حزب “أكال” الأمازيغي: عودة التمايز الهوياتي بهدف التنافس السياسي؟


2019-06-20    |   

حزب “أكال” الأمازيغي: عودة التمايز الهوياتي بهدف التنافس السياسي؟

أحدث التنافس السياسي خلال انتخابات 2014 تنافسا أيديولوجيا حادّا بين الحزبين الأكبر في البلاد وقتها، حزب حركة النهضة الإسلامي وحركة نداء تونس الليبرالية. وقد أخذ التنافس بين الحزبين منزلقا هوياتيا تجلى من خلال استناد كلاهما إلى عبارة دستورية. فمن جهة تمسكت النهضة بعبارة “تونس دولة ][ الإسلام دينها” الواردة في الفصل الأول من الدستور فيما تمسك النداء بعبارة “تونس دولة مدنية” الواردة في الفصل الثاني منه.

اليوم، مع اقتراب موجة التنافس السياسي لانتخابات 2019، تعود ملامح الخطاب الهوياتي مجددا، إعلاميا وسياسيا. ويبدو أنه سيضاف هذه السنة لذلك الخطاب عنصر جديد مع إعلان تحول حركة “أكال” الأمازيغية إلى حزب سياسي في 6 ماي 2019.

“أكال”، كلمة تعني الأرض باللغة الأمازيغية، هو أول حزب يقوم على أساس الهوية الأمازيغية في تونس. في الواقع، تجربة حزب أكال ليست الأولى من نوعها في شمال أفريقيا. فهي امتداد لتجارب حزبية أمازيغية أخرى شهدتها كل من ليبيا، والجزائر والمغرب في السنوات السابقة. هذا ما يعمق الطرح هذه المرة. حيث يطالب حزب “أكال” ليس فقط بالاعتراف بالهوية الأمازيغية في تونس، بل أيضا بتوحيد دول شمال أفريقيا والمغرب التي تسمى بالأمازيغي ب “تامازغا”.

“بعد الإعلان عن تشكيل حزبنا، تزايد طرح الأسئلة من نوع هل تونس عربية أم أمازيغية؟ أم هي خليط لكليهما وربما لأكثر؟ بين أطياف الشعب التونسي. ذلك يبين أنه كان لحزبنا صدى في تونس وبالتأكيد سيشكل ذلك قاعدة شعبية لنا في انتخابات 2019.” هكذا قال أ. سمير نافزي، رئيس حزب “أكال” ومرشحها لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة، خلال حواره مع المفكرة القانونية.

“أكال” الثقافية نحو العمل السياسي

اقتصرت نشاطات حركة “أكال” طيلة سنيها السابقة على الاحتفال بالمناسبات التقليدية، كرأس السنة الأمازيغية واللباس التقليدي الأمازيغي. كما كان نطاق تلك النشاطات محدوداً، يشمل فقط بعض القرى في جهات تونس الجنوبية التي يتركز فيها تواجد الأمازيغ.

لحركة “أكال” محاولات سابقة مع الدولة التونسية للإعتراف رسميا بالوجود الأمازيغي في تونس من جهة، للاعتراف باللغة الأمازيغية أو أقله تنحية المنشور الداخلي عدد 85 المؤرخ في 12 ديسمبر 1965 لقانون تنظيم الحالة المدنية الذي يمنع تسمية المواليد التونسيين بأسماء عربية. لكن تجاهل الدولة، بل ونكرانها للتواجد الأمازيغي في البلاد بحسب “نافزي”، دفع القائمين على الحركة بالتوجه إلى العمل السياسي اقتناعا منهم بأن النشاط الثقافي مهم ولكن لا يمكن أن يلبي احتياجات ومطالب الأمازيغ القاضية بتحويل ثقافتهم إلى جزء من المنظومة القانونية التونسية. لذلك كان التفكير في اتجاه تحويل تلك المطالب إلى عناوين بارزة في برنامج سياسي واضح.

بالرغم من تواجد الحزب اليوم في حوالي العشرين ولاية، إلا أن حظوظه في تحقيق النجاح تبقى رهنا للتكهنات. يقول “نافزي: “غايتنا من التحول إلى حزب سياسي هي تنويع الحراك الأمازيغي في تونس من ناحية جمع ما بين ما هو ثقافي وسياسي بغية إحداث زخم ومراكمة للتجربة الأمازيغية وجعل لها رصيد محترم من الناحية الثقافية والسياسية مما سيساهم بتعزيز موقعها وتاريخها وقدرتها على التأثير مستقبلا.”

حزب أمازيغي … لكل التونسيين؟

حصر الدستور التونسي هوية تونس بين كونها عربية وإسلامية. هنا يكمن اعتراض القائمين على حزب حركة “أكال” الذين يعتقدون أن هذا الحصر أدى الى تشويش الهوية لدى التونسيين. فبنظر رئيس حزب حركة “أكال”، الأمازيغية ثقافة وأسلوب حياة وتاريخ وتقاليد تتجاوز الانتماء الهوياتي لتشمل تونس والتونسيين جميعا. “العروبة موجودة في تونس ولكنها ليست المكون الوحيد والأساسي للهوية التونسية. كما أن الإسلام دين وليس هوية ويجب فصله عن العربية لغة وثقافة. فماليزيا وتركيا وإيران دول مسلمة ولكنهم ليسوا عربا ولا يتكلمون اللغة العربية،” قال “نافزي”. وأضاف “هوية الشعب التونسي هي هوية أمازيغية أصيلة تجتمع فيها مع مكونات ثقافية مختلفة ومتنوعة ولكن تسعى إلى أن تتكامل وتتوحد في إطار جمهورية موحدة ذات سيادة تكون المواطنة فيها العنوان الأول والأبرز وتكون فيها الحربة والعدالة الاجتماعية والمساواة المبادئ الكبرى والأساسية.”

للشأن الاقتصادي والاجتماعي أهمية كبيرة لدى حزب “أكال”. حيث ينطلق في برنامجه وعمله السياسي على تعزيز اقتصاد تونس. كما يسعى الحزب على المدى البعيد إلى توحيد بلاد شمال أفريقيا سياسيا واقتصاديا، لما فيه استغلال الثروات موجودة في المنطقة وعقد برنامج اقتصادي يحول هذه الثروة إلى قوة تنتج قوة تعيد الاعتبار للمنطقة وسكانها، أمازيغ كانوا وغير أمازيغ. يقول “نافزي” أن “فشل أحزاب اليمين واليسار في تونس في تأمين حياة مستقرة ومستوى معيشة جيدة ووضع الاقتصادي والاجتماعي مستحق للتونسيين، يتيح الفرصة لهم لوضع ثقتهم بحركة جديدة مختلفة عن سابقاتها كما “أكال”.

الحكومة التونسية ومحاولات العرقلة

في الواقع، منذ انطلاقته، أثار الإعلان عن حزب “أكال” نقاشا حول مدى قانونية تشكيل حزب يقوم على الأمازيغية كأساس ومرجعية في تونس. يحوم هذا النقاش حول مرسوم عدد 87 لسنة 2011 مؤرخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسي، خصوصا فصله الرابع الذي “يحجر على الأحزاب السياسية أن تعتمد في نظامها الأساسي أو في بياناتها أو في برامجها أو في نشاطها أي دعوة إلى العنف والكراهية والتعصب والتمييز على أسس دينية أو فئوية أو جنسية أو جهوية.” فمصطلح “فئوي” أو “فئة” الذي يفتقر للتعريف القانوني ممكن أن يشكل مانعا دون تشكيل هذا الحزب.

عموما، يبقى هذا النقاش عرضة للاجتهاد القانوني والأخذ والرد بين المعنيين والقانونيين. إلا أن الحكومة التونسية أثارت نقاشا من نوع آخر حول مدى احترام الدولة التونسية لحق التنظم السياسي والتعددية السياسية الحزبية. ففيما أودعت حركة “أكال” ملفا حول التصريح بتأسيس حزبها حسب الأصول القانونية لدى رئاسة الحكومة نهار 13 أبريل 2019، نشرت 15 جوان 2019 وزارة العلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، وهي المكلفة من قبل رئاسة الحكومة تلقّي تصريحات تأسيس الأحزاب الجديدة، على فيسبوك بيانا أنكرت فيه تلقيها لأي ملف من قبل حزب “أكال” وأنه لا يوجد حزب مكون قانونا يحمل اسم “حزب حركة أكال” أساسا. أثار هذا اللغط جدلا اعلاميا كبيرا، محليا ودوليا. كما أثار غضب القائمين على الحزب الذين صرحوا أنهم يملكون كافة الأدلة التي تثبت تقديمه الملف إلى رئاسة الحكومة بجميع الوثائق القانونية لتكوين حزب سياسي وسيتخذون كافة الإجراءات الممكنة لمتابعة هذه القضية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، حراكات اجتماعية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني