السلطة بالوكالة للعنصرية المناطقية: نحو المأسَسَة والتَمكين


2013-09-27    |   

السلطة بالوكالة للعنصرية المناطقية: نحو المأسَسَة والتَمكين

إفلاس مجال الأفكار في السياسة والإعلام
في مقالٍ سابق في "المفكرة القانونية" (نُشر في العدد ١٠)، أشرنا إلى تطوّر منظومة علاقات بين الطبقة السياسية والسلطات البلدية، تتماشى مع خططها للمجتمع العام. مختصرها أن الطبقة السياسية اعطت وكالة لمسؤولي البلديات بتنفيذ مهامٍ لا تسمح لهم الظروف السياسية والإعلامية بتنفيذها من خلال أحزابهم وأجهزة الأمن المركزي. وكنا فحصنا هذه المنظومة على ضوء أزمة اللاجئين السوريين التي شكلت لمجموع المعنيين، من الوزارات والبلديات والطاقم السياسي، حجةً ووسيلة لتشريع سلوكياتٍ كانت موجودة في ممارساتهم منذ ما قبل الأزمة المذكورة، وسلوكياتٍ فائضة عن المعلن، وقد قمنا بالتذكير ببعضها.
هذا الكلام لم يكن ليقلل من أهمية أزمة اللاجئين وعواقبها على لبنان، بل بالعكس. إذ قد يجدر التذكير هنا بأن المعنيين بمنظومة القمع التي تُركَّب على مستوى البلديات وبتقاسمٍ خبيث للأدوار بينها وبين الطبقة السياسية، هؤلاء المعنيين، من سياسيين واداريين و"بلديين"، صرّحوا مراراً بآراهم وبنظراتهم "الاستراتيجية" للأزمة الراهنة، وكانت هذه الآراء، عند المتشددين منهم (يتصدر هؤلاء التيّار الوطني الحرّ في الساحة السياسية)، على شكل "منع اللاجئين من دخول الأراضي اللبنانية"، "ارسالهم إلى الدول العربية و أوروبا"، "منعهم من اللجوء إلى قرانا"، وغيرها من النهفات العبقرية التي سبق أن سمعنا صداها في الإعلام في خصوص اللاجئين الفلسطينيين على امتداد عقود. أما "المتعقّلين" منهم، ممن إحتُسب فريقه السياسي بين داعمي "ثورة الشعب السوري على الطاغية" في الجدال الإعلامي، فالتزموا بالصمت في الموضوع، ولم يجدوا مبرراً لتكملة الجدال في مسألةٍ كمسألة حقوق الشعب السوري عندما بات هذا الشعب لاجئاً في جوارهم. في الأسبوعين الماضيين، تميّزت الساحة الإعلامية بتشنجٍ أكيد في طرحها للأزمة السورية، تكملةً للتشنج الذي سببه احتمال الضربة الأمريكية. وتنوّعت مشاهده بين مشهد أحد المعلّقين المقرّبين من النظام في دمشق يفقد أعصابه ويشتم اللاجئين على تليفزيون "المنار" بحضور وزيرة في الحكومة سورية، ويتهمهم بالانتماء إلى "المعارضة" وينادي بضرورة التخلّص منهم، وبين مجموعة عناوين في الصحف تناولت دراسات اعدتها المنظمات الدولية فيها تقييم لخسائر لبنان "بمليارات الدولارات" جراء استقباله اللاجئين ("الأخبار" في ١٦ أيلول، "السفير" و"النهار" في ١٩ أيلول).
هكذا يبدو الجسم الإعلامي والسياسي… خاليا من الأفكار. وهو بغالبيته مرتبطٌ بلعبة التوازنات السياسية المشرقية، وعلى اعضائه "الغلابى" مراعاة هذه التوازنات، كل حسب إمكانياته ووزنه. لفهم مدى هذا الشلل، ولو نسبياً، يكفي التوقّف عند الفراغ الحاصل في العمل الحكومي، والعمل النيابي، وفي التعيينات في ادارات الدولة، من أجهزة أمنية، وقضاء، وجامعة لبنانية إلخ. ثم المقارنة مع ما كان يثيره هذا الفراغ في بعض "المناصب" في المرحلة التي سبقت، بين شباط ٢٠٠٥ وايار ٢٠٠٨، بل وصولاً إلى كانون الثاني ٢٠١١ و"يوم الغضب" في طرابلس آنذاك. هذا دون العودة إلى خطاب الاعتراف بمراعاة التوازنات الذي اعتمده دهاة القوم والمعروف بال"نأي بالنفس". هؤلاء هم المسؤولين عن إدارة لبنان بينما المشرق العربي داخلٌ في حربٍ داخلية لا أفق لها في السنين العشر القادمة إن لم يكن أكثر.
إذاً، من حيث الخطط والأفكار المطروحة على الساحة السياسية، ليس هناك ما يمكن مناقشته. ويبقى أن نتساءل إذا كان يقتضي على النقد بأن يتوقف وأن يعلن إفلاس المجال المعرفي لأن لا أفق للمحاسبة ولتغيير مسار الأمور.
 
تعميم لوزير الداخلية بشأن البلديات
يتصرّف المعنيّون وكأن جهازهم النفسيّ خالٍ من أي مقدرة على تدارك الأحوال. وقياس عجزهم لا يأخذ حقّه دون احتساب حقيقة أن المعنييّن في السياسة والإعلام يقيَّمون حساباتهم السياسية والإعلامية اللبنانية على ضوء الأوضاع في سورية وبالمشاركة نسبياً في احداثها: ألا يوصف عددٌ منهم بالحذق لأنه "يقرأ الأحداث الجيوستراتيجية"، أو "الجيوسياسية"؟ ومع ذلك، لم تخرج منهم بادرة واحدة لتخطّي التطوّرات الحاصلة. لكن لا بد للواقع أن يتطوّر، والعجز البادي على السياسيين لا يعني أنهم لا يفعلون شيئاً ضمن منهجهم القديم وضمن ما يعتبرونه مصلحتهم. والمنظومة الخبيثة التي راقبنا بروزها عند بعض البلديات دخلت اليوم حيّز العمل الرسمي والمؤسساتي المتمكّن. ففي الخامس من أيلول ٢٠١٣، عقد وزير الداخلية والبلديات مروان شربل في مجمَّع "البيال" مؤتمراً حضره رؤساء بلديات لبنان واتحاداتها وكافة المسؤولين الأمنيين التابعين للوزارة، كان هدفه إطلاق خطة "لتفعيل عمل شرطة البلديات وحراسها لمساندة الاجهزة الامنية وفي مهمات حفظ الامن والنظام والاستقرار وتوفير شبكة امان تعم كل المناطق" ("النهار" في ٥ أيلول ٢٠١٣). تبع الاجتماع تعميم لوزير الداخلية على المحافظين في ١١ أيلول تتضمن مجموعة إجراءات مطلوبة من البلديات ومن قوى الأمن الداخلي لإتمام أهداف مؤتمر البيال. وجاء التعميم مفصَّلاً بثمانية عشر بندٍ، انطلقت إجراءاتهم من وجوب "تفعيل استخدام عناصر الشرطة والحراس البلديين المؤقتين" وصولاً إلى تأمينهم المسدسات بأسعارٍ معقولة ومن مستودعات قوى الأمن الداخلي، مروراً بغيرها من الإجراءات التي يمكن توزيعها ضمن العناوين الثلاث التالية: إجراءات تعزز وتنادي بالبحث والإحصاء والتخطيط، واجراءات تتناول التجهيزات والجهوزية الأمنية، وإجراءات تتناول أماكن العمل وإطار الصلاحيات. وتتميّز بعض البنود عن الأخرى في تناولها للمهام على أساس علاقات المؤسسة بالسكان. بندٌ يحدد المدارس ودور العبادة كأماكن لها أولوية في العمل الأمني لهذه الخطة، إذ توجب الخطة على البلديات تركيب كاميرات مع مراقبة مباشرة ودائمة لمحيط هذه الأماكن، وتأمين حراس دائمين لها. والبند الثاني هو بندٌ يوجب "ضبط قيود النازحين السوريين" جميعهم، والمراقبة والإشراف المباشر على مصادر المساعدات التي تصلهم.
تأتي هذه الإجراءات دون أي حساب للانتقادات التي طالت أعمال البلديات في السنة المنصرمة، بل بالعكس، تبدو وكأنها تدعم بعض النزعات التي اجتهدت بتفعيلها بعض الفرق البلدية. والتعميم جاء أصلاً خبره في الوكالة الوطنية للإعلام مع الإشارة إلى أن المجالس البلدية سبق وأعدّت نماذج عمّا تحتاجه من قرارات لتسهيل عملها ضمن هذه الخطة. ما يشي بأن النهج الذي تعتمده الوزارة وتمأسسه اليوم تغذّى من تجربة البلديات غير القانونية السابقة، بدلاً من مقاربة المشكلة بشكلٍ شمولي ومتجرّد،بحيث يتم معالجتها من وجهة نظر اجتماعية وإنسانية عن طريق البحث عن أسباب "الخلل الأمني" (إذا سلمنا بوجود مشكلة أمنية)ومعالجتها لتفادي بروز المشكلة الأمنية،وبالتعاون مع عمل غير وزارات، إذ أن الفراغ الفكري والمنهجي والأخلاقي مستشرٍ في الدوائر العليا للحكم كما أشرنا أعلاه.
إطار عمل الوكالة هذه ما زال هو هو، يحتاج إلى مسرحةٍ ليمرر أفعاله، أو تلبي الأحداث السياسية دور المسرحة في صبغه بالشرعية، وهو ما كانت له مسألة "أمن الموسم الدراسي" لتبرير الإجراءات الأمنية الجديدة. وقضية أمن المدارس كانت موضوع تعميمٍ آخر خاص بها، لوزير الداخلية (جريدة "البلد" في 14 أيلول) إلى المحافظين وقوى الأمن الداخلي. لكن المسرحة لا تختصر دائماً بالحجج اليومية، فكما استنجد أحدهم يوماً بتاريخه العتيق في الحرب الأهلية ليعتدي على مواطنين بحجة أنهم مثليون، جاء أحد بنود التعميم يطالب بإنشاء مبانٍ للبلديات الصغيرة التي لم تمتلك حتى اليوم مبنى خاصا واكتفت باستئجار الشقق لإيواء مكاتبها، فيما يبدو أنه خطوة لإلباس البلديات هيبةً دائمة تتناسب مع دورها الجديد.
هذا الدور، قد تحمل جميع بنود التعميم شيئاً من رسمه ومقصده المرجوّين عند الوزارة. والبنود كُتبت أغلبها بلغةٍ تقنيّة تشبه لغة التلميح، إذ أنها لا تحدد جهةً سكانية معنيّة بالإجراءات إلا عرضاً، في البندين الذين أشرنا اليهما، وهما البند ١٢ للاجئين السوريين والبند ١٥ للمدارس. وهكذا، بعد أحد عشر بنداً من التمكين "الرجولي" واللوجستي، يأتي ذكر اللاجئين كإجراء بين غيره ضمن الإجراءات الروتينية، مثلهم مثل البند ٤ المتعلق ببطاقات تعريف السيارات. والبند لا شك لم يسقط سهواً، وكان ضروريا من وجهة النظر القانونية، اقله على الصعيد الإداري، للسماح للبلدية بالتعاطي بشأن اللاجئين كما تَقَرَّر ومن دون عقبات، وقد تبعه بندٌ يوصي قوى الأمن الداخلي "بعدم ملاحقة أعضاء الشرطة أو الحرس البلديين لأسبابٍ تتعلق بمهامهم الوظيفية إلا بعد موافقة رئيس البلدية" (البند ١٧).
كذلك الأمر بالنسبة لموضوع "جمع المعلومات" المطلوب تلميحاً من شرطة البلدية في البند ٦، بشكل غير مباشر، عبر التوصية "بتنظيم اجتماعات دورية لرؤساء البلدية بهدف جمع وتحليل المعلومات"، دون تحديد طبيعة هذه المعلومات وكيف سيتم جمعها وإلى اي مدى تتعارض أم لا مع حرية الأفراد الشخصية. ضمن هذا النسق من الحماسة للعمل المخابراتي غير الرسمي وغير المنظّم، يأتي الأمر بتركيب كاميرات مراقبة على الطرقات، دون سابق نقاش، مع أن موضوع الكاميرات كان قد أثار نقاشاً طويلاً وسبّبَ انقساماً في الطبقة السياسية، عندما طرحه "تيار المستقبل" في الحكومة في عام ٢٠٠٦، ولم يجري البت بأمره حينذاك (كان التيّار الوطني الحرّ من أبرز المعارضين).
 
التلميح إذاً، أساس لغة تعميم وزير الداخلية، والضوابط شبه غائبةٍ عنه، ما يتّفق مع فكرة أن السياسة هذه عامةً أتت مفروضةً من الأرض الاجتماعية اللبنانية، مبنية على نزعاتٍ سابقة وعلى خطابٍ اداري داخلي (خطاب الإداريين فيما بينهم)، أكثر منها سياسةً مدروسةً ناتجة عن تقييم خبراء، وهي على الأغلب مبررةٌ على المستوى الحكومي بانشغال القوى الأمنية والجيش بأمور أكثر إلحاحاً، كما صرحّ وزير الداخلية في موضوع تسليم ملاحقة مخالفات البناء للشرطة البلدية وكف يدّ الدرك عنها ("الأخبار" في ١٧ أيلول).
 
إجراءات على مقاس الأمر الواقع الاجتماعي والسياسي:
وكما في مضمون بنوده، التي تعبّر عن أُسس اعتماده وتخطيطه، كذلك الأمر في موضوع تنفيذ التعميم، إذ يبدو أن هذا التنفيذ سيأخذ أيضاً شكلاً تعسفياً ومرتبطاً بالقوى السياسية المهيمنة وبأولوياتها في كل منطقة. هكذا مثلاً رحب مسؤولٌ في حركة أمل بالخطة، وشجّع على تنفيذها، ودحض خاوف "الخصوصية" قائلاً: "لا بأس في ان يتنازل المواطن قليلا في موضوع خصوصيته، ولا خصوصيات في الشارع، بل في المنزل" ("النهار" في ١٦ أيلول). غير مدرك أن مسألة الخصوصية لا تنحصر اشكاليتها في احترام خصوصية المواطن المدني، انما أيضاً وبالدرجة الأولى بفتح الباب للأحزاب بإبراز خصوصيتها من خلال  الزيّ البلدي الذي يصبح بمثابة غطاء لمآرب حزبية (اقرأها "ميليشيوية"). وزير الداخلية أيضاً كان له كلمته في موضوع الخصوصية. ومع أنه فهم اقله ما المطروح على عكس مسؤول أمل، نادى المنتقدين بالواقعية، واعتبر أنه مستحيل أن يؤتى بالشرطي البلدي من غير الحزبيين في كل منطقة، "من سويسرا" ("السفير" في ١٢ أيلول)، وهي الوظيفة التي يعيّنها قانوناً رئيس البلدية الحزبيّ. لا يأخذ وزير الداخلية بالاعتبار مثلاً، الحجة التي سوِّقت لتوحيد المؤسسة العسكرية على مدى التسعينيات والقائلة بخلط جنودٍ من عدة مناطق ومذاهب في كل فرقة لمنع تكوّن خصوصيّة حزبيّة أو طائفية داخل العمل العسكري. من جهتهم، رحّب نواب بيروت ورئيس بلديتها، التابعون "لتيار المستقبل"، بتركيب الكاميرات في الشوارع، ولو أرفق النائب عمّار حوري كلامه بلفتة تطمينية لموضوع الخصوصية. لكنهم رفضوا تطبيق إجراء التسليح لحرّاس البلدية الشباب قبل اخضاعهم لدورة تدريب مطوّلة (من ٦ أشهر) عند قوى الأمن الداخلي، وقرروا الاكتفاء بحمل العصي إلى حين تحقيق التمرين، بينما يتابع الجيش والقوى الأمن الداخلي مهامهم المعتادة في المدينة.
هكذا تبرز الخارطة الاجتماعية والسياسية للبلاد، تحت خارطة تنفيذ تعميم وزير الداخلية المنتظرة. إذ يبدو أن التقسيم الطبقي المعتاد، المميز لبيروت عن غيرها من المناطق، سيعفِيها من أساس هذه الخطة فيما عدا بندها الأكثر "حداثة" والأكثر تماشياً مع نهج العنصرية الاجتماعية الذي يميز خطاب ممثليها، وهو أصلاً ما سبق أن طبّقه آل الحريري في جوار ممتلكاتهم في العاصمة، ألا وهو تركيب الكاميرات. أما الضاحية، فقد سبقت السلطات البلدية المسؤولة عن احيائها تعميم وزير الداخلية، "بالتعاون مع المجتمع الأهلي" على ما قال رئيس بلدية الغبيري ("النهار" في ١٩ أيلول)، ضمن مواّلٍ من التنكّر لواقعها الاجتماعي المسحوق والمحدود. تبقى المناطق الخارجة عن بيروت وضاحيتها الجنوبية، حيث اللعبة الأمنية لم تقلب بعد التوازن الجدالي القائم بين الأفرقاء السياسيين، ويبدو الفريقان موافقَين ومنتفعَين من سيل الهلوسات الديموغرافية. ويلاحظ عامةً، في مجمل التغطية الصحفية والتعليقات على الموضوع، غياب ذكر موضوع اللاجئين كما جاء ذكرهم "خلسةً" في التعميم، بل يلاحظ استبدال موضوعهم بموضوع تفجيرات الضاحية أو مقتل المواطن الفلسطيني في برج البراجنة. فيبدو مجرد ذكر "اللاجئين السوريين" وكأنه قد يجعل من موضوعهم "قضيةً" للنقاش، ويسلّط الأضواء على واقعهم، وهذا ما لا تشتهيه الخطة والإجماع السياسي على تمريرها. هي خطة تمكين لجيشٍ مخفي ولتمرير أمورٍ مخفية لا تبرر بالأخلاق وبما يسري على كافة الناس. ولو لم يكن كذلك مقصد وزير الداخلية بالتحديد، انما هذا هو النمط الذي ستجره إليه وغيره ممن يشغل المنصب، بنية العمل الوزاري اللبناني، ومجموع أنماط علاقات رأس الهرم بالإداريين الذين يعدّون التقارير التي توصي بهذه الإجراءات، وبالسياسيين الذين يشاركونه طاولة مجلس الوزراء وباللذين يصلونه من خلال هاتفه الشخصي لإبداء الملاحظات. ف"الخلسة" هي القاعدة في حقل السلطة في لبنان.
 
ولا ينخدعن أحد باحتمالات "الأمن الذاتي"، فالأمن الذاتي يُطبّق منذ زمن، والفرق الذي سيستشعره الناس مع هذه الخطة ومع غيرها من خطوات التمكين للأمن الذاتي ولصنف الرجالات الذين التزموا التزوير وتوزيع الرشى الانتخابية والصفقات العقارية والتحريم العقاري على غير طوائفهم، سيكون كمياً، جاعلاً من الغطرسة في جوار منازلهم وفي متنزهاتهم قاعدةً، وهو حكماً ما سيترجم تدهوراً إضافياً في مستوى العيش. هذا بينما يتعرض شعبٌ كاملٌ من اللاجئين لسوء المعاملة والاضطهاد المنهجي، ربما بسلاسةٍ أكبر حيث تم التخلص من العثرات البيروقراطية، لكن النتيجة ستكون واحدة عند من ستتعرض له الخطة الأمنية: قطيعةٌ متزايدة مع المحيط المسبب لقهرهم. قد لا يعرف اللبنانيون ذلك، لكن حركة طالبان نشأت اجتماعيا عند اللاجئين من الأفغان في باكستان، وكان البؤس والتجنيد العقائدي كافيالقلبهم الى قوة عسكرية متينة في وجه كافة الميليشيات الأفغانية الأخرى. قد يستفزَ هذا الكلام الوطنجي اللبناني ويعتبره تبريراً إضافياً لتخصيص القوة المحلية أو اية قوة موجودة في وجه من استفزَه في تخيَلاته: أو ليست هذه ردات الفعل التي يربّي عليها الإعلام ومنطق "النكايات" الذي تحمله جدالاته؟ لكن فليتذكر صاحبنا على من يجب أن يصبّ غضبه، إذا كان لا بد من "فشّة خِلق"، وليعود للمنطق الذي سبق الأزمة، فالمنطق حليف الغضب ولو لم يدرك ذلك: المليونين ونصف مليون إنسان المُحتسبين فائضاً على ارضنا اليوم، أليس هذا رقم الناس الذين هاجروا في الثلاثين سنة الماضية فقط، دون احتساب من سبق، لأن الطبقة السياسية لم تتحمل مسؤولياتها تجاههم؟ ألم يكن ممكنا الا تهجيرهم آنذاك وحتى اليوم؟ هل لا بد من تكرار ما حصل أو دفع الثمن بتدهور مستوى عيش الذين بقوا؟ ألا ترى مشكلة وفضيحة وجريمة في إستمرار النهج السائد، والإستهتار بحياة الناس القائم، أكانوا لبنانيين أو سوريين،وفي تمكين هذا النهج مع  ابقاء المسؤولين عنه في أماكنهم؟

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني