نقيب محامي طرابلس يعدّ توقيع بيان دعم استقلال القضاء تمرّدا: لا مكان للرأي المخالف في نقابة الحريات؟


2019-06-09    |   

نقيب محامي طرابلس يعدّ توقيع بيان دعم استقلال القضاء تمرّدا: لا مكان للرأي المخالف في نقابة الحريات؟

في الوقت الذي أسس فيه القضاة جمعية لهم بعد خمسين سنة من شلّ جمعيتهم الأولى المنشأة في 1969، ودعوا فيه لندوات مفتوحة للاحتكام إلى الرأي العام، برزت في المقلب الآخر، لدى نقابة محامي طرابلس التي تتغنّى باحترام الحريات، ظاهرة كمّ الأفواه.

وكان قرابة 250 محامٍ من نقابتي بيروت وطرابلس تداعوا لتوقيع بيان عبروا فيه عن وجهة نظرهم حول الحراك القضائي ومطالب القضاة واعتراضاتهم على مشروع الموازنة العامة لسنة 2019. وبعدما أكد البيان أن أي مسّ لضمانات القضاة المالية يعدّ مخالفة دستورية ووصف أوضاع العدلية بما يعتريها من تدخلات وشوائب، شدّد موقعوه على أن” استقلال القضاء ليس حقا أو امتيازا للقضاة وحدهم بل هو شرط ضروري لضمان المحاكمة العادلة وحق للمتقاضين باللجوء إلى قاض مستقل ومحايد وقادر”. وقد ذهب البيان أبعد من ذلك بقوله أنه لا يجوز أن يتم تظهير مسألة التعرض لاستقلال القضاء على أنها شأن محصور بالقضاة بل هو يهم كل العاملين في القطاعات المهنية المعنية بتحقيق العدالة وفي مقدمتهم ضمنا المحامين، ولا سيما المحامين الملتزمين بآداب مهنتهم والمترفعين عن اعتماد الوسائل الملتوية بالدفاع عن مصالح موكليهم.

ما أن تم نشر البيان مع أسماء الموقعين عليه يوم الجمعة الواقع في 7 حزيران، حتى علت أصوات شاجبة لتلك الخطوة. وقد ذهب بعض هذه الأصوات إلى اعتبار أن ما قام به المحامون الموقعون يشكل تمرداً على موقف النقابة المعارض لحراك القضاة، داعين إلى فصلهم. أما الطامة الكبرى فتمثلت بقيام نقيب المحامين محمد مراد بالاتصال بكل من قام بالتوقيع على البيان المذكور ملقياً اللوم عليه بسبب عدم مخابرته قبل اتخاذ تلك الخطوة طالبا منهم سجب تواقيعهم أو العدول عنها. وفيما أصر جميع الموقعين على إبقاء تواقيعهم على البيان الذي تم نشره لوسائل الإعلام حسبما نما إلينا، عاد النقيب ليستدعي جميع الموقعين إلى النقابة على دفعتين: الدفعة الأولى كانت مخصصة للمحامين المتدرجين يوم السبت الفائت والدفعة الثانية غدا الإثنين للمحامين بالإستئناف.

بطبيعة الحال كان “اجتماع” السبت خالياً من أي تبادل لوجهات النظر. فقد عكف النقيب على التأكيد بأن مجلس النقابة هو وحده المخول إبداء الرأي في تلك المسائل، معتبراً أن أي موقف يخرج من محامٍ قبل إعلامه به يعتبر تمرداً على الموقف الموحد للنقابة. وختم حديثه قائلاً: “ما كل واحد يفتح عحسابه”.

وإذ تشجب “المفكرة” استخدام هذه الأساليب ضدّ من يتحرك دفاعا عن استقلال القضاء والمحاكمة العادلة، فهي تذكر النقابة بالمسلمات الآتية:

  • أولا، أنه يفترض أن تكون النقابة وممثلوها على مستوى ما يعلنونه من التزام بمبادئ الحرية. وهذا يعني ليس فقط الالتزام بحرية من يوافقها الرأي (فليس في ذلك من فضل) بل أولا بحرية من يعبر عن رأي مخالف. وهذا الأمر يصح على المحامين من أعضائها وغير المحامين على حد سواء،
  • ثانيا، أن الدور الأساسي للنقابة وسبب وجودها هو ضمان حق الدفاع للمتقاضين والدفاع عن مصالح المحامين. ومن البديهي أن حق الدفاع يفقد الكثير من معناه في غياب استقلال القضاء والمحاكمة العادلة. فلماذا بحّ الصوت، ولماذا المعرفة القانونية، ولماذا الجهد الذي يبذله المحامي، بل لماذا المحاماة، إذا غدا القضاء قضاء تعليمات تتكون قناعاته بمعزل عن الأداء المهني للمحامين؟ الأمر نفسه بخصوص نجاح المحامين الملتزمين بأصول المهنة والمترفعين عن استخدام الوسائل غير المشروعة والذي يصبح مستحيلا في غياب هذه القيم. وعليه، ينتظر من نقابتكم أن تكون مدرسة تحثّ أعضاءها للدفاع عن مبادئ استقلال القضاء ومنعته، وتحصنهم إزاء أي سوء قد يتعرضون له ممن لا تروق له هذه المبادئ، ومنهم محامين لم يجدوا حرجا في تهديد هؤلاء بالفصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي،
  • ثالثا، أن أي مراقبة جدية لأوضاع قصور العدل تظهر الجنوح الحاصل فيها، في ظل سواد ثقافة التدخل في القضاء وتحكّم السلطة السياسية في مفاصلها وهو أمر فادح لدرجة أن إنكاره بات بمثابة شهادة زور. وهذا ما نستشعره يوما بعد يوم، على وقع الفضائح القضائية التي تكون في عمقها فضائح تدخل سياسي في القضاء، تماما كما هي حال التشكيلات التي باتت تتكون مراكزها الحساسة من لوائح حزبية (تشكيلات 2017 مثالا). فمهما تكن آراء نقابة طرابلس بشأن الحراك القضائي أو الاعتكاف، ألا يفرض سوء هذا الواقع عليها تقليد وساما للمحامين المدافعين عما تبقى من استقلال قضاة بدل تأنيبهم وتقريصهم واستدعائهم وكأنهم ارتكبوا إحدى الكبائر؟

بقي أن تعلن المفكرة تضامنها التام مع جميع المحامين الذين تم استدعاؤهم وسعادتها الفائقة لانخراطهم في معركة الدفاع عن استقلال القضاء والمحاكمة العادلة، داعية بصدق نقابتي المحامين للإنضمام لهذه المعركة صونا لما أؤتمنتا عليه. فالعدلية اليوم هي أحوج ما تكون لنهضة لا أمل منها من دون تضافر إرادات القضاة المستقلين والمحامين الأحرار. معا نستطيع. فلنحاول…

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، لبنان ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني