بعد مفاجأة اللبنانيين بتكليف الجيش بحفظ الأمن الداخلي منذ 1991، نسأل: “أين المرسوم؟ هل رأى أحدكم المرسوم؟”


2019-05-18    |   

بعد مفاجأة اللبنانيين بتكليف الجيش بحفظ الأمن الداخلي منذ 1991، نسأل: “أين المرسوم؟ هل رأى أحدكم المرسوم؟”

في خضم النقاش حول الموازنة وامكانية الغاء التدبير رقم 3 المتعلق بتعويضات الجيش، برز الكلام عن مرسوم قيل أنه صدر سنة 1991 يحمل الرقم 1 والذي تم بموجبه تكليف الجيش حفظ الأمن في الداخل.

يطرح هذا المرسوم اشكالية كبيرة كونه بكل بساطة لا وجود له. فمن خلال تصفح الجريدة الرسمية لسنة 1991 لا وجود لأي مرسوم يحمل هذا الرقم أو هذا العنوان لا بل أن وجود هكذا مرسوم هو مستحيل كون أي مختص بالقانون الدستوري في لبنان يعلم يقينا أن المراسيم ترقم منذ بداية ولاية رئيس الجمهورية. وبما أن الرئيس الياس الهراوي انتخب سنة 1989 وأصدر مجموعة كبيرة من المراسيم بين 1989 و1991 يصبح من المستحيل صدور مرسوم يحمل الرقم 1 سنة 1991. علاوة على ذك أن المرسوم رقم واحد صدر فعلا لكن في 25 تشرين الثاني 1989 وهو يقضي بتسمية سليم الحص رئيسا لمجلس الوزراء.

من أجل تقصي مختلف جوانب هذه القضية واكتشاف مكمن الخطأ قمنا بمراجعة قرارات مجلس الوزراء. وبالفعل يوجد قرار رقم 1 اتخذه مجلس الوزراء لكن في 8/8/1990 وهو يتعلق بانهاء حالة تمرد بعض الضباط “ووضع خطة مشتركة مع السوريين وعرضها على مجلس الوزراء في أول جلسة يعقدها.” وبالتالي لا يوجد أي قرار بتكليف الجيش لحفظ الأمن. وفي 28 آذار 1991 عاد مجلس الوزراء واتخذ قرارا بحل الميليشيات على أن ينتشر الجيش تدريجيا لبسط سلطة الدولة واستلام سلاح التنظيمات المسلحة على اختلافها لكن لا يشير القرار إلى تكليف الجيش بحفظ الأمن في الداخل.

أمام هذا الواقع الغريب كان لا بد من إبداء الملاحظات التالية:

أولا: أن تكليف الجيش بحفظ الأمن يتم بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء وليس بقرار عادي كما نصت المادة الرابعة المعدلة من قانون الدفاع الوطني (مرسوم اشتراعي رقم 102 تاريخ 16/9/1983): “إذا تعرضت الدولة في منطقة أو عدة مناطق لأعمال ضارة بسلامتها أو مصالحها، يكلف الجيش بالمحافظة على الأمن في هذه المنطقة أو المناطق وفقا للأحكام التالية: يتم التكليف بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الداخلية ووزير الدفاع الوطني، ويكون لمدة محددة تمدد عند الاقتضاء بالطريقة ذاتها”. حتى لو تم الاستناد على قرارات مجلس الوزراء المذكورة وتأويلها كي تعني تكليف الجيش بحفظ الأمن، فإن هذا الأمر لا يستقيم من الناحية القانونية كون تكليف الجيش بحفظ الأمن يحتاج إلى صدور مرسوم صريح عن رئيس الجمهورية وغير ذلك لا يمكن الاعتداد به إطلاقا.

ثانيا: أن تكليف الجيش هو حكما لفترة محددة ولا يمكن أن يكون تكليفا مطلقا ودائما. فأين هو المرسوم الذي يحدد هذه المدة وأين مرسوم تجديد هذه المدة؟ والذي يؤكد هذا الأمر هو المرسوم رقم 7988 الصادر في 27 شباط 1996 والذي تم بموجبه تكليف الجيش حفظ الأمن في كافة المناطق اللبنانية لمدة تنتهي في 31/5/1996. ولم يصدر أي مرسوم منذ ذلك التاريخ ليكلف الجيش بحفظ الأمن في كافة لبنان علما أن المرسوم رقم 11269 تاريخ 12 تشرين الثاني 1997 قضى بتكليف الجيش بالمحافظة على الأمن في منطقة بعلبك-الهرمل لمدة ثلاثة أشهر.

ثالثا: أن تكليف الجيش بحفظ الأمن يؤدي إلى عواقب خطيرة لجهة توسيع صلاحيات السلطة العسكرية وتقليص الحريات المدنية للمواطنين وفقا لما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من قانون الدفاع الوطني: “لقائد الجيش أن يتخذ جميع التدابير التي تؤول إلى الحفاظ على الأمن ولا سيما: – تفتيش الأبنية وسائر الأمكنة في أي وقت كان بعد موافقة النيابة العامة المختصة. – مراقبة الموانىء والسفن في المياه الإقليمية. – مراقبة دخول الأجانب إلى لبنان والخروج منه. – منع الاجتماعات العامة غير المرخص بها او ذات الطابع العسكري. – ملاحقة المخلين بالأمن وإحالتهم على القضاء خلال خمسة أيام من تاريخ توقيفهم. – مكافحة التهريب على أن يحال جميع من يخالف أحكام الفقرة الثالثة أمام المحاكم العسكرية. فهل يعقل أن لبنان يخضع منذ 1991 لهذا النظام الأمني الاستثنائي دون أن نكون على دراية بذلك؟

إن هذه الملاحظات كلها تحتم علينا الاستنتاج بأن هذا المرسوم لا وجود له وخلاف ذلك يؤدي إلى اعتبار لبنان في حالة أمنية استثنائية مفتوحة لا سند قانوني لها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني