نحو ثلاث سنوات مرّت على استئناف النيابة العامة الاستئنافية في بيروت قرار نقابة المحامين بحجب الإذن عن ملاحقة المحاميين ماغي وزني وزوجها وسيم شعر المشتبه بارتكابهما “السمسرة القضائية”. وكانت القضية بدأت فصولا في سنة 2016، بعدما نشرت قناة “الجديد” تحقيقا استقصائيا أعدّه الصحافي رامي الأمين على حلقات ثلاث، تحت عنوان “العالم السفلي للعدالة في لبنان”. وملخص ما ظهر في حلقات التقرير الثلاث، أن المحاميين زارا الكاتب العدل أسامة غطيمي وعرضا عليه التدخل لدى قاضي التحقيق الناظر في قضية مرفوعة ضدّه. وقد عرضا عليه إقناع القاضي بحفظ الدعوى مقابل تسديدهما مبلغ مائة وخمسين ألف دولارا أميركيا. وهذا الفعل المثبت بالصوت والصورة، إنما يقع تحت طائلة عدد من مواد قانون العقوبات، منها المادة 352 من قانون العقوبات التي تعاقب صراحة المحامي الذي يلتمس مالا مقابل أداء عمل مناف لوظيفته بالاعتقال المؤقت الذي قد يصل إلى خمس عشرة سنة حبس وبغرامة مالية تعادل ثلاث مرات ما التمساه. وإذ طلبت النيابة العامة من مجلس نقابة محامي بيروت إعطاءها الإذن بملاحقتهما، رفضت هذه الأخيرة إعطاء الإذن على أساس أسباب واهية لا تستقيم أمام أي نقاش جدي، أبرزها أن الفعل يتّصل بممارسة المهنة وأنه لا يمكن إعمال جرم صرف النفوذ بحق محام. تبعا لذلك، عادت النيابة العامة الاستئنافية في بيروت واستأنفت القرار بحجب الإذن أمام محكمة استئناف بيروت الناظرة في القضايا النقابية. وقد انضمّ كاتب العدل الغطيمي إلى هذه الدعوى، ممثلا بوكيله المحامي علي ناصر الدين.

 

تفاصيل الجلسة

إذن، بعدما صدر عن المحكمة قرار بتاريخ 31 كانون الثاني 2019 يخلص إلى “فتح المحاكمة، ودعوة شعر وغطيمي للاستجواب”، انعقدت جلسة أمام محكمة استئناف المدني الخاصة بالقضايا النقابية في بيروت برئاسة القاضي أيمن عويدات بتاريخ 8 نيسان 2019، والتي حضرها غطيمي جاهزاً للاستجواب ومعه وكيله المحامي جاد طعمة. إلا أن الجلسة أُرجئت إلى تاريخ 13 أيار بسبب تخلف شعر عن الحضور.

من جهتها، حضرت المحامية وزني، وهي مدعى عليها. لكن القرار الصادر عن المحكمة استثناها من الاستجواب علماً أن الفيديوهات والتسجيلات المنشورة تشكل مؤشرا قويا على تورطها بعملية “السمسرة”. ولحظة مثولها أمام المحكمة، أدلت وزني بأن زوجها المحامي شعر غير مبلغ أصولا، ورأت أنه كان من المفترض أن يُبلغ بالذات فيما هو تبلغ من خلالها. عندها، اعترض غطيمي وأدلى بأن “شعر تبلغ موعد الجلسة بحسب وثيقة محضر التبليغ”. وجرى نقاش حول حضور شعر، إذ طلب غطيمي بأن يتم صرف النظر عن وجوده لأنه تعمد عدم الحضور. واعتبر غطيمي أنه من غير المنطقي اعتبار شعر أنه لم يتبلغ، خاصة وأنه كان قد وعد وأنه سيرسل شخص من مكتبه إلى المحكمة ليستلم التبليغ. وعدا عن ذلك، لفت غطيمي إلى أن شعر تبلغ محضر تبليغ وصل إلى مكتبه واستلمته المحامية وزني (وهي زوجته) ووقعت عليه بنفسها.

من جهتها، شددت وزني على أن التبليغ كان يجب أن يحصل بالذات، أي أن يستلمه شعر شخصياً وليس عبرها. وبدوره، لفت غطيمي للمفكرة، على هامش الجلسة، إلى أنه هو أيضاً لم يُبلغ بالذات، بل حضر الجلسة مستشعراً بالمسؤولية تجاه القضية، حيث علم تاريخ الجلسة من الإعلام.

على خط مواز، يُلحظ أن ممثل النيابة العامة القاضي رجا حاموش ترك القاعة قبل بدء الجلسة فسجل القاضي على المحضر عبارة: “لم يحضر ممثل عن النيابة العامة”، مع ما يستتبع ذلك من أسئلة حول اهتمام النيابة العامة في ملاحقة هذه القضية. بالمقابل، وكما تفرض أصول المحاكمات في القضايا النقابية، تألفت الهيئة القضائية من عضوين معينين من مجلس نقابة المحامين، إلى جانب قضاة ثلاثة، الأمر الذي يشكل استثناء خطيرا على مبدأ الحيادية الواجب توفرها لدى الهيئة القضائية ومبادئ المحاكمة العادلة. وما يفاقم من هذا الأمر هو أن أحد العضوين هو المحامية ندى تلحوق التي كانت من ضمن أعضاء اللجنة التي حققت في هذا الملف في نقابة المحامين.

 

مخاطر الإفلات من العقاب

أمام تأخر إجراءات المحاكمة لأكثر من 3 سنوات وسط تعنت النقابة ورفضها المستمر في إعطاء الترخيص وفي ظل تكوين الهيئة من خمسة أعضاء (منهم اثنين يمثلان النقابة مصدرة القرار المطعون فيه نفسها)، يخشى أن تفلت الأفعال الخطيرة المنسوبة لكلا المحاميين (سمسرة العدل) من العقاب وأن تسمح لمجلس نقابة محامي بيروت الاستمرار في نهجه في تحصين المحامين إزاء المساءلة، حتى في حال وجود شبهات خطيرة على خروجهم التام عن آداب المحامين كما هي الحال في هذه القضية. وهذه المخاوف والأسئلة تزداد إلحاحا اليوم مع فتح ملف سمسرة العدل، والشبهات التي أظهرتها التسريبات على تورط العديد من المحامين فيها.

للحدّ من هذه المخاطر، يطلب من أعضاء هيئة المحكمة ومن رئيسها خصوصا إيلاء هذه القضية أهمية قصوى وتسريع وتيرتها، وصولا إلى إصدار حكم نموذجي يعيد الانتظام العام لأداء نقابة المحامين ويمكن الجهة المتضررة والنيابة العامة من ملاحقة أفعال ذات خطورة اجتماعية فائقة.

 

مقالات ذات صلة:

جلسة أولى في قضية “سماسرة العدل”

كاتب العدل إلى الاستجواب في قضية “سماسرة العدل

“سماسرة العدل” في رسم نقابة المحامين والتفتيش القضائي: محامون يعرضون صكوك براءة في مكاتب المتّهمين؟

قضية “سماسرة العدل” إلى الحكم غدا: هل ترفع المحكمة الحصانة عن محاميين استباحا القضاء بالصوت والصورة؟

قضية “سماسرة العدل” تراوح مكانها: استئناف بيروت تعيد فتح المحاكمة لمزيد من التحقيقات