وقفة صامتة ضد خطاب الكراهية: لا لتضليل الرأي العام


2019-06-15    |   

وقفة صامتة ضد خطاب الكراهية: لا لتضليل الرأي العام

اتخذ الخطاب السياسي المطالب بعودة السوريين إلى بلادهم منحى يكرّس العدائية ضد اللاجئين، فقد نشطت منذ سنوات إبان الأزمة السورية خطابات عشوائية وأخرى مبرمجة، تُجيش ضدهم وتُخوف من احتمال توطينهم أو دمجهم مع المجتمعات المضيفة.
وانتقلت الخطابات إلى الشارع حيث انعكست بأفعال عدائية تجاه اللاجئين والعمال الأجانب، وبشكل خاص السوريين مما خلق بيئة مناسبة لانتهاك الحقوق الإنسانية والقانونية لهم. وظهرت هذه العدائية بحالات العقاب الجماعي التي تستهدف لاجئين، كطرد جماعي من مبان أو أحياء أو بلدات لبنانية، بسبب مخالفة قانونية أو جريمة قد يقوم بها لاجئ، فينفذ العقاب بطرد كافة اللاجئين المتواجدين في المنطقة التي حصلت فيها الجريمة.
رفضاً لخطاب الكراهية هذا، نظم الأربعاء 12 حزيران 2019 ناشطون وصحافيون مستقلون وقفة صامتة في ساحة سمير قصير في بيروت. وأعتبر المشاركون في البيان المقتضب الذي وزعوه أنه “قبل أن نسقط في القعر، وفي متاهات لا تُحمد عقباها، نجتمع في وقفة احتجاجية صامتة وسلمية ضد خطابات الكراهية التي انتشرت في الأسابيع الماضية والتي من شأنها ضرب مجتمعنا وتعميق التشدد وثقافة الفصل”. الناشطون حملوا شارات صفراء كُتب عليها “ضد خطاب الكراهية” كما رفعوا يافطات كُتب عليها شعارات ترحب باللاجئين مثل “أهلاً باللاجئين”، “ليش ما بتجربوا المحبة؟ أسهل من العنصرية أكيد!”، ويافطة أخرى سخرت من مواقف وزير الخارجية جبران باسيل جاء فيها “خذوا جبران وأعطونا لاجئين”. كما رفعت شعارات تشير إلى أن “العنصرية أيضاً إرهاب”.
ورأى البعض أن آخر هذه الخطابات التي عبرت عن كراهية جاءت على لسان الوزير  باسيل، ووُضعت في خانتي “العنصرية والكراهية”. ويُضاف إليها الانعكاسات في الشارع اللبناني من خلال حملة سميت ب “تنظيف” سوق العمل اللبناني من الايدي العاملة السورية وتولاها قطاع الشباب في التيار الوطني الحر. وفضلاً عن ذلك، الإجراءات التي اتخذها اتحاد بلديات منطقة دير الأحمر بإخلاء مخيم يضم نحو 600 لاجئ، تبعاً لإشكال حصل بين سوريين وعناصر من الدفاع المدني أدى إلى جرح أحد العناصر.

أخبار مضللة عن حقيقة الأزمة

ورأى الحاضرون خلال الوقفة الصامتة أن الخطاب المناهض للاجئين يتلطى وراء أخبار مضللة ينشرها سياسيون وإعلاميون ومواقع الكترونية، سمحت بأن ينتقل هذا الخطاب إلى الشارع، مما أسفر عن انتهاكات عدة للحقوق الإنسانية للاجئين في لبنان. ويعطي أحد الناشطين مثالاً عن الحملة التي نشطت في الآونة الأخيرة لقطاع الشباب في التيار الوطني الحر تحت عنوان “بتحب لبنان وظف لبناني”. الحملة المذكورة قام بها منتسبون إلى التيار، فعمدوا إلى النزول إلى الشارع والقيام بما يُشبه “مداهمة” للمحال التجارية التي توظف سوريين. وعلى الهواء مباشرة بمواكبة عدة وسائل إعلامية، تم إذلال العمال، وتحميلهم مسؤولية البطالة في صفوف الشباب اللبناني.  وطلب منظمو الحملة إلى أصحاب المحال الالتزام بقانون العمل اللبناني وبالتعميمات الصادرة التي تمنع إشغال السوريين في غير المهن المحصورة بهم.

وتزامنت هذه الحملة مع تصريحات لوزير الخارجية اللبناني ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وُصفت بالعنصرية. إذ صرح باسيل بخطاب وصف بال”فوقي”، أريد منه رفع قيمة اللبناني عن أي جنسية أخرى، حيث قال خلال مؤتمر الطاقة الاغترابية قبل نحو أسبوع، “لقد كرسنا مفهوما لانتمائنا اللبناني  وهو فوق أي انتماء آخر، وقلنا إنه جيني، وهو التفسير الوحيد لتشابهنا وتمايزنا معا، لتحملنا وتأقلمنا معا، لمرونتنا وصلابتنا معا، ولقدرتنا على الدمج والاندماج معا من جهة، وعلى رفض النزوح واللجوء معا من جهة أخرى”.

تصريح باسيل فُهم بأنه يعتبر أن للمواطن اللبناني تفوق جيني على باقي الجنسيات غير اللبنانية، ومن منطق الانتماء لـ “اللبنانية” على اللبناني رفض النزوح واللجوء. ثم حاول باسيل في تصريح آخر أن يرفع عن نفسه أي تهمة بأن كلامه موجه للسوريين فقط، إذ قال في تصريح آخر بأنه “من الطبيعي أن ندافع عن اليد العاملة اللبنانية يوجه أي يد عاملة أخرى أكانت سورية، فلسطينية، فرنسية، سعودية، إيرانية، أو أميركية، فاللبناني قبل الكل”.
تصريحات باسيل هذه، أغضبت العديد من اللبنانيين الذين أعربوا عن أرائهم على تويتر حيث نشطت التغريدات والتعليقات المناهضة له، كذا وقد اتسعت حدة تداعيات تصريحاته إلى حد هجوم الكتروني من مغردين سعوديين دعوا إلى طرد العمال اللبنانيين من السعودية، ومنهم من صرح أنه طرد عمالاً لبنانيين يعملون لديه. في المقابل نشطت حسابات أخرى تدافع عن باسيل وعن تصريحاته، وترفض اتهامه بالعنصرية.

خلال الوقفة دعى بعض الناشطين إلى ضرورة التوعية العلمية حول حقيقة الأزمة ورفض الأرقام العشوائية التي لا تستند برأيهم إلى مصادر ذات مصداقية. وبالتحديد فإن الأرقام التي تداولها التيار الوطني الحر، ضمن حملة مناهضة العمالة غير اللبنانية، أشارت إلى أن “عدد العمال السوريين في سوق العمل اللبناني قد بلغ 960.000 عامل، وأن عدد اللاجئين السوريين في لبنان يشكل 40 بالمئة من تعداد الشعب اللبناني، وأن نسبة البطالة ارتفعت بين العامين 2011 و2018 من 11 % إلى 35%، وأن عدد الولادات السورية يومياُ يتخطى عدد الولادات اللبنانية. وارفقت هذه المناشير بعبارة “سوريا آمنة للعودة ولبنان لم يعد يحتمل”. كذا وتم توزيع رقم هاتفي على منشور آخر يقول “إحمِ العامل اللبناني وبلغ عن المخالف”، ودعا المنشور لإرسال صورة أو فيديو يوثق المخالفة.

هذه المعلومات تقابلها أرقام معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، التي نشرها على صفحته مدير البحوث في المعهد ناصر ياسين. تشير الأرقام في ما يخص الوظائف التي يشغلها اللاجئون السوريون في لبنان، وتصدياً للأخبار التي تشير إلى أن المنافسة بين الأيدي العاملة اللبنانية والسورية وأن السوريون يشغلون وظائف اللبنانيين، أن “29 بالمئة من الشباب اللاجئين السوريين (اللذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 سنة) يعملون في لبنان، ومنهم 86 بالمئة يعملون في القطاعات الثلاثة: البناء (24%)، الزراعة (29%) والخدمات الأخرى تشمل التنظف هم 33 %.

وبالنسبة لما يُشاع عن أن نسبة الجريمة ارتفعت بعد أزمة اللجوء، تقول أرقام المعهد بأن “5 بالمئة من السوريين قبض عليهم لارتكابهم جرائم قتل من مجموع السوريين المعتقلين في لبنان عام 2016”. وأما بالنسبة لما يقال أيضاً عن أن السوريين يتلقون مساعدات بمئات الدولارات شهرياً، يرى المعهد بأن “27 دولار أميركي هو مدخول كل فرد، أي 135 دولار شهرياً لأسرة مؤلفة من 5 أشخاص، وهو مبلغ المساعدات النقدية التي يتم تقديمها على شكل بطاقات الكترونية ل 654.000 لاجئ سوري مسجل في لبنان”.

يقول ياسين للمفكرة بأننا “لا ننكر وجود أزمة نتج عنها ضغط تتحمله المجتمعات المضيفة جراء اللجوء السوري”. معتبرا  أن “الأزمة الحقيقة موجودة في المجتمعات المضيفة الأكثر فقراً في لبنان، على خلاف ما يصوره البعض بطريقة مضللة بهدف تحقيق مكسب سياسي”. ويشرح ياسين بأن “الضغط يظهر على الموارد الطبيعية في المجتمعات المضيفة، وليس على البلاد ككل، والدليل أن غالبية الشباب من اللاجئين لا تزال تعمل في القطاعات التي عملوا فيها تاريخياً، أي في البناء والنظافة والزراعة”. لذا، فإن المنافسة التي تحصل بين الأيدي العاملة اللبنانية والسورية تحصل في المناطق الأكثر فقراً، وهي مناطق لا يوجد فيها توليد فرص عمل تاريخياً إلا الوظائف عبر الدولة مثل الدخول إلى الجيش”.
بالتالي، فإن نسبة قليلة بحسب ياسين “تعمل في القطاعات الأخرى مثال في الخدمات والوظائف التي تستوجب مهارات معينة، ما يستوجب تنظيم العمل في هذه القطاعات بأن نضع خطط ودراسات تنظم إجازات عمل لحماية العمال من كافة الجنسيات”. ويرى ياسين بأنه على “الدولة وضع حل علمي، وتجنب قلب الناس على بعضها البعض والسماح بالتصرفات العشوائية”. ويشرح ياسين بأن ما يحصل اليوم هدفه: أولاً خلق شعبية ورأس مال سياسي وانتخابي عند بعض المسؤولين، وثانياً، الاعتقاد بأنه لو خلقنا بيئة غير مرحبة وعدائية لوجود السوريين فسيعودون إلى سوريا. وفي كلا الحالتين، يلفت ياسين إلى أنهما “لا تصيبان بشكل إيجابي، بسبب أن الهدف الأول غير أخلاقي والثاني غير قانوني ولا إنساني”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، حقوق العمال والنقابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني