امتلأت قاعة محكمة القاضي المنفرد الجزائي في البقاع محمد شرف بالمدعى عليهم والمحامين، الذين أتوا لحضور جلسات الاستجواب في قضية تلوث الليطاني. فنهار الأربعاء 13 شباط 2019 انعقدت جلسات في 47 ملفاً، على امتداد 6 ساعات ونصف. برزت فيها أزمة المهل الإدارية التي أعطتها في السابق وزارة البيئة للمنشآت الصناعية لتسوية أوضاعها البيئية، والتي تجاوزت المنطق بمهل وصلت إلى أربع سنوات. ولم يمرّ هذا النهار من دون إعادة بعض الملفات إلى النيابة العامة من جديد لتصحيح الادعاءات، وهي المشكلة التي برزت في أكثر من ملف حيث جرى الادعاء على أشخاص لا يمثلون الشركات قانوناً وليسوا بمالكيها أو المفوضين بالتوقيع عنها بل موظفين عاديين. وهي ممارسة غالبا ما أدّت إلى نقل عبء المسؤولية من المستفيد الحقيقي من مخالفة معينة (صاحب العمل)، إلى موظفين لديه، حسبما برز في كذا مجال، وبالأخصّ مجال حماية المستهلك.

قضية المهل الإدارية التي واجهتها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني حيث تسلحت بقانون المياه، لمحاربتها، شهدتها المحكمة في ملف أحد المدعى عليهم الذي تقدم بدفوع شكلية متسلحاً بمهلة إدارية من وزارة البيئة تصل إلى العام 2020. فطلب وكيل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني المحامي علي عطايا رد الدفع الشكلي المذكور، وبرر موقفه للمفكرة بأن “قانوني العقوبات والمياه أعلى من القرارات الإدارية”. ومن جهته، قرر القاضي شرف ضم الدفوع الشكلية إلى أساس الدعوى على أن يتم البت فيها في الحكم النهائي، وهذه الخطوة قام بها القاضي شرف في كافة الدفوع الشكلية التي تقدمت أمام المحكمة.

ومن جهة أخرى، في ما يتصل في بعض الملفات التي أحالتها المحكمة إلى النيابة العامة من أجل تصحيح الادعاء، برز ملف “شاتو كفريا”، مع غيره من الملفات، والتي رُجح في جلسة 20 كانون الأول 2018، أن يكون المفوض بالتوقيع عنها هو النائب السابق وليد جنبلاط والذي يملك أسهماً فيها. لكن الادعاء حصل على مدير إداري في الشركة. حينها قرر القاضي شرف إحالة الملف إلى النيابة العامة لتصحيح الادعاء. فتبين في الجلسة الأخيرة أنه لم يجر تصحيح الادعاء، لكن في المقابل مثل أمام المحكمة ممثل عن “شاتو كفريا”، وسلم القاضي اسمه الثلاثي، وأشار إلى أنه المفوض بالتوقيع عنها وصاحب القرار فيها. فأعاد القاضي شرف الملف إلى النيابة العامة مرفقاً معه الاسم الكامل الذي تسلمه للمفوض بالتوقيع لتصحيح الادعاء.

 

6 ساعات ونصف متواصلة

كان هناك أشخاص من مختلف الأعمار، شبانا وكبارا في السن، يواجهون تهم تلويث النهر، جلسوا على مقاعد المحكمة وانتظر كل منهم أن ينادى باسمه ليحين دور جلسته. وعلى امتداد 6 ساعات ونصف، توالت الملفات الواحد تلو الآخر، واستغرقت كل جلسة نحو عشر دقائق إلى ربع ساعة. ومن اللافت أن أحد المدعى عليهم اشتكى من عدم وجود مراحيض في قصر العدل، سائلاً رئيس المحكمة: ماذا يفعل مريض السكري في هذه الظروف؟ أجابه القاضي شرف، أن هذا الأمر يطالنا جميعاً، أنت أتيت مرة. ماذا عمّن يأتي كل يوم إلى هنا؟

وهؤلاء الوافدون إلى القاعة، هم من أصحاب منشآت صناعية وتجارية غالبيتها تقع على ضفاف نهر الليطاني وأخرى تبعد عنه كيلومترات، ولكن ملوثاتها تصله إما عن طريق أحد روافده، أو مجاري الصرف الصحي. وتنوعت المنشآت المدعى عليها في هذه القضية: معامل لإنتاج الألبان والأجبان، كبيس ومخللات، عرق، بوظة، مناشر صخر، معامل باطون، مستحضرات تجميل، حديد وألمينيوم، فضلاً عن معامل إنتاج النبيذ، وهذه من أشهر المعامل اللبنانية، فضلا عن بعض المنشآت السكنية. وعلى مدى 6 ساعات ونصف متواصلة، نظر القاضي شرف في 47 ملفاً، علماً أن مصلحة الليطاني ادعت على نحو 94 منشأة صناعية. وخلال الجلسة استجوب شرف نحو 30  مدعى عليهم، تطرقت الأسئلة إلى نوع المنشآت وكمية النفايات الصناعية التي تصدر عنها، وكيفية التخلص منها. أدلى الغالبية أن لديهم بركاً صحية للتخلص من المخلفات الصناعية. وكان لافتاً أن شخصين اعترفا بأنهما كانا يرميان بعض المخلفات في النهر. وقد أوضح غالبية المستجوبين أنهم قاموا بتركيب محطات تكرير، كذا وتعهدوا جميعاً بالسماح لمصلحة الليطاني بإجراء الكشف الدوري بناء على طلب وكيلها المحامي علي عطايا.

وللكشف على المنشآت التي قامت بتصحيح وضعها،تم تعيين الخبراء: نادين ناصيف، ناجي قديح، راشد سركيس، بول أبي راشد، مي مسؤول، كارول السخن، وزياد أبي شاكر. على أن يُسلف المدعى عليهم للخبير مبلغا مالية، غالبا ما حدد بمبلغ 600 ألف ليرة. وطلب آخرون من القاضي شرف مهلة للاطلاع على الملف. وقد حدد تاريخ 2 نيسان لإصدار أحكام في ملفين. وفي ملفات أخرى اتضح وجود خطأ في الادعاء على الأشخاص المفوضين بالتوقيع عن المنشآت المدعى عليها، فأعاد تلك الملفات إلى النيابة العامة لتصحيح الادعاء. كذا، وجرى ضم كافة الدفوع الشكلية المقدمة إلى أساس الدعوى على أن يتم البت فيها مع الحكم النهائي. بالتالي تم إرجاء جميع جلسات هذا النهار إلى تاريخ 27 آذار 2019 لورود تقارير الخبراء، وسيستكمل النظر في ملفات أخرى تاريخ 27 شباط 2019.

ومن ناحية أخرى، نبّه القاضي شرف أصحاب معامل الألبان والأجبان عن وجود حلول بديلة عن رمي أمصال اللبن في الصرف الصحي عبر إعادة تدويرها. وذكر بالاجتماع الذي عقدته غرفة الصناعة والتجارة في البقاع بتاريخ 16 كانون الثاني 2019، حيث جرت دعوة القطاع الخاص لإيجاد الحلول العملية لمعالجة المياه المبتذلة وتخفيف التلوث عن نهر الليطاني.

وتجدر الإشارة إلى أن القاضي شرف كان قد أصدر حكماً بتاريخ 31 كانون الثاني 2019 ألزم فيه صاحب مسلخ دجاج بتنظيف 600 متر من نهر الليطاني، وبزرع 300 غرسة من أشجار الصنوبر. كذا وبحبس المدعى عليه لمدة سنة وغرامة 15 مليون ليرة على أن يُعفى منها في حال قام بالإجراءات الإصلاحية خلال 3 أشهر. هذا الحكم الذي يُعد سابقة في القضاء اللبناني، والذي أصدره القاضي شرف بعدما تبين نتيجة الكشف الميداني وبتقارير الخبراء أن المياه الناتجة عن المسلخ تذهب إلى قسطل الصرف الصحي الذي يصب مباشرة في نهر الليطاني. فضلاً عن ذلك، أعلن الحكم إبقاء الأعمال متوقفة في المسلخ لغاية إجراء التصليحات اللازمة المطابقة للمعايير الفنية والبيئية والآيلة إلى إزالة المخالفة التي تم توقيف المسلخ لأجلها، أي معالجة التلوث الناتج عن معمل المدعى عليه، وفق ما هو مدرج في متن الحكم.

 

المفكرة حضرت في الجلسات السابقة، للاطلاع عليها:

القضاء أمام اختبار إحياء الليطاني: الملوّثون يمثلون للمرة الأولى أمام قوس المحكمة

الليطاني يواجه ملوثيه أمام القضاء: 43 ملفاً أمام المنفرد الجزائي في زحلة

ملوثو الليطاني أمام القضاء وسط أصداء ميموزا: هل بدأ العد العكسي لمحاسبة ملوثي البيئة في لبنان؟

استكمال محاكمة ملوثي الليطاني: سياسيون ونافذون أمام قوس المحكمة

إرجاء دعاوى تلويث الليطاني بانتظار تقارير الخبراء: الطقس العاصف حال دون إنجازها