مشروع قانون لإقرار نظام الحبس الاحتياطي المفتوح في مصر


2013-09-09    |   

مشروع قانون لإقرار نظام الحبس الاحتياطي المفتوح في مصر

نشرت صحيفة الأهرام المصرية، في عددها الصادر في7 سبتمبر 2013، خبراً مؤداه أن وزارة العدل انتهت من إعداد مشروع قرار جمهوري بقانون لتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، بهدف إلغاء الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو بالسجن المؤبد. ويتيح هذا المشرع لمحكمتي النقض والإحالة "التحرر" من قيود مدة الحبس الاحتياطي في حالة نقض الأحكام الصادرة بعقوبتي الإعدام والسجن المؤبد، وهو ما يعني التوجه نحو نظام جديد "للحبس الاحتياطي المفتوح".
ماهية الحبس الاحتياطي:
الحبس عقوبة جنائية يقررها القانون المصري أساساً في مواد الجنح، واستثناءً في مواد الجنايات عند استعمال الظروف المخففة القضائية أو الأعذار المخففة القانونية. والحبس يعني سلب حرية المتهم فترة من الزمن وإيداعه أحد السجون، وطبقاً لمبدأ قضائية العقوبة، لا يوقع الحبس على إنسان إلا بحكم قضائي يصدر من محكمة مختصة بعد محاكمة عادلة منصفة، وذلك إعمالاً لقرينة البراءة التي تعد أصلاً من أصول المحاكمات الجنائية، مقتضاها أن كل إنسان، بل كل متهم، بريء إلى أن تثبت إدانته بحكم قضائي بات يحدد العقوبة التي يستحقها.
لكن المشرع يجيز لسلطة التحقيق في مرحلة التحقيق الابتدائي أن تأمر بحبس المتهم حبساً احتياطياً أو مؤقتاً بمدة محددة، منذ بدء التحقيق أو أثناء سيره إذا توافرت موجباته، فالحبس الاحتياطي هو إجراء من إجراءات التحقيق يناقض قرينة البراءة المفترضة في كل إنسان، وهو لذلك أبغض الحلال في قانون الإجراءات الجنائية. لكنه أجيز لسلطة التحقيق استثناء – رغم كراهته – إذا توافرت مبررات معينة، بشرط أن يكون لمدة محددة لا يتجاوزها.
مبررات الحبس الاحتياطي:
الحبس الاحتياطي كما قلنا استثناء على أصل البراءة المفترض في كل إنسان والمؤكد في كل الدساتير والمواثيق الدولية، لذلك فهو يتقرر لضرورات التحقيق، والضرورات تقدر بقدرها دون إفراط. ولم يكن القانون المصري يحدد مبررات الحبس الاحتياطي تاركاً تقدير ذلك لسلطة التحقيق متى كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر والدلائل عليها كافية. لكن قانون الإجراءات الجنائية عدل بالقانون 145 لسنة 2006 الذي أعاد صياغة المادة 134 لتضع مبررات محددة لإصدار الأمر بالحبس الاحتياطي من سلطة التحقيق، إذا توافرت إحدى الحالات أو الدواعي الآتية:
1-إذا كانت الجريمة في حالة تلبس، ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره.
2-الخشية من هروب المتهم.
3-خشية الإضرار بمصلحة التحقيق.
4-توقى الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذي قد يترتب على جسامة الجريمة. 
وللتأكد من توافر أحد هذه المبررات، تطلب القانون أن يشتمل أمر الحبس الاحتياطي على الأسباب التي بنى عليها، كما يلزم تسبيب الأوامر الصادرة بمد الحبس الاحتياطي كذلك.
شروط الحبس الاحتياطي:
يشترط لإمكان إصدار الأمر بالحبس الاحتياطي:
1-أن يصدر من الجهة التي حددها القانون، وهي سلطة التحقيق (قاضي التحقيق أو النيابة العامة) أو سلطة الحكم أي المحكمة.
2-أن تكون الجريمة جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس مدة لا تقل عن سنة، أو معاقباً عليها بالحبس أياً كانت مدته إذا لم يكن للمتهم محل إقامة ثابت معروف في مصر. لكن لا يجوز الحبس الاحتياطي في الجرائم التي تقع بواسطة الصحف ولا في الجرائم التي يرتكبها الطفل الذي لم يجاوز عمره خمس عشرة سنة.
3-أن توجد أدلة كافية على مساهمة المتهم في الجريمة بوصفه فاعلاً أو شريكاً. وقد استعمل المشرع تعبير "الدلائل الكافية". لكن الفقه متفق على أن المقصود من هذا التعبير الأدلة الواضحة وبدونها تلتزم سلطة التحقيق بتقديم المتهم إلى المحاكمة مفرجاً عنه.
4-وجوب استجواب المتهم ما لم يكن هارباً.
5-وجوب احتواء أمر الحبس على البيانات المنصوص عليها في المادة 127 من قانون الإجراءات الجنائية، وهي اسم المتهم ولقبه وصناعته ومحل إقامته والتهمة المنسوبة إليه وتاريخ الأمر وإمضاء مصدره والختم الرسمي وتكليف مأمور السجن بقبول المتهم ووضعه في السجن مع بيان مادة القانون المنطبقة على الواقعة.
مدة الحبس الاحتياطي:
أوجبت الدساتير المصرية تحديد مدة الحبس الاحتياطي باعتباره قيداً على الحرية الشخصية. وهكذا نص الإعلان الدستوري النافذ حالياً والصادر بعد ثورة 30 يونية بتاريخ 8 يوليه 2013 في المادة 6 بقوله "ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطي".
والقانون المقصود في النص الدستوري هو قانون الإجراءات الجنائية، الذي حدد مدداً للحبس الاحتياطي بحسب الجهة الآمرة به، ووضع حدوداً قصوى لمدة الحبس الاحتياطي، وهي التي يراد تجاوزها في المشروع الذي أعدته وزارة العدل.
أ – اختلاف مدة الحبس باختلاف الجهة الآمرة به:
1-إذا كانت النيابة العامة هي التي تتولى التحقيق، فلها أن تصدر أمراً بحبس المتهم لمدة أقصاها أربعة أيام. لكن أثناء إعلان حالة الطوارئ، يكون للنيابة العامة عند التحقيق كافة السلطات المخولة لها ولقاضي التحقيق، وهي الحبس 45 يوماً بالإضافة إلى سلطتها في الأحوال العادية. وفي جرائم الإرهاب، يكون للنيابة العامة أن تأمر بحبس المتهم حتى خمسة أشهر ما لم يكن قد أحيل إلى المحكمة المختصة التي يكون لها أن تأمر بحبسه أو تفرج عنه.
2-إذا كان قاضي التحقيق هو القائم بالتحقيق، فإن له أن يأمر بحبس المتهم لمدة خمسة عشر يوماً، تجدد مدة أو مدداً أخرى لا يزيد مجموعها على 45 يوماً، مضافاً إليها المدة الأصلية، فيكون الإجمالي ستون يوماً.
3-سلطة القاضي الجزئي. إذا رأت النيابة العامة في الظروف العادية مد الحبس الاحتياطي وجب عليها قبل انقضاء مدة الأربعة أيام أن تعرض الأوراق على القاضي الجزئي، الذي يكون له مد الحبس الاحتياطي لمدة أو لمدد متعاقبة لا تجاوز كل منها خمسة عشر يوماً، وبحيث لا تزيد مدة الحبس الاحتياطي في مجموعها على خمسة وأربعين يوماً.
4-سلطة غرفة المشورة. بعد استنفاذ القاضي الجزئي لمدة الخمسة والأربعون يوماً، يعرض المتهم على محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في هيئة غرفة مشورة لتجديد الحبس، ويكون لها الأمر بالحبس لمدد متعاقبة لا تزيد كل منها على خمسة وأربعين يوماً.
ب-الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي:
حماية للحرية الشخصية، وضع القانون حداً أقصى لمدد الحبس الاحتياطي إذا قضاها المتهم محبوساً، وجب الإفراج عنه ولو لم يكن التحقيق معه قد انتهى. ففي الجنح الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي ثلاثة أشهر، ما لم يكن المتهم قد أعلن بإحالته إلى محكمة الجنح فيكون حبسه أو الإفراج عنه من سلطة هذه المحكمة. أما في الجنايات، فلا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي على خمسة شهور ما لم تأمر المحكمة المختصة بمد الحبس لمدة أو لمدد لا تزيد على خمسة وأربعين يوماً.
وفي جميع الأحوال لا يجوز أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا يتجاوز ستة أشهر في الجنح وثمانية عشر شهراً في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد (م 143 من قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بالقانون 145 لسنة 2006). ونصت الفقرة الأخيرة من المادة 143 على أنه يجوز "لمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة إذا كان الحكم صادراً بالإعدام، أن تأمر بحبس المتهم احتياطياً لمدة خمسة وأربعين يوماً قابلة للتجديد دون التقيد بالمدد المنصوص عليها في المادة 143".
ج-مشروع القرار بقانون لتجاوز الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي:
كما يتبين من العرض السابق، لا يجوز لأي سلطة قضائية أن تحبس المتهم رهن التحقيق أو المحاكمة حبساً احتياطياً مطلقاً أي دون أن يكون له حد أقصى يفرج عن المتهم وجوباً فور انقضائه. هذا الحد الأقصى في الظروف العادية هو سنتان فقط إلا في حالة أن يكون الحكم صادراً بالإعدام، فلا يوجد حد أقصى للحبس. وفي ظل حالة الطوارئ، تقرر المادة (6) من قانون الطوارئ سلطة القبض في الحال على المخالفين للأوامر التي تصدر طبقاً لأحكام قانون الطوارئ والجرائم المحددة في هذه الأوامر. ولم يحدد هذا النص حداً أقصى لمدة بقاء المقبوض عليه في الحبس الاحتياطي، لكنه أجاز للمحبوس أن يتظلم من أمر حبسه إلى محكمة امن الدولة المختصة، ويكون لمن رفض تظلمه أن يتقدم بتظلم جديد كلما انقضت مدة ثلاثون يوماً من تاريخ رفض التظلم.
وطبقاً لقانون الكسب غير المشروع، يكون للهيئات القضائية المنصوص عليها في هذا القانون سلطة الحبس الاحتياطي المخولة لقاضي التحقيق، وحدها الأقصى ستون يوماً، ويكون للمحكمة المختصة أن تأمر بتجديد الحبس أو الإفراج عن المتهم.
ويتيح مشروع القرار بقانون المقترح من وزارة العدل تجاوز الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي، أو بعبارة أخرى، فإن هذا المشروع يوسع من مجال الحبس الاحتياطي المطلق أو ما يمكن أن نطلق عليه "الحبس الاحتياطي المفتوح". فالمشروع يهدف إلى تعديل الفقرة الأخيرة من المادة 143 لتشمل سلطة محكمة النقض أو محكمة الإحالة في الحبس الاحتياطي المفتوح، ليس فقط الجرائم التي يصدر فيها الحكم بالإعدام، ولكن أيضاً الجرائم التي يصدر فيها الحكم بالسجن المؤبد. لذلك جاء نص الفقرة الأخيرة المقترح من وزارة العدل والمعروض على مجلس الوزراء على النحو التالي:
"ومع ذلك فلمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة إذا كان الحكم صادراً بالإعدام أو بالسجن المؤبد أن تأمر بحبس المتهم احتياطياً لمدة خمسة وأربعين يوماً قابلة للتجديد دون التقيد بالمدد المنصوص عليها في الفقرة السابقة".
وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا التعديل أنه قصد منه تحقيق العدل وإنزال العقوبة على المتهم متى تحقق يقيناً ارتكابه للجريمة. ولما كانت جرائم العنف والجرائم المضرة بأمن الدولة تتطلب تحقيقاً موسعاً لكشف الحقيقة، وما يستتبع ذلك من ضرورة توافر فترة زمنية للبحث وتحقيق الدليل، وهو الأمر الذي قد لا يتواءم مع السقف الزمني لمدد الحبس الاحتياطي الواردة في القانون، فكان لزاماً تعديل الفقرة الأخيرة من المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية لتعطي الحق لمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة في "التحرر" من قيود مدة الحبس الاحتياطي سواء كانت العقوبة المقررة للجريمة هي الإعدام أو السجن المؤبد.
نطاق تطبيق التعديل المقترح:
القاعدة أن الأحكام الإجرائية تطبق بأثر فوري مباشر منذ تاريخ العمل بها على ما يتم اتخاذه من إجراءات بعد تاريخ العمل بها، وتطبيق ذلك على إجراءات التحقيق التي يعد الحبس الاحتياطي أحدها، يقتضي القول بأن كل إجراء من هذه الإجراءات تم قبل تاريخ العمل بالقانون الجديد يبقى صحيحاً وفقاً للقانون الذي اتخذ في ظله. فمن كان محكوماً عليه بالسجن المؤبد وانقضت مدة الحبس الاحتياطي القصوى بالنسبة له فأفرج عنه طبقاً للنص السابق، لا يجوز الأمر بإعادة حبسه احتياطياً تطبيقاً للقانون الجديد. أما من كان لا يزال رهن الحبس الاحتياطي بعد تاريخ العمل بالقانون الجديد، فإن هذا القانون يسري عليه بأثر فوري إذا كانت محكوميته هي الإعدام أو السجن المؤبد، إذ تفتح مدة الحبس الاحتياطي بالنسبة له أمام محكمة النقض أو محكمة الإحالة بعد نقض الحكم وإعادة المحاكمة من جديد. أما إذا كان التحقيق لم ينته، فإن سلطة التحقيق تتقيد بالمدد القصوى أياً كانت العقوبة المقررة للجريمة، فلا تملك حبس المتهم احتياطياً بعد انقضائها.
تقدير التعديل المقترح:
من الملائم أن يتضمن التعديل الدستوري الذي سوف تقوم به "لجنة الخمسين" نصاً يحدد الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي ضماناً للحرية الشخصية التي هي حق طبيعي ومصونة لا تمس إلا بقدر ما تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع. فليس من المقبول أن يكون الحبس الاحتياطي مفتوحاً دون حد أقصى، ولا يكفي لتبرير ذلك القول بأن جرائم معينة تتطلب وقتاً أطول من غيرها لتحقيقها، بل الواجب دعم سلطات التحقيق والحكم كي تتمكن من إنجاز عملها في فترة زمنية معقولة. إن وضع حد أقصى لمدة الحبس الاحتياطي من شأنه أن يحث سلطات التحقيق على سرعة إنجازه، وقد يكون فتحها مدعاة لمزيد من التأخير في الإجراءات.
إن الواقع القضائي المصري يشير إلى أن القضاء المصري يواجه تحديات كثيرة أهمها تحدى الاستقلال والكفاءة والتحديث. هذه التحديات تعوق انطلاق القضاء وتحد من فاعليته، وتتطلب إعادة هيكلة القضاء أو إصلاح المنظومة القضائية، وليس تطهير القضاء كما يدعي البعض زوراً وبهتاناً. وحينئذ لن يكون هناك مقتضى للأخذ بنظام "الحبس الاحتياطي المفتوح"، لأن ضرره أكبر من نفعه. وقد يروج البعض مقولة أن هذا التعديل يقصد منه إبقاء المقبوض عليهم بعد ثورة 30 يونيو 2013، وجلهم من تنظيم الاخوان المسلمين، رهن الحبس الاحتياطي إلى أجل غير معلوم، بعد الإفراج عن المحبوسين عقب ثورة 25 يناير 2011 لانقضاء الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي بالنسبة لهم، قبل دخول   تعديل المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية المقترح حيز النفاذ.
إن نظام الحبس الاحتياطي المفتوح غير المحدد المدة أشد خطراً على الحريات العامة وحقوق الانسان المتهم من عقوبة الحبس ذاتها التي يصدر بها حكم القضاء بعد ثبوت إدانة المتهم، لأن الحكم القضائي بعقوبة الحبس يتعين أن يكون لمدة محددة. أما الحبس الاحتياطي المفتوح فيطال بريئاً من حقه أن يتمتع بقرينة البراءة، فلا يجوز أن يترك دون وضع حد أقصى له ينتهي ببلوغه، أيا كانت جسامة العقوبة المحكوم بها. ويجب ألا تغيب عنا حقيقة أن الثورات يعقبها المزيد من الحريات، وليس المزيد من القيود على الحريات والحقوق.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني