن تبين رأى المفتي أو تفنده"[12]. وهو ما يترتب عليه، عمليا، أن رأى المفتي يمكن أن يكون مخالفا للحكم الذي تنطق به المحكمة أو مؤيدا له. ولكن رأى المفتي لا يعدو كونه اجراء شكليا لا جوهريا، فيمكن للمحكمة أن تخالف رأيه، كما يمكن أن يؤثر على رأى أحد أعضائها، وهو بذلك لا يعد كونه ورقة من أوراق القضية يمكن للمحكمة أن تأخذ بها أو ترفضها لتكوين عقيدتها. وقد يتساءل البعض عن أسباب كون رأى المفتي اختياريا وليس ملزما للمحكمة، ويرجع ذلك الى اعتبار دار الفتوى تابعة للسلطة التنفيذية، والزام المحكمة بالأخذ برأى المفتي يعد بمثابة تدخل من قبل السلطة التنفيذية في تشكيل عقيدة المحكمة ويقيد حريتها في ذلك، وبالتالي يعد تدخلا من السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية[13].

بالاضافة الى ذلك، رأى المفتي لا يتم اعلانه في جلسة النطق بالحكم، ولكن نرجح أن يكون مدرجا ضمن ملف القضية، ولكن لا يمكن أن يتم الطعن على الحكم على أساس مخالفة المحكمة لرأى المفتي، لأنه كما أوضحنا أعلاه، استقرت أحكام محكمة النقض على جواز مخالفة المحكمة التي تنظر الدعوى لرأى المفتي.  

كما أنه يجب التأكيد على أن الاجماع الذي اشرنا اليه أعلاه يجب توافره عند النطق بالحكم، وليس عند احالة أوراق المتهم لمفتي الجمهورية لاستطلاع رأيه[14]، مما يعني أن احالة أوراق المتهم الى مفتي الجمهورية يمكن أن يصدر بأغلبية أصوات أعضاء المحكمة. ونفهم من ذلك، أنه ليس لقرار الاحالة التي أمرت به محكمة جنايات المنيا أن يكون صدر بالضرورة باجماع آراء أعضائها، ويمكن ألا يتم الحكم بالاعدام اذا لم يوافق القضاة جميعا على ذلك.

أما الضمانة الأخيرة التي أحاط بها المشرع تقرير عقوبة الاعدام فقوامها الزام النيابة العامة، اذا كان الحكم صادرا حضوريا بعقوبة الاعدام، بعرض "القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم"[15] وذلك خلال 60 يوما من تاريخ صدور الحكم، ودون اخلال بحق أطراف الدعوى الجنائية في الطعن على الحكم. وفي هذه الحالة، تباشر محكمة النقض الفحص والرقابة على "عناصر الحكم الموضوعية والشكلية وتقضي بنقض الحكم في أية حالة من حالات الخطأ في القانون أو البطلان، من تلقاء نفسها، دون تقيد بما ورد في مذكرة النيابة بل ولو لم تقدم النيابة مذكرة برأيها"[16]. ويترتب على ذلك، أنه حتى اذا لم يقم أطراف الدعوى الجنائية بالطعن على الحكم بالاعدام، تتصل محكمة النقض بالدعوى بمجرد عرضها عليها من النيابة العامة، وهو ما يعني مراجعة محكمة النقض للحكم الصادر حضوريا في جميع الأحوال وضمان تطبيق محكمة الجنايات للقانون تطبيقا صحيحا. أما الحكم الصادر غيابيا بالاعدام، فيسقط بمجرد القبض على المتهم أو تسليم نفسه ويتم اعادة محاكمته من جديد[17].
 
ضمانات تنفيذ عقوبة الاعدام
حسب تقرير بعثة تقصي الحقائق الصادر عن الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان في ابريل 2005، يقدر عدد عقوبات الاعدام التي تم تنفيذها في الفترة بين 1999 و2003 بحوالي 168. أما حسب تقارير منظمة العفو الدولية، فقد تم تنفيذ 5 عقوبات اعدام في عام 2009، 4 عمليات على الأقل في عام 2010، عملية واحدة على الأقل في عام 2011[18].
وقد وضع المشرع المصري بعض الضمانات لتنفيذ العقوبة بعد صدور حكم نهائي في الدعوى بالاعدام. فيجب على وزير العدل، طبقا للمادة 470 من قانون الاجراءات الجنائية، أن يرفع أوراق الدعوى الى رئيس الجمهورية الذي يملك حق العفو عن المتهم أو ابدال العقوبة (له الحق في تخفيض العقوبة الى السجن أو السجن المؤبد) خلال 14 يوما. ولكن، على أرض الواقع، يندر استخدام رئيس الجمهورية لحقه في العفو، ففي الفترة بين 1994 و2000 لم يستخدم رئيس الجمهورية هذه الصلاحية اطلاقا[19].

ويمكن اعادة النظر في الحكم الصادر بالاعدام في الحالات المنصوص عليها في المادة 441 من قانون الاجراءات الجنائية الخاصة باعادة النظر في الأحكام النهائية الصادرة بالعقوبة في مواد الجنايات والجنح ، ومنها أن يوجد المدعى قتله حيا، أو اذا حكم على أحد الشهود أو الخبراء بالعقوبة لشهادة الزور.

أما فيما يخص تنفيذ العقوبة، فيتم تنفيذ الاعدام في مصر شنقا طبقا للمادة 13 من قانون العقوبات.  وقد حاول المشرع مراعاة بعض المعايير الانسانية في تنفيذ العقوبة، فأجاز مقابلة المحكوم عليه لأقاربه بعيدا عن محل التنفيذ، وتسهيل مقابلته لأحد رجال الدين اذا كانت ديانته تفرض عليه الاعتراف أو غيره من الفروض الدينية قبل الموت، الى جانب منع تنفيذ العقوبة في أيام الأعياد الرسمية أو الأعياد الخاصة بديانة المحكوم عليه. أما بالنسبة للمرأة الحامل، فيحظر تنفيذ العقوبة عليها الى ما بعد شهرين من وضعها. ويحضر تنفيذ العقوبة أحد وكلاء النائب العام، الى جانب مأمور السجن، طبيب السجن أو طبيب آخر تنتدبه النيابة. ويحظر حضور أى شخص أخر التنفيذ الا باذن من النيابة العامة، ويجب أن يؤذن دائما للمدافع عن المحكوم عليه بالحضور[20]
 
نحو حصر عقوبة الاعدام في مصر في الجرائم الأشد خطورة وتطويقها بمزيد من الضمانات
في دراسة أصدرها المركز العربي لاستقلال القضاة والمحامين في عام 2011[21]، رفض 79.3% من العينة محل الدراسة الغاء عقوبة الاعدام من التشريع المصري. ويشير الدكتور عماد الفقي في دراسة اصدرتها المنظمة العربي للاصلاح الجنائي عام 2007[22] الى أن الفقهاء المصريين يجمعون على الابقاء على عقوبة الاعدام في التشريع المصري مع حصر نطاق تطبيقها بالجرائم الجسيمة أو الخطيرة والنص على ضمانات اجرائية لكفالة صحة ونزاهة الأحكام الصادرة.

والى جانب ذلك، فقد طالب المتظاهرون بعد ثورة 25 يناير بالقصاص من قتلى الثوار وعلى رأسهم الرئيس الأسبق مبارك، ووزير داخليته حبيب العادلي، وكذلك القصاص من المسؤولين على قتل الثوار وأحداث مصر خلال السنوات الماضية من بينها حادثة قتل مشجعين لفريق الأهلى في استاد بورسعيد عام 2012. وكل ما سبق يدلل على أن الغاء عقوبة الاعدام في مصر لا يحظى بتأييد شعبي ولا فقهي ولا حكومي.
وقد وجه مجلس حقوق الانسان لمصر في عام 2010 توصية قبلتها الحكومة المصرية بمراعاة استخدام عقوبة الاعدام للقواعد المكفولة بالقانون الدولي[23]. وقد نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 6 منه على "1-الحق في الحياة حق ملازم لكل انسان. وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا. 2-لا يجوز، في البلدان التي لم تلغ عقوبة الاعدام، أن يحكم بهذه العقوبة الا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقا للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد ولاتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها. ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة الا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة."
 
واستنادا الى ما عرضناه أعلاه حول الجرائم المنصوص على عقوبتها بالاعدام في القانون المصري، وتوسع المشرع المصري يوما بعد يوم في اقرار عقوبة الاعدام على جرائم تخرج ضد نطاق "الجرائم الأشد خطورة"، بل واقرارها على جرائم لها طابع سياسي، من الضرورة مراجعة التشريعات المصرية للابقاء فقط على عقوبة الاعدام على الجرائم الأشد خطورة مثل القتل العمد، مع زيادة الضمانات المقررة للنطق بالعقوبة.
ومن الضمانات المقترحة أن يتم اقرار التقاضي على درجتين في مواد الجنايات وخصوصا تلك التي يعاقب عليها بالاعدام؛ ففي مصر، يسمح فقط باستئناف الأحكام الصادرة في مواد الجنح، بينما لا يسمح بذلك في مواد الجنايات، ويكون الطعن في مواد الجنايات بالنقض فقط. وكما هو مستقر عليه، محكمة النقض هى محكمة قانون وليست محكمة موضوع، فهى اذا تراجع اجراءات التحقيق والمحاكمة، وتراجع مدى تطبيق محكمة الجنايات للقانون دون أن تتدخل في الموضوع نفسه. ولكن بما ان مواد الجنايات يحكم، عند ثبوت التهمة فيها، بعقوبات مقيدة للحرية، وفي بعض الحالات تكون العقوبة الاعدام، فانه يجب اعطاء فرصة ثانية للمحكوم عليه ليتم اعادة محاكمته أمام دائرة أخرى. أو أن يتم السماح لمحكمة النقض في القضايا المحكوم فيها باعدام المتهم أن تقوم بمراجعة الدعوى كاملة من حيث الموضوع وتطبيق القانون، وبذلك ترتفع نسبة فرص قبول الطعن على الحكم واعادة محاكمة المحكوم عليه[24].

كما يقترح البعض أنه اذا اعترف المتهم بارتكابه الجريمة، أن يتم عرضه على الطب الشرعي والنفسي للكشف عليه وبيان ما اذا كان تعرض لاكراه مادي أو معنوي[25] .  
 


[1] راجع "تقرير حول عقوبة الاعدام في مصر"، صادر عن المركز العربي لاستقلال القضاة والمحامين، 10-9-2012.
[2] راجع الدكتور عماد الفقي "عقوبة الاعدام في مصر (دراسة تشريعية، قضائية، ميدانية)"، دراسة صادرة عن المركز العربي لاستقلال القضاة والمحامين، عام 2006.
[3] راجع الدكتور عماد الفقي "عقوبة الاعدام في مصر (دراسة تشريعية، قضائية، ميدانية)"، دراسة صادرة عن المركز العربي لاستقلال القضاة والمحامين، عام 2011.
[4] راجع قانون العقوبات المصري المواد من 77 الى 85 أ.
[5] راجع قانون العقوبات المصري المواد من 86 الى 102 و.
[6] راجع نص مقترح القانون المنشور على موقع جريدة الشروق بتاريخ 3/4/2014.
[7] راجع "امعانا في الفشل في مكافحة الارهاب وفي احترام حقوق الانسان..قانونان لمكافحة الارهاب يفاقمان من جرائمه ويكرسان لحالة طواريء دائمة غير معلنة"، ورقة موقف مشتركة صادر عن 15 منظمة حقوقية بتاريخ 6/4/2014.
[8] راجع المادة 375 من قانون الاجراءات الجنائية، وحكم محكمة النقض الصادر يوم 5/2/1987.
[9] راجع محكمة النقض، الحكم الصادر في 7/5/2013.
[10] راجع محكمة النقض، الحكم الصادر في 9/1/1939.
[11] راجع محكمة النقض، الأحكام الصادرة في 9/1/1939، و21/5/1951.
[12] راجع محكمة النقضن الحكم الصادر بتاريخ 23/1/1986.
[13] راجع "المستشار الدكتور عبد الرحيم الكاشف"، "دليل قضائي للحد من تطبيق عقوبة الاعدام في الدول العربية"، صادر عن المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة في عام 2011.
[14] راجع محكمة النقض، الحكم الصادر بتاريخ 7/5/2013.
[15] راجع المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 المعدل بالقانون رقم 106 لسنة 1962 بشأن حالات واجراءات الطعن أمام محكمة النقض.
[16] راجع الدكتور عماد الفقي "عقوبة الاعدام في مصر (دراسة تشريعية، قضائية، ميدانية)"، دراسة صادرة عن المركز العربي لاستقلال القضاة والمحامين، عام 2011.
[17] راجع "فتوح الشاذلي"، "مطالعة في اتهام 529 متهما الى المفتي في مصر:المحاكمة العادلة صونا لكرامة القضاء"، نشر على الموقع الالكتروني للمفكرة القانونية بتاريخ 3-4-2014.
[18] راجع التقارير الصادرة عن منظمة العفو الدولية حول عقوبة الاعدام في العالم، تقارير عام 2009، 2010، و2011.
[19] راجع "عقوبة الاعدام في مصر"، تقرير عن بعثة تقصي الحقائق الدولية، صادر عن الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان، في ابريل/نيسان 2005.
[20] راجع المادة 474 من قانون الاجراءات الجنائية.
 [21]راجع الدكتور عماد الفقي "عقوبة الاعدام في مصر (دراسة تشريعية، قضائية، ميدانية)"، دراسة صادرة عن المركز العربي لاستقلال القضاة والمحامين، عام 2011.
[22] راجع "عقوبة الاعدام في الوطن العربي: دراسة حول عقوبة الاعدام في بعض الدول العربية"، صادر عن المنظمة العربية للاصلاح الجنائي عام 2007.
[23] راجع "مجلس حقوق الانسان الدولي يعتمد توصيات مراجعة الملف المصري:على الحكومة أن تشرع في التنفيذ الفوري لكافة التوصيات"، نشر على الموقع الالكتروني لمنظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بتاريخ 19-2-2010.
[24] راجع التقارير الصادرة عن المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة المذكورة في المراجع السابقة.
[25] راجع "المستشار الدكتور عبد الرحيم الكاشف"، "دليل قضائي للحد من تطبيق عقوبة الاعدام في الدول العربية"، صادر عن المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة في عام 2011. 
انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، مقالات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني