جلسة تشريعية لاسترداد المشاريع في لبنان: هل نسينا أصول الاسترداد؟


2018-11-14    |   

جلسة تشريعية لاسترداد المشاريع في لبنان: هل نسينا أصول الاسترداد؟

مثيرةً للانتباه كانت الجلسة التشريعية التي عقدها مجلس النواب في 11 تشرين الثاني لناحية اقدام رئيس الحكومة على طلب استرداد مجموعة كبيرة من مشاريع القوانين مع تعليق رئيس مجلس النواب بأن هذا الأمر هو حق له. ولا شك أن استرداد السلطة التنفيذية لمشاريع القوانين التي سبق وأحالتها إلى البرلمان هو حق بديهي يدخل ضمن منطق فصل السلطات وتوازنها المكرس في مقدمة الدستور (الفقرة هـ) واستكمالا للمادة 18 من هذا الأخير التي تمنح مجلس الوزراء صلاحية اقتراح القوانين.

السؤال الذي يطرح نفسه لا يتعلق بمبدأ الاسترداد لكن بالآلية الواجب اعتمادها بغية استرداد مشاريع القوانين.  فهل يحق لرئيس الحكومة خلال جلسة تشريعية إعلان استرداد مشروع قانون كما حدث مؤخرا أو أن الأمر يحتاج إلى اجراءات قانونية إضافية بحيث لا يعتبر موقف رئيس مجلس الوزراء كافيا من أجل سحب مشروع القانون؟

والحقيقة أن المادة 103 من النظام الداخلي لمجلس النواب أجابت بشكل صريح على هذا الموصوع عندما نصت على التالي: “يتم إسترداد مشروع القانون المقدم بمرسوم جمهوري قبل التصويت عليه نهائياً وذلك بموجب مرسوم جمهوري آخر”. فقد اعتمدت هذه المادة مبدأ التوازي في الصلاحية: فكما تحال مشاريع القوانين من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب بموجب مراسيم يصدرها رئيس الجمهورية عملا بأحكام الفقرة السادسة من المادة 53 من الدستور، كذلك يتوجب اتباع الصيغة الشكلية ذاتها بغية استرداد المشروع أي صدور مرسوم عن رئيس الجمهورية تحقيقا لهذا الهدف.

وبما أن مشاريع القوانين يتوجب إقرارها في مجلس الوزراء قبل إحالتها من قبل رئيس الجمهورية، لا بد للسلطة التنفيذية من الموافقة على مرسوم الاسترداد أي أن مجلس الوزراء هو الذي يقرر سحب المشروع على أن يتم ابلاغ مجلس النواب هذا الأمر بموجب مرسوم استرداد يصدره رئيس الجمهورية. وهذا ما كان يحدث دائما في لبنان كالمرسوم رقم 11840 تاريخ 3 آذار 1998 والذي بموجبه تم استرداد “القانون الرامي إلى تحويل سلاسل رواتب وتعديل أسس احتساب معاشات التقاعد وتعويضات الصرف من الخدمة”. وقد جاء في بناءات المرسوم ما يفيد حصوله على موافقة مجلس الوزراء بغية اكتمال الشروط الدستورية لعملية الاسترداد.

لذلك يتبين لنا أن مجرد طلب رئيس الحكومة استرداد مشروع ما لا يكفي من أجل اكتمال العناصر الدستورية للاسترداد بل لا بد من اقتران هذا الطلب بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء. فطلب رئيس الحكومة قد يؤدي إلى تريث المجلس وتأجيل النظر بالموضوع بغية منح السلطة التنفيذية الوقت اللازم من أجل استصدار مرسوم الاسترداد. وهذا ما أكده العلامة Eugene Pierre حين كتب:

‘La simple déclaration d’un ministre faite verbalement à la tribune ne suffirait pas pour dessaisir la chambre; mais sur cette déclaration, la chambre pourrait surseoir à statuer afin de donner au ministre le temps d’opérer régulièrement le retrait du projet auquel le gouvernement renonce’[1].

وهذا ما أكده رئيس مجلس النواب نفسه في الجلسة العامة التي عقدت في 26 و 27 أيار سنة 1999 عندما أجاب على استفسار أحد النواب قائلا: “زميلنا الكريم، أن رئيس الحكومة يطلب استرداد المشروع، المفروض أن يأتي الاسترداد بموجب مرسوم، ونحن نعطي مهلة لكي يقرروا هذا الأمر هم، هذا المشروع ورد من الحكومة”.

وبالتالي، لا يحق لرئيس الحكومة من تلقاء نفسه طلب استرداد مشاريع القوانين إذ أن هذه الصلاحية وخلافا لما ذهب اليه الرئيس نبيه بري لا تعود لرئيس مجلس الوزراء ولا حتى للحكومة التي تمثل في البرلمان بل لمجلس الوزراء أي للسلطة التنفيذية التي تجتمع وتتخذ قرراتها وفقا لشروط وضعها الدستور. ولمجلس النواب أن يرفض طلب رئيس الحكومة أو الوزير ما لم يقترن هذا الطلب بمرسوم يفيد الاسترداد. وقد أعلن ذلك صراحة أيضا رئيس مجلس النواب في جلسة 11 شباط 1999 فقال: “عندما أصوت على مشروع قانون محال من الحكومة حتى بعد التصديق على كل المواد وقبل أن أقول «صدق نهائياً» بعد المناداة، أن قام رئيس الحكومة أو أي وزير في الحكومة وناولني مرسوم استرداد القانون، يقول النص في النظام الداخلي على رئيس المجلس النيابي أن يعيد هذا الأمر”.

وعليه، لا يشكل التوافق السياسي الذي يحكم عمل مجلس النواب، لا سيما من أجل مراعاة التوازنات الطائفية في ظل حكومة تصريف الأعمال وما يعرف بتشريع الضرورة، مبررا يسمح لرئيس مجلس النواب أن يتفق مع رئيس الحكومة بغية إخضاع عمل المؤسسات لمعايير اعتباطية لا سند دستوري لها.

 


[1] Eugene Pierre, Traité de droit politique électoral et parlementaire, Paris, 1919, p. 78.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني