عشيّة اليوم العالمي للمرأة، المجلس النيابي اللبناني يلغي التمييز ضد المرأة من أحكام الإفلاس


2019-03-09    |   

عشيّة اليوم العالمي للمرأة، المجلس النيابي اللبناني يلغي التمييز ضد المرأة من أحكام الإفلاس

عشيّة اليوم العالمي للمرأة، ألغى المجلس النيابي اللبناني الأحكام التي تميّز ضد المرأة من باب الإفلاس في قانون التجارة البرّية. وكانت جيلبرت زوين النائبة ورئيسة لجنة المرأة والطفل السابقة قدمت هذا الاقتراح بهدف إلغاء التمييز الحاصل ضد المرأة فيها. وقد حصل ذلك في سياق الدورة الإستثنائية التي عقدتها الهيئة العامة للمجلس النيابي بتاريخ (6 و7/3/2019) وانتهت إلى إدخال عدد من التعديلات على قانون التجارة البرية 1 وإضافة أحكام جديدة عليه.

وإذاً، إلى جانب إقرار القانون أحكاماً أساسياً في أجزاء مختلفة من قانون التجارة، تعود “المفكرة” إليها تفصيلياً في مقالات لاحقة (أبرزها إقرار امكانية تكوين شركة من شخص واحد وإلغاء الأسهم لحامله والأسهم لأمر وإصدار أسهم تفضيلية وإيصالات إيداع عمومية تسمح للشركات المغفلة تأمين التمويل الذي قد تحتاجه خلال فترة معيّنة، فضلا عن أحكام جديدة حول اندماج وانشطار الشركات)، تعدّ أبرز الأحكام المقرّة تعديل أحكام الإفلاس لجهة تأمين المساواة بين الجنسين تحديداً المواد 615 و625 إلى 629.

وفي التفاصيل، إن قانون التجارة اللبناني ينظّم حقوق الزوج غير المفلس تجاه دائني الزوج المفلس منعاً لهضم حقوقه خلال إجراءات التفليسة، ومنعاً لأي احتيال يسمح بالمساس بحقوق دائني الزوج المفلس. إلا أن المواد التي تنظّم حقوق الزوج غير المفلس (625 وما يليها) – وصياغتها تعود إلى العام 1942 – تشير إلى “زوجة المفلس” و”الزوجة” و”المرأة التي كان زوجها تاجرا”، و”أفلس الزوج” و”إذا كان الزوج تاجرا” و”مال زوجها”. بمعنى آخر، فهذه القواعد لا تطبّق بشكل متبادل على الرجل زوج تاجرة مفلسة. ولا بدّ أن هذه الصياغة تعود إلى اعتبار مشرّع 1942 أن صاحب صفة التاجر، المنتج، لا يمكن أن يكون سوى رجلاً، وأن المرأة لا تطرأ على القانون سوى من باب كونها “زوجة” تاجر مفلس يقتضي تنظيم حقوقها مقابل حقوق دائني زوجها.

أبعد من ذلك، كان المشرّع يرتّب النتائج على تصوّره التمييزي هذا، إذ يؤسس في قانون الإفلاس لمبدأ “الملكية المشتركة بين الزوجين” بما يتصل بأموال الزوجة وحدها، بما يخالف القاعدة المعتمدة في لبنان وهي الملكية المنفصلة. وأساس نظام الملكية المشتركة في قانون الإفلاس هو القرينة القائلة بأن الأموال المنقولة وغير المنقولة التي تؤول إلى الزوجة أثناء الزواج تعدّ “مشتراة بنقود زوجها” حتى إثبات العكس، ويقتضي إدخالها ضمن موجودات التفليسة، أو ما يعرف بالprésomption mucienne. وتستند هذه القاعدة على قرينة بوجود غش ومسعى للزوج في تهريب أمواله من ملاحقة الدائنين في حال إفلاسه، من خلال تسجيلها باسم زوجته.

وبالعودة إلى الإشارة الحصرية في قانون الإفلاس إلى “زوجة المفلس” و”التاجر المفلس” كما أسلفنا، يتأتى أن هذه القرينة لم تكن متبادلة، بل تنتج مفاعيلها فقط بحق الزوجة. ففي حال كانت التاجرة الزوجة هي التي أفلست، لا تدخل أموال زوجها ضمن موجودات التفليسة. كما أن القرينة كانت تطبّق حصرياً على الزوجة، دون أفراد العائلة الآخرين، لا سيما أولاد المفلس أو حتى ابنته 2.

فكانت المواد 625 و626 تضمّ إلى موجودات التفليسة، الأموال المنقولة وغير المنقولة التي آلت إلى الزوجة أثناء الزواج بناءً على القرينة المذكورة. فتنصّ المادة 626  (قبل تعديلها من قبل المجلس النيابي في جلسته الأخيرة) على أنه: “فيما خلا الافتراض المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة السابقة تحسب الأموال التي أحرزتها الزوجة مقابل بدل في أثناء مدة الزواج مشتراة بنقود زوجها. ويجب أن تضم إلى موجودات التفليسة، إلا إذا قدمت الزوجة برهاناً على العكس”. كما تشير المادة 625 أن زوجة المفلس تسترجع “العقارات والمنقولات التي ثبت أنها كانت مالكة لها قبل الزواج”، وتلك التي “آلت اليها بطريقة مجانية في أثناء مدة الزواج”، وتلك التي “اشترتها في أثناء مدة زواجها باستعمال نقود آلت اليها (…) بشرط أن ينص عقد الشراء بصراحة على بيان استعمال النقود وأن تثبت الزوجة مصدرها”. بكل الأحوال كان يقع عبء إثبات مصدر الأموال التي تؤول إلى الزوجة أثناء الزواج عليها، أي أن القرينة كانت بأن مصدر هذه الأموال “نقود زوجها”.

وكانت المادة 627 تعتمد القرينة نفسها معتبرة أنه “إذا أوفت الزوجة ديوناً لحساب زوجها كانت هناك قرينة قانونية على أنها أوفت هذه الديون من مال زوجها فلا يمكنها أن تقيم أية دعوى على التفليسة، إلا إذا قام البرهان على العكس”.

وبمعنى آخر، كان المشرّع يعتمد قرينة أن المرأة غير منتجة وتعتاش خلال زواجها من موارد الزوج حتى إثبات العكس، وأنه بهذا المعنى لا فارق واضح بين الذمة المالية لكلّ من الزوجين، ويقتضي الجمع بين ملكيتهما المكتسبة أثناء الزواج، منعاً لهضم حقوق الدائنين. وظلّ الجزء هذا من قانون الإفلاس مجحفاً بحق المرأة حتى بعد تكريس المشرّع في 1994 (القانون 380/1994) الأهلية التجارية الكاملة للمرأة لاغياً ضرورة حصولها على رضى زوجها الصريح أو الضمني لممارسة الأعمال التجارية، من خلال تعديل المواد 11 إلى 13 من القانون التجاري.

وعمد المجلس في جلسته الأخيرة إلى إلغاء هذه القرينة وعدّل نص المواد 625 و626 و627. فتضع المادة 625 الجديدة المبدأ القائل بأنه: “تبقى أموال الزوج غير المفلس، المنقولة وغير المنقولة، خارج موجودات التفليسة”. أما المادة 626 الجديدة فتوضح أنه:”تعتبر من ضمن موجودات التفليسة، أموال الزوج غير المفلس التي يثبت أنها مشتراة بنقود المفلس خلال السنوات الخمس السابقة لتاريخ إعلان الإفلاس. يمكن إثبات الواقعة المتقدّم ذكرها بجميع طرق البيّنة المقبولة في المواد التجارية. ويُعدّ إثباتاً كافياً مجرّد إقامة الدليل على أنه لم يكن الزوج غير المفلس أية موارد شخصية بتاريخ تملّك تلك الأموال، ما لم يقدّم هذا الأخير برهاناً على العكس”. أما المادة 627 فأصبحت تنص على أنه “إذا أوفى الزوج غير المفلس ديوناً لحساب الزوج المفلس، فيعود له المطالبة بحقوقه كسائر الدائنين في التفليسة، ما لم يقم البرهان على أن تلك الديون قد أوفيت من مال الزوج المفلس”.

فينتقل إذاً عبء إثبات أن أموال الزوج غير المفلس مشتراة بنقود المفلس، أو أنه أوفى ديوناً لحساب الزوج المفلس من مال الأخير، ليصبح ملقى على عاتق من يدّعي هذه الواقعة.

كما نلحظ أن المشرّع ألغى تعابير “الزوج التاجر” و”زوجة المفلس” معتمداً “المفلس” و”الزوج غير المفلس” المحايدة جندرياً  والتي تفي بالغرض.

كما عدّل المشرّع عنوان الجزء الخامس من الكتاب الثاني المتعلّق بالإفلاس من “في حقوق زوجة المفلس” إلى “في حقوق زوج المفلس” المحايدة جندرياً كذلك.

إلا أنه من المستغرب عدم استكمال المشرّع مساره لتحقيق المساواة التامة بين المرأة والرجل في القانون التجاري. فحتى بعد التعديل التشريعي في العام 1994 الذي كرّس الأهلية التجارية الكاملة للمرأة كما أسلفنا، إلا أن المادة 14 من قانون التجارة ما زالت تنص على أن “حقوق المرأة المتزوجة تحدد عند الإقتضاء بأحكام قانونها الشخصي وعقدها الزوجي”. وإن كانت نطاق تطبيق القاعدة يفرغها من أي جدوي، أقله بالنسبة للنساء اللبنانيات المتزوّجات في لبنان (إذ لا يقيّد أي نظام أحوال شخصية حقوق أو أهلية المرأة التجارية كما بيّنه البروفسور جورج نفّاع 4)، إلا أن هذه المادة ما زالت مقيّدة للنساء نظرياً، وعملياً في حال إجراء أي تعديل على أحد أنظمة الأحوال الشخصية أو بالنسبة لبعض النساء الأجنبيات.

1- الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 304 تاريخ 24/11/1942

2- C.A. Beyrouth, décision n.244, du 24/2/66, IDR EL, p.239-240, cité in G. Naffah, C. Jalloul, La discrimination de la femme mariée par le code de commerce libanais, http://www.legallaw.ul.edu.lb/ViewResearchPage.aspx?id=43&language=ar
3- عن استخدام عبارات “الشريك” أو “الزوج” المحيدة في التشريع الفرنسي:

V. par ex., G. RIPERT et R. ROBLOT, Traité de droit commercial, t. I, vol. 1, par L. VOGEL, 18è éd. LGDJ, 2001,  n°228 à 231 ; pour le droit français avant ses modifications dans le sens de l’égalité : Comp. A. LEFEVRE- TEILLARD, Cambacérès et le Code de commerce, in Le Code de commerce 1807, livre du bicentenaire, Univ. Panthéon- Assas (Paris- 2), éd. Dalloz 2007, p.11 et les réf. note 44 : sur la question de la femme mariée commerçante discutée une première fois en nov. 1806, cité in G. Naffah, C. Jalloul, La discrimination de la femme mariée par le code de commerce libanais, op.cit.

4- G. Naffah, C. Jalloul, La discrimination de la femme mariée par le code de commerce libanais, op. cit.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني