أساتذة القانون في تونس: “موقوفو التآمر في حالة احتجاز قسري”


2024-04-24    |   

أساتذة القانون في تونس: “موقوفو التآمر في حالة احتجاز قسري”
رسم عثمان سلمي

أصدر العشرات من عمداء وأساتذة القانون من مختلف الجامعات التونسيّة، بيانا مهمّا في 24 أفريل 2024، يطالب بالإفراج الوجوبي عن المتهمين في قضية “التآمر”، بعد انتهاء أجل الإيقاف التحفّظي المحدّد بـ 14 شهرا. ويكتسي هذا البيان أهمّية كبيرة، بعد رفض السلطة الإفراج عن المتهمين على الرغم من تأجيل دائرة الاتهام النظر في ختم البحث من دون إصدار بطاقات إيداع جديدة، وخروج أبواقها بـ”تأويلات قانونيّة” تفيد بعدم انطباق الإفراج الوجوبي في هذه الحالة.

وقد اقتصر بيان أساتذة القانون على هذه المسألة، حيث فضّلوا عدم الخوض في الخروقات الإجرائيّة الأخرى التي شابت الملفّ، ولا في أصل القضيّة وتهافت ملفّها ودور السلطة التنفيذيّة المركزي فيها، من دون أن يقلّل ذلك من أهميّة ووضوح الموقف الذي اعتبر موقوفي قضيّة التآمر وهم من أبرز القيادات السياسيّة المعارضة في البلاد، في حالة احتجاز قسري. ورغم استناد البيان إلى “دستور 2022” الذي سبق للكثير من الأساتذة الممضين على البيان الطعن في شرعيّة المسار الذي أفضى له، وعدم تطرقه للسياق السياسي العامّ وتحديدا تصفية المعارضات وشهر سيف الترهيب في وجه القضاة، فإنّ هذا البيان أعلن عودة أساتذة القانون إلى الشأن العامّ والدفاع عن المبادئ التي يدرّسونها للطلبة ولا تنفكّ السلطة عن الدوس عليها منذ 25 جويلية 2021، وهو يستأنف سلسلة من المواقف والبيانات المهمّة التي تكثّف نسقها سنة 2022، من بينها رفض عمداء كليات القانون المشاركة في اللجنة الاستشاريّة التي عيّنها الرئيس لصياغة دستوره، وبيانات مبدئية أخرى لأساتذة قانون دافعت على دستور 2014 والمكاسب الديمقراطية والحقوق والحريات. وننشر هنا نصّ البيان نظرا لأهميّته (المحرّر).

تونس في 24 أفريل 2024

بيان أساتذة القانون للرأي العام

الإفراج وجوبي بموجب القانون

“يتحتم على قاضي التحقيق أو دائرة الاتهام حسب الأحوال الإفراج”

إنّ أساتذة القانون بمختلف اختصاصاتهم/هن ورتبهم/هن ومؤسساتهم/هن،

وبعد تأجيل النظر في قضية ما يعرف بالتآمر على أمن الدولة إلى يوم 2 ماي 2024، بانقضاء مدة 14 شهرا كاملة لكافة الموقوفين على أساس هذه التهمة بعد الإيقافات في شهر فيفري 2023 لمدة 6 أشهر وبعد تمديد أول لمدة 4 أشهر وتمديد ثان لمدة 4 أخرى وانتهاء المدة القصوى للإيقاف التحفظي،

وبعد التذكير بكافة المبادئ الدستورية وبخاصة: عدم المساس من “مكتسبات حقوق الإنسان وحريّاته المضمونة في هذا الدستور وعلى الهيئات القضائية أن تحمي هذه الحقوق والحريات من أي انتهاك” [الفصل 55]، وضمان حرية الفرد [الفصل 26]، وتحديد مدة الإيقاف والاحتفاظ بقانون [الفصل 35]، وحق كل شخص في محاكمة عادلة في أجل معقول [الفصل 124]،

وبعد التأكيد على مضمون الفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية وفي تنقيحه بموجب القانون عدد 75 لسنة 2008 [في 11 ديسمبر 2008] الذي أقرّ: “لا يمكن أن يترتب عن قرار دائرة الاتهام بإحالة الملف إلى قاضي التحقيق لمواصلة بعض الأعمال التي تقتضيها تهيئة القضية للفصل تجاوز المدة القصوى للإيقاف التحفظي للمتهم الذي يتحتم، في هذه الحالة، على قاضي التحقيق أو دائرة الاتهام، حسب الأحوال، الإذن بالإفراج عنه مؤقتا دون أن يمنع ذلك من اتخاذ التدابير اللازمة بضمان حضوره.” إنّ هذا الفصل المنقّح في 2008 أكّد التوجّه العادل المتعلق بالآجال المعقولة للمحاكمة وهو ما تؤكده الأعمال التحضيرية المتعلقة بهذا التنقيح وردود الحكومة التونسية [وزير العدل آنذاك] أمام مجلس النواب الذي أكد بكل وضوح: “إذا وصلنا إلى أجل 14 شهرا إلا يومين وتمّ تعهد دائرة الاتهام في اليوم السابق لهذا الأجل، فإنّ دائرة الاتهام عليها أن تواصل نظرها أكثر من يوم أن تفرج.” [أنظر/ي مداولات مجلس النواب لسنة 2008 عدد 7 بتاريخ 27 نوفمبر 2008 الصفحات 302 وما بعدها وتحديدا الصفحات 309 و311]، ولذا وحتى إن ارتأى البعض غموضا في النص [الفصل 85 الفقرة 4]، فإنّ المداولات وإرادة الحكومة والمشرع واضحة منذ 2008: الإفراج الوجوبي.

وتمسّكا بما أكده المجلس الدستوري التونسي عندما عُرض عليه تنقيح الفصل 85 [رأي عدد 45 لسنة 2008]، حيث رأى “أنّ تحديد آجال قصوى ومعقولة بالقانون للإيقاف التحفظي تشمل كامل المرحلة التحضيرية للمحاكمة وتتنزل الأحكام المتعلّقة بالإفراج عن المتهم في الحالات الواردة ضمن الفقرتيْن الجديدتين المذكورتين بالفصل 85 في إطار توفير مزيد من الضمانات المتصلة بالحرية الفردية، في إطار مقتضيات المادة 9 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والذي صادقت عليه تونس والتي تنصّ خاصة على أنّه من حقّ الموقوف بتهمة جزائية في أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه.”

وبناء على فقه قضاء محكمة التعقيب التونسية المستمر والمستقر [ونسوق بعضا من هذه القرارات: قرار تعقيبي جزائي عدد 576 في 5 أفريل 2013، وقرار تعقيبي جزائي عدد 777 في 5 جوان 2013، وقرار تعقيبي جزائي عدد 81290 في 26 فيفري 2019 وقرار تعقيبي جزائي 86454 في 21 جوان 2019، وقرار تعقيبي جزائي 86626 في 19 جوان 2019] الذي جاء واضحا، حاسما ومؤكدا: “إذا انتهت المدة القصوى وهي 14 شهرا والقضية لا تزال لدى السيد قاضي التحقيق، المشرع حتم عليه الإفراج وإذا كانت القضية عند انتهاء تلك المدة عند دائرة الاتهام فإن المشرع حتم عليها كذلك الإفراج”، “لأن بقاء المتهم بالسجن رغم تجاوز مدة الإيقاف التحفظي فيه مخالفة للفصل 85 ومخالفة لقاعدة من أوكد القواعد الكونية الأساسية وهي الحرية.” [قرار تعقيبي جزائي عدد 86454 سنة 2019]، “و حيث لا جدال فيه أنّ أحكام الفصل 199 من مجلة الإجراءات الجزائية تجد صداها عاليا في هذا الصدد في تفعيل قاعدة إبطال كلّ الأعمال والأحكام المنافية للنصوص المتعلقة بالنظام العام أو للقواعد الإجرائية الأساسية أو لمصلحة المتهم المنجرة واتجه اعتبار قرار الإيقاف باطلا ومخالفا للقانون مع الإذن بالإفراج عن المتهم فورا ما لم يكن موقوفا على ذمة قضية أخرى” [تعقيبي جزائي، عدد 86626 في 19 جوان 2019].

واستنادا إلى كلّ هذه المبادئ الدستورية والنصوص القانونية والأحكام التعقيبية فإنّ أساتذة القانون الممضيات والممضين أسفله لا يطالبون ولا يطالبن إلا بتطبيق القانون وفقه قضاء أعلى محكمة في الدولة [محكمة التعقيب] والإفراج عن كل الموقوفين وجوبا والذين نعتبرهم بنهاية أجل الـ 14 شهرا في حالة احتجاز قسري.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، تشريعات وقوانين ، مقالات ، تونس ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني