حق التعويض عن الخطأ القضائي في المغرب: (تعليق حول قرار المحكمة الإدارية في الرباط)


2019-02-27    |   

حق التعويض عن الخطأ القضائي في المغرب: (تعليق حول قرار المحكمة الإدارية في الرباط)

“يحق لكلّ من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة”. هذا ما نص عليه الفصل 122 من الدستور المغربي 2011. وعلى أساسه، تم تقديم عدد من الدعاوى إلى القضاء الإداري المغربي، والتي صدر على أساس إحداها الحكم موضوع التعليق. وينتظر أن تشكل هذه الدعاوى مناسبة للقضاء لتطوير اجتهاد بهدف تحديد شروط استحقاق هذا التعويض في ظل خلو القانون من اي تفصيل لهذا الحق.كما ينتظر أن يكون لهذا الاجتهاد صدى في المنطقة العربية، حيث أن اشكالية التعويض عن الخطأ القضائي وبخاصة من جراء التوقيف الاحتياطي واحتجاز الحرية ما تزال مسألة غير محسومة في العديد من دول هذه المنطقة. لبنانيا، تجدر الإشارة إلى اقتراح قانون قدمه النائب شامل روكز في أواخر سنة 2018 وأعطى الأفراد امكانية “مداعاة الدولة ببدل العطل والضرر بشأن المسؤولية الناجمة عن قرارات التوقيف الإحتياطي، سواء لدى النيابة العامة أو قضاء التحقيق أو الحكم، في حال الحكم المبرم ببراءة المدعى عليه، أو إبطال التعقبات بحقه أو منع المحاكمة عنه بقرار مبرم لأسباب قانونية، وأيا يكن المرجع القضائي الصادرة عنه سواء العدلي أو العسكري أو غيره.“. ونلحظ أن المسؤولية التي استند إليها هذا الاقتراح هي مسؤولية على أساس المخاطر، من دون اشتراط إثبات الخطأ. ويظهر من الحكم موضوع التعليق أنه نحا في نفس الاتجاه. (المحرر)

أصبح الخطأ القضائي بنص الفصل 122 من الدستور المغربي لسنة 2011 من الأخطاء التي يمكن للمتضرر منها أن يلجأ إلى المطالبة بالتعويض عنها، بحيث نصّ هذا الفصل على أنه “يحق لكلّ من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة”.

وقد كان من المتوقع بعد ذلك، صدور نص قانوني يحدد شروط ممارسة هذا الحق. وبالفعل، فإن إحدى نسخ المسودات الصادرة عن وزارة العدل سنة 2014 المتعلقة بالتنظيم القضائي كانت تقترح الإحالة على قانون خاص لتنظيم ممارسة حق التعويض عن الخطأ القضائي. إلا أن النسخة الأخيرة لقانون التنظيم القضائي التي أحيلت على البرلمان وصادق عليها، تم الاكتفاء فيها بالمادة 40 منها على إعادة التذكير بالمبدأ الدستوري المحدد في الفصل 122 من دون أي تفصيل آخر. تبعا لذلك، أصبح القضاء الإداري في مواجهة طلبات متزايدة للتعويض عن الأخطاء القضائية، وتعين عليه تاليا التأسيس لملامح نظرية التعويض عن الخطأ القضائي ببيان حدودها والأسس القائمة عليها.

وقد كان بين هذه الأحكام حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 1/7/2017 (وهو غير منشور) قضى بتعويض لفائدة متضرر من اعتقال احتياطي أمرت به النيابة العامة ولكن المحكمة قضت ببراءته من التهمة المتابع بها.

فما هو ملخص وقائع هذا الحكم القضائي؟ وما هي الأسس والتعليلات التي اعتمدها؟

تفاصيل الحكم القضائي: تعويض عن الإيقاف والتشهير الإعلامي

تتعلق وقائع الحكم القضائي  بدعوى رفعها متقاض مغربي أكد فيها أنه “تم إيقافه من طرف الدرك الملكي بمدينة (..) على متن سيارة كان قد اشتراها، وأنه تم حجز السيارة وإيداعه السجن بأمر من وكيل الملك، ومتابعته من أجل تزوير وثائق إدارية تصدرها الإدارة العامة ومحررات عرفية واستعمالها والمشاركة، وبعد عرضه على القضاء أصدرت المحكمة …حكما قضى ببراءته، وهو الحكم الذي أصبح نهائيا بعد تأييده من طرف محكمة الاستئناف وعدم الطعن فيه بالنقض، مفيدا أنه كان يشتغل كإطار بنكي لدى مصرف المغرب وتم فصله من عمله بناء على متابعته واعتقاله، وأنه قد تم التشهير به إعلاميا على أساس أنه متورط في شبكة دولية متخصصة في سرقة وتزوير وثائق السيارات، وهو الأمر الذي ألحق به ضررا ماديا ومعنويا، لأجله يلتمس الحكم على الدولة في شخص رئيس الحكومة بأدائها لفائدته تعويضا قدره 5.000.000،00 درهم”.

وكان الشخص المعني أنكر طوال محاكمته السابقة المشاركة في تزوير وثائق سيارته، وتمسك بأنه اشترى السيارة من دون أن يعلم بأنها مزورة وفق المسطرة التي يتم بها تداول بيع السيارات المستعملة.

وقد طالبت الدولة في شخص من ينوب عنها (الوكيل القضائي للمملكة) برفض طلب المدعي لعدم جديته، “لكون النصوص القانونية تمنح للنيابة العامة سلطة الملاءمة التي تخول لها إمكانية متابعة الأشخاص المتهمين بارتكاب الجرائم في حالة اعتقال متى كانت العقوبة سالبة للحرية، كما في حالة المدعي، وأن سلطة الملاءمة لا رقابة عليها إلا بإثبات مخالفتها للقانون أو التعسف في استعمالها، وأن الحكم ببراءة الشخص المتابع في حالة اعتقال لا يعني بالضرورة أنه مستحق للتعويض بناء على خطأ قضائي، الذي يجب أن يكون جسيما وفاضحا وواجب الإثبات استنادا إلى مقتضيات المادة 122 من الدستور. كما أن المدعي لم يثبت أنه قد تقدم بطلب من أجل الإفراج عنه ومتابعته في حالة سراح، مما جعله متسببا في استمرار اعتقاله إلى حين صدور الحكم، كما أن قرينة البراءة لا تنهض أساسا لقيام عناصر المسؤولية، فضلا عن أن الأضرار المدعى بها لا علاقة لها بالمتابعة في حالة اعتقال”. كما اقترح المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق (يقوم بدور شبيه بدور النيابة العامة لدى المحاكم الإدارية بالمغرب) رفض طلب المدعي.

وبعد قيام المحكمة بجلسة بحث بين المدعي والمدعى عليها وتبادل التعقيبات والوثائق بين أطراف الدعوى، أصدرت المحكمة حكمها القاضي “بأداء الدولة (وزارة العدل في شخص ممثلها القانوني) لفائدة المدعي تعويضا قدره مائة ألف درهم ( 100000 درهم) أي ما يقارب عشرة آلاف دولارا.

الأسس والتعليلات التي اعتمدها هذا الحكم

تطرق الحكم القضائي موضوع هذا المادة، بالإضافة إلى تحديده لأساس تحمل الدولة للخطأ القضائي وكذا شروط تقدير التعويض عند ثبوت مسؤولية الدولة، إلى مسألة أساسية جدا وهي مناقشة سلطة الملاءمة التي تتوفر عليها النيابة العامة وحدودها. ولعل ذلك هو جديد هذا الحكم القضائي الذي يعطي أسسا لا شك أنها سوف تسهم بشكل غير مباشر في ضبط عمل النيابات العامة عند ممارسة سلطة الملاءمة التي تمتلكها لا فيما يخص المتابعة ولا في الاعتقال أيضا.

وبناء عليه، نلاحظ أن الحكم القضائي اعتمد على التعليلات والأسس الآتية:

  • “أقر الدستور المغربي مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي بموجب الفصل 122 منه، وخول المتضرر من نشاط مرفق القضاء الحق في التعويض عن الأضرار اللاحقة به، من منطلق أن السلطة القضائية تمارس صلاحيات متفرعة عن وظائف الدولة وتندرج ضمن البناء المؤسسي الذي يكونها”، وتبعا لذلك فإن “مرفق القضاء يخضع لأحكام المسؤولية الإدارية، فإن تقرير هذه المسؤولية يستوجب مراعاة طبيعة هذا المرفق وحساسية المهام المسندة له، بحيث لا يسأل إلا عن الأخطاء الجسيمة أو في الحالات التي يترتب عن نشاطه إصابة أحد الأشخاص بضرر جسيم مباشر واستثنائي، بحيث بلغ من الخطورة درجة غير عادية تجعل من غير المقبول تحميل تبعات ذلك للمتضرر وحده”.
  • إن “مسؤولية الدولة عن الضرر الناتج عن الاعتقال الاحتياطي يستوجب توافر شروط ثلاثة وهي (1) أن يتعلق بأمر قضائي بالاعتقال الاحتياطي، و(2) أن يصدر مقرر قضائي لاحق يقضي بعدم المتابعة أو بقرار قضائي نهائي يقضي بالبراءة و(3) أن يلحق المعني بالأمر ضرر استثنائي وجسيم”.
  • إن” تبرئة القضاء للمدعي بحكم نهائي جاء صريحا في القول بأن القصد الجنائي غير ثابت في حقه بخصوص الجريمة موضوع المتابعة”. وعليه، يكون “قرار الاعتقال الاحتياطي الماس بحريته، متسما بعدم المشروعية التي لم تثبت إلا لاحقا بعد التحقق من أركان الجريمة موضوع المتابعة”. وفي هذا الخصوص، تابع الحكم: “فإذا كانت سلطة اتخاذ قرار الاعتقال الاحتياطي المبنية على الملاءمة لا تجعل من هذا القرار خاطئا عند تقديره من طرف النيابة العامة، فإن ثبوت البراءة القطعية وليست تلك المقررة لفائدة الشك تكشف مدى صحة هذا القرار الذي تسبب في الإضرار بالحقوق المادية والمعنوية للمدعي، دون أن تثبت موجبات تطبيق الاعتقال الاحتياطي في حقه. فالمدعي أنكر المنسوب إليه بشأن المشاركة في التزوير وتمسك طيلة أطوار المتابعة بأنه اشترى السيارة دون أن يعلم بأنها مزورة وفق المسطرة التي يتم بها تداول بيع السيارات المستعملة، ولم تتوفر في حالته شروط حالة التلبس بمفهومها القانوني، كما أن ظروف النازلة لا تسمح باعتبار الأدلة المتوفرة كافية للقول بإدانته ولم يتم الالتفات إلى ضمانات الحضور باعتباره إطارا بنكيا، كما أنه ليس خطيرا على الأمن العام أو على سلامة الأشخاص أو الأموال بالشكل الذي يوجب تطبيق هذا التدبير الاستثنائي في حقه، وبالتالي فإنه ولئن كانت سلطة النيابة العامة تقديرية عند اتخاذ قرار الاعتقال، فإن هذا التقدير لا ينبغي أن يتسم بالتجاوز أو عدم المشروعية، بل ينبغي أن يتقيد بشروط تطبيقه بالشكل الذي يحفظ سلامة المجتمع وأمنه دون الاخلال بقرينة البراءة التي تعتبر مبدأ دستوريا واجب الاحترام؛ وتبقى المسؤولية عن الضرر الناجم عن الاعتقال الاحتياطي الذي ثبت خطؤه بصدور حكم نهائي بالبراءة إحدى صور الأخطاء القضائية الموجبة للتعويض طبقا للفصل 122 من الدستور..”.
  • إن “بعض الاتجاهات القضائية أقرت هذه المسؤولية على أساس المخاطر، وذلك بتجاوز مفهوم الخطأ كأساس للمسؤولية عن الخطأ القضائي القائم على إثبات الإهمال البين في تطبيق القانون، أو الإغفال غير المبرر للوقائع الثابتة في الملف بما يؤثر في الحكم أو الإجراءات المأمور بها من طرف الجهة القضائية المعنية، بغرض إعفاء المدعي من إثبات هذا الخطأ في مواجهة مرتكبه، ما دام قرار الاعتقال الاحتياطي يبنى على التقدير وليس اليقين التام، تبعا لظروف وملابسات كل قضية في حينه، بعلة أنه لا يمكن التحجير أو التقييد من هذه السلطة إلا بموجب القانون، ولا يتم التحقق من مشروعية القرار في غير حالات الاعتقال التعسفي إلا أمام المحكمة الموكول لها أمر التقرير في قيام الجريمة من عدمه، فيكون حكم البراءة كافيا لتقرير الحق في التعويض دون وجوب إثبات خطأ قرار الاعتقال عند اتخاذه”.

خلاصة

وتجدر الإشارة أخيرا، إلى أنه بمثل هذا الحكم القضائي الذي يقضي للمتضررين من الاعتقال الاحتياطي – الذي يعتبر مشكلة المغرب ويصل إلى نسبة  40،45% سنة 2016 قبل أن تتقلص النسبة سنة 2017 إلى 37،09% وفق رئاسة النيابة العامة[1]، يكون القضاء الإداري بالمغرب  قد فرض نفسه أولا كآلية من آليات الرقابة البعدية على عمل  النيابات العامة عن طريق الاستجابة لطلبات التعويض. كما يكون من جهة ثانية قد استند في إثبات حق المتضرر في التعويض على أحكام المحاكم الجنائية نفسها القاضية بالبراءة وفق شروط معينة كما في الحكم موضوع هذا التعليق. وبذلك يمكن القول أن هذا يحقق تفعيل طريق آخر للرقابة على عمل النيابة العامة بالمغرب التي كثيرا ما ثار نقاش حول آليات محاسبتها في ظل استقلالها عن السلطة التنفيذية.

 


[1] – يمكن الاطلاع على هذه الاحصائيات  في الموقع الالكتروني  لرئاسة النيابة العامة عل الرابط الآتي :

http://www.pmp.ma/?page_id=1362

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني