كاتب عدل لبناني يحرض على الافتراء بحق عاملات المنازل: ورئيس مجلس كتاب العدل يردّ بوعود لتحسين أوضاعهن


2018-10-08    |   

كاتب عدل لبناني يحرض على الافتراء بحق عاملات المنازل: ورئيس مجلس كتاب العدل يردّ بوعود لتحسين أوضاعهن

“أنا بنصحك نصيحة من الآخر إذا هربت اشتكي عليها بالسرقة، غير هيك ما بتنلقط”. هذه بإختصار خلاصة المقابلة-القنبلة التي أجرتها محطة “إم تي في” منذ أكثر من شهر (18/8/2018) في برنامج “My Right” (حقي) عبر المذيعة رانيا أشقر التي استضافت الكاتب العدل أنطوان جرمانوس. وقد عادت هذه المقابلة لتبرز تبعا لتعليق لافت لرئيس مجلس كتاب العدل جوزف بشارة عليه على صفحة فايسبوك منظمة كفى.

وفي استعادة للفقرة (التي جاءت ذاخرة بعدد من الآراء المسبقة بحق العاملات الأجنبيات)، تبدأ أشقر بشرح مضمون حوارها مع جرمانوس حول العاملات الأجنبيات وتحديداً ما أسمته “فرار وسرقة”، وهي ألفاظ مخالفة لقاموس المصطلحات الذي عممته منظمة العمل الدولية على الإعلاميين ومؤسسات الإعلام. وقد اعتبرت أشقر أن هذه أمور (السرقة والفرار) “عم تصير معنا ومعنا جرمانوس الذي يقدم لنا تفسيرات عملية وطرق نضمن لنا حقنا أيضاً”(طبعا كأصحاب عمل، وكأنه لا حقوق للعاملات هنا).

وعدا عن المعلومات المغلوطة التي أدلى بها جرمانوس لناحية الجزم أن كل مكاتب الإستقدام “شرعية ومسجلة لدى وزارة العمل”، استخدم مصطلحات غير حقوقية في حديثه عن العاملات، ك”الصانعة” و”الخادمة” بدل عاملة منزلية، معتبراً أن عملية الإستقدام تأتي على “حساب ربة المنزل”، من دون الأخذ بعين الإعتبار أو الإشارة لما تتعرض له العاملات سواء في مكاتب الإستقدام أو في منازل اصحاب العمل من إنتهاكات.

وفي حديثه عن الجنسيات، استنكر ارتفاع ما أسماه “سعر” الفليبينيات، وكأن العاملة سلعة تشترى وتباع، وطبعا يقصد كلفة عملية الإستقدام للتعاقد مع عاملة، كل هذا ولم تستدع هذه الألفاظ أي استنكار أو تصويب من قبل المذيعة أشقر التي كانت تقابل كلامه بالضحك في معظم الأحيان.

وذهبت أشقر أيضاً إلى مشاركة جرمانوس السخرية عندما قال أن الأمن العام “واحتراماً للجاليات الأجنبية فرض توقيع العاملة على التنازل الذي تنظمه ربة المنزل عنها لكفيل أخر”، مشيراً إلى انه يطلب توقيع العاملة لأنه يلتزم قرار الأمن العام ولكنه لا يصدق على توقيعها قائلاً بالحرف: “كيف بعرف إذا هيدي هي، يعني إذا جابوا لي خادمتين كيف بعرف أياها منهن”. وهو موقف لا يفسر إلا بالعنصرية تجاه الشكل واللون طالما هناك جواز سفر من المفترض أنه يبين كامل هوية العاملة التي ستوقع على التنازل.

وأدلت أشقر بدلوها الخاص وهي تستنكر هذا العدد (وهو ما أسماه جرمانوس الكم) من العاملات في الشوارع بالقول: “عدد الموجودين بالشوارع أكتر من عدد اللبنانيين”، متسائلة عن سبب عدم ملاحقة هؤلاء، معتبرة مغادرتهم منزل أصحاب العمل جرماً، لتتساءل “كيف يضمن المواطن حقه؟”، من دون البحث أو الإشارة إلى أي ظرف من ظروف العاملات والإنتهاكات التي تدفع بعضهن إلى مغادرة منازل أصاحب العمل.

وهنا قال جرمانوس “ما فينا نقول ما في لقط لهن (وقصده القبض عليهن كمرتكبات لجرم)، مضيفاً “صدقيني مش من مصلحتك تنلقط لأنه بدك تدفعي تذكرة السفر لإعادتها إلى بلادها”. وفي نهاية الحلقة، وعود على بدء مهمته في “تنوير” أصحاب العمل لحفظ حقوقهم، ختم جرمانوس بالقول على مسمع ووقع ضحكة أشقر بالقول: “أنا بنصحك نصيحة من الآخر إذا هربت اشتكي عليها بالسرقة، غير هيك ما بتنلقط”، لتكون “مسك ختام” يليق بهكذا فقرة إعلامية أسوأ ما فيها هو عنوانها: “حقي”.

حلقة تقع تحت المادة 24 من قانون جرائم المطبوعات

فضلا عن الإنتهاكات التي تشارك جرمانوس وأشقر في ارتكابها على صعيد الخطاب الحقوقي والتي بيناها أعلاه، يرتكب جرمانوس ومعه مضيفته حكما “جريمة مطبوعات” مع دعوته أصحاب العمل لإرتكاب جرم إفتراء بحق العاملات لديهم، بمفهوم المادة 24 من قانون جرائم المطبوعات. وتنص هذه المادة على معاقبة “كل من حرض على ارتكاب جرم بالنشر أو الإعلان في المطبوعات الصحفية وغيرها”، بعقوبة الجرم الذي دعا إليه نفسها. وتشدد المادة على أنه يعتبر تحريضاً كل “كتابة يُقصد منها الدعوة للإجرام أو التشويق إليه”. وبذلك، يكون جرمانوس، وبرغم موقعه ككاتب عدل، يحرض أصحاب العمل على الإفتراء عبر الإدعاء على العاملات، اللواتي يغادرن منازل أصحاب العمل، بالسرقة، بغض النظر إذا ما كن ارتكبن هذه الجريمة فعليا أم لا.

منظمة كفى تصوّب سهامها في اتجاه كاتب العدل

استدعت الحلقة التي بثها تلفزيون “إم تي في” بياناً من منظمة “كفى عنفاً واستغلالاً” نشرته على صفحتها على فايس بوك، قالت فيه: “إذا كنتم تبحثون عن ناطق بإسم أصحاب العمل الذين يفترون على عاملة المنزل وينتهكون حقوقها، فلا داعي للبحث أكثر، إذ اتّضح أن هذا الشخص ليس مجرّد مواطن آخر وظّف عاملة منزل كما قد تتوقّعون، بل هو كاتب عدل، إسمه أنطوان جرمانوس”.
وتساءلت المنظمة “بأي عدل ينادي هذا الشخص المُنتدَب لأعمال ذات طابع رسمي، حين تسول له نفسه دعوة الكفلاء، مباشرةً على الهواء، إلى الافتراء على عاملات المنازل عن طريق رفع دعاوى سرقة عليهنّ كردّ فعل تلقائي على “فرارهنّ” من المنزل…”. وأشارت إلى أن جرمانوس نصّب نفسه كمقدّم “نصائح عمليّة” لإنجاح العلاقة بين “الخادمة” أو “الصانعة” -كما راق له أن يسمّيها- والكفيل/ة، من دون التطرّق إلى البنية القمعيّة القائمة، ومخاطباً الجمهور بلغتهم الشعبيّة” المستخدمة لدى الحديث عن عاملات المنازل”.
ففي حين يُفترض أن يكون الكاتب العدل، وفق بيان “كفى”، “الجهة المشرفة على قانونيّة عقد العمل بين الطرفين، يدعو السيّد جرمانوس الكفلاء صراحةً لمخالفة القانون والتّقدم بإدّعاء كاذب وانتقامي ضد العاملة لحماية أنفسهم”.

واعتبرت أن “الخطير أنّه عندما يتم الترويج بهذا الشكل الفاضح لانتهاك حقوق العاملات، والتعامل معه على أنه أمر مقبول، بخاصّة من قبل جهات يُفترض أن تكون ضامنة لحقوق الأشخاص، لن يعود غريباً أن نرى هذا العدد الكبير من العاملات الموقوفات بدعاوى سرقة كاذبة وكيديّة، وهذا الكمّ من الأحكام التي تدين عاملات بريئات”.

وأكدت “كفى” أنه “لا يمكن رؤية هذا الانتهاك الذي هو استكمال للعنف الممنهج ضد العاملات، بمعزل عن نظام الكفالة. فتدبير الفرار، إجراء يفرضه نظام الكفالة الذي لا يعتبر العلاقة بين صاحب العمل والعاملة على أنها علاقة عمل، إذ لا يقوم أي صاحب عمل بالتبليغ عن فرار عامل/ة بعد تركه/ا العمل، إلا في حالات عاملات المنازل. وهذا الفكر التملّكي الناتج عن هذا النظام، واضح جداً في حديث السيد جرمانوس الذي يرى عملية توظيف العاملة على أنها “استحصال على عاملة” وليست عملية توظيف كما يُفترض بها أن تكون”

مجلس كتاب العدل يتحرك…

على خط مواز، تحرك مجلس كتّاب العدل في لبنان، على لسان رئيسه الكاتب بالعدل جوزف بشارة الذي اعتبر أن ما قاله جرمانوس “لا يعبر عن رأي الكتاب العدل ومجلس الكتاب العدل لا من قريب ولا من بعيد”. وأكد “أن مجلس الكتاب العدل الذي كان ولا يزال في طليعة المدافعين عن حقوق الإنسان ومن الرافضين لكل أشكال التمييز العنصري يأسف لكل ما أتى على لسان الكاتب العدل المذكور، ويستنكره وهو منه براء وسيعمل على اتخاذ التدابير اللازمة بالتنسيق مع وزارة العدل”. وأضاف بشارة في بيانه “أن المجلس بصدد إطلاق مبادرة لتحصين حقوق العاملات والعمال الأجانب وكل أصحاب الحقوق وذلك بالتنسيق مع منظمة العمل الدولية ووزارتي العمل والعدل والجمعيات المختصة والتي سيعلن عنها خلال أيام”، آملاً من كافة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة “عدم إجراء أي مقابلة مع أي كاتب عدل إلا بعد التنسيق مع مكتب المجلس أو بعد الاستحصال على إذن من وزارة العدل”.

وكشف بشارة ل “المفكرة القانونية” أن مجلس كتاب العدل بصدد تقديم إحالة رسمية إلى وزارة العدل صباح الإثنين في 8/10/2018، يعلن فيها رفضه بالشكل والمضمون كلام جرمانوس الذي تضمن مغالطات قانونية وألفاظاً غير حقوقية ومخالفة لمعايير حقوق الإنسان عامة وحقوق العاملات خاصة، طالباً من الوزارة، كسلطة وصاية، إتخاذ الإجراء المناسب بحقه”.

ويجدر الذكر أن “المفكرة” كانت تعاونت مع مجلس كتاب العدل في 2014 لإلغاء ما سمي آنذاك تعميم العار، الذي كانت أصدرته وزارة العدل بناء على طلب من المديرية العامة للأمن العام، لغاية إلزام كتاب العدل بتضمين تعهدات أصحاب العمل الخاصة بتوظيف عاملات، تصريحا بأنّه ليس للعاملات أيّ حياة زوجية أو حميمية مع شخص غير لبناني في لبنان وبأنهم يلتزمون بإعلام الأمن العام بأي زواج مستقبلي قد يقدمن عليه ليصار الى ترحيلهن.

ماذا عن المسؤولية الصحافية؟

إذا كانت “كفى” ومجلس كتاب العدل قد تحركا ضد جرمانوس ومضمون كلامه ومصطلحاته المستخدمة، فثمة أسئلة مشروعة تفرضها صمت قناة mtv ونقابتي الصحافة المحررين إزاء خروج المذيعة رانيا أشقر عن الأخلاقيات الإعلامية للتهجم على إحدى أضعف الفئات الاجتماعية وأكثرها هشاشة. بهذا المعنى، يصبح أي إخلال بهذه الأخلاقيات تطبيعا وتشجيعا على مزيد من المظالم بحق هؤلاء.

لمشاهدة المقابلة:

My Rights – 18/08/2018 – الكاتب العدل أنطوان جرمانوس – التعامل مع مكاتب العاملات الأجنبيات

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني