القضاء ينتفض في مواجهة التعدي على مؤسسات العدالة الانتقالية


2013-12-19    |   

القضاء ينتفض في مواجهة التعدي على مؤسسات العدالة الانتقالية

اصدرت الدائرة الاستعجالية السابعة عشر بالمحكمة الابتدائية بتونس يوم 18 ديسمبر 2013 حكما يقضى بوضع الارشيف الذي سبق وان احصته لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة تحت ادارة ثلاثة متصرفين قضائيين. وكلفت ذات المحكمة المتصرفين القضائيين بجرد جملة الوثائق ثم تسليمها لمؤسسة الارشيف الوطني. قدرت المحكمة صلب حكمها ان تعطل التركيز الفعلي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (التي حلت محل لجنة تقصي الحقائق بموجب المرسوم الاطاري عدد 120 لسنة 2011 مؤرخ في 14 نوفمبر 2011) جعل الوثائق التي كان يفترض ان تكون تحت تصرفها تتعرض لسوء الاستغلال في إطار يربط بين سوء ادارة المؤسسات المكلفة بالتعاطي مع تركة الحقبة الاستبدادية والكتاب الذي تم تداوله تحت عنوان "منظومة الدعاية في عهد بن علي الكتاب الاسود" وتولت دائرة الاعلام والتواصل برئاسة الجمهورية التونسية اعداده.

استند المدعي -وهو محام سبق له ان كان عضوا بلجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد -ومن بعده المحكمة التي جارته في طلبه الى المؤلف الذي صدر عن رئاسة الدولة التونسية وتضمن تشهيرا بإعلاميين وجامعيين تعاونوا مع مؤسسة الاتصال الخارجي التي كان يستعملها النظام الاستبدادي لتلميع صورته وتشويه خصومه لإقامة الدليل على ضرورة التدخل العاجل لمعالجة اثار تعطل مسار العدالة الانتقالية مؤسساتيا وتشريعيا منع استعمال ملف الفساد في اطر تخرج عن الضوابط القانونية. ويبدو بالتالي الحكم القضائي رغم ما قد يثار حول مدى احترامه لقواعد توزيع الاختصاص بين القضاء العدلي والاداري هاما على اعتبار أنه أتى ليؤكد للجهات الحكومية أن عدم تركيز الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد يعد خللا يفسر انحراف تعاطي مؤسسة رئاسة الجمهورية مع وثائق الفساد التي تمسكها.

وان كان الحكم القضائي ابتدائي الدرجة ويقبل الطعن بالاستئناف وسبق لمحكمة الاستئناف بتونس بتاريخ 12 مارس 2012 ان قضت بنقض حكم قضائي مماثل قضى بتعيين ثلاثة متصرفين قضائيين على ذات الوثائق لعيب الاختصاص الحكمي ويرجح ان يكون مآل الحكم الثاني مماثلا لمآل الحكم الاول لاشتراكهما في ذات العلة، فان ملابسات القرار القضائي اتت لتزيد من احراج مؤسسة رئاسة الجمهورية التي تخوض مواجهة مع المؤسسة القضائية على خلفية كتابها المثير للجدل. فلقد ورد الحكم بعد ان تلقت مؤسسة الرئاسة بتاريخ 11 ديسمبر 2013 امرا قضائيا صدر عن قاضي التحقيق بالمكتب الثاني عشر بالمحكمة الابتدائية بتونس يأمرها بعدم نشر المعطيات التي تتعلق بوكالة الاتصال القضائي لاعتبارها موضوع تحقيق قضائي بما يمنع قانونا تداولها.
حاولت رئاسة الجمهورية بمجرد تداول الاعلام المحلي لخبر الحكم القضائي نفي كل صلة لها بمضمونه. فأصدرت بلاغا تضمن ان الارشيف الذي يقصده الحكم ليس بحيازتها كما حاولت ذات المؤسسة نفي تهمة نشر الكتاب عنها فذكرت ان المؤلف لم يكن معدا للنشر وانما تم طبعه لتوزيعه بشكل محدود على مسؤولين بالدولة والمجلس الوطني التأسيسي، الا انه تمت سرقته من المطبعة الرسمية.
ادى تدخل القضاء في الجدل الذي يدور حول اصدار رئاسة الجمهورية لكتابها الاسود الى ارباك الرئاسة التي كفت عن التلويح بإصدار الجزء الثاني من كتابها بعد ان تبينت ان تعديها على اختصاصات قضاء التحقيق ومؤسسات العدالة الانتقالية خطأ يمكن ان يعرض رموزها للمتابعة القانونية. فيما كشف تعاطي القضاء مع المؤلف الرئاسي عن تطور الحس الاستقلالي داخل المؤسسة القضائية في سياق ينهي مفهوم الحصانات ويؤكد علوية القانون.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، تونس ، عدالة انتقالية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني