بيان ل “مواطنين مسيحيين” ردا على خطاب الكراهية ورفض الآخر: كنا ننتظر أن نسمع صوت الكنيسة في وجه الظلم، لا أن تنساق وراء مشاعر غرائزية


2019-08-06    |   

بيان ل “مواطنين مسيحيين” ردا على خطاب الكراهية ورفض الآخر: كنا ننتظر أن نسمع صوت الكنيسة في وجه الظلم، لا أن تنساق وراء مشاعر غرائزية

بعد خطاب اللاتسامح والكراهية الذي طغى على المشهد العام في لبنان على مدى الأسبوعين الأخيرين، والتهديدات المباشرة التي طالت أعضاء فرقة “مشروع ليلى”، وصولاً إلى إلغاء حفلتهم التي كانت مقررة في 9 آب 2019 ضمن مهرجانات بيبلوس الدولية، أصدرت مجموعة من المواطنات والمواطنين المسحيين بيانا يوم الجمعة الماضي، تم نشره على موقع “المدن” الإخباري. يتميز هذا البيان ألذي يأتي بمثابة خطاب مضاد عن التسامح في وجه اللاتسامح، من زوايا ثلاث:

  • الأولى، أن البيان يشكل موقفا حازما من داخل الأوساط المسيحية يهدف إلى رفض خطاب الكراهية واللاتسامح باسم احترام المعتقدات المسيحية، على أساس “أنّ السيّد المسيح أظهر بما لا يقبل الجدل “أنّ الله يحترم حرّيّة الفكر وحرّيّة الفعل عند الإنسان، حتّى ولو كانت تؤدّي إلى رفض الإنسان لله”، و”أن الشهادة المسيحيّة ترى في كل إنسان أيقونة حيّة للسيّد المسيح، والتي تمتاز بمحبّة أيّ إنسان”.
  • الثانية، أن البيان شكل نقدا لخطاب القيادات الكنسية، بما تقوله أو تصمت عنه. فبعدما أعاب البيان على الكنيسة صمتها المريب إزاء الظلم وإفقار المواطنين تبعا نهب المال العام وقمع الحريات والدعوات العنصرية بحق اللاجئين والنازحين من فلسطينيين وسوريين والبيدوفيليا داخلها، رفض البيان أن لا يعلو صوت الكنيسة إلا في شأن طائفيّ أو في شأن “المشاعر الدينيّة”. ويلحظ أن البيان يتدرج فيما بعد ليصل حدّ تحميل الكنيسة، وبخاصة اللجنة الأسقفية، مسؤولية الانسياق وراء مشاعر دينيّة انفعاليّة وغرائزية والاشتراك في تفلت الانفعالات أو تبريرها، وضمنا مسؤولية المسّ بأي من أعضاء فرقة مشروع ليلى.
  • الثالثة، أن البيان الصادر عن مواطنات ومواطنين يعرفون عن أنفسهم بأنهم مسيحيون، يشكل مساهمة هامة في توضيح حقيقة المعركة الحاصلة تبعا لمنع حفل مشروع ليلى. فالمعركة ليست بين أشخاص متدينين وغير متدينين، إنما هي في الأساس معركة بين المدافعين عن الصالح العام وبشكل أعمّ المجتمع، والآخرين الذين لا يجدون حرجا في التضحية بالصالح العام توخيا لمصالح فئوية هنا وهنالك. من هذه الزاوية جاءت دعوتهم الموجهة لجميع المواطنين “إلى الاهتمام بالخير المشترك والعمل من أجله” مماثلة للدعوة التي كانت “المفكرة” وجهتها في بيانها المؤرخ في 24/7/2019 للجميع للاتحاد في معارك الدفاع عن المجتمع. وقد جاء في بيان “المفكرة”: “إننا نرفض أن ننجر إلى معركة مفتوحة بين مؤمنين وملحدين أو بين ليبراليين ومحافظين، لقناعة راسخة منا أن افتعال هذه المعارك من قبل بعض الطامحين سياسيا أو دينيا ما هو إلا فخ لحجب القضايا الاجتماعية الأساسية، من قضايا فساد وتدمير بيئي ونهب منظم واستغلال اقتصادي”.

نحن مجموعة من المواطنات والمواطنين المسيحيّين في لبنان نؤمن بضرورة قيام دولة مدنيّة لاطائفيّة مبنيّة على أساس المواطنة.

قام مؤخّراً جدلٌ حول محتوى أغنيات إحدى الفرق الموسيقيّة في لبنان ومدى خدشه “للشعور الدينيّ” وتهكّمه على رموز الدين المسيحيّ ومعتقداته. وتصاعدت دعوات إلى منع الفرقة من المشاركة في مهرجانات بيبلوس، وتهجّم البعض كلاماً على أعضاء الفرقة، وبلغ البعض الآخر حدّ الدعوة الصريحة إلى العنف وإيقاف الحفل بالقوّة، مع ما يُبطن ذلك من تهديد بإراقة الدماء. ولم يتدخّل المركز الكاثوليكيّ للإعلام في الموضوع وعدد من الكهنة الأرثوذكس وأخيراً اللجنة الأسقفيّة المارونيّة إلاّ للتشديد على رفضهم المسّ بالشعائر والمشاعر الدينيّة، ودعوة “الأجهزة المختصّة” إلى وقف الحفلة. وقد جاء أخيرًا قرار لجنة مهرجانات بيبلوس القاضي بإيقاف حفلة الفرقة المعنيّة “منعا لإراقة الدماء” كما ورد في بيانها، ليشكّل نصرًا لفكرٍ غوغائيّ إقصائيّ لا يأنف الاعتداءات الدمويّة باسم السيّد المسيح الذي تميّز بوداعته ونبذه العنف.

لقد راعتنا ردود الفعل هذه، ولا سيّما تلك التي صدرت عن قيادات كنسيّة. فإن كانت الكنيسة تريد أن تكون بالفعل شاهدةً للسيّد المسيح، كنّا ننتظر منها أن تدعم الحرّيّات والكرامة الإنسانيّة وتشجّع على الإبداع والخلق، عوضًا من أن تعود بنا إلى زمن محاكم التفتيش. كنّا ننتظر أن نسمع صوتها الأخلاقيّ والشجاع في وجه الظلم في المنطقة. كان الأجدر بها أن تناهض قمع الحرّيّات والظلم عوضاً من الصمت المريب عمّا حصل ويحصل في لبنان وحوله، وأن تقف مع الفقراء في وجه نهب المال العامّ. ولقد كان الأجدر بها أن تهتمّ بحماية أبنائها وبناتها من الاعتداءات الجنسيّة على يد رجال دين وتدعم تطبيق القوانين، وأن تدين الدعوات العنصريّة التي تتردّد أصداؤها منذ سنوات في حقّ العمّال الأجانب كما في حقّ النازحين واللاجئين من فلسطينيّين وسوريّين، وأن تتضامن بشكل فعليّ مع الشعب الفلسطينيّ. نرفض أن يعلو صوت الكنيسة حصراً في شأن طائفيّ أو في شأن “المشاعر الدينيّة”.

يهمّنا كمواطنات ومواطنين مسيحيّين أن نؤكّد الآتي:

١- نعتقد بأنّ السيّد المسيح أظهر بما لا يقبل الجدل أنّ الله يحترم حرّيّة الفكر وحرّيّة الفعل عند الإنسان، حتّى ولو كانت تؤدّي إلى رفض الإنسان لله.

٢- إنّ الحفاظ على حرّيّة الرأي والمعتقد أمر لا يتجزّأ. لذا، لا يمكن طلب حرّيّة الرأي للمؤمنين ومنعها عن غير المؤمنين، أو منعها عن الفنّانين الذين يتوسّلون أشكال التعبير الفنّي لدعم المعتقدات أو نقدها؛ مع ما قد يتضمّنه ذلك من تهكّم، فالتهكّم جزء من بعض الأعمال الفنّية وقد يحمل نقداً مفيداً إن أصغى إليه المؤمن الصادق.

3- إنّ ما يثير الاستغراب هو هذا الخوف الذي يبديه المسؤولون من أثر النقد والتهكّم (حتّى ولو كان فيه إسفاف) على قناعات الإيمان المسيحيّ. ويصل بيان اللجنة الأسقفيّة إلى حدّ التعبير عن الاعتقاد أنّ المسّ بالشعائر الدينيّة يشكّل “خطراً على المجتمعات وتهديداً للسلم الاهليّ”. أمام دعوات العنف التي ملأت صفحات التواصل الاجتماعيّ، كان من واجب القيادات الدينيّة الوقوف ضدّها بلا لبس وضدّ التعرّض لأعضاء الفرقة، وإبداء الحميّة في الدفاع عن حياة أعضاء الفرقة المهدّدة، لا الانسياق وراء مشاعر دينيّة انفعاليّة وغرائزية.

4- نعتبر إنّ دور القيادات الدينيّة، المؤتمنة على الرعيّة، هو ضبط الانفعالات عوضاً من تأجيجها وإعطائها طابعاً شرعيّاً. فالقانون المدنيّ والجزائيّ يعاقب على العنف وعلى الدعوة إلى العنف وعلى التهديد بالإيذاء. إنّنا نعتبر أنّ أيّ مسّ بأعضاء الفرقة هو أيضاً من مسؤوليّة القيادات الدينيّة إن هي شاركت في تفلّت الانفعالات أو تبريرها.

5- إنّنا ندعو الإخوة المسيحيّين في لبنان إلى التحلّي بالعقلانيّة وشجاعة الشهادة المسيحيّة التي ترى في كل إنسان أيقونة حيّة للسيّد المسيح، والتي تمتاز بمحبّة أيّ إنسان.

6- أخيرا، نودّ أن نذكّر بأنّ أوضاع الفقر والانهيار الاقتصاديّ التي وصلت إليها بلادنا، والتضييق على حرّيّة نقد السلطات السياسيّة، والطائفيّة التي تقسّم البلاد وتسمح بنهبها، كلّ هذه هي أمور مناقضة لكرامة الإنسان وحرّيّته. لذلك ندعو كلّ مواطن لبنانيّ إلى الاهتمام بالخير المشترك والعمل من أجله.

الموقّعات والموقّعون أدناه (بالأحرف الأبجديّة):

هبة أبو الروس (مهندسة داخليّة)، وليد أبو حمد (طبيب)، بيير أبو خليل (طبيب)، نيقولا أبو مراد (أستاذ كتاب مقدّس)، سيلفي أفاكيان (أستاذة جامعيّة)، نعمه أميوني (إدارة أعمال)، غسّان أنطون (أستاذ ثانوي)، جورج أيوب (إدارة أعمال)، رنا الياس (مديرة تنفيذيّة)، اسكندر بندلي (مهندس)، غسان بندلي  (إدارة ومعلوماتية)، جورج الحاج (باحث في اللاهوت والتاريخ)، طوني حافظ (إقتصادي)، ميشال حجي جورجيو (صحافي)، مروان حرب (أستاذ جامعي)، خليل حلو (جنرال متقاعد)، حنّا حيدر (أستاذ جامعي)، زينة حيدر (طبيبة)، غادة حيدر (مترجمة)، ساري الخازن (مهندس)، ملكار الخوري (صحافي)، اسبرانس دبس لوقا (أستاذة جامعيّة)، فؤاد دهان (مهندس بيئي)، جوسلين الديري (إدارة أعمال)، شربل روحانا (مؤلف موسيقي)، هيفا روحانا  (مهندسة)، فارس سعيد (طبيب)، مجدي سمّوري (طبيب)، نورما شاهين (صحافية)، باميلا شرابية (باحثة وفنّانة)، إلهام صوايا (علم إجتماع)، أنجيلا عقل (إدارة تكنولوجيا)، ريمون غالب (مع تحفّظ) (فنّ تشكيلي)، ألين فرح (إدارة أعمال)، أنطوان قربان (مع تحفّظ) (أستاذ جامعي)، إيلي قصيفي (صحافي)، أسعد قطّان (أستاذ جامعي)، نجيب كوتيا (مهندس)، سعد كيوان (صحافي)، نيقولا لوقا (أستاذ جامعي)، خريستو المر (أستاذ جامعي)، سندرا نجيم (صحافيّة)، نصري نحاس (رئيس تنفيذّي)، ميشال نصير (لاهوتي)، شنتال ينّية (تربية وإدارة)

يمكنك المشاركة بالتوقيع الإلكتروني على الرابط التالي

مقالات ذات صلة:

·كلمة الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب: أول حقوق الإنسان، مكافحة اللاتسامح والكراهية

·بيان للمنظمات الحقوقية الموقعة والداعمة لإخبار 30 تموز : أول حقوق الإنسان، مكافحة اللاتسامح والكراهية

·مارسيل خليفة من المفكرة: أين وجه المسيح في “محاكم التفتيش”، لم أجده

·11 منظمة مدنية تطالب القضاء بالتحرك ضد إهدار الدم: لكي لا يتكرر ما حصل مع مشروع ليلى

·بيان فرقة “مشروع ليلى” بشأن إلغاء حفل بيبلوس

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني