مقاضاة الدولة اللبنانية صونا للكرامة: والهدف احترام الأشخاص المعوقين في الاستحقاقات الانتخابية القادمة


2018-12-10    |   

مقاضاة الدولة اللبنانية صونا للكرامة: والهدف احترام الأشخاص المعوقين في الاستحقاقات الانتخابية القادمة

بعد أكثر من 18 عاماً على صدور القانون 220/2000 لا يزال الأشخاص المعوقون في لبنان يعانون في أبسط حقوقهم، الحق في الكرامة الإنسانية في مختلف النواحي الحياتية، حيث يعاملون على قاعدة الشفقة والرحمة وليس كمواطنين يتمتعون بكل مزايا المواطنة الكاملة بقوة القانون.

ولعل أبرز مظاهر الانتهاك لكرامة المعوق الإنسانية تظهر يوم الانتخابات، حيث يتم حملهم كأشوال البطاطا مع كل ما يشوب هذه العملية من مخاطر ومع كل ما يتخللها من إحساس بالمهانة، ويضاف إلى هذه الفئة من المواطنين كبار السن والنساء الحوامل الذين يعانون في كثير من الأحيان إلى حد الموت.

وفي الانتخابات النيابية الأخيرة 2018 صرح وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق خلال مؤتمر صحافي له عن 4007 حالة لأشخاص معوقين منهم مسنين ونساء حوامل تم حملهم من أجل الوصول إلى مركز الاقتراع لممارسة حقهم بالانتخاب. وقد أقر كل من وزير الداخلية ورئيس الحكومة بحصول “أخطاء إدارية في ملف إقتراع الأشخاص المعوقين”، وهو الأمر الذي أدى إلى تعرضهم لانتهاكات عدة، الأمر الذي تم توثيقه من قبل الجمعية اللبنانية من أجل مراقبة ديمقراطية الانتخابات LADE وحملة “حقي”.

وكان سُجل بمعرض الانتخابات البلدية الأخيرة عام 2016 حادثتا وفاة لرجل وامرأة نتيجة المجهود المبذول في عملية صعود السلالم من أجل الإقتراع. ذكرت رئيسة “الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً” سيلفانا اللقيس بهاتين الحادثتين، خلال مؤتمر صحافي دعت إليه المفكرة القانونية عقد نهار الخميس 6/12/2018  في مقرها في بيروت تحت عنوان” الخطوات المتخذة لمساءلة الدولة بشأن إنكارها حق الأشخاص المعوقين بالإنتخاب”.

حمل الشخص المعوق إهانة لكرامته بقرار للمحكمة الأوروبية

والمؤتمر الذي عقدته “المفكرة” كان للإعلان عن ثلاثة طلبات تعويض عن الضرر، تم تقديمها في الثالث من ديسمبر وهو اليوم العالمي للمعوق، لدى وزارة الداخلية والبلديات بصفتها مسؤولة عن تنظيم الإنتخابات. الطلب الأول تقدم به “الاتحاد اللبناني للاشخاص المعوقين حركيا” بصفته يمثل كل الأشخاص المعوقين أما الآخران فقدمتهما مواطنتان معوقتان هما مهى شعيب وأمل شريف على خلفية الانتقاص من حقوقهما في ممارسة حق الاقتراع. واللافت أن هاتين المواطنتين مثلتا شريحتي الأشخاص المعوقين الذين عانوا من الانتقاص من حقوقهم: فشعيب قد رفضت ممارسة حق الانتخاب بعدما تبين لها أنه يشترط موافقتها على حملها، فيما أن الشريف وافقت على الحمل. ويشكل طلب التعويض المقدم للإدارة مدخلا ضروريا لمقاضاة الدولة أمام مجلس شورى الدولة، في حال رفضها الاستجابة للطلب خلال مهلة الشهرين القانونية.

وقد رأت الدكتورة ميريام مهنا في كلمتها عن المفكرة القانونية أن “تقاعس الدولة عن تنفيذ موجباتها أدى إلى إلحاق ضرر كبير بالأشخاص المعوقين تمثل في أمرين: الأول حرمان عدد كبير منهم من الإدلاء بصوتهم وتاليا من ممارسة حق أساسي مكرّس لهم في المواثيق الدولية وهو المشاركة الفاعلة بالحياة السياسية. والثاني حرمانهم من كرامتهم بسبب الخيار المعطى لهم بأن يتم حملهم بغية الاقتراع، أي بشكل ينتقص من كرامتهم ويعرضهم للخطر (نتيجة حملهم من قبل أشخاص غير مختصين وخلافاً للأصول)”.

وفيما شهرت منظمات الدفاع عن حقوق المعوقين (حملة حقي) خلال فترة الحملة الانتخابية مسألة المس بكرامة الأشخاص المعوقين من خلال ربط حق الاقتراع بالموافقة على الحمل، تضمنت الطلبات للمرة الأولى قرارا صادرا عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بتأكيد هذا المنحى. وقد أشار القرار أن حمل الأشخاص المعوّقين بسبب غياب التأهيل، يُعتبر “معاملة لا إنسانية وحاطّة بالكرامة”، وهي معاملة تحظّرها المادة 3 من المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، والموازية للمادتين 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”.

شعيب: هكذا حرمت من ممارسة حق الاقتراع

“أنا مواطنة أردت أن أمارس حقي في الانتخاب لأول مرة في لبنان في الانتخابات النيابية الأخيرة 2018، ولكن للأسف، عندما حاولت أن أستفسر حول مدى تأهيل المركز الذي من المفروض أن أدلي بصوتي فيه، قيل لي أنه بإمكاني الوصول إلى غرفة الٌاقتراع بمساعدة أشخاص من الدفاع المدني بإمكانهم حملي. لكنني شخصياً رفضت هذا النوع من المساعدة حتى أتمكن من الإدلاءب صوتي وفضلت أن أحرم من ممارسة حقي في الانتخاب على أن أتنازل عن شيء من حقي أن أنتخب بكرامتي”. شهادة عن تجربة عاشتها مديرة مركز الدراسات في جامعة LAU مهى شعيب، وتحدثت عنها خلال المؤتمر وقالت: “مؤسف جداً أن تقوم الدولة بتطبيق القانون عن طريق الدفاع المدني الذي باتت مهمته حمل الناس. إن هذا الأمر مهين لكرامتنا ومهين لكبار السن الذين تعرضوا لحوادث عدة. وهذا عدا عن الكثير من العبارات المهينة التي كانوا يتعرضون لها سواء من الدفاع المدني أو غيره نتيجة التأفف من حمل عدد كبير من الأشخاص. نحن نرفض أن يتم اختزال القانون بهذه الطريقة. من هنا نطالب في الانتخابات المقبلة أن تجري الانتخابات في طابق أرضي أو أن تتوفر مصاعد   تسمح للمعوقين بالوصول الى مراكز الاقتراع للادلاء بصوتهم”.

الشريف: هكذا شعرت بالمهانة بعد موافقتي على حملي

بدورها عرضت مديرة مؤسسة جمعية حل.تك أمل الشريف لتجربتها كمرشحة في الانتخابات البلدية وكناخبة في الانتخابات النيابية. وقالت:عندما ترشحت للانتخابات البلدية في العام 2016 كنت أنتخب في مدرسة يفترض أنه يوجد فيها مصعد قيد العمل. ولكن فوجئت أنه كان مغلقاً وأجبرت على صعود أربعة طوابق. وعند نزولي، قاموا بتشغيله من أجلي. أما في الانتخابات النيابية الأخيرة، فظننت أنه تم أخذ جميع الاحتياطات. لكن فوجئت أن المصعد معطل حسبما قيل لي لكن لاحقاً علمت أن إدارة المدرسة هي التي أغلقته. يؤسفني أنني قبلت ان أُحمل وأن أعرض نفسي للخطر حيث كنت سأقع عدة مرات وعانيت من تشنجات “كرامب” في رجلي اليسرى مما اضطروا إلى إنزالي عدة مرات. وقد كانت عملية مهينة جداً بالنسبة لي ولا أتخيل أنني سأقبل أن أعيد التجربة مرة أخرى”.

موجبات على عاتق الدولة

وتقول رئيسة الاتحاد اللبناني للاشخاص المعوقين حركيا سيلفانا اللقيس:في العام 2005 تقدمنا بخطة الى وزارة الداخلية تتضمن نماذج حول كيف تكون العملية الانتخابية والأماكن المخصصة للاقتراع مجهزين لجميع الناس. كما تمّ إجراء مسح لكل المراكز الانتخابية في لبنان، وهذه المراكز إلى اليوم هي غير مجهزة وتم إجراء دراسات قانونية ومعايير ومراسيم. وبالمقابل لم يتم إجراء أي خطوة رسمية من قبل الدولة. كل مرة تقدم إلينا حجة، أنه لا يوجد وقت في حين نحن لا نتحدث عن أمور تقنية وإنما عن حقوق مواطنين”.

وشددت اللقيس على أن”حق المعوق بالانتخاب والترشح ليس تفصيلا ومن غير المقبول في كل دورة أن يتم وضعنا على جنب بحجج مختلفة”. وأكدت على التمسك “بحكم القانون والعدالة” وقالت:”مازلنا نريد بلداً قوياً وحكم القانون، والعدالة والانتخابات لا يمكن أن تكون عادلة أو ديمقراطية إلاّ إذا تضمنت مشاركة جميع الناس”.

وختمت مطالبة الحكومة المقبلة “بتخصيص بند في ميزانية الدولة لتطبيق كل مستلزمات البيئة المؤهلة بدءا بالانتخابات انتهاء بكل القطاعات وتنظيم علاقتها بمواطنيها بشكل يدفعهم للمشاركة على نحو ممأسس لإعادة بناء كل المرافق بطريقة تخدم كل المواطنين و تحتضنهم”.

يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعاون فيها الاتحاد مع المفكرة القانونية لمقاضاة الدولة اللبنانية على خلفية تقاعسها في تفعيل حقوق المعوقين. فقد كان سبق أن لجأ الاتحاد اللبناني للمعوقين حركيا إلى التقاضي الاستراتيجي لضمان ذوي الإعاقة بالحق في العمل وبتعويض البطالة. وقد ثبتت هذه الخطوة يومها مطالب أساسية ثلاثة وهي إلزام صندوق الضمان الاجتماعي من التثبت من موجب توظيف ذوي الإعاقة، ووزارة العمل بتغريم المؤسسات المخالفة لموجب توظيف ذوي الإعاقة، وإلزام وزارة العمل بدفع تعويض البطالة للمعوقين الذين يتم صرفهم. الهدف من هذا التقاضي هو مزدوج: ضمان حق الاقتراع للأشخاص المعوقين فضلا عن حقهم ببيئة مؤهلة. والأمل أن يسهم هذا التقاضي في جعل بيئة الاقتراع أكثر تأهيلا لاستقبالهم كمواطنين كاملي الحقوق …. والكرامة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني