التمكين السياسي للمرأة المصرية بين الدستور والقرارات الحكومية


2018-10-22    |   

التمكين السياسي للمرأة المصرية بين الدستور والقرارات الحكومية

ما زالت مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار موضوعا جدليًا يستحوذ على اهتمام الناشطين في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة. وهو ما دفع الرئيس المصري للتصريح أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة[1] بتاريخ 25-09-2018 “أن مصر تمتلك أساسًا دستوريًا راسخًا لحماية حقوق الإنسان بأشمل معانيها، وقد شهدت قفزات نوعية خاصة في مجال تمكين المرأة، ونحن عازمون لتطبيق التزامنا بمفهوم شامل للارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان بأوسع معانيها”. ولكن يأتي هذا التصريح ليخالف الممارسات الحالية للحكومة المصرية. ففي 30-08-2018[2] أصدر رئيس الجمهورية قراراً بتعيين المحافظين الجدد ونوابهم وشمل القرار 27 محافظاً من ضمنهم سيدة واحدة لمحافظة دمياط، بالإضافة لتعيين 5 سيدات في منصب نواب المحافظين من 18 نائباً تم تعيينهم. واتبع ذلك إصدار وزير التنمية المحلية بتاريخ 2-9-2018[3] قراراً بتعيين القيادات الجديدة بمختلف المحافظات المصرية وشمل القرار تعيين 111 قيادة بالإدارة المحلية، وشملت حركة التعيين التي وصفت بالأكبر في عام 2018 خمس سيدات فقط.

وبالرغم من تصريح السيسي بالالتزام بتمكين المرأة والارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان إلا أن تلك الالتزامات أُفرغت من مضمونها بهذه القرارات، وضمنت انتهاكات واضحة للدستور المصري والاتفاقيات الدولية المعنية، وهو ما يعكس عدم اقتناع صانعي القرار بأهمية التمكين السياسي للنساء ومشاركتهن بالحياة العامة وتهميشهن في مواقع صنع القرار بشكل خاص.

السياسة الرسمية لتمكين النساء

وتختلف أعداد النساء في مواقع اتخاذ القرار في مصر خلال الفترات الماضية بحسب اتجاهات القيادة السياسية بدون وجود خطة واضحة لتمكين المرأة من العمل العام.  فبلغ عدد الوزيرات بالحكومة الحالية ثماني سيدات وهي زيادة عددية لم تحدث من قبل، بعكس الحكومات السابقة المتتالية منذ عام 2013 حيث لم يتخط عدد النساء في الحكومات السابقة في عهد الرئيس السيسي[4] ال6 وزيرات، وسيدتين في حكومة هشام قنديل في عهد الرئيس السابق محمد مرسي.

كما تم تعيين سيدة لمنصب محافظ للمرة الثانية في عهد السيسي بالقرار الأخير[5]، وهو ما يعد خطوة مهمة ونقلة نوعية بعد استبعاد متعمد لشغل النساء هذا المنصب.

كما يتبين تولي الوزيرات نفس الحقائب الوزارية التي درج تخصيصها للنساء منذ أن قام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر فى 1962 بتعيين أول سيدة  حكمت أبو زيد في منصب وزيرة الشؤون الاجتماعية، فانحصرت النساء فى الوزارات الأقرب إلى دور الرعاية والأدوار التقليدية للنساء التي يفرضها المجتمع مثل “وزارة التضامن الاجتماعي ووزارة التخطيط  ووزارة الدولة للهجرة” عدا استثناءات محدودة حيث شغلت الوزيرات بالحكومة الحالية بعض وزارات مختلفة عما مضى خلال العقدين الأخيرين مثل الاستثمار والتعاون الدولي والسياحة  بينما يحتكر الرجال تاريخياً المناصب الوزارية السيادية.

لكن هذه الخطوات الإيجابية مرهونة بقرارات وتوجهات أشخاص وضغوط المجتمع الدولي على القيادة السياسية الحالية، مما يخضع نسب تمثيل النساء في مواقع اتخاذ القرار للتذبذب، وهو ما يتطلب قيام الدولة بتطبيق إجراءات وتدابير محددة لإرساء قواعد ثابتة تلتزم بها مؤسسات الدولة وتحد من تأثير الثقافة المحافظة على متخذي القرار وتغلق الباب أمام الأهواء الشخصية.

المصدر بحث المشاركة السياسية للمرأة الصادر عن مؤسسة فريدريش إيبرت (مكتب مصر) عام 2017 لعدد من الباحثات المصريات

الدستور وتمكين المرأة

على مستوى التشريعات، تضمن دستور 2014 عددا من المواد التي تمثل فرصة جيدة من أجل تعزيز المشاركة السياسية للنساء ووصولهن لمواقع اتخاذ القرار، فأعطى الدستور ضمانات وحماية دستورية للنساء في عدد من مواده.

فألزم الدولة في المادة (9)[6] بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وجرم التمييز في المادة (53)[7] بجميع أشكاله وأيضاً الحض على الكراهية، وأصبحت أي ممارسة تمييزية جريمة تستوجب العقاب. ومن ثم، يجب مراجعة وتعديل القوانين التي تنطوي على نصوص تمييزية مثل قانون الأحوال الشخصية، وقانون السلطة القضائية وقانون العمل[8].

كما نصت المادة 11 على ضرورة قيام الدولة بإجراءات وتدابير للتصدي للتمييز الذى تتعرض له النساء بشأن شغل المناصب القيادية والوظائف العامة وتولي الوظائف في الهيئات القضائية. نصت هذه المادة على قيام الدولة بتطبيق إجراءات وتدابير تسمح بتمثيل النساء تمثيلاً مناسباً في البرلمان، وتركت للمشرع تنظيم ذلك دون النص على ضمانات دستورية يلتزم بها المشرع على غرار المادة 180 في نفس الدستور.[9]

وهو ما يمثل نقلة نوعية في مسار الحريات العامة الموجهة للنساء، إلا أن تفعيل هذه المواد مرهون بإصدار تشريعات منظمة، تتوافق ونص الدستور وروحه. وبالتالي لا يوجد ضمان لترجمة تلك المواد إلى تشريعات من خلال مراجعة القوانين وتعديلها التي تنتقص من حقوق النساء حتى تواكب الدستور الحالي.

توصيات اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة[10]

بموجب توقيع مصر على اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد النساء[11] “السيداو” والتي تضمنت المادة (7) منها بنودا تفصيلية تطالب فيها الدولة باتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للدولة، وبوجه خاص تكفل للمرأة على قدم المساواة مع الرجل المشاركة في صياغة سياسة الحكومة وفي شغل الوظائف العامة على جميع المستويات الحكومية.

وقد أعربت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة بملاحظتها الختامية بتقريرها الخاص بمصر سابق الإشارة إليه عن قلقها بالبند رقم (21) لاستمرار الممارسات والتقاليد والمواقف التي تكرس التمييز ضد النساء والفتيات في مجالات كثيرة منها الحياة العامة وصنع القرارات وأن الدولة لم تتخذ، حتى الآن، إجراءات فعلية ومنهجية لتغيير القوالب النمطية والقيم والممارسات التقليدية السلبية أو القضاء عليها.

وأوصت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة بالبند (30) بضرورة وضع سياسات مستدامة واتخاذ تدابير تهدف إلى تعزيز المشاركة التامة والمتساوية للمرأة في عملية اتخاذ القرار في جميع مجالات الحياة العامة والسياسية والمهنية.

إلا أن المفوض السامي لحقوق الإنسان من خلال مراجعته لما تم تنفيذه من ملاحظات وتوصيات من جانب الحكومة المصرية بمراجعته الأخيرة الصادرة بسبتمبر 2017 [12]، أفاد بأن اللجنة لم تتلق أي معلومات لتقييم ما إذا كانت التوصيات قد تم تنفيذها.

وأوصى بزيادة الجهود لتوعية البرلمان، وكذلك الرأي العام، فيما يتعلق بأهمية تسريع الإصلاح القانوني الذي يهدف إلى تحقيق المساواة الرسمية للمرأة والامتثال للاتفاقية.

استراتيجية لتمكين المرأة

وفي هذا الإطار أصدرت الحكومة المصرية في عام 2015 (استراتيجية التنمية المستدامة، رؤية مصر[13] (2030، كما أصدر المجلس القومي للمرأة في مارس 2017 (الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية [14] (2030، وتتضمن هذه الاستراتيجية الأهداف التي تعتزم الدولة تحقيقها من أجل تحقيق 17 هدفاً حول التنمية المستدامة 2030 الصادرة عن الأمم المتحدة[15]. ونصت الاستراتيجية على تحقيق التمكين السياسي للمرأة وتعزيز أدوارها القيادية من خلال تحفيز المشاركة السياسية للمرأة بجميع أشكالها، ومنع التمييز ضد المرأة في تقلد المناصب القيادية في المؤسسات التنفيذية والقضائية، وتهيئة النساء للنجاح في هذه المناصب. إلا أن هذه الاستراتيجية لم يتم اتخاذ خطوات لتنفيذها رغم مرور ثلاث سنوات على إصدارها.

خلاصة

وخلاصة القول أنه بالرغم من أن الإصلاحات الدستورية والمعيارية والاستراتيجيات قد أحرزت تقدما محدودا في مجال مساهمة المرأة في الحياة العامة، لكن ما زالت الفجوة متسعة بين ما تقره هذه الاستراتيجيات وما تم تنفيذه على أرض الواقع. فلا زالت مشاركة النساء السياسية محدودة في مواقع اتخاذ القرار بالهيئات التنفيذية. وفي ظل غياب رؤية واقعية لتحقيق فعلي للمساواة بين الجنسين على المستويات المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ستظل فاعلية المشاركة الحالية غير كافية لاقتصارها على عدد محدود من المهن. ونجدها في الوسط الحضري والدلتا أكثر منه بالصعيد، وتتركز مناصب الوزيرات في عدد محدود من الوزارات محدودة التأثير والتي تختص بالرعاية الاجتماعية.

 


[1] – خبر صحفي بجريدة اخبار اليوم ” ننشر نص كلمة الرئيس السيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة” الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 25/9/2018.

[2] – كتب محمد الحالي ” الجريدة الرسمية تنشر قرار الرئيس بإصدار حركة المحافظين الجدد ونوابهم ” بجريدة اليوم السابع بتاريخ 31/8/2018.

[3] – كتب أشرف عزوز ” بالأسماء.. ننشر حركة القيادات الجديدة للمحليات بمختلف المحافظات” بجريدة  اليوم السابع  بتاريخ 2/9/2018.

[4] – حكومة شريف إسماعيل المعدلة بتاريخ 14يناير 2018 وتقلدت ست سيدات الحقائب الوزارية الاتية ” وزارة التخطيط و ترأسها هالة السعيد ، وزارة الهجرة ترأسها نبيلة مكرم ، وزارة التضامن ترأسها غادة والي، وزارة الاستثمار والتعاون الدولي ترأسها سحر نصر، وزارة الثقافة ترأسها إيناس عبد الدايم، وزارة السياحة ترأسها رانيا المشاط “

[5] – تم تعيين المهندسة “نادية عبدة” محافظاً للبحيرة عام 2017.

[6] – نص الدستور المصري الحالي في المادة 9 ” تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز”

[7] – نصت المادة 53 من الدستور المصري الحالي على أن ” المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الإجتماعي، أو الإنتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر.

التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون.

تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء علي كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض”.

[8] – قانون قانون الأحوال الشخصية رقم 25 لسنة 1920 وتعديلاته ، قانون السلطة القضائية رقم 56 لسنة 1972 وتعديلاته لسنة 2007، قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 .

[9] – المادة  180هي المادة التي نصت على تخصيص ربع عدد المقاعد للنساء في المجالس المحلية المنتخبة.

[10] – الملاحظات الختامية للجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة الخاصة بمصر والصادرة بالدورة الخامسة والأربعون، بتاريخ 18 يناير و5 فبراير 2010.

[11]– صدقت على اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد النساء » السيداو « في 18 سبتمبر 1981.

[12] – تقرير المفوض السامي لحقوق الانسان لمتابعة الملاحظات الختامية لللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة الخاصة بمصر، بالدورة السابعة والستين التي عقدت في يوليو 2017 في جنيف، صدر التقرير بتاريخ 21 سبتمبر 2017 .

[13]  الموقع الرسمي لوزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى     http://sdsegypt2030.com/

14-الموقع الرسمي للمجلس القومي للمرأة  http://ncw.gov.eg/ar

[15] – أصدرت هيئة الأمم المتحدة أجندة التنمية 2030 في سبتمبر 2017، وتضمنت 17 هدف وينص الهدف(5) على تحقيق المساواة بين الجنسين، ويتضمن الهدف تحقيق خمسة مقاصد من بينها “كفالة مشاركة المرأة مشاركة كاملة وفعالة وتكافؤ الفرص المتاحة لها للقيادة على قدم المساواة مع الرجل على جميع مستويات صنع القرار فى الحياة السياسية والاقتصادية والعامة. “

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، دستور وانتخابات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني