أشغال المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب: لماذا تراجع الشفافية؟


2019-08-02    |   

أشغال المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب: لماذا تراجع الشفافية؟

بعد انتظار طويل، أعلن المجلس الأعلى للسلطة القضائية عن نتائج اجتماعاته برسم دورة يناير 2019، والتي اتصلت بالأساس بتعيين قضاة جدد (الفوج 42 من الملحقين القضائيين)، وتحديد مناصب قضائية لقضاة على إثر ترقيتهم، والبت في طلبات انتقال القضاة، وتكليف قضاة آخرين في الدرجة الثانية، وتغيير مناصب قضائية لقضاة موجودين في وضعية إلحاق أو رهن الإشارة.

نشر نتائج أشغال المجلس في فضاء خاص بالقضاة

أول ملاحظة يمكن إبداؤها بخصوص نتائج أشغال المجلس الأعلى للسلطة القضائية، هو أنها نشرت في فضاء خاص بالقضاة، لا يمكن الولوج إليه بالنسبة للعموم، وهو ما يثير أكثر من سؤال حول أسباب هذا التقليد الجديد الذي سنّه المجلس[1].

فبعدما كانت استجابت وزارة العدل سابقا لمطلب متكرر للجمعيات المهنية القضائية بإقرار مزيد من الشفافية والرقابة على أعمال هذه المؤسسة الدستورية بحيث قامت بنشر جميع أشغال المجلس في موقعها الرسمي المتاح للعموم، اختار المجلس الأعلى للسلطة القضائية، التراجع عن هذا المكسب، وتخصيص فضاء خاص بموقعه الرسمي لنشر نتائج المجلس، وكأن الأمر يتعلق بشأن مهني محض لا يهم إلا القضاة، علما بأن اللوائح المنشورة في هذا الموقع لا تحتوي على أي عنصر تستلزمه حماية المعطيات الشخصية.

غياب نتائج التأديبات

بحسب جدول أعمال دورة كانون الثاني للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، يلاحظ أنها احتوت على محور التأديبات، إلا أن نتائج أشغال هذه الدورة خلت من أي اشارة إلى مآل هذه الملفات التأديبية للقضاة.

وفي هذا الصدد، لا بدّ من التذكير أنه وبالرغم من أن نشر أسماء القضاة المتخذة في حقهم عقوبات تأديبية بالعزل أو الإحالة على التقاعد كان من بين أهم مخرجات الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، كما نصت عليه قوانين السلطة القضائية[2]، إلا أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية لم يقم بعد بتفعيل هذا المقتضى، وسبق لوزارة العدل قبل تشكيل المجلس، أن بادرت وفي سابقة لم تتكرر، إلى نشر أسماء القضاة المتخذة في حقهم عقوبات تأديبية، وهو ما كان محل انتقاد واسع من طرف الجسم القضائي.

حلّ مشكل العمل في المناطق النائية عن طريق اللجوء إلى التكليف

لحل مشكل الخصاص في بعض محاكم الاستئناف بالمناطق النائية، قرر المجلس تكليف 14 قاضيا، بترقيتهم الى درجة أعلى وتعيينهم في هذه المحاكم، نظرا لشغور عدد من المناصب بها على إثر الانتقالات، وفي إطار التحفيز. ويلاحظ في هذا السياق أنه تم تكليف بعض القاضيات، في إطار إعمال مقاربة النوع الاجتماعي. كما أن المجلس راعى معايير محددة في التكليف، أهمها قضاء مدة كافية في الدرجة الثالثة، وخلو ملفاتهم من أي ملاحظة سلبية، وتوفرهم على الكفاءة اللازمة للعمل بمحاكم الاستئناف، والقرب الجغرافي، والظروف العائلية. ويبدو في هذا السياق أن المجلس لم يشترط موافقة القاضي على تكليفه، ونقله إلى محكمة أعلى من دون طلب.

تنويع معايير البت في طلبات انتقالات القضاة

تلقت أمانة المجلس الأعلى للسلطة القضائية أزيد من 600 طلب انتقال إلى غاية 21 ديسمبر 2018، حيث قامت بإعداد لائحة بهذه الطلبات بواسطة “تطبيق”، وفق المعايير المنصوص عليها في النظام الداخلي للمجلس، وضمن لوائح مصنفة حسب النقاط المحصل عليها، بالنسبة لكل اختيار على حدة، وحسب بعض أسباب الطلبات المعبر عنها وفق المعايير المذكورة في النظام الداخلي.

وقد تمّت معالجة هذه الطلبات على شاشة إلكترونية لضمان التحيين الآني لوضعيات المحاكم في إثر المقررات التي يتخذها المجلس في هذا الشأن.

وعليه قرر المجلس نقل 331 قاضيا من المحاكم التي يعملون بها إلى محاكم أخرى تلبية لرغبتهم أو لسد الخصاص.

ويلاحظ في هذا السياق أن المجلس استجاب لطلب إرجاع عدد من القضاة إلى محاكمهم الأصلية، بعدما تم نقلهم بدون طلب إلى محاكم جديدة أحدثت في إطار التنظيم القضائي الجديد.

اعتماد مبدأ المرونة في تعيينات القضاة الجدد

بحسب المادة 69 من القانون التنظيمي للمجلس، فإن هذا الأخير يراعي عند تعيين القضاة الجدد مجموعة من المعايير، أهمها:

حاجيات المحاكم بعد البت في الترقيات وطلبات الانتقال ؛

بطاقة التقييم التي تعدها المؤسسة المكلفة بتكوين القضاة ؛

ترتيب القضاة حسب نتائج امتحان نهاية التكوين ؛

-الوضعية الاجتماعية للقاضي ؛

– الرغبات المبينة في الاستمارات المعبأة من قبل القضاة.

وقد أدى تطبيق هذه المعايير في تعيين الفوج السابق من القضاة الجدد (الفوج 41)، إلى استثنائهم من التعيين في المحاكم الكبرى، خاصة وأن الفقرة الثانية من هذه المادة تنص على أن البت في التعيينات الجديدة، يكون بعد البت في الترقيات وطلبات الانتقال؛

لكن بالاطلاع على لائحة تعيينات القضاة من الفوج 42، يتضح أن بعضهم عين في محاكم كبرى، في الوقت الذي لم يتم فيه الاستجابة إلى طلبات انتقال قضاة قدامى إلى هذه المحاكم رغم توفرهم على شرط المدة، مما يطرح أكثر من سؤال حول كيفية تطبيق المجلس الأعلى للسلطة القضائية لمعايير تعيينات القضاة الجدد.

وختاما، من المنتظر أن تكون هذه النتائج محلّ تقييم من طرف الجمعيات المهنية القضائية، حيث أعلن نادي قضاة المغرب عن فتح باب التظلمات، أمام القضاة من أجل تسجيل ملاحظاتهم لتضمينها بيان أجهزة النادي بخصوص تتبع أشغال نتائج المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

مواضيع ذات صلة

قراءة في نتائج المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب (1): التأديبات لا تحتمل مؤازرة أكثر من شخص واحد

قراءة في نتائج المجلس الاعلى للسلطة القضائية بالمغرب (2): المسؤوليات القضائية

قراءة في نتائج الدورة الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاء في المغرب

قراءة في نتائج المجلس الأعلى المغربي في مايو (2): التأديب بسبب كلمة أو صورة نقدية

نقاش حول معايير نقل القضاة للعمل في المحاكم المستحدثة في المغرب

مشكل الخصاص في المحاكم المغربية

 


[1]– تنص المادة 17 من الندام الداخلي للمجلس على أنه: “يقوم المجلس بنشر نتائج أشغاله النهائية المتعلقة بتعيين المسؤولين بمختلف المحاكم وبتعيين القضاة في السلك القضائي فور موافقة الملك عليها”.

[2]– المادة 60 من قانون تنظيمي يتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني