بتاريخ 15 أيار 2019، مثل كل من المدعى عليهما المقدمة سوزان الحاج وإيلي غبش أمام المحكمة العسكرية الدائمة، وذلك في قضية تلفيق تهمة العمالة مع العدو الإسرائيلي للممثل المسرحي زياد عيتاني. وفيما تحاكم الحاج مع غبش فقط في هذا الملف، يواجه غبش قضية مشابهة على خلفية تلفيقه تهمة عمالة أخرى للعريف المتقاعد في الجيش اللبناني إيزاك دغيم (وقد تم إرجاؤها). وقد عقدت جلسات المحاكمة في القضيتين في اليوم نفسه. ومثل خلال هذه الجلسة الشاهد ميشال قنبوري من شركة itec  المسؤولة عن برمجيات مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية.

تمحورت الجلسة حول رسائل وجهها غبش إلى المقدمة في فرع المعلومات إيلي برقاشي، حيث اختار فريق الدفاع عن الحاج عددا من المراسلات من ضمن داتا الاتصالات الموجودة لدى المحكمة ليتم عرضها خلال الجلسة. وقد سعى فريق الدفاع عن الحاج من إبراز هذه المراسلات أن يثبت أن غبش متخصص في عمله مع فرع أمن الدولة، بقضايا العمالة، وتاليا أنه صاحب فكرة تلفيق ملف العمالة للممثل زياد عيتاني. إلا أنه يصعب أن تكون التسجيلات المعروضة كافية، لا سيما أن لا دلالة على إتصالها بملف عيتاني.

إستهل رئيس المحكمة العميد حسين العبدالله الجلسة بتكرار أن “المحكمة لن تعود إلى الإستجواب بالطريقة التي كانت تسير فيها”، وطلب من المحامين أن يتقدموا بطلباتهم. وقد أعلم محامي غبش المحكمة أن لا أسئلة لديه وأنه بإنتظار مجلس نقابة المحامين في بيروت ليجتمع حتى تنتهي المعاملات اللازمة لتصديق وكالته بدلاً عن المحامي السابق لغبش. أما فريق الدفاع عن المقدمة سوزان الحاج، فقد طلب وكيلها مارك حبقة أن يتم الإستماع إلى تسجيلات صوتية بين غبش والمقدمة  لدى فرع أمن الدولة إيلي برقاشي.

البداية كانت مع رسالة نصية من برقاشي إلى غبش، يفترض فيها أنه “إذا شب عامل add  على تويتر أو إنستاغرام لكذا بنت اسرائيلية يعني أكيد في conversation (محادثات)، لما قول موساد تما نروح لبعيد (لكي لا نذهب في خيالنا لبعيد ونقول أنه يتواصل مع الموساد)”. سرعان ما يتبين أن هذه الرسالة لا علاقة لها بالقضية المعروضة أمام المحكمة، فتبرر الحاج ومعها وكيلها حبقة أن عرضها يهدف إلى إثبات أن “غبش كان يعمل مع برقاشي حصراً على قضايا العمالة”. وأضاف حبقة في هذا المجال أن “عرض التسجيلات يبين أن هذا هو عمل غبش أصلاً (قضايا العمالة). ومن هنا، جاءت فكرة تلفيق العمالة”. في نفس السياق، يتم عرض مراسلة يطلب فيها برقاشي من غبش “عملاء”: “بدنا عملا”، فيجيبه الأخير أن “العملاء لا تجدهم على الـ website (المواقع الالكتروينة) إنما على الـ Databanks. وهي قاعدة بيانات – يتم تنظيمها بطريقة تسهل استرجاع المعلومات المحلية أو عن بُعد وتكون قادرة على معالجة عدد كبير من الاستعلامات المستمرة على مدار فترة زمنية طويلة. ويعطي غبش موقع Metula  الاسرائيلي مثالاً على هذا النوع من قواعد البيانات.

لاحقاً، بتاريخ 10 أيلول 2017، أي قبل شهر ونصف الشهر على توقيف عيتاني، يرسل غبش إلى برقاشي أن زميله في أمن الدولة جبران الميسي تواصل معه وأخبره أن “العيتاني لديه ملفات عمالة منذ عام 2013”. يضيف غبش في التسجيل “لا أعرف إذا كان نفس الشخص أو غيره”، ويرسل له صورة الممثل عيتاني التي زودته بها الحاج للتأكد. وكان قد تم التطرق إلى هذه الرسالة في جلسات سابقة، حيث أفاد غبش في جلسة 25 كانون الثاني 2019 أنه عندما تواصل مع أمن الدولة في إثر لقائه بالحاج بعد إنتشار الـ screen shot لعلامة الإعجاب التي وضعتها على تغريدة مسيئة للمرأة السعودية، أخبروه أنهم منذ ثلاث سنوات يتلقون إخباريات أن عيتاني يتواصل مع أشخاص إسرائيليين خارج لبنان ولم يوقفوه لعدم توافر الأدلة. وقتها، وفقاً لإفادة غبش، فقد سارع إلى إخبار المقدّمة الحاج بهذه المعلومة فجاء ردها “عملو أدلة (أقم عليه الدليل)”.

بالعودة إلى التسجيلات، يختار فريق الدفاع تسجيلاً آخر يقول فيه غبش لبرقاشي أنه “إذا كان حديث ميسي صحيحا، إطلب منه أن يصوّر الملف ويريني إياه”. ثم يعود ليقول له أن ميسي “هاتفني أمس ربع ساعة، ويبدو أنه نفسه الشخص الذي كنت أعتقد أنه تابع للوزير الريفي (في إشارة إلى الصحافي زياد عيتاني)، وأخبرته أنه يمكن أن نقوم بفتح مراسلاته على فايسبوك بشرط أن لا يسألني أحد كيف ومن”. ويوضح غبش شرطه، رداً على سؤال الرئيس عبدالله، أن “خرق المراسلات الخاصة هو عمل غير قانوني”، وهو بالتالي يشترط أن يضمن له عناصر أمن الدولة الذين يشغّلونه عدم ملاحقته أو مساءلته عن هذا الموضوع.  يرد برقاشي مؤكداً أنّ أحداً لن يعلم: “أكيد كالعادة لا أحد سيعرف غيرنا نحن الثلاث، حتى أن الضابط سألني اليوم فطلبت منه أن لا يتواصل معك أبداً”. وينتقل برقاشي في هذه الرسالة الصوتية إلى الإتفاق المالي مع غبش، فيقول له “المهم الـ Money (الأموال)، الدفعة كبيرة لأن هذين الإثنين برجو الأرض (يثيرون جلبة كبيرة)”. وهنا يجيبه غبش أن ميسي وعده بمبلغ يوازي “كلفة المطبخ وما فوق”. هذا مع العلم أن غبش لم ينكر سابقاً كونه اتفق مع أمن الدولة على مبلغ مالي مقابل ملف عيتاني، وقد كرر ذلك في الجلسة مؤكداً للمحكمة أنه “لم أنكر يوماً أننا اتفقنا على مبالغ مالية”.

وفقاً لحبقة، لاحقاً بتاريخ 13 تشرين الثاني (أي قبل عشرة أيام من توقيف عيتاني)، تم إبلاغ غبش من قبل أمن الدولة أنه هناك مشكلة بتأمين الملف (ملف عيتاني). يتلقى بعدها غبش رسالة من برقاشي يطلب فيها إليه أن “يمتنع عن التواصل مع ميسي خلال الأيام القادمة لأن والدته في المستشفى ووضعها الصحي صعب”، ثم يتطرق لمسألة معاش شهري يبدو أنه يتم عرضه على غبش من قبل أمن الدولة. يجيب غبش أن المعاش ليس موضوع اتصاله، ولكنه يطلب منه أن يجيبه عن هذه الناحية ما دام جاء على ذكره. يجيب برقاشي بالقول أنه “إذا الله راد وزبطت خطتنا منكون ثبّتنا إجرينا”. هنا يتوجه حبقة بالسؤال إلى غبش ما إذا كان قد أبلغ الحاج بكل تفاصيل تواصله مع أمن الدولة. فأوضح غبش أن هناك 3 مجموعات واتساب و3 مجموعات على تطبيق محادثات آخر بينه وبين عناصر امن الدولة، بالتالي من الطبيعي أن لا أخبرها بكل شيء.

يتدخل لهذه الجهة معاون مفوض الحكومة القاضي رولان الشرتوني ليؤكد على حرفية جملة غبش: “قال ليس كل شيء أقوله”.

يستكمل عرض التسجيلات، مع رسالة من قبل غبش يقول فيها “موضوعك إنتهى طان بدو شهرين، قطشو صار نصن”. ويعلّق حبقة بالقول هنا أنّ المقصود في هذه الرسالة أن “ملف زياد أصبح جاهزاً”. فيرد غبش أن “هذه إستنتاجات فأنا أعمل معهم على الكثير من الملفات”. فيتم عرض تسجيل آخر يعلم برقاشي فيه أنه أنهى العمل ويقول له “الملف bomba (إشارة إلى كبر الملف)” ثم يشترط على برقاشي تسليمه 2000 دولار قبل أن يسلّمهم أي شيء. يتذكّر غبش عند عرض التسجيل الأخير موضوع الملف فيوضح أن “هذه المحادثة مرتبطة بلمف قرصنة لموقع Metula agency  وهو موقع إسرائيلي، وقمت بالعمل المطلوب في هذه القضية ولم أقبض ما اتفقنا عليه”. ويعود ليعترض على إقحام هذا الملف في قضية عيتاني، متسائلاً “هل أحاكم على خرق وكالة أنباء إسرائيلية؟” فتتدخل الحاج بالقول: “إذا تمكنت المحكمة من الإطلاع على تتالي الرسائل ستجد أن الحديث بدأ بموضوع زياد عيتاني وأكمل بهذه الرسالة”. ما تقوله الحاج لهذه الناحية ينطبق على ما سبق أن توجّهت به النيابة العامة لها سابقاً عندما ادّعت عدم إرتباط عدد من الرسائل بقضية عيتاني لأن علاقتها بغبش كانت تتضمن إهتمامات مهنية أخرى. وجاء في السؤال وقتها:” عندما يقول لك نلتقي حسب تطورنا، ولا يوجد في الحديث أي أمر يتعلق بعمل بينكما، كل ما في الحديث يتصل بزياد عيتاني والتقرير الذي يعده عنه، وعن الزيادين وهل هما شخص أو شخصان، عمّاذا يمكن أن يكون التطور المقصود بهذا الموضوع؟” وقد بقي وقتها سؤال النيابة العامة من دون جواب عليه من قبل الحاج.

إلى جانب عرض هذه التسجيلات، كان من اللافت إفادات الشهود الذين طلب فريق الدفاع عن الحاج حضورهم. وقد تم الاستماع إلى ميشال قنبور من شركة itec  المختصة بتكنولوجيا الاتصالات والمسؤولة عن برمجيات مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، وذلك بهدف التأكيد للمحكمة أنها (الحاج) قد تواصلت معه بعد عزلها لتخبره عن خرق حصل لموقع المكتب. ليوضح غبش لاحقاً أن تواصل الحاج مع قنبور قد حصل في إثر إعلامها من قبل غبش بحصول خرق وإمكانيته، وأنه كان يقف إلى جانبها في منزلها عندما تم الإتصال بينها وبين قنبور. ولم تعترض الحاج على هذه الرواية.

إلى ذلك، كان فريق الدفاع عن الحاج قد طلب حضور مدير تحرير أخبار اليوم، لكنه لم يحضر. وأخبرت الحاج أنها طلبت حضوره لكي يشهد أنها إتصلت به وأبلغته عن خرق موقعه، وذلك في سياق حملة القرصنة التي شنّها غبش على مواقع إخبارية. وكان غبش ادّعى أنه قام بذلك بالاتفاق مع الحاج بعد عزلها من موقعها وذلك بهدف إثبات حاجة المكتب إليها.

على هامش الشهادتين، يطرح سؤالان: “لماذا كانت علاقات المقدمة  خلال ترؤسها المكتب شخصية إنطلاقاً من طريقة تشغيبها للمقرصنين، وصولاً الى علاقتها مع شركة itec لا سيما أنها وقنبور أشارا إلى أنه سألها بعد فصلها هل يكمل مع المكتب أم يتوقف، فأشارت له بالاستمرار”. والسؤال الثاني، هل تدعم هاتان الشهادتان الحاج فعلاً في القضية، أم أنها تدعم ما إدّعاه غبش عن إرادتها أن يتكلم الإعلام عن تراجع إمكانيات المكتب بعد فصلها؟”

هذه الجلسة كانت الأخيرة بين جلسات الاستجواب، وقد أرجئت إلى 30 أيار الحالي للمرافعة.

مقالات ذات صلة:

استجواب لافت في قضية “تلفيق تهمة العمالة لزياد عيتاني”: الغرفة السوداء موجودة وجرمانوس لا يحقّق في قضايا التعذيب

غبش في قضية تلفيق العمالة لدغيم: لم أكن أعرف أن ضحيتي اعترفت تحت التعذيب

قضية “تلفيق تهمة العمالة لزياد عيتاني”: المحكمة تعيد ملف “إدعاء التعذيب” إلى جرمانوس

لعسكرية تحقق مع الحاج في قضية “تلفيق العمالة لزياد عيتاني”: “إنت لتدافعي عن حالك، لازم تقوليلنا شي منطقي”

إستجواب غبش في “تلفيق العمالة لزياد عيتاني”: اخبرنا عن “نفسية المقدّم الإنتقامية”!

معايير مزدوجة للنيابة العامة في لبنان: زياد عيتاني نموذجاً

محاولة فاشلة لإعلامية لمنع التداول بخطاياها: القضاء اللبناني يقرّ حق الضحية بإشهار المرآة

مسرحية “وما طلت كوليت”: الرقيب الأمني ينحني أمام حق الضحية، والسياسي يدافع عن الجلاد

المقدم الحاج وغبش يمثلان للمرة الأولى أمام العسكرية… والمحكمة تبرر قراراتها لفريق الدفاع

أبو غيدا استجوب غبش من دون وكيله ولا إفراج عن عيتاني قبل الاستماع إلى الحاج

الصحافة اللبنانية وقضية زياد عيتاني: انتهاك لألف باء المهنة

قضية زياد عيتاني: المهنية الضائعة بين الإعلام والأم