القضاة ينجحون في تسييس صراعهم ضد الحكومة التونسية: احترام الحكومة لاستقلال القضاء شرط للرجوع الى طاولة الحوار الوطني


2013-11-19    |   

القضاة ينجحون في تسييس صراعهم ضد الحكومة التونسية: احترام الحكومة لاستقلال القضاء شرط للرجوع الى طاولة الحوار الوطني

اختارت الحكومة التونسية ان تجيب على المطالب التي تقدم بها القضاة وتتعلق بالتراجع عن قرارات التعيين التي اجراها وزير العدل التونسي خلافا للصيغ القانونية يوم 14/10/2013 بالدفع نحو تصعيد المواجهة معهم. وقد حاولت الحكومة في سياق حربها على الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي ان توصد كل ابواب الحوار لتفرض ارادتها من خلال قرارات فردية ضمنت مسبقا موالاة المستفيدين منها. وعمل وزير العدل في إطار ادارته الميدانية للصراع على محاولة الفصل بين هياكل القضاة وعموم القضاة باستعمال التهديد بالعقوبات ذات الاثر المالي والتي تتمثل اساسا في حسم أجور أيام الاضراب مع التلويح بإمكانية استعمال النصوص القانونية التي تمنع اضراب القضاة لتسليط عقوبات أكثر قسوة، على امل ارهاب القضاة وعزلهم عن هياكلهم وهيئتهم. كما لم يتردد الوزير في تصوير تحرك القضاة ضده على أنه تحرك سياسي تحركه المعارضة.

رفض رئيس الحكومة التونسية ان يكلف نفسه عناء الاستماع لوجهة نظر الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي رغم انها مؤسسة دستورية تفاخر حكومته بنشأتها في عهدها. وأعلن حربا مفتوحة ضدها اتت لتؤكد ان التأخير المسجل سابقا من قبله في التوقيع على الحركة التي اعدتها الهيئة وتم نشرها بالجريدة الرسمية لم يكن مجرد مصادفة وانما كان تعبيرا منه عن رفضه لتواجد هيئة تضمن استقلال القضاء بما يتعارض مع ارادة الشق السياسي الذي ينتمي له والذي يجاهر برفض فكرة استقلال القضاء في المرحلة الراهنة بدعوى وجوب تطهير القضاء قبل منحه استقلاليته.

لم تؤد صلابة الموقف الرسمي ولغته الصدامية لتحقيق الرهبة المرجوة. فقد بادر قضاة المحكمة العقارية لإعلان رفضهم للتعيينات المسقطة التي طالت محكمتهم وتبعتهم جمعية القضاة التي نظمت اضرابين في 7 و14 نوفمبر وجملة من التحركات الاحتجاجية لينتهي مجلسها الوطني الذي انعقد عقب تظاهرة احتجاجية بساحة الحكومة التونسية الى اعلان الاضراب عن العمل يومي 19 و20 نوفمبر 2013 بكافة المحاكم دعما لهيئة القضاء العدلي ورفضا لسياسة الحكومة. وتولت بذات التاريخ نقابة القضاة التونسيين الكشف عن عزمها التنسيق مع هيئة القضاء وجمعية القضاة لإنجاح معركة استقلالية القضاء لتعلن بدورها الاضراب لذات المدة.

وفي سياق متصل يخرج عن النطاق الاولي للصراع ويتجه نحو علاقة عموم المجتمع بفعالياته، يتبين من متابعة ردود الفعل على الازمة أن تعاطي المجتمع المدني والطبقة السياسية في بدايات الازمة كان في عمومه سلبيا صامتا. اذ انه باستثناء حزب التيار الديموقراطي الذي بادر منذ صدور مذكرات التعيينات الى اصدار بيان واضح في مضمونه عبر عن ادانة مجلسه الوطني لمذكرات العمل التي اصدرها الوزير وأدان بذات المناسبة اتجاه التعيينات لإعادة الاعتبار لقضاة قال ان من بينهم من اساء للقضاء وسمعته في عهد الاستبداد"، فان بقية الاحزاب السياسية التي تشارك في الحوار الوطني واغلب المنظمات الوطنية الكبرى اختارت النأي بنفسها عن الصراع. ودفع صمت الساسة وزير العدل الى محاولة كسب تأييد أنصار السلطة لموقفه بعد ان لمح في حواراته الصحفية الى كون احتجاجات القضاة على قراراته مسيسة وتندرج في إطار السعي للانقلاب على الحكومة التي ينتمي لها. فيما سعت من جهتها جمعية القضاة التونسيين من خلال التجائها للتحركات الجماعية الى كسب تأييد الطبقة السياسية والمجتمع المدني لمطالب القضاة، وعمليا الى تسييس قضية القضاء. وهم بذلك ردوا على سعي الوزير الى تسييس تحركهم من خلال تصويره على أنه جزء من المعارضة السياسية للحكومة بمزيد من التسييس من خلال الاحتكام المباشر الى الرأي العام ووضع القوى السياسية كافة امام مسؤولياتها في صون استقلالية القضاء.         

وبذلك، تحول التطارح بشأن تدابير الحكومة وصراعها مع هيئة الاشراف على القضاء سريعا الى موضوع صراع سياسي مجاله الفضاء العام. وفي هذا الإطار، بادرت وسائل الاعلام التي توالي السلطة والصفحات الاجتماعية التي تحسب على حزب النهضة، الحزب ذي الاغلبية في الائتلاف الحاكم، الى حملة اعلامية بدت منظمة تحاول ان تربط بين صراع التعيينات القضائية وادعاءات بموالاة بعض رموز الحراك القضائي للمعارضة في خلفياتهم الفكرية ومواقفهم في الساحة العامة. وعملت هذه الوسائل على ابراز وزير العدل في صورة المدافع عن الشرعية في مقابل قضاة يوالون الثورة المضادة ويعملون على اسقاط الحكومة. واعلن في الجهة المقابلة- ائتلاف الجبهة الشعبية الذي يضم احزابا يسارية- عن تمسكه بشرط التراجع عن التعيينات القضائية للرجوع الى طاولة الحوار الوطني. ونقل موقف الساسة من الجانبين الصراع الى بعده الحقيقي ليكون صراعا سياسيا حول القضاء ومؤسساته بين اطروحات تتضارب في تصوراتها وغاياتها.

  انتهى الصراع الى الحلبة السياسية وكان الامر منتظرا على اعتبار ان استقلالية القضاء من المسائل التي تندرج ضمن اهتمام الساسة. وكان الانقسام بين من يسعى لفرض وصايته على القضاء بحجة انه قضاء متسيس وغير محايد ومن يدافع عنه بحجة التزامه باستقلال القضاء. ويأمل القضاة ان يؤدي تطور جبهات الصراع الى فتح ملف اصلاح القضاء. غير ان ذلك لن يتحقق الا متى التزم الساسة بالنظر الى الازمة بعيدا عن حرب المواقع التي تشغلهم فيعبر كل منهم عن تصوره لاستقلال القضاء دون التفات لدعايات حزبية او مواقف معارضيه. الا ان شراسة دفاع أنصار السلطة عن قرارات الوزير يؤشر على صعوبة التعويل على السياسي لتحقيق استقلال القضاء وهو امر يؤكد مجددا أن على القضاة أن يتجاوزوا السياسي للوصول الى الرأي العام لشرح قضيتهم وبيان عدالة مطالبهم وهو امر لن يتحقق الا اذا خرج المجتمع المدني والهيئات المهنية عن الحياد السلبي ليدلوا بدلوهم في معركة مدنية كتب على القضاء خوضها حماية لمؤسسات الدولة وانتصارا لقوانين الثورة. فلنتابع. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني