ثلاثة اقتراحات عالقة في “الإدارة والعدل”.. غالبية الشعب اللبناني ترفض زواج القاصرات


2018-09-24    |   

ثلاثة اقتراحات عالقة في “الإدارة والعدل”.. غالبية الشعب اللبناني ترفض زواج القاصرات

الأوضاع الإقتصادية الصعبة، العادات والتقاليد والخوف من البقاء من دون زواج، هي بعض الأسباب التي تدفع بالأهل في كثير من الأحيان في المجتمعات العربية عموماً ومن بينها لبنان، إلى الضغط على طفلاتهم ودفعهن نحو الزواج. ولكن من قال أنه يحق للآباء والأمهات أن يسلخوا بناتهم، وهن في عمر الطفولة عن مقاعد الدراسة، ويقوموا بقتل أحلامهن من خلال زجهنّ في منزل زوجي مع كل ما يترتب على ذلك من مسؤوليات ترخى على عاتق الفتاة، وهي في عمر يعفيها أصلاً من أية مسؤولية قانونية؟ من قال إن مجتمع يقبل تزويج الطفلات قادر أن ينتج جيلاً واعياً وكفوءاً يعول عليه في صناعة المستقبل؟.

في دراسة أطلقها التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني في 18 من الشهر الجاري أيلول /سبتمبر، إثر  “استطلاع رأي وطني” بعنوان “موقف المجتمع اللبناني من تزويج الطفلات والأطفال”، قال المجتمع اللبناني كلمته، ورفض بنسبة وصلت الى 84% “تزويج الأطفال والطفلات” واعتبر هذه الممارسة “خطيرة وانتهاك لحقوق الطفل/ة”، فيما رأى نحو 97% من اللبنانيين الذين تم استطلاع رأيهم أن “السن المثالي للزواج هو 18 عاماً وما فوق “.

وهدفت هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على مواقف المجتمع اللبناني من ظاهرة تزويج الطفلات والأطفال وأسبابها وآثارها، فضلاً عن رأي الشعب اللبناني فيما يتعلّق بموقف الدولة من القضية والدور الذي يجب أن تلعبه من أجل إنهاء هذه الظاهرة، وبشكل خاص عبر إقرار قانون يحدد السن الأدنى القانوني للزواج في لبنان بثمانية عشرة سنة مكتملة للذكر والانثى.

وتعد هذه  الدراسة الأولى من نوعها إذ تتناول آراء المجتمع اللبناني حيال تزويج الطفلات والأطفال والقوانين المقترحة المتعلقة به. شمل الاستطلاع عينة مؤلفة من 1200 شخصاً من الجنسية اللبنانية، تتراوح أعمارهم بين 18 عاماً وما فوق، مع اعتماد المناصفة في الإنتقاء 50% ذكوراً 50% إناثاً وضمان تمثيل مختلف المحافظات اللبنانية والمجموعات الإجتماعية والاقتصادية، حيث أن 36% من أفراد العينة حاصلون/ات على شهادة جامعية و 1% منهم أميين/ات. وتعمل النسبة الأكبر ممن شملتهم العينة ( 44%)  في مهن حرة و 53% موظفين/ات و3% منهم/ن عاطلين/ات عن العمل. و 52%  متزوجين، 9% منهم تزوجوا قبل سن 18 عاماً.

وتم الإختيارمن قبل شركة  Statistics Lebanon Ltd من تاريخ 21.03.2018 حتى 10.04.2018. وأجريت المقابلات مع المستطلعين\ات وجهاً لوجه بعد سحب العينة باستخدام تقنية التوزيع المتناسب مع الحجم.

صفر% مع التزويج المبكر

يعتقد 97% من اللبنانيين/ات أن أفضل عمر للزواج عند الإنسان هو 18 سنة وما فوق. بينما يرى 0% منهم أن السن الأنسب للزواج هو ما دون 15 عاماً. ويؤكد 85% منهم أن البلوغ الجسدي لا يعني أن الفتاة أصبحت جاهزة للزواج. ويعتقد 79% منهم أن الطفلات دون سن 18 عاماً غير مستعدات لتحمل المسؤوليات المرتبطة بالزواج بما في ذلك تربية الأطفال.  وقد عارضت أغلبية العينة 84% التزويج المبكر للفتاة، فيما اعتبر 80% من أفراد  العينة أن تزويجها تحت سن الثامنة عشر هو جريمة بحقها. وقد لحظت الدراسة أن الفئة العمرية الأكثر تأييداً لزواج الطفلات هي 56 سنة وما فوق.

ويؤيد 64% من المجتمع اللبناني إقرار قانون يحدد سن الزواج في لبنان بـ18 سنة مكتملة للذكور والإناث، وكانت النساء والفئات العمرية الشابة هي الأكثر تأييداً لإقرار قانون يحمي الأطفال والطفلات من التزويج المبكر والأكثر تحسساً للمخاطر الناجمة عن تزويج الطفلات وعلى رأسها الآثار الصحية. وبرر الرافضون للفكرة  أسبابهم، إما باعتبار مسألة الزواج خياراً شخصياً( 73% ) أو نتيجة العادات والتقاليد 14% أو لأسباب دينية 11%. فيما اعتبر 68% من المستطلعين أنه من الأسباب التي تعيق اقرار قانون يمنع تزويج الأطفال والطفلات، هو الرفض الاجتماعي والمجتمع الذكوري، ورأى 24% أن السبب قد يعود الى رفض المرجعيات الدينية للقانون، فيما  ربط  8% منهم فقط  الأمر بالإرادة السياسية.

 وبحسب هذه الدراسة اعتبر 45% من المستطلعين أن الأسباب الإقتصادية هي الدافع الرئيس لقيام الأهل بتزويج طفلاتهم قبل 18 سنة، فيما أعاد 39% منهم  السبب إلى العادات والتقاليد والخوف من البقاء دون زواج. وكان السعي الى التركيز على ضرورة توعية الأهل لمخاطر التزويج المبكر على الطفلة من خلال إبراز الآثار الصحية والجسدية والنفسية له .وقد اعتبر 85% من المستطلعين أن تزويج الفتاة يحرمها من حق اختيار شريك مناسب ويعرضها للعنف الزوجي، بينما رأى  83% منهم أن الزواج المبكر يزيد احتمال تعرضها للأمراض النفسية مثل الهستيريا واللإنفصام والاكتئاب.

النمطية والذكورية ليست رهينة الأرياف

طبعاً إن موقف المجتمع اللبناني المبني على هذه الدراسة والرافض لفكرة تزويج القاصرات هو موقف هام جداً ويعكس تطوراً في أنماط التفكير. ورأت حياة مرشاد، مسؤولة الحملات والتواصل في التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، في حديث ل”المفكرة”أن هناك عدة عوامل هامة أدت إلى تطور درجات الوعي والانفتاح لدى المجتمع اللبناني وقالت:”لعبت وسائل التواصل الإجتماعي دورا كبيراً في هذا التطور،  فضلا عن الحراك النسوي الذي كان له  دوره أيضا، فاليوم قضايا النساء هي من القضايا الأكثر حضوراً في المجتمع المدني. واستطاعت الجمعيات النسائية  أن تضع قضايا النساء وحقوقهن على طاولة صناع القرار  وأمام الرأي العام أينما كان، من خلال وسائل الإعلام و حملات التوعية خاصة فيما يتعلق بهذا الموضوع”.

لكن على الرغم من التطور في أنماط التفكير في المجتمع المدني ما زال هناك قلة ممن يؤيدون تزويج القاصرات. وبسؤال مرشاد إن كانت هذه الآراء تأتي من سكان المدن أو المناطق الريفية ، لفتت إلى أن “التجمع” لم يرد نشر النسب بحسب المناطق حتى”لايتم تكريس كل منطقة من منطلق حقوقي مع أو ضد، لأننا نعتبر أنه في كل المناطق هناك أناس لديها انفتاح وأخرى لديها تفكير ذكوري، لكن بحسب النتائج فإن هناك نسب غير قليلة من الناس الذين يؤيدون زواج الطفلات في بيروت، وطبعا في مناطق مثل عكار والبقاع كانت نسبة قبول تزويج الطفلات أعلى. أما في الجنوب، وفق مرشاد، فكان لافتاً أنه لا يوجد قبول مطلقا لتزويج الطفلات، وهذا يعكس أن الأمر غير مرتبط بموضوع طائفة أو منطقة معينة بل  بثقافة معينة ضمن بيئة معينة ولدى أشخاص معينيين”.

تزويج القاصرات ..عالق في البرلمان

بتاريخ 28 آذار 2017 تقدم النائب السابق ايلي كيروز بمشروع قانون للحماية من تزويج الطفلات والأطفال،   كان التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني قد قام بصياغته  في 2010 بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية والتزامات لبنان في هذا الإطار، لاسيما اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والميثاق الدولي لحقوق الإنسان.

ونتيجة للضغوط المستمرة على مدى أكثر من سنتين، وبشكل خاص عبر إطلاق حملة التجمع الإعلامية بعنوان #مش_قبل _الـ18، أحال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري اقتراح القانون الى لجنة الإدارة والعدل النيابية لمناقشته، وما زال هناك، وفق  مرشاد:”إقتراح القانون لا يزال لدى لجنة الإدارة والعدل النيابية مع مقترح قانون النائب السابق غسان مخيبر، وإقتراح قانون أخر تقدمت به وزارة حقوق الإنسان بالشراكة مع منظمة “كفى” وتقول مرشاد ” أن قانون  مخيبر  ينظيم تزويج الطفلات، فيما يضع  مقترح وزارة حقوق الانسان استثناءات معينة، واقتراح  قانون  “التجمع” هو الوحيد الذي يرفع السقف، ويطالب بتحديد سن الزواج في 18 سنة دون استثناء”.

تابعت:”وقد حاولت لجنة الإدارة والعدل النيابية العمل على وضع صيغة موحدة للقوانين، و كانت صيغة تتضمن استثناءً أيضاً، فأبدينا رفضنا للموضوع، وإلى الآن لم يُتخذ القرار بعد، فيما إذا سيتم السير بقانون موحد أو بالقوانين الثلاثة، وقد توقف النقاش عند هذه النقطة”.

وختمت:”ما نحاول القيام به الآن هو الضغط داخل لجنة الادارة والعدل لإبقاء القانون الذي تقدمنا به، والذي لا يتضمن أي استثناء على طاولة البحث،  ثم  إحالته إلى الهيئة العامة. وفي هذا السياق أرسلنا رسائل إلى جميع النواب وأخذنا مواعيد من الجميع وبدأنا القيام بالزيارات لتبليغهم نتائج استطلاع الرأي لنأخذ موقفاً رسمياً من القضية، وهل سيكونون مع أو ضد لدى التصويت على القانون، وبالطبع التشديد على مطلبنا وهو تحديد سن الزواج دون استثناء. من بعدها سنقوم بإعداد لائحة سنعرضها لاحقاً أمام الرأي العام تتضمن أسماء النواب الذين أعلنوا صراحة دعمهم للقضية أو قاموا برفضها”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني