قرار قضائي بتغليب المصلحة الفضلى للطفل على السرية البنكية في المغرب


2018-11-27    |   

قرار قضائي بتغليب المصلحة الفضلى للطفل على السرية البنكية في المغرب

بتاريخ 6/11/2018، أصدر رئيس المحكمة الإدارية بالرباط المستشار محمد السيمو أمرا استعجاليا هاما بتغليب المصلحة العليا للطفل على السرية البنكية.

وبالعودة إلى تفاصيل القرار، يسجل أن أحد البنوك تقدم بتاريــــــخ 06/06/2018، بمقال استعجالي أمام المحكمة الإدارية في الرباط. وقد عرض البنك في مقاله أنه توصّل من مفوض قضائي لدى المحكمة الابتدائية بتمارة بطلب يقضي بتمكين زوجة بمعلومات مرتبطة بحساب زوجها المفتوح بدفاتر البنك. وإذ أشار المدعي في طلبه إلى أن المؤسسة البنكية ملزمة بكتمان السر المهني، اعتبر أنه يتعذر عليه تمكين الزوجة من المعلومات المطلوبة المرتبطة بحساب زوجها. تبعا لذلك، التمس البنك من المحكمة تسجيل تحفظ البنك عن الإدلاء بالمعلومات المطلوبة والتصريح بوجود صعوبة قانونية في تنفيذ الأمر القضائي السابق .

ولرد هذا الطلب، استند رئيس المحكمة إلى اعتبارات عدة، أبرزها الآتية:

  • أن غاية الطالبة من كشف المعلومات البنكية، هي التثبت من الوضعية المالية الحقيقية للزوج، قصد الاعتماد عليها في طلب الزيادة في قيمة النفقة المحكوم بها من الجهة القضائية المختصة لفائدة ابنتيه منها اللتين توجدان تحت حضانتها على إثر انتهاء العلاقة الزوجية بينهما،
  • أن الغاية من السرية تتمثل أساسا في حماية زبناء مؤسسات الائتمان من مخاطر استغلال معطياتهم الشخصية من طرف الغير على نحو يمس بمصالحهم المالية والأدبية وبالمنافسة المشروعة، وفي حماية الثقة في البنوك كمؤسسات مالية واقتصادية تباشر أدوارا اجتماعية واقتصادية هامة، فضلا عن حماية المصلحة العامة في تدعيم الائتمان وتوفير المناخ المناسب للاستثمار والاستقرار الاقتصادي. وعليه، رأت أن هذه الغايات لا تتوفر في النازلة المعروضة على المحكمة وأنه لا يمكن تفسير المادة المتصلة بالسرية على نحو يتعارض مع متطلبات الحماية المشار إليها ومع غاياتها الاجتماعية. وقد دعّم الأمر منتهاه هذا بقوله أن النص القانوني يطبق بمقاصده المرجوة منه.
  • أن القانون لم يُحدد مفهوم السرّ الواجب حمايته والمعلومات البنكية المشمولة بالسرية. وذهب الحكم انطلاقا من ذلك إلى تضييق مدى السرية، بحيث اعتبر أنها لا تشمل “المعطيات (التي) تجد مصدرها في وثائق أجنبية عن علاقته مع البنك المذكور … وتتعلق بممتلكات المطلوب ضده وبدخله المحقق بمناسبة عمليات خارجة عن نطاق علاقته بالبنك”. وعليه، رأى أن المعطيات المتعلقة بدخل المعني والمستمدة من الوثائق التي أدلى بها قصد الحصول على القرض والمتعلقة بشروط هذا القرض، لا تكون داخلة في نطاق السر المهني.
  • أنه بأية حال، فإن لمصلحة الأطفال غلبة على مقتضيات السرية المصرفية. فالنفقة تعتبر من الحقوق الثابتة والأساسية للأولاد ويتعين تيسير استفادتهم منها خاصة في حال انتهاء العلاقة الزوجية بطلاق أو تطليق، وسيما أن المحضونتين في النازلة هما طفلتان قاصرتان ووضعيتهما أولى بالحماية. وقد دعّم الأمر هذا التعليل من خلال الاستناد إلى الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وأشار وبشكل صريح لمبدأ سموها على التشريع الداخلي، وهو موقف لا نصادفه كثيرا في أحكام واجتهادات القضاء. ومن المواد التي أحال إليها الحكم، المادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والتي نصت على إيلاء “الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى” والمادة 27 من نفس الاتفاقية التي التزمت  فيها الدول “بحق كل طفل في مستوى معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي”. كما وضعت هذه المادة أن الوالدين يتحملان “المسؤولية الأساسية عن القيام، في حدود إمكانياتهم المالية وقدراتهم، بتأمين ظروف المعيشة اللازمة لنمو الطفل” .كما التزمت الدول بموجب المادة نفسها بأن تتخذ التدابير المناسبة “لكفالة تحصيل نفقة الطفل من الوالدين أو من الأشخاص الآخرين المسؤولين ماليا عن الطفل، سواء داخل الدولة الطرف أو في الخارج”.

وعليه، يستوجب التدقيق بالأمر إبداء الملاحظات الآتية:

  • أنه لم يتوقف عند حرفية النصوص، وإنما حاول استقراء الغاية من وضعها، وتقييمها على ضوء الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الأطفال، تبعا لإعلان سموها. وعليه، حمل تطويرا لافتا لهامش تدخل القضاة لتفسير القوانين ومواءمتها مع ما يستشرفونه من مصالح اجتماعية.
  • أنه أدى إلى تطبيق المصلحة العليا للطفل في قضايا السرية البنكية، مما عكس تطورا لافتا لهذا المفهوم.
  • أنه حصر تعريف السرية البنكية على نحو يحصرها في المصالح المرتبطة بها مباشرة من دون أن يكون من شأنها المس بأي من المصالح الاجتماعية الأخرى.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني