لقاء مع رئيسة بلدية تونس سعاد عبد الرحيم: أؤيد رفع سقف الحريات في تونس وانتخابي شاهد على نجاح المسار الانتقالي


2018-09-19    |   

لقاء مع رئيسة بلدية تونس سعاد عبد الرحيم: أؤيد رفع سقف الحريات في تونس وانتخابي شاهد على نجاح المسار الانتقالي

منذ إلتحاقها بكلية الصيدلة بمدينة المنستير عام 1984، انتسبت سعاد عبد الرحيم إلى الإتحاد العام التونسي للطلبة المقرب من الإسلاميين (النهضة). وقد استهلت عملها السياسي مع توليها منصب نائبة عن حزب النهضة ورئيسة لجنة حقوق الإنسان والحريات والعلاقات الخارجية في المجلس الوطني التأسيسي بين 2011 و2014. في 2017، التحقت عبد الرحيم بالمكتب السياسي لحزب النهضة، ليتم إختيارها فيما بعد كمرشحة عن الحزب في الإستحقاقات البلدية في 6 مايو 2018.

بمظهرها الأنيق وتسريحتها المنسّقة، إستقبلت سعاد عبد الرحيم المفكرة القانونية يوم 14 سبتمبر 2018 في مكتبها الرئيسي في بلدية تونس في القصبة، في جلسة أقرب ما تكون إلى العفوية منها إلى الرسمية، حيث فضّلت عبدالرحيم أن يتم اللقاء على طاولة الإجتماعات بدلاً من مكتبها. حدثتنا عبد الرحيم مع إبتسامة تعكس الكثير من الثقة والحنكة كيف استطاعت إحراج الحزب الخصم “الحداثي” نداء تونس، الذي عارض ترشحها للمنصب كونها إمرأة، بفوزها رئاسة البلدية. كما عبرت عن رأيها بكل تلقائية وأريحية في مواضيع شائكة مثل المساواة في الإرث ومسألة زواج المسلمة بغير مسلم.

لا يمكن إنكار الإستثناء الذي استطاعت سعاد عبد الرحيم تحقيقه ليس فقط لكونها أول إمرأة تتولى منصب “شيخة”[1] بلدية تونس، بل أول إمرأة يتم إنتخابها بطريقة ديمقراطية ومباشرة، لتتمكن بعدها من ترؤس أكبر بلدية في الجمهورية التونسية. كسرت “عبدالرحيم” بموقعها الحالي الحواجز الوهمية التى لطالما حالت دون وصول إمرأة لمناصب قيادية هامة.

المفكرة القانونية: لماذا اخترت الترشح للإنتخابات البلدية على لوائح حركة النهضة؟

سعاد عبدالرحيم: في الواقع، أنا لم أختر البلدية، البلدية هي التى إختارتني. فقد تم ترشيحي من قبل كتاب عامين تابعين لحركة النهضة لأخوض الإنتخابات البلدية كمرشحة لبلدية تونس. في الحقيقة، كنت أطمح للترشح للإنتخابات النيابية القادمة في 2019. كنت أريد استثمار تجربتي في المجلس الوطني التأسيسي في مجلس نواب الشعب التونسي. حيث لم أكن مجرد عضو في المجلس بل كنت أيضاً رئيسة لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية. ولكن اليوم أنا على رأس بلدية تونس وهذا يلبي طموحاتي بالقدر نفسه.

المفكرة: ما هي الصعوبات التى واجهتها “عبد الرحيم” خلال حملتها الإنتخابية كونها إمرأة وفاعلة سياسية؟

عبد الرحيم: عموماً، تواجه المرأة نفس الصعوبات التى يواجهها الرجل. لكن ما يجعل الأمر أصعب على المرأة هي النظرة الدونية التى توجه لها عادة والتقزيم من شأنها وقدراتها. أذكر أن العديد من النساء المرشحات لاحقتهم موجة من السخرية فيما يخص الشكل أو اللباس، مع ما يستتبع ذلك من ضغط وإحراج. وقد شهدنا تبعا لذلك نساء ينسحبن من الإنتخابات بسبب حالات مشابهة. بالتالي ورغم إيمان المرأة بقدراتها الشخصية، يبقى الضغط الموجه لها أثناء خوضها المعارك السياسية كبيراً بشكل غير محتمل أحياناً.

المفكرة: ما هي الصعوبات التى تواجهينها اليوم كونك “شيخة” بلدية تونس؟

عبدالرحيم: حقيقةً، كل الصعوبات التى أواجهها اليوم هي متعلقة بمركزي الإداري كوني شيخة بلدية تونس وليس كوني إمرأة تحتل هذا المنصب. بعد مرحلة التنافس الإنتخابي الذي عشته قبل 6 مايو 2018، أشهد اليوم تثمينا كبيرا لدوري ومركزي محلياً. كما أني أعيش حالة من الإحتفاء الدولي. اليوم تم إختياري من قبل مؤسسة “عمدة المدينة الخيرية” في لندن، وأنا المرشحة الوحيدة عن القارة الإفريقية، ضمن قائمة أفضل رئيس بلدية في العالم لعام 2018، لأتنافس مع 26 رئيسة بلدية من مختلف أنحاء العالم. فنجاحي شاهد على نجاح مسار الإنتقال الديمقراطي وفي الآن نفسه على تغير العقليات الإجتماعية في تونس.

المشاكل الموجودة هي إدارية، وأذكر منها وضعية البلدية والدوائر البلدية الهشة، ومن أبرزها ضعف الإمكانيات المادية والبنية التحتية المهترئة والضغط السكاني الرهيب. كما أنه في الوقت الحالي هناك إرتفاع بكتلة الأجور وليس من الممكن فتح إمكانية إنتداب في سلك البلديات، لذلك علينا العمل على هذه الإستراتيجية بعنصر بشري شبه غائب.

المفكرة: التناصف بين الرجال والنساء في القوانين الإنتخابية لم ينتج تناصفا فعليا في المناصب كما أظهرت نتائج الإنتخابات البلدية. ما تعليقك ومقاربتك وإقتراحاتك لتطوير ثقافة التناصف في تونس؟

عبدالرحيم: أعتبر أن تونس إتخذت خطوة جدية نحو التناصف الحقيقي إجتماعياً وليس فقط قانونياً. تم إنتقادي من قبل النخب السياسسية ولكن التونسي صوت لي. اليوم هناك حوالي 19.5% من البلديات ترأسها نساء بسبب تصويت الشعب التونسي. هناك درس يجب على النخب السياسية تعلمه من قبل الناخب التونسي بخصوص ضرورة إعطاء المرأة فرصتها في ممارسة حقها وواجبها في الشأن العام. كما أن التوازنات السياسية تحول دون إعطاء المرأة حقها في التناصف الحقيقي والفعلي.

المفكرة: صدر عنك العديد من المواقف المحافظة[2] فيما يخص الحقوق والحريات خلال نشاطك السياسي في المجلس الوطني التأسيسي. ما موقفك اليوم من الجدل القائم حول تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة[3]؟

عبدالرحيم: أنا مع الإختيار التشريعي[4]، وقلت ذلك صراحة في العديد من المقابلات. أنا مع نظام المواريث الذي يعطي الحق للمواطن الإختيار بين نظام المواريث المدني الذي يدعو للمساواة الكلي بين الجنسين وبين نظام المواريث الإسلامي الذي ينص على أن “للذكر مثل حظ الأنثيين”. الإختيار التشريعي هو ضمان  فعلي لرفع سقف الحريات وتنزيل فصول الدستور. كما هو ضمان أيضاً لمن يريد أن يطبق الشريعة في حياته. أعضاء حركة النهضة في المجلس التأسيسي أقروا صراحة في دستور 2014 حرية الضمير المعتقد والمساواة. الإختيار التشريعي يسمح لنا أن نتصالح مع هويتنا العربية الإسلامية وفي نفس الوقت يسهل لنا رفع سقف الحريات في تونس.

المفكرة: كان هناك جدل حول ترؤسكم بلدية تونس. حيث إنتقد البعض، منهم المكلف بالإتصال في نداء تونس فؤاد بوسلامة[5]، ترؤس إمرأة لهذا المنصب. حيث إقتضت العادات منذ 1858 بأن يحضر شيخ تونس لكل المناسبات، الدينية خصوصا، مثل ختم القرآن أو صلاة العيدين، إلخ. فما تصوركم وموقفكم من هذا الأمر؟

عبدالرحيم: في الواقع، كل ما تم ذكره من أمثله هو مجرد إلتزام بروتوكولي وعرفي لا أساس قانوني له. فأنا مع الإلتزام بالعرف كما هو. فعندما يقر العرف أن على المرأة أن تلتزم بالحجاب عند دخولها المسجد، فعليها بذلك. كما أن هناك حواجز بين المرأة والرجل في الصلاة يجب إحترامها. أنا حضرت في ليلة 27 رمضان في جامع الزيتونة وكنت بين صفوف النساء داخل قاعة الصلاة. أنا لست موجودة في موقعي هذا لخرق أو تغيير البروتوكولات أو الحواجز التقليدية العادية المتعارف عليها. لا شيء يمنع المرأة من التواجد بالجامع مع إحترام الطقوس الدينية. بل وجودها يساعدها على كسر الحواجز النفسية الرافضة لتواجد المرأة في المسجد. ولكن يبقى ذلك ضمن إطار إحترام الأعراف.

المفكرة: هناك مواقف متفاوتة حول السماح لزواج المسملة بغير مسلم من قبل العديد من البلديات. نذكر منها موقف رئيس بلدية الكرم السيد فتحي العيوني[6]، ما تعليقكم على ذلك؟

عبدالرحيم: تحدثت مع رئيس بلدية الكرم السيد فتحي العيوني بشأن منع إبرام عقد زواج يجمع تونسية بغير مسلم. قال بأن المنع ليس قائما على حجج إديولوجية بل المنع هو بالأساس قانوني، على إعتبار أن منشور عام 1973 القاضي بمنع زواج المسملة بغير مسلم تم سحبه ولكن لم يتم تنقيح فصل 5 من مجلة الأحوال الشخصية الذي ينص على أن يكون “كل من الزوجين خلوا من الموانع الشرعية”. في الواقع، كان ردّي هو وجوب رفع سقف الحريات. فإذا إختارت تونسية أن تتزوج بغير مسلم فهذا شأنها وإرادتها وكل إنسان عليه تحمل مسؤولية أعماله. بالنسبة لبلدية تونس، لم يتم تسجيل أي حالة رفض.

المفكرة: ما هي الرسالة التى تتبناها “عبدالرحيم” اليوم؟ وماذا يمكن للنهضة أن تضيف على هذه الرسالة أو تساعد في تطبيقها وتنزيلها على أرض الواقع؟

عبدالرحيم: رسالتي الأساسية للمرأة التونسية والعربية عموماً هي إيمان المرأة بقدراتها وأن لا تتنازل عن حقها. تعالت الأصوات المعارضة  والرافضة بأن أكون بمنصب رئاسة البلدية، وكأن رئيس البلدية هو إمام صلاة، غافلين عن كون منصبي هو منصب مدني إداري بالمقام الأول، والهدف الأساسي منه تقديم خدمات لسكان العاصمة. تعالت أيضاً أصوات “جهوية” لتأجيج الفتن، رافضة لكوني مولودة في صفاقس تولي رئاسة بلدية تونس، غافلين عن أني كبرت وتعلمت في المدارس التونسية. وفي تاريخ البلدية كان هناك رؤساء من جهة القيروان ومن الشمال. مع كل الجدل القائم وقتها حول تولي إمرأة منصب رئاسة بلدية تونس، كان هناك مقترح التنازل عن هذا المنصب من قبلي، وكأنه من الأسهل أن تتنازل المرأة من أن يتنازل الرجل. علماُ، أنه كان هناك إتفاق سابق مع نداء تونس من قبل النهضة بأن من يفوز في الإنتخابات هو الذي يتولى رئاسة البلدية. ولكن مع ظهور نتائج الإنتخابات البلدية تصاعدت الأصوات الرافضة لي. ولكني تمسكت بحقي الشرعي والقانوني، على إعتبار أنني فائزة بالإنتخابات وعلى أساس أنه كان هناك إتفاق مع نداء تونس مسبقا.

أما بالنسبة لحركة النهضة، فأقول أن حركة النهضة هي التى آمنت بقدراتي، وبالتالي ساندتني ودعمتني في الإنتخابات البلدية الفارطة وقامت هي بالحلمة الإنتخابية.

في 2011، وجهت حركة النهضة من خلال حضوري كعضو في المجلس الوطني التأسيسي رسالة إلى المرأة التونسية التى كانت تتوجس من الحركات الإسلامية، وكأن هذه الحركات هي بالضرورة معادية لحرية المرأة وحقوقها. أنا شخصياً كان لدي هذا الهاجس. لذلك حاولت من خلال تواجدي ودوري كسر هذا الهاجس وتخفيف المشاحنة والخوف من النهضة والتأكيد بأن الحركة لا ولن تتدخل بالشكل والمضمون الذي يخص المرأة. قبلت بذلك على أساس برنامج واضح من قبل الحركة.

المفكرة: كيف ترين دورك من موقعك هذا بالدّفع نحو مزيد من الحقوق والحريات للنساء داخل مدينة تونس؟

عبدالرحيم: أعمل اليوم على إثبات تواجد المرأة وعلى التناصف وعلى تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة داخل بلدية تونس. قدمنا إشارات إيجابية في هذا الخصوص.  هناك 15 لجنة في المجلس البلدي.  12 من أصل 15 ترأسهن إمرأة. نعمل على أن يكون للمرأة دور فاعل وفعّال في الشأن العام. هذا ما نطمح إليه وسيكون لنا ذلك.

  • للإطلاع على النص مترجما الى اللغة الإنكليزية يمكنك/ي الضغط هنا

 


[1] جرت العادة تلقيب رئيس بلدية تونس “بالشيخ”

[2]   نذكر من هذه المواقف المحافظة إنتقادها في 2011 في تصريح لها لإذاعة مونت كارلو الدولية المدافعين عن الأمهات العازبات، معتبرة أن “الأمهات العازبات عار على المجتمع التونسي ولا يجب منحهن إطارا قانونيا يحمي حقوقهن”.

[3] د. وحيد الفرشيشي، “تونس” وضعت تقريرا مميزا حول الحريات الفردية والمساواة: أي حريّات للجمهورية الثانية في ظل “التوجّهات المعاصرة لحقوق الإنسان”؟، موقع المفكرة القانونية، 2018-06-12

[4]  صرّح مجلس شورى حركة النهضة بمعارضته الكاملة لمبدأ المساواة في الإرث، حيث نقرأ في بيان المجلس الصادر في 26 أوت 2018 أن “مبادرة المساواة في الإرث فضلا عن تعارضها مع قطعيات الدين ونصوص الدستور ومجلة الأحوال الشخصية فهي تثير جملة من المخاوف على استقرار الأسرة التونسية ونمط المجتمع”. ولكن مجلس النهصة التنفيذي، وهو المؤسسة المسؤولة عن تنزيل قرارات مجلس الشورى لأرض الواقع، تحفظ في بيانه الصادر في 6 سبتمبر 2018 ولم يأت على ذكر لا قرار مجلس الشورى ولا مسألة المساواة في الإرث وإكتفى بالتأكيد على مبدأ التوافق الذي ما إنفك يجمع الأطراف الحاكمة في تونس منذ 2013. نقرأ في البيان “تأكيد المكتب التنفيذي لحركة النهضة حاجة البلاد لاستمرار الحوار  وتفعيل سياسة التوافق بين مختلف الأطراف السياسيّة والاجتماعيّة بما يعطي الفرصة لبناء أرضية مشتركة تساعد على تجاوز الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد واعادة الانسجام الضروري بين مؤسسات الدولة، وإنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي.” وبذلك تعود حركة النهضة لتتجنب أخذ موقف واضح من مسألة شائكة كما المساواة في الإرث. ولكن وكما أكد العديد من أعضاء حركة النهضة للمفكرة القانونية أثناء حوارات معمقة أنهم غير راضيين تماما عن تصريح مجلس الشورى، مؤكدين إمكانية تبني الحركة موقفاً مشابها للإختيار التشريعي الذي صرحت به السيدة سعاد عبدالرحيم خلال هذا اللقاء عند عرض قانون المساواة الإختياري في الإرث على مجلس نواب الشعب.

[6] المفكرة تندد بأوامر رئيس بلدية الكرم بمنع زواج التونسيات من غير المسلمين: اعتداء فاضح على القانون والمؤسسات واستعمال للسلطة في خطاب سياسي شعبوي، موقع المفكرة القانونية، 2018-08-17

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني