وزارة الإسكان والتعاونيات: محاولة فاشلة جديدة لحلّ أزمة الإسكان


2019-07-11    |   

وزارة الإسكان والتعاونيات: محاولة فاشلة جديدة لحلّ أزمة الإسكان

حاولت الدولة اللبنانية منذ الاستقلال وضع سياسة إسكانية تؤمّن من خلالها المساكن لذوي الدخل المحدود والمتوسط، فراحت تنشئ مؤسسات وصناديق للإسكان كل فترة لتعود وتلغيها لاحقاً لعجزها عن تمويلها وتنظيم عملها. وشهدت بداية السبعينيات أزمة غلاء معيشة جديدة أدت إلى ارتفاع أسعار السلع والغذاء بالإضافة إلى أسعار الأراضي ومواد البناء بخاصة بعد اندلاع الأحداث في المنطقة (حرب أكتوبر 1973 وتداعياتها)، وبالتالي أسعار الأبنية والإيجارات. وأضحت كلفة السكن لا تقل عن 25% من معدل دخل الأجراء والموظفين حسب المدير العام لصندوق الضمان الاجتماعي[1].

وأمام هذا الواقع، ارتأت حكومة الرئيس صائب سلام حلّ الأزمة عبر اللجوء مرة أخرى لحلّ مؤسسات وخلق أخرى جديدة توكل إليها شؤون الإسكان. وضعت الحكومة مشروع قانون معجلاً في حزيران 1972 يقضي بتحويل مجلس الإسكان إلى مديرية عامة للإسكان، وتأسيس المديرية العامة للتعاون إلى جانبه. كما وافقت على إنشاء وزارة الإسكان والتعاونيات وأسندتها في بادئ الأمر إلى وزير دولة، في محاولة منها لحصر أجهزة الدولة المعنية بالإسكان وتفعيل إنتاجيتها. ورأت الحكومة أن هذه الخطوة مفصلية وذلك “بالنظر لتطور مفهوم التعاونيات وما لها من دور في الحدّ من تصاعد الأسعار وتفاقم الغلاء؛ وبالنظر لضرورة وضع خطة تمويل لآجال طويلة من أجل تمليك مساكن لذوي الدخل المحدود[2]“، كما جاء في الأسباب الموجبة لمشروع القانون.

اعترض العديد من النواب على المشروع معتبرين أنه سيساهم فقط في تفاقم الهدر، لاسيما أن جميع المؤسسات الإسكانية أثبتت فشلها. لكن على الرغم من ذلك، أقرّ مشروع القانون في أواخر العام 1973 لتبدأ الخلافات على توزيع الملاك في الوزارة ومن ثم تخصيص الموازنة الكافية لها وإعطاءها الصلاحيات اللازمة لتنفيذ خططها. وقد أفضى كل ذلك إلى حصر مهمتها في تسيير الأعمال الضرورية وتسهيل إعطاء القروض السكنية بخاصة بعد اندلاع الحرب اللبنانية (1975-1990).

نعود في هذا المقال إلى إنشاء الوزارة التي أبصرت النور في عام 1973، أي بعد حوالي سنة ونصف من المناقشات في مجلس النواب. ثم نتناول الخطة الإسكانية الأولى التي طرحتها لنستعرض سريعاً بعدها خطط بعض الوزراء الذين تعاقبوا عليها والتي بقيت جميعها حبراً على ورق.

إنشاء وزارة الإسكان والتعاونيات

أقرت اللجان النيابية مشروع القانون المعجّل والرامي إلى إحداث وزارة الإسكان والتعاونيات في 18 كانون الأول 1972. وأجازت للحكومة خلال مدة ثلاثة أشهر أن تتقدم بمشروع قانون بتحديد ملاك الوزارة[3]. وتوّلى ألبير مخيبر الوزارة التي بقيت وزارة دولة إلى حين صدور القانون عام 1973. استمر النقاش في المجلس النيابي حول ملاكات الوزارة ومهامها وصلاحياتها حوالي سنة ونصف.

وفي 21 كانون الأول 1973، صدر القانون رقم 31/73 الذي قضى بنقل كافة المهام الإسكانية التي كانت منوطة بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية عبر مجلس الإسكان إلى وزارة الإسكان والتعاونيات عن طريق المديرية العامة للإسكان. وكان مجلس الإسكان قد عجز طوال 15 عاماً عن تحقيق أيّ من أهدافه لحلّ أزمة السكن، سوى بناء بعض المساكن الشعبية التي لم تكتمل في معظمها.

وسبق إقرار القانون مناقشات مستفيضة امتدت لحوالي سنة ونصف حول الجدوى من إنشاء الوزارة وتحديد آلية عملها لاسيما في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي كان يعاني منها لبنان. وتظهر هذه المناقشات خطورة أزمة السكن في تلك الفترة وعجز الدولة التام عن إيجاد حلول جذرية لها، بخاصة في ما يتعلق ببناء المساكن الشعبية.

انتقد النائب نصري المعلوف مشروع القانون واعتبر أن وجود الوزارة لن يجدي نفعاً طالما أن الحكومات عجزت عن تطبيق أبسط مخططاتها وهو بناء المساكن الشعبية. ثم تطرق إلى الأسباب الموجبة وسأل: “ألا تريد الحكومة التي ترغب أن نصدق هذا المشروع، على الأقل أن تكتب خمسة أسطر تبين لنا ما هو اختصاص وزارة الإسكان… ما هو شغل وزارة الإسكان؟ لا أعلم. التعاونيات. التعاونيات تعمل عملها ولا ينكر أحد فوائدها، ما حاجتها لوزارة التعاونيات؟ وماذا تستطيع الوزارة أن تعمل للتعاونيات؟[4]” من جهته، طالب النائب منيف الخطيب الوزير ألبير مخيبر بوضع مشروع “يؤمن المسكن للعامل الفقير” وبتحديد الأعمال والمهمات التي ستقوم بها الوزارة[5]“. وتناول النائب محمد بيضون مسألة إنشاء مساكن شعبية بخاصة في ظل عدم وجود مساكن ملائمة لذوي الدخل المحدود. واقترح أن تتعاون الدولة مع القطاع الخاص لتأمين هذه المساكن. ورأى أن لا حاجة لوزارة للإسكان إن لم يكن لديها رؤية ومهام واضحة[6]“. واعتبر النائب رشيد كرامي الذي كان من أشد المعارضين لإنشاء الوزارة أن باستطاعة مجلس الإسكان بناء هذه المساكن إذا تأمّنت له الأموال اللازمة. واعتبر أن تأمين المال للمشاريع المطروحة هو الأساس، وفي ظلّ عجز الدولة عن تحقيق هذا الهدف، سأل عن الجدوى من إحداث وزارة جديدة. “فإنشاء الوزارات هو أمر مقلق يرتب أعباء جديدة على الخزينة، لأن إنشاء وزارة سيتبعها مدير، غرفة مدير، غرفة خاصة للوزير، رؤساء مصالح، محررين سكرترية، كتبة، حجاب. نحن نطالب في أن نكتفي بما هو قائم، وأن لا نعمل على زيادة أعباء الخزينة في نفقات إدارية جديدة، لا حاجة لها، لأنه بالموجود وبالحاضر يمكننا أن نؤمن كل الأمور التي تسعون إليها”. وطالب كرامي بدعم وزارة العدل بدل تخصيص الأموال لوزارة جديدة. “فالقضاء بحاجة إلى قضاة لأن المحاكم لا تستطيع أن تبت بالدعاوى الكثيرة التي تنظر بها. وكيف يمكنها ذلك والعدد لا يزال على حاله والمبادلات والمعاملات والمشاكل المترتبة عليها تزيد يوماً بعد يوم[7]“. بدوره، تساءل النائب علي الخليل عن أهمية الوزارة وأعلن تقدمه باقتراح إلى مجلس النواب لإنشاء مديرية عامة للتعاونيات والإسكان تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية[8].

في المقابل، دعم النائب عبد المجيد الرافعي إنشاء الوزارة وتشجيع إعطاء القروض: “فإن أزمة السكن لا تخفى على أحد، لذلك نطالب بأن تعطى القروض من البنوك التي تنوء بالأموال الموجودة في صناديقها، وبصورة خاصة من أموال الضمان الاجتماعي التي تحتار إدارة الضمان كيف تريد أن تقرض منها البنك الدولي. فبدل من أن نقترض نحن من البنك الدولي، على الحكومة وعلى وزارة الإسكان، أن تقترض من صندوق الضمان، وبذلك توفر على الخزينة فرض الضرائب[9]“.

بين خطة “مسكن لكل مواطن” و”سنة الإسكان والتعاونيات”

اعتبر الوزير مخيبر أن الانتهاء من تأسيس الوزارة والبدء بتنفيذ مشروع الإسكان “هو أهم مشروع يطبع العهد بطابع العمران والتصدي للقضايا الاجتماعية لأن من شأنه أن يحلّ أزمة السكن وبالتالي مشكلة الإيجارات ويحقق مع الوقت سياسة لكل مواطن مسكن[10]“. وكشف أن الوزارة تدعم إنشاء مصرف للإسكان “يغذيه القطاع الخاص بثلثي رأسماله، وتساهم الحكومة في الباقي[11]” وأمل أن يساهم هذا المشروع في إعطاء قروض لبناء المساكن بفائدة لا تتجاوز 3%. ووعد رئيس الجهاز الفني في مصلحة الإسكان مروان محسن بأن “المديرية العامة للإسكان ستتولى تحقيق مشروع مسكن لكل مواطن على أن يبدأ هذا المشروع بذوي الدخل المحدود والفئات الفقيرة، وتشجيع قيام وحدات سكنية ناجحة في المناطق على أسس تنظيمية حديثة[12]“. وكشف محسن أن “المطلوب بناء 102400 مسكن، أي بمعدل 12800 مسكن حتى نهاية 1980 تكون بأحجام مختلفة[13]“.

خلف الوزير مخيبر ميشال ساسين (حكومة أمين الحافظ: 25/04/197308/07/1973 وحكومة تقي الدين الصلح: 08/07/197331/10/1974 في حين لم يكن مشروع إنشاء الوزارة قد أبصر النور. فمخيبر كان قد استلم وزارة دولة عام 1972 إلى حين إقرار القانون عام 1973. وتبنى ساسين خطة “مسكن لكل مواطن” ووعد بتنفيذها هو أيضاً. وعليه، بدأ ساسين دراسة إمكانية إعطاء القروض للمواطنين. وأِشرف على الدراسات التمهيدية التي وضعت المشروع الإسكاني في حوش الأمراء (قضاء زحلة) والذي كان يشمل بناء نحو 400 مسكن[14].

ولكن سرعان ما تبخرت الآمال بتنفيذ هذه الخطة إذ أقر المعنيون أنه لا يمكن تمويلها إلا من القطاع الخاص “وهو ما تعذر تنفيذه بسبب تحديد فائدة بسيطة لرؤوس الأموال التي أجيز لها تمويل المشاريع وإصرار الحكومة على عدم ضمان هذه التثميرات[15]“.

إلا أن ساسين أصرّ على وضع المشاريع وذهب حد إعلان 1974 “سنة الإسكان والتعاونيات[16]“. وأوعز وضع خطط إسكانية لبعض المهن. فطالب بإعداد دراسة لتأمين مساكن للصحافيين[17] ودعا لوضع مخطط شامل للسياسة السكنية التعاونية في القطاعات المهنية، بخاصة لعمال المصانع في ضواحي بيروت والأرياف[18]. وكان هدف ساسين من الاقتراح الثاني إعطاء الأفضلية لهذه المشاريع في المناطق “بحيث تساعد على الحد من النزوح ووقف الهجرة إلى المدينة[19]“. وحاول ساسين التفاوض مع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بغية إنشاء مساكن للضباط والأفراد في السلك إلا أن الطرفين لم ينجحا في التوصل إلى إتفاق وذلك بسبب أنظمة الوزارة[20]، حسب ساسين.

وحاول ساسين تنسيق العمل بين الوزارة وصندوق الضمان الاجتماعي فطرح خطة تقضي بتأمين التسليف “للذين تقلّ مداخليهم عن 6 آلاف ليرة سنوياً في حين يتولى صندوق الضمان تسليف الذين تفوق مداخيلهم هذا المبلغ[21]“. وعلى الرغم من أن قانون الضمان لم يأتِ على ذكر مشاريع الإسكان “إلا أنه أوجب في المادة 64 أن يقوم الصندوق بتوظيف أمواله بكفالة الدولة في مشاريع ذات طابع اجتماعي (بناء المدارس، بناء المستشفيات…)[22]” ويمكن لهذه الغاية استثمار مدخرات فرع نهاية الخدمة، وفق ما اقترح المدير العام للضمان الدكتور رضا وحيد في إطار حديثه ضمن حلقة دراسية نظمتها النقابات المتحدة بالتعاون مع مؤسسة “فريدريش ايبرت” .Friedrich Ebert وحصر وحيد دور الضمان في ما خصّ السياسة الإسكانية بهدفين: “استثمار الأموال المتوافرة بحيث لا تبقى في المصارف؛ إكمال السياسة الإسكانية التي تتولاها وزارة الإسكان بأن يتولى الصندوق الحالات التي قد لا تستفيد من خدمات الوزارة، أي حالات أصحاب الدخل المرتفع نسبيا (أكثر من 500 ليرة شهريا)[23]“. ولاحقاً، تمّ الاتفاق بين الوزارة والصندوق على “إعطاء المضمونين الخيار بين الحصول على قرض من وزارة الإسكان أو من صندوق الضمان، وفقاً لنظام خاص بكل إدارة تحدد فيه شروط الإفادة من القرض ونسب الفوائد ومهلة التسديد وسلم الأفضليات وغيرها من الشروط[24]” وحصر علاقة غير المضمونين بالوزارة.

ودخلت جمعية الصناعيين على الخط وأعلنت عن استعدادها في المساهمة بخفض كلفة المعيشة لذوي الدخل المحدود وذلك من خلال وضع مشروع للإسكان يتناسب وحاجاتهم وإمكانيّاتهم[25]. كما وافقت الجمعية على دفع زيادة الأجور ورفع حدها الأدنى شرط أن تبادر الدولة إلى تنفيذ مشاريع الإسكان[26].

وتتويجاً لتلك الجهود، رفع ساسين في أيار 1974 خطة خمسيّة (على خمس سنوات) إلى مجلس الوزراء لتنفيذ مشاريع الإسكان وذلك انطلاقاً من المشاريع قيد التنفيذ والأموال المتوافرة لدى الوزارة. خصّص ساسين في خطته مكانة خاصة لبيروت، نظراً للاكتظاظ السكاني في المدينة بفعل تمركز الأعمال هناك. ورأى ساسين أن نجاح أي خطة مرتبط بخلق فرص عمل في المناطق تشجع الأهالي على البقاء في قراهم والاستثمار هناك، على أن يرافق هذه المشاريع تنفيذ خطوات اجتماعية كإنشاء مراكز صحية ومدارس مهنية ودور حضانة وتأمين البنى التحتية اللازمة. وعليه، ولحين وضع خطة تسمح بذلك، اقترح ساسين “إنشاء مدينة سكنية قريبة من بيروت تعالج مؤقتاً هذا التضخم الإسكاني في بيروت، على أن تحوي هذه المدينة كل مرافق الحياة الضرورية[27]“.

من جهة أخرى، طرح ساسين استعمال المبالغ المتوافرة في الصندوق الخاص بالإسكان خلال 5 سنوات والبالغة 83 مليون ليرة “لاستملاك أراض جديدة وبناء المساكن الشعبية مباشرة من قبل الوزارة لفئتي المعوزين وذوي الدخل المتواضع، بينما تستعمل المبالغ المقترضة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومقدارها 100 مليون ليرة كقروض للمواطنين ولاسيما الذين ينوون بناء مساكن أو شراءها في المناطق[28]“.

وأوضح ساسين أن الحاجة تتطلّب بناء أو شراء 2000 مسكن في السنة، أي بمعدل 10 آلاف مسكن خلال خمس سنوات ولذا يجب أن تخصص الحكومة للإسكان مبلغ 50 مليون ليرة كل سنة في موازنة الوزارة. وبالتالي، ستسعى الوزارة من خلال هذه الخطة إلى “استملاك 200 ألف متر مربع من الأراضي في ضواحي بيروت البعيدة لبناء مدينة سكنية تستوعب 2000 مسكن واستملاك مليون متر مربع في المناطق الأخرى؛ بناء 10.000 مسكن؛ إقراض 2500 فرد[29]” بالإضافة إلى التعاون مع الهيئات والمؤسسات والشركات المعنية في حقل الإسكان. ولم يتمكن ساسين من تحقيق خطته شأنه شأن الوزراء الذين توالوا على الوزارة.

مشاريع وخطط بقيت حبراً على ورق

قبل التطرق إلى بعض مشاريع الوزارة، تجدر الإشارة إلى أن إندلاع الحرب عام 1975 أدى إلى حصر جزء كبير من عملها في إعطاء القروض لترميم المساكن المتضررة في الأحداث. وقد صدر لهذه الغاية المرسوم الاشتراعي رقم 20 في 14 آذار 1977 أجاز للوزارة “تقديم القروض المالية للمواطنين الذين تضررت مساكنهم ويهدفون إلى إعادة ترميم أو بناء ما تضرر منذ تاريخ 26 شباط 1975، شرط أن لا تتعدى قيمة القرض كلفة الأشغال كما تقدرها الإدارة بعد إجراء الكشف اللازم… ويتعهد المقترض بإنهاء أعمال الترميم خلال مدة 6 أشهر وأعمال البناء في مدة أقصاها 18 شهراً، ودفع فائدة معدلها 2% على القرض الواجب تسديده على أقساط ربع سنوية متساوية[30]“. ثم صدر المرسوم الاشتراعي رقم 138 في 2 أيار 1977 تمّ بموجبه منح “قروض ترميم وإعادة بناء للمستفيدين بالرغم من وجود إشارات دين أخرى على عقاراتهم[31]“. ومع استمرار الحرب، إضطرّت الدولة إلى تمديد مهلة تقديم القروض وتأجيل مواعيد استيفائها مراراً.

أما في ما خص السياسة الإسكانية، فلم تولِ الحكومات المتعاقبة الأهمية اللازمة للوزارة على الرغم من الدور المفصلي الذي أنيطت به خاصة بعد بدء الحرب. فلم تخصص لها موازنات كافية ولم تقدم لها الدعم الإداري. وبالنتيجة، أدى هذا الأمر إلى شلّ عمل الوزارة وإلى إبقاء الخطط والمشاريع التي طرحتها حبراً على ورق. وتكررت الطروحات ذاتها مع كل تعيين لوزير جديد: “وضع سياسة إسكانية واضحة إلى جانب قانون للإيجارات متطور لأن الوضع لا يمكن ذوي الدخل المحدود من الحصول على المسكن الملائم[32]“، حسب رئيس لجنة المال والموازنة النائب رينيه معوض. ونستعرض جزءاً من هذه الخطط سريعاً.

اتفق الوزراء على أن حاجة لبنان تقضي ببناء 400 ألف مسكن وذلك منذ العام 1981. وبقي الرقم يتكرر حتى نهاية الحرب، ما يدلّ على أن الخطط وضعت في الأدراج، كما جرت العادة. ففي عام 1981، كشف الوزير سليم الجاهل (حكومة شفيق الوزان: 25/10/1980 – 7/10/1982) أن لبنان بحاجة إلى بناء 400 ألف مسكن ووضع هيكلية لمشاريع إسكانية شملت: “ترميم الأملاك المتضررة بسبب الأحداث، وضع برنامج لترميم المساكن المتضررة في الجنوب، بناء مساكن مخفوضة الكلفة لذوي الدخل المحدود[33]“. ثم طرح الوزير بهاء الدين البساط (حكومة شفيق الوزان: 7/10/1982 – 30/04/1984) عام 1983 خطة تصل للعام 2000 وحددت حاجة لبنان لبناء 400 ألف مسكن. وتضمنت “إجراء مسح إسكاني شامل، تنظيم المناطق والمدن وتجهيزها، نحو سياسة عقارية في خدمة الإسكان، صناعة البناء، السياسة التأجيرية، نظام الادخار والتوفير للسكن، السياسة الاجتماعية، تمويل المشاريع الإسكانية[34]“. وعام 1989، قدرت الوزارة عدد الأبنية المدمرة جراء الحرب بحوالي 20 ألف وطلبت ملبغ 150 مليون دولار أميركي لإعادة بنائها وترميمها[35]. إلا أن حكومة الرئيس سليم الحص وافقت على إعطائها 5 مليارات ليرة فقط واعتبرتها كافية لتلبية حاجات المواطنين. ومع انتهاء الحرب، أعلنت الوزارة عام 1991 حاجة لبنان إلى 400 ألف مسكن لكنها في الوقت عينه أقرت عجزها عن تأمين هذا العدد فوضعت خطة على خمس سنوات لبناء بين 70 و80 ألف مسكن، بموجب قروض تعطى من الصندوق المستقل للإسكان أو من مصرف الإسكان بفوائد متدنية ولأمد طويل[36].

لم تضع الحكومات المتعاقبة أي تخطيط جدي لسياسة إسكانية بل اكتفت بإطلاق الشعارات وطرح المشاريع التي لم تنفذ. وفي مقابل تأكيد المعنيين على ضرورة وضع وتنفيذ خطة شاملة، بقيت السياسة الإسكانية محصورة بإعطاء القروض وبتأمين الأموال للمؤسسات والصناديق المعنية بها. وعلاوة على ذلك، كانت هذه الأجهزة تتخبط فيما بينها لتضارب صلاحياتها، ما أثر على إنتاجيتها وعلى قدرتها على إدارة أزمة السكن. وكما سابقاتها، تمّ بموجب المادة 5 من القانون رقم 247 تاريخ 7 آب 2000، إلغاء وزارة الإسكان والتعاونيات والصندوق المستقل للإسكان وألحقت المديرية العامة للتعاونيات بوزارة الزراعة، بينما ألحقت المديرية العامة للإسكان والصندوق المستقل للإسكان بالمؤسسة العامة للإسكان، على أن يمارس وزير الشؤون الاجتماعية سلطة الوصاية على المؤسسة العامة للإسكان.

 

  • نشر هذا المقال في العدد | 60 |  حزيران 2019، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

 منحة السكن ومحنته


[1]  دور الضمان في مشاريع الإسكان. جريدة النهار، 27 كانون الأول 1973

[2]  محاضر مجلس النواب، الدور التشريعي الثالث عشر، العقد العادي الثاني 1972، محضر الجلسة السادسة

[3]  محاضر مجلس النواب. الدور التشريعي الثالث عشر، العقد الاستثنائي الاول لسنة 1973، محضر الجلسة الاولى.

[4]  محاضر مجلس النواب. الدور التشريعي الثالث عشر، العقد العادي الثاني 1972، محضر الجلسة السادسة.

[5]  المرجع أعلاه

[6]  المرجع أعلاه

[7]  محاضر مجلس النواب. الدور التشريعي الثالث عشر، العقد الاستثنائي الاول لسنة 1973، محضر الجلسة الاولى.

[8]  محاضر مجلس النواب. الدور التشريعي الثالث عشر العقد العادي الثاني سنة 1972، محضر الجلسة السابعة

[9]  المرجع أعلاه

[10]  اجتماع عمل في إهدن لتحديد الجهة الصالحة للاشراف على مشاريع الإسكان. جريدة النهار، 12 آب 1972

[11]  مخيبر يتحدث في ندوة صحافية عن وزارة الإسكان وأهمية التصنيع. جريدة النهار، 23 آب 1972

[12]  ساسين يضع نفسه في جو وزارة الإسكان والتعاونيات. جريدة النهار، 27 نيسان 1973

[13]  الحاجة إلى بناء 102400 مسكن بمعدل 12800 مسكن في العام. جريدة النهار، 1 أيار 1975

[14]  ساسين يعرض دراسات الإسكان في قضاء زحلة. جريدة النهار، 4 آب 1973

[15]  خطة “مسكن لكل مواطن” تبخرت في مشاريع القروض من صندوق الضمان للخطة السداسية. جريدة النهار، 6 تشرين الثاني 1973

[16]  ساسين: السنة 1974 ستكون سنة الإسكان والتعاونيات. جريدة النهار، 6 شباط 1974

[17]  ساسين مهتم بتأمين مساكن للصحافيين. جريدة النهار، 6 أيلول 1973

[18]  مخطط إسكاني على أساس تعاوني يدرسه ساسين مع رجال الاقتصاد. جريدة النهار، 1 شباط 1974

[19]  المرجع أعلاه

[20]  توقف البحث في مشاريع الإسكان في انتظار الإدارة الصالحة. جريدة النهار، 26 نيسان 1974

[21]  ساسين ينسق مع الضمان تمويل مشاريع الإسكان. جريدة النهار، 4 كانون الأول 1973

[22]  دور الضمان في مشاريع الإسكان. جريدة النهار، 27 كانون الأول 1973

[23]  المرجع أعلاه

[24]  ساسين يعرض الخطوط الرئيسية للسياسة السكنية. جريدة النهار، 9 شباط 1974

[25]  ساسين: السنة 1974 ستكون سنة الإسكان والتعاونيات. المرجع أعلاه

[26]  الصناعيون يطلبون من القصر الإسراع في تنفيذ مشاريع الإسكان. جريدة النهار، 21 آذار 1974

[27]  خطة خمسية لتنفيذ مشاريع الإسكان. جريدة النهار، 13 أيار 1974

[28]  المرجع أعلاه

[29]  المرجع أعلاه

[30]  أحمد أمين بيضون. أزمة السكن ومؤسسات الإسكان في لبنان. بيروت: 1991، ص. 162

[31]  المرجع أعلاه، ص. 163

[32]  موازنة الإسكان 53 مليونا. جريدة النهار، 8 آذار 1984

[33]  الجاهل لـ”النهار”: المشاريع معقدة والشروط متضاربة. جريدة النهار، 9 شباط 1981

[34]  برنامج 1983: 2.4 مليار ليرة. جريدة النهار، 20 شباط 1983

[35]  وزارة الإسكان تطلب 5 مليارات لتغطية قروض الترميم. جريدة النهار، 22 أيلول 1989

[36]  خطة خمسية لبناء 70-80 ألف مسكن. جريدة النهار، 31 كانون الأول 1991

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني