أدوار متعددة لوزارة العمل في تنظيم علاقات العمل: الحقوق عند اليسر… فقط؟


2019-08-07    |   

أدوار متعددة لوزارة العمل في تنظيم علاقات العمل: الحقوق عند اليسر… فقط؟

يعتبر بعض النقابيين المخضرمين أن دور وزارة العمل المخوّلة السهر على حقوق العمال ووضع السياسات الخاصة بقضايا العمل قد شهد تغيراً جذرياً بعد انتهاء الحرب في التسعينيّات. حمل هذا التأثر بصمات السياسات الاقتصادية والرؤى التي حملتها قوى السلطة للسياسات الاقتصادية في لبنان في جمهورية ما بعد الطائف. يستشهد أحد هؤلاء النقابيين بما حصل في أحد اجتماعات الإتحاد العمالي العام مع رئيس مجلس الوزراء الراحل رفيق الحريري في التسعينيّات بحضور مستشاره آنذاك فؤاد السنيورة. في خضم النقاش، قاطع السنيورة الجميع قائلاً: “لا أفهم لماذا في بلد مثل لبنان يجب أن يكون هناك صندوق للضمان الاجتماعي؟ هذه تقديمات مفروضة في دول غنية وليس في دول كلبنان”. يورد النقابي هذا المثل ليقول أن هذا التوجّه، مع غيره من أسس الرؤية الاقتصادية للبنان منذ ذلك الحين، يحكم كامل السلّة الحقوقية للأجراء (على اختلاف توصيفاتهم) لصالح أصحاب العمل. ومن دون الغوص في هذه السياسة وما تبعها من تخفيض لاشتراكات الضمان وتعميم التعاقد في مجال الوظيفة العامة، أعيد رسم دور وزارة العمل وتوجهاتها في التعاطي مع الشكاوى والوساطات وأداء مفوضي الحكومة، مندوبيها في مجالس العمل التحكيمية التي تبتّ في دعاوى العمل. تحاول “المفكرة” في هذا التحقيق تلمّس دور الوزارة وسياساتها في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية التي تحوّلت إلى شماعة لدى بعض أصحاب العمل لانتهاك حقوق العمال، ولدى الوزارة كوسيلة لتأمين فرص عمل.

أجراء يلجأون إلى وزارة العمل لحمايتهم من الصرف الاقتصادي

درجة الحرارة داخل مكاتب وزارة العمل تتخطى 30 درجة مئوية، فيما نقابي عتيق ينتظر أحد موظفي الوزارة لمراجعته في بعض قضايا العمال المنضوين في قطاعه النقابي. تمرّ ساعة من الزمن، فيتبلّل قميص النقابي بالعرق، بينما يسند ظهره إلى جدار الممر المؤدّي إلى مكتب الموظف، إذ لا غرفة انتظار ولا صالة تستقبل المواطنين الذين يقصدونه.

أخيراً، يحضر الموظف حاملاً ملفات فوق ملفات، يعتذر بلطف من النقابي المتبرّم من القيظ والإنتظار واقفاً على قدميه. يجيبه على أسئلته ويطلب أوراقاً إضافية يضمّها إلى الملف. ما أن يغادر النقابي حتى يحين دور الموظف بالتشكّي: “كيف لي أن أقوم بكل المهام الملقاة على عاتقي؟” يقول وهو يدور بنظره في المكتب الذي يتّسع لمكتبين مع مكتبه “لازم يكون معي موظفيّن في هذا القلم، وأنا لوحدي وممنوع التوظيف، أوقات ما بعود إستوعب”. ليس هذا فحسب بل تم تكليف الموظف نفسه بمسؤولية أحد الموظفين الذين أحيلوا إلى التقاعد “كأنه أنا ملحّق ع شغلي حتى إشتغل شغل غيري”.

في مكتبٍ ثانٍ في وزارة العمل، يخرج أحد الأجراء المصروفين حديثاً من إحدى الشركات وهو بالكاد يتمالك نفسه عن خوض شجار مع الموظفة المسؤولة. قدّم وزملاؤه المصروفون معه، شكوى صرف تعسّفي قبل ثلاثة أشهر ونصف الشهر. ومع ذلك، لم تبلغ الوزارة صاحب العمل بالشكوى بعد.

يقول الأجير الذي أسمى نفسه سامر مبرراً ذلك بأنه أب لأربعة أولاد: “بعدنا عم نتفاوض مع صاحب الشركة”. يعمل “سامر” في شركة تعود لاقتصادي معروف وهو شقيق أحد أبرز وجوه الهيئات الاقتصادية في البلاد. قرر صاحب الشركة إقفالها سنداً للفقرة “واو” من المادة 50 من قانون العمل (التي تسمح لصاحب العمل “إنهاء بعض أو كافة عقود العمل في المؤسسة إذا إقتضت قوة قاهرة أو ظروف إقتصادية أو فنية”) احتيالاً على القانون وفق “سامر”. ويبرر الأخير فرضية التحايل بأنّ صاحب العمل “فتح شركة ثانية تحت مسمى آخر في منطقة مختلفة، ولكنها في النهاية ستقدم الخدمات نفسها”، وكل ذلك ليصرف أجراءه الذين عمل بعضهم لديه ما بين 15 إلى 20 عاماً وما فوق. ويضيف “يريد أن يقدم الخدمات بالتعاقد مع “معلّمين” لكي لا يتحمّل كلفة تشغيلهم والضمان الاجتماعي ورسوم تعويض نهاية الخدمة والضرائب الأخرى”.

يقول “سامر” إن أوضاع الشركة بألف خير “الشغل متل النار ومش عم نلحق ورش”. ولكن لدى صاحب الشركة “موال براسه” ليتهرّب من الضرائب. “ما بقى فيي للضرايب” قال لهم. قبل عام من اليوم، توقف عن دفع ساعات العمل الإضافي. “كان يشغلنا للعشرة بالليل ويقلنا بدي حارب فيكم حتى ضل فاتح مصدر رزقي ورزقكم”. اشتغل “سامر” وزملاؤه الخمسون بروحية التضحية لاستمرار العمل: “قلنا ما في أشغال وفي بيناتنا خبز وملح”. بدأ صاحب الشركة بصرفهم على دفعات: أجير أو أجيرين، وصولاً إلى سبعة أجراء، من فترة لأخرى “حتى يشرذمنا وما نوقف وقفة وحدة”، وفي النهاية، أعلن قبل أربعة أشهر إقفال الشركة.

يجيز قانون العمل لصاحب العمل إنهاء عقود أجرائه ولكن ضمن ضوابط معينة وبعد منحهم مستحقاتهم والتعويض لهم عن الصرف. وفي حال كان الصرف لأسباب إقتصادية، عليه أن يبلغ وزارة العمل رغبته في إنهاء عقود أجرائه قبل شهر من تنفيذه، وعليه أن يتشاور معها لوضع برنامج نهائي لذلك الإنهاء تُراعى فيه أقدمية العمّال في المؤسسة واختصاصهم وأعمارهم ووضعهم العائلي والإجتماعي وأخيراً الوسائل اللازمة لإعادة استخدامهم. هذه الحقوق تغرق الآن “في بطن صاحب العمل”، يشرح “سامر”، إذ أنه لم يصرّح للضمان الاجتماعي عن القيمة الحقيقية لراتب أي من موظفيه الذين يبلغ عدد من بقي منهم حتى النهاية نحو عشرين عاملاً.

فراتب “سامر” مثلاً يبلغ 1200 دولار أميركي، بينما صرّح صاحب العمل للضمان أنه يقبض الحد الأدنى للأجور “يعني أنا بقبض 14 سنة خدمة ع أساس الحد الأدنى”، يقول بأسى بالغ “وكل زملائي في الوضع نفسه مع أن رواتب بعضهم تلامس 1500 دولار”. قال لهم “ما تحملوا هم أنا بتحمّل فرق الضمان”، فقرروا عدم تقديم الشكوى ضدّه بداية. 14 عاماً انتهت في حسابات صاحب العمل بمليون ونصف مليون ليرة لبنانية فقد أبلغ سامر “بدفع لك مليون ونص والباقي بتاخده من الضمان”.

ومع ذلك، يعتبر “سامر” نفسه محظوظاً مقارنة بزميله ميشال الذي تسبّب حادث عمل قبل سبع سنوات بقطع أصابع يده اليمنى. يومها لم يعوّض صاحب الشركة زميل “سامر” بأي شيء “بل منّنه بأنه استمر بتشغيله رغم بتر أصابعه”. اليوم صُرف ميشال مع سائر زملاء “سامر” ولم يمنحه صاحب العمل سوى ثلاثة ملايين ليرة اعتبرها تعويضاً وفرق ضمان كونه يصرح عنه بالحد الأدنى للأجور أيضاً، فيما يبلغ راتب ميشال الشهري 1400 دولار.

ومن بين 20 عاملاً مصروفاً بسبب تذرّع صاحب العمل بالوضع الاقتصادي والإفلاس، قرر خمسة عمال فقط حفظ حقهم بالإدعاء لدى مجلس العمل التحكيمي. ولكن طريقة التعاطي مع شكواهم في وزارة العمل حيث مرت ثلاثة أشهر ولم يتم تبليغ صاحب العمل حتى، إضافة إلى المدة المعروفة التي تستغرقها الدعاوى في مجالس العمل التحكيمية قبل صدور الحكم، دفعت بمعظم المصروفين، وفق “سامر”، إلى عقد تسويات مجحفة بحقهم مع صاحب العمل “وميشال، صاحب الأصابع المقطوعة من بين هؤلاء”.

“أغلبنا صرنا بعمر ما بقى حدا يشغلنا، وكمان في بطالة عالية بالبلد وما في شغل” يقول “سامر” مبرراً لزملائه الذين عقدوا اتفاقات مجحفة مع صاحب العمل “الناس ما معها تطعمي أولادها، وما بتقدر تنتظر سنين، هيانا قدمنا الشكوى من 3 أشهر وما حدا حركها” يقول بأسف.

حين يغلب دور الوزارة بالتشاور بشأن الصرف الاقتصادي

تحدد المادة 26 من المرسوم 2865/1959 والمعدّلة بموجب المرسوم 79999/2002 والمتعلق بتنظيم عمل وزارة العمل، مهام الأخيرة بالنسبة للنزاعات بين العمال وأصحاب العمل. ووفق بعض بنودها، تتولّى الوزارة ما يلي:

  • السهر على تطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بالعمل ووقاية العمال وذلك بإجراء التفتيش الدوري على المؤسسات والمصانع.
  • توجيه الإنذارات وتنظيم محاضر الضبط بالمخالفات عند الاقتضاء.
  • العمل على تحسين العلاقات بين أصحاب العمل والأجراء.
  • إبداء النّصح والإرشاد لتأمين السلامة والوقاية في العمل بجميع الوسائل المتوفرة.
  • التحقيق في الخلافات الفردية التي تكون موضوع شكوى بين أصحاب العمل والأجراء والسعي إلى إنهائها بتسوية.
  • وطبعاً، انتداب مفوضي حكومة يمثلون الوزارة في مجالس العمل التحكيمية.

تقول رئيسة مصلحة العمل والعلاقات المهنية في وزارة العمل، مارلين عطالله لـ”المفكرة” إن القانون واضح في ما يتعلق بالوساطات التي تقودها الوزارة بين أصحاب العمل والعمال، وينصّ على التعويض ما بين شهرين إلى 12 شهراً، وهو الحد الأقصى للتعويض، وذلك وفق ظروف كل قضية. “ندرس الوضع العائلي للأجير، مهمامه وكيفيتها، ووضعه الصحي”، تقول. وتشير إلى أن الشركات تأتي إلى الوساطة و”وضعها تعبان أيضاً، وقليل منها من يعطي 12 شهراً”. وعليه تتراوح التسويات ما بين 6 و8 أشهر، و”هو المعدل الوسطي للتعويضات حتى في المحاكم كذلك، لأنه في ظل الوضع الإقتصادي الحالي بدنا نراعي وضع الشركات أيضاً، وبعضها غير قادر على الإستمرار في الوضع الحالي”، وفق ما ترى عطالله.

وتذكّر بأنّ وساطة الوزارة غير ملزمة: “في الوساطة تعطي الشركة بعض الحقوق ويتناول الأجير بعض الشيء، أفضل من انتظار مجالس العمل التحكيمية”. وتعطي مثلاً عن قضية صرف عمال شركة “تي أل سي” التي أشهرت إفلاسها ولم تحصل تسوية أو مصالحة وذهب كل العمال إلى القضاء”. وترى أن هامش تحصيل الكثير من الحقوق للعمال يضيق أكثر فأكثر مع تدهور الوضع الاقتصادي: “في السنوات الخمس الأخيرة، أصبحت غالبية دعاوى الصرف لأسباب اقتصادية، ويزيد عدد الشركات التي تقفل أو تخفف من موظفيها لهذا السبب عاماً بعد عام، خلافاً للسابق حيث كان هناك أسباب مختلفة للصرف”. وتقول أرقام مصلحة العمل والعلاقات المهنية أن عدد طلبات التشاور لإنهاء عقود عمل لذرائع إقتصادية بلغ في 2018 108 طلبات، فيما بلغ اليوم في 2019 حتى الآن 57 طلباً للتشاور. في المقابل، بلغت الشكاوى الجماعية في 2018 ما مجموعه نحو 51 شكوى، فيما بلغت في النصف الأول من 2019 41 شكوى. وقادت الوزارة وساطتين فقط في 2018، وحققت في 1793 شكوى عمالية فردية وفي 42 دعوى عمل فقط في السنة عينها. ومعظم هذه الدعاوى تتصل بالصرف الحاصل على أساس المادة 50 فقرة “واو”، وفق عطالله.

ولكن ماذا تفعل الوزراة لتتأكد من عدم تحايل الشركات؟ إذ يحصل أن تعلن شركة إفلاسها بينما يمتلك صاحبها عقارات وأموالاً وشركات أخرى؟

تقول عطالله إن لأي شركة شخصية معنوية وقانونية مستقلة وتتم المحاسبة وفق وضع الشركة نفسها: “يعني ما بقدر قول لصاحب الشركة روح بيع عقاراتك لتدفع للعمال إذا كانت الشركة مفلسة”. وتشير إلى ميل العديد من الشركات إلى عدم استكمال الوساطة “بيقولوا ما منقدر ندفع خليهم يروحوا على القضاء”. وبما أن الدعاوى تستغرق نحو ثلاث سنوات أو أكثر في مجالس العمل التحكيمية (وهو أمر وثقته دراسة المفكرة القانونية بشأن عمل المجالس سنة 2018[1])، فإن قلة من الموظفين تأخذ المخاطرة وتستطيع المضي بالدعاوى القضائية بسبب الحاجة والخوف من الأحكام ومدى تحصيلها لحقوق العمال وما إذا كان سيتم إلزام الشركة بدفع تعويضاتهم أم لا.

ومع اللجوء السوري في السنوات الأخيرة إلى لبنان، كثُرت قضايا صرف الموظفين من قبل منظمات المجتمع المدني “لدى هؤلاء عقود عمل تنتهي مع انتهاء التمويل لمشاريع تخصّ السوريين. لذا تتقدم المنظمات بطلبات التشاور إلى الوزارة ونحن لا نعتبرها صرفاً تعسفياً بسبب نفاذ التمويل”. وعلى أمل حصولها على تمويل إضافي، تشترط الوزارة على المنظمات “تشغيل الموظفين أنفسهم مجدداً في هذه الحال”. ولكن هل لدى الوزارة آلية لمتابعة التزام هذه المنظمات مع موظفيها المصروفين؟ تقول عطالله “إذا عاد موظف واشتكى نتابع الوضع”.

هنا يلعب عدد المفتشين وموظفي الوزارة المتوفرين دوره ” لدينا نحو 35 مفتشاً (لكل لبنان) من بينهم الأطباء والمهندسين بينما نحن بحاجة إلى أكثر من مئة مفتش لنتمكن من القيام بكل ما يتوجب علينا، ومع ذلك نعمل بأقصى طاقاتنا”. حتى المتوفر من المفتشين “يتم تكليفهم بمهام إدارية بالإضافة إلى مهامهم”، وفق عطالله.

مفوضو الحكومة في مجالس العمل التحكيمية:

هل يعيد تدخلهم بعض التوازن لعلاقات العمل؟

يشارك مفوضو الحكومة في مجالس العمل التحكيمية وهم يبدون مطالعاتهم في مجمل المنازعات من وحي اجتهادهم ولكن أيضاً توجيهات وزارة العمل. وعليه، لا تختتم المحاكمة إلا بعد ورود هذه المطالعات وتمكين الفرقاء من التعليق عليها، وهو الأمر الذي يؤدي عملياً إلى تمديد دعاوى العمل (المفترض بتّها في غضون ثلاثة أشهر) لأشهر عديدة. من هنا، كان من المهم أن نتساءل عن دور مفوضي الحكومة. هل هو دور أساسي لضمان حسن تطبيق قانون العمل، وتحديداً هل يسهم (كما يفترض بقانون العمل أن يفعل) في إعادة بعض التوازن إلى العلاقات المختلّة بين أصحاب العمل والأجراء؟

اختلف تقييم من استمعنا إليهم لأداء هؤلاء وبخاصة لجهة حماية حقوق العمال.

أحد من استمعنا إلى آرائهم هو عصام ريدان (نقابي وممثل سابق في أحد مجالس العمل التحكيمية وموظف حالي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي). يعزو ريدان تراجع الدور الحمائي لمفوضي الحكومة إلى السياسة الرسمية لوزارة العمل، والتي غالباً ما تولي المقام الأول لمراعاة مصالح أصحاب العمل والتخفيف من الأعباء العمالية عليهم. “يمكننا تلمّس سعي دائم لتوفير راحة أصحاب المؤسسات وأرباب العمل الذين يعتبرونهم ولادّي فرص العمل ومؤمني استمراريتها”.

ويرصد ريدان صبغة مشتركة تطبع مطالعات مفوضي الحكومة “يتوقفون عند الشكليات بما يصبّ في مصلحة أصحاب المؤسسات ولتخسير العمال حقوقهم. مثلاً إذا طالب ممثلو العمال باعتبار الصرف اقتصادياً، فإنهم يدققون إذا ما كان العامل قد أخطأ وتخطّى مدة الشهر قبل أن يتشكّى في مجلس العمل التحكيمي لحفظ حقه بينما يخوض مفاوضات الوساطة في وزارة العمل”. وهنا يتخطّى بعض مفوّضي الحكومة روحية القانون الذي ينصّ صراحة على ضرورة تفسير مواده لصالح العامل بوصفه الحلقة الأضعف في عملية الإنتاج. وعليه، يجب إعلام العامل فور بدء الوساطة بضرورة تقديم شكوى لحفظ حقه في دعوى قضائية “وهو ما لا يحصل دائماً. ويردف ريدان في هذا الصدد بأن “معظم الدعاوى التي تم ردها في مجالس العمل التحكيمية سببها عدم معرفة العامل بضرورة عدم تخطيه المهلة القانونية لرفع الدعوى قبل مرور الشهر، وكلها دعاوى مرت بوساطات في وزارة العمل”، وفق ما يقول، ليحمّل الأخيرة مسؤولياتها في الموضوع. أما إذا كانت القضية “مفضوحة”، أي “فيها انتهاك فاضح لحقوق العمال، يتّجه مفوّض الحكومة إلى مسك العصا من منتصفها ليوجّه مآل الدعوى نحو مصالحة ولتخفيف حقوق الأجير لصالح صاحب العمل، مستفيداً من حقيقة أن القانون مطاط (مغّيطة) في موضوع التعويض على الصرف التعسفي والمدى الموجود بين شهرين إلى 12 شهراً”.

ويزيد تأثير دور وزارة العمل وبخاصة في مجال توعية العمال إلى حقوقهم والإجراءات الواجبة لحفظها، في ظل تدني نسبة المنتسبين إلى النقابات في لبنان والتي تراوح بين 5 و7% من الأجراء اللبنانيين البالغ عددهم 750 ألف عامل/ة، وهي نسبة ضئيلة جداً. وعليه، لا يبلغ عدد المنتسبين للنقابات في لبنان أكثر من 40 إلى 50 ألف عامل كحد أقصى من بينهم 17 ألف عامل في المصالح المستقلة والمؤسسات العامة.

ويرى ريدان أنه في حال كان القاضي “قبضاي فما بيرد على مفوض الحكومة، وهذا يحصل إذا كان للقاضي خبرة في قضايا العمل”. وكذلك يجب أن يكون القاضي قوياً أيضاً وغير مهتم بما يمكن أن يحصل في حال عدم مجاراة سياسة مفوضي الحكومة ووزارة العمل من ورائهم “بيسعوا لتغييره، أو ما بيتقدم، وذلك عبر التمني على وزير العدل تسمية غيره في التعيينات المقبلة”. ويلفت إلى دور خبرة القاضي في قضايا العمل “يعني إذا قاضي جديد وما عنده خبرة سيتوجه إلى مفوض الحكومة، إبن دولته، ليستشيره، وغالباً ما يكون هؤلاء ممسكين باللعبة كلها في يدهم”.

يقارن ريدان ما يحصل حالياً بمرحلة السبعينيّات حيث “العصر الذهبي للنقابات، كانوا ينرعبوا من ممثلي العمال ومن رد فعل النقابات في الشارع، وكان في قوى حريصة على حقوق العمال”. اليوم يتذرّعون لمراعاة أصحاب العمل بنسب البطالة التي ارتفعت من 18% إلى 28% بين القوى العاملة بينما تلامس 40% بين الشباب، وفق الأرقام التي تتداولها النقابات، كون وزارة العمل ترى في المؤسسات ولّادة وظائف.

هذا الكلام ترفضه عطالله مؤكدة أن مفوضي الحكومة في مجالس العمل التحكيمية يعملون وفق روحية قانون العمل والإتفاقيات الدولية التي صدّق عليها لبنان، وهي نفسها توجيهات الوزارة للمفوّضين من قبلها. وتنفي عطالله أن يكون هناك توجيهات خطّية للمفوضين، فكل مفوض حكومي يضع مطالعة تمثل رأي الدولة في كل قضايا مجالس العمل التحكيمية. أما “إذا تناهى للمدير العام لوزارة العمل وجود تباين في وجهات النظر بين مفوضي الحكومة، فإنه يدعوهم إلى اجتماع تشاوري ويؤخذ برأي جهة قانونية في الموضوع المطروح، ويُطلب من مفوضي الحكومة التقيّد بوجهة النظر القانونية التي تمثل رأي الدولة ووزارة العمل”.

أما إذا لاحظ مفوضو الحكومة أن أحكام قضاة مجلس العمل “تحمل توجهاً يخالف نقطة قانونية ما، فإنه يقوم بتبليغ المدير العام أو وزير العمل وعندها يصار إلى تمييز الحكم من قبل الوزارة ضمن الأطر القانونية المحلية والإتفاقيات الدولية المصادق عليها”، وفق عطالله.

في ظل هذا الوضع، يشدد بعض النقابيين على ضرورة أخذ صلاحيات التوسّع في التحقيقات في مجالس العمل التحكيمية من مفوضي الحكومة ومنحها للمحكمة “لأن السياسة الرسمية التي ينفذها المفوضون الحكوميون تراعي أصحاب العمل والإقتصاد الريعي وفكرة الجنة الضريبية وليس حقوق العمال”.

  • نشر هذا المقال في العدد | 61 |  تموز 2019، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

ليس بالوطنية وحدها تحمى العمالة

 


[1]  يمكن مراجعة الدراسة على موقع المفكرة القانونية الإلكتروني.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، استقلال القضاء ، مجلة لبنان ، لبنان ، حراكات اجتماعية ، حقوق العمال والنقابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني